عايش أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي توفي الثلاثاء عن 91 سنة، أخطر أزمات بلاده والمنطقة، وخط مسيرة سياسية حافلة بالأحداث التاريخية والوساطات جعلته «عميد الدبلوماسية» و»حكيم العرب».
وحتى قبل تسلّمه مقاليد الحكم، قضى الشيخ صباح عقودا في أروقة الدبلوماسية والسياسة في عهدي أخيه غير الشقيق الأمير الراحل الشيخ جابر الصباح وابن عمه الأمير الراحل الشيخ سعد الصباح.
وصل الأمير صباح إلى سدة الحكم في بداية عام 2006 بعدما صوّت البرلمان المنتخب لصالح إعفاء الشيخ سعد من مهامه بعد أيام فقط من تعيينه أميرا للبلاد بسبب مخاوف على وضعه الصحي، وتسليم السلطة للحكومة برئاسة الشيخ صباح الذي اختير أميرا في ما بعد.
تولى الشيخ صباح وزارة الخارجية الكويتية لسنوات طويلة، وقد عرف خلال فترة عمله في الوزارة بكونه وسيطا موثوقا من قبل الدول الاقليمية والمجتمع الدولي.
ولد الأمير الراحل في السادس عشر من حزيران/يونيو 1929، وهو نجل حفيد الشيخ مبارك الصباح، مؤسس الكويت الحديثة والذي عرف بسياساته المتشددة منذ أن أمر بالتخلص من أخويه لترسيخ الحكم في يد أمير واحد.
والشيخ صباح، الأمير الـ15 للكويت التي تحكمها اسرته منذ 250 سنة، ساعد بلاده على تخطي تبعات غزو العراق، وانهيار الأسواق العالمية، والأزمات المتلاحقة داخل مجلس الأمة الكويتي والحكومة وبين أبناء بلاده.
بقية وعلى الرغم من تقدمه بالسن، ظل الأمير منخرطا إلى حد كبير بالأعمال اليومية وبالسياسة الاقليمية والدولية، وقد حضر في نهاية أيار/مايو 2019 ثلاث قمم خليجية وعربية اسلامية في مكة استمرت أعمال كل منها حتى ساعات الصباح.
ودعا خلال هذه القمم إلى نزع فتيل الازمات الاقليمية، وخفض التصعيد في الخليج بينما كانت التوترات تزداد بين إيران والولايات المتحدة وتوحي بحرب قريبة، داعيا إلى أن «نعمل بكل ما نملك ونسعى إلى احتواء ذلك التصعيد».
وفي الأشهر الأخيرة من حياته، قاد الأمير جهود بلاده لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وكانت الكويت من أولى دول الخليج التي اتخذت إجراءات اغلاق صارمة لمنع انتشار الوباء الذي أصاب أكثر من مئة ألف من سكان البلاد وتسبب بأكثر من 600 حالة وفاة.
- يد من حديد -
اتّبع الشيخ صباح سياسة مستقلة، ما ساعد على تحصين سمعته الاقليمية وصقلها، رغم الأزمات في بلاده.
تولى أول منصب حكومي له في 1962، وكان عمره 33 عاما، قبل أن يصبح وزيرا للخارجية في العام اللاحق، في منصب حمله لأربعة عقود، قبل أن يخرج من الحكم لبضعة أشهر ويعود وزيرا للخارجية.
ففي نيسان/ابريل 1990، جرى تأليف حكومة جديدة لم يكن عضوا فيها، بعدما شعر بعض الكويتيين أن دوره خلال غزو العراق كان يمكن أن يكون أكثر قوة، لكنه عاد للحكومة اللاحقة التي ولدت في تشرين الأول/اكتوبر 1992.
ولم يمنع هذا الأمر من الحد من طموحات الوزير الذي أصبح رئيسا للوزراء في 2003، ما قرّبه خطوة إضافية من سدة الحكم.
وما ان تسلّم منصب الأمير، حتى شرع في ترسيخ نفوذه في الداخل، فقام بحل البرلمان بعد أربعة أشهر من توليه دوره الجديد إثر خلاف بين المشرّعين والحكومة.
وخرجت تظاهرات في العام الاول لحكمه، سرعان ما جنحت نحو العنف، فجرى قمعها بسرعة. كما أن عهده شهد عددا كبيرا من التوقيفات السياسية، خصوصا المعارضين الذين ادينوا بانتقاد الأمير.
وحُل البرلمان، الذي غالبا ما شهد مناوشات بين أعضائه وخصوصا بعدما سيطر عليه الاسلاميون في مناسبتين، سبع مرات بأوامر من المحكمة أو من قبل الشيخ صباح، آخرها في تشرين الاول/اكتوبر 2016.
وشهدت الكويت في العام التالي محاكمة جماعية لـ67 شخصا بينهم نشطاء وثلاثة أعضاء في البرلمان، وقد حكم عليه بالسجن على خلفية اقتحام البرلمان قبل ست سنوات.
- «عميد الدبلوماسية» -
ينظر إلى الأمير الراحل على أنّه مهندس السياسة الخارجية الحديثة لدولة الكويت الغنية بالنفط.
فخلال عمله على رأس وزارة الخارجية لأربعة عقود، نسج علاقات وطيدة مع الغرب، وخصوصا مع الولايات المتحدة التي قادت الحملة العسكرية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي في 1991.
وبرز في وقت لاحق كوسيط بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، وبين السعودية وقطر في أعقاب الازمة التي تسببت بقطع العلاقات بين البلدين في حزيران/يونيو 2017.
ولُقّب الأمير الراحل في الاعلام بـ»عميد الدبلوماسية» و»حكيم العرب».
خلال سنوات حكمه الأولى، عاشت الكويت استقرار ماليا كبيرا مع تجاوز ثروة الصندوق السياسي 600 مليار دولار، للمرة الاولى، بفضل أسعار النفط.
لكن انهيار الأسعار في 2014 تسبّب بعجز في الموازنات الكويتية، ما دفع الحكومة إلى رفع أسعار الوقود وتكلفة الخدمات.
وفي أيلول/سبتمبر 2019، أجرى الامير فحوصا طبية في الولايات المتحدة ما تسبّب بإلغاء لقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وللشيخ صباح، الذي كان يهوى الصيد وتمضية الإجازات في منغوليا، ثلاثة أبناء، لا يزال اثنان منهما على قيد الحياة، أحدهما رجل أعمال والآخر وزير دفاع سابق.
ولعل أبرز أدوار الشيخ نواف في السلطة تمثّل في أنه كان وزيرا للدفاع وقت غزو القوات العراقية بقيادة صدام حسين لبلاده في العام 1990، قبل أن يتولى وزارة الداخلية ومنصب نائب رئيس الوزراء لمكافحة الارهاب. ولد الشيخ نواف في العام 1937، وهو خامس أبناء الشيخ أحمد الجابر الصباح، الحاكم الراحل الذي قاد الكويت بين عامي 1921 و1950. تابع دراسته الثانوية في الكويت، إلا أنّه لم يكمل دراساته العليا. وقد بدأ مسيرته المهنية قبل نحو نصف قرن حين عيّن حاكما لمحافظة حولي.
وفي 1988، تولى وزارة الدفاع، وقادها خلال أشهر الغزو العراقي السبعة والتي انتهت بتدخل الولايات المتحدة على رأس تحالف عسكري في حرب الخليج الاولى عام 1991. وعيّن بعد تحرير الكويت في منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، قبل أن يتولى رئاسة الحرس الوطني في العام 1994. عاد الشيخ نواف للحكومة وزيرا للداخلية سنة 2003، وسمي في العام ذاته نائبا لرئيس الوزراء، إلى ان أصبح وليا للعهد بعد ثلاث سنوات. وقام الشيخ نواف بقيادة الأجهزة الامنية خلال توليه وزارة الداخلية بين 2003 و2006، في عملية ملاحقة المقاتلين المتطرفين ما تسبّب باندلاع مواجهات دامية مع الشرطة في كانون الثاني/يناير 2005، قتل فيها شرطيان وثمانية مقاتلين متطرفين ومدنيان. يتسلم الشيخ نواف سدة الحكم في مرحلة حساسة تشوبها التوترات الاقليمية بين السعودية وإيران، وفي خضم أزمة دبلوماسية مع قطر التي قطعت السعودية والإمارات والبحرين العلاقات معها في 2017. ومن المتوقع أن يواصل الشيخ نواف سياسة سلفه القائمة على الوساطة بين الأفرقاء المتنازعين، إذ إن الكويت تجنّبت الانخراط في النزاعات الاقليمية وبقيت تدعو لحلها سلميا.
وتوسّطت الكويت بين قطر والسعودية، لكنها فشلت في إنهاء الازمة الدبلوماسية بين البلدين. كما بقيت تستقبل مسؤولين إيرانيين رغم العداوة بين الرياض وطهران.