معكم – عدنان نعمة سلمان
منذ أن تقاسمنا رغيف خبز الحصة الأسمر ولم نكن نملك غير (صوبة علاء الدين) لتخبز أم البيت على نارها الممزوجة بألسنة الدخان العالية خبزا تفوح منه رائحة الفقر .. ومنذ كان الباذنجان سيد المائدة العراقية بامتياز .. ومنذ أن سرقت الحروب المتواصلة أيام الصبا والشباب منا واستلبت أحلامنا وجمدت إراداتنا .. ومنذ أن كان دوي القصف و أزيز الطائرات وأصوات انهيار الدور والمساجد والمعابد والجامعات والمآذن يصم آذان إخوتنا الصغار أو أطفالنا أو نساؤنا ويملأ دواخلهم وقلوبهم وصدورهم رعبا وخوفا وارتجافا .. منذ أن كانت ساعات الليل الطويلة المظلمة المليئة بالرعب والخوف ورائحة الدم والموت تلف مدننا وقرانا في حرب مضت وأخرى ولدت وثالثة كانت فيها بساطيل المحتل تسحق رؤوس الفقراء وتذلهم وتستبيح كل شيء في ارض الأنبياء والأوصياء والعلماء والصالحين .. ومنذ أن فرضت علينا عراقيتنا أن نتمسك بالأرض ولا نتركها لأنها الشرف والعزة والكرامة بانتظار يوم آت تتبدل فيه كل هذه الأشياء البوهيمية الظلامية المقيتة.. منذ هذا وذاك .. كنا وما زلنا .. هنا .. نعبّر عن هويتنا العراقية بما تبقى لنا من قوة نشد فيها عزم بعضنا البعض لنصمد ونقوى ونتمسك أكثر بهويتنا ، مؤمنين بان كل سيّء إلى زوال وكل ما هو خير وحق باق بقاء الأرض والزمن والشعب والإرادة ..
تحملنا البؤس والخوف والموت والشقاء والجوع ، وتقاسمنا حتى الأحلام في أن نعيش بالحد الأدنى من مستلزمات الحياة الكريمة الحرة ، الحرة بالكلمة وبالتعبير وبالإرادة وبالرأي وبالموقف وبالصوت الذي يستطيع أن يعبر كل المساحات الجرداء التي يتمتع بها ( والحمد لله ) قادة وزعماء ومسؤولون ، ليصل قويا إلى مسامعهم ، عسى أن يصح هؤلاء من سباتهم من فوق براميل النفط وخزائن الدولة والسحت الحرام الذي باتوا يحللونه لأنفسهم بألف وسيلة ووسيلة على حساب الشعب ، فالجائع فيه مريض وخائف ومرتجف ، والغني فيه لا يجد فسحة أمل في أمن وأمان واحترام للكرامة والعمل والمكانة وحب الأرض والوطن ، حالهم حال العالم والمفكر والأديب والطبيب والمثقف في بلد هاجرت أسراب عقولهم وإبداعاتهم صوب اللاإنتماء ليشعروا هناك فقط بإنسانيتهم وبحياتهم التي أكلتها هذه العواصف المحملة بالجراد والطاعون والسم وهي تهب على عراق الخير والكرامة من كل حدب وصوب ….
فهل يمكن بعد كل هذا وذاك أن لا نكون معكم وقد تقاسمنا كل هذه الهموم ، معكم في تظاهرات اعتراضكم على البؤس من اجل الخير ، وعلى الظلم من اجل العدل ، وعلى المرض من اجل الشفاء ، وعلى أكلة السحت الحرام من اجل اللقمة الحلال ، وعلى التعذيب والقتل والمداهمات من اجل حقوق الإنسان ، وعلى من لا يستحق لأجل من يستحق ، وعلى التهميش لملايين الناس لأجل إنصافهم ، وعلى الأفواه الشبعانة من بعد جوع فـــــطري لأجل أفواه جاعت بعد خير …!!!؟
نعم .. معكم في مطالباتكم السلمية الدستورية المشروعة .. معكم في لافتات غضبكم ضد الفساد والإهمال والتنكيل والتعذيب والسجن والاعتقال .. معكم ضد مصادرة الحريات والإرادات والأفكار والمواقف الوطنية ، معكم ضد انعدام الخدمات وفرص العمل وانعدام الأمن .. معكم ضد المحاصصة والمناطقية والتشظي والتقسيم وسياسات الإضعاف المتعمد .. معكم في منع التدخل في شؤون بيتنا الداخلية وفي استقلالية قرارنا الوطني .. معكم في كل شيء إلا في الفوضى والعنف والتعدي على الممتلكات الخاصة والعامة لأنها ستأكل من جرفكم ومن حقوقكم ومن مشروعية مطالبكم .. معكم من اجل خير الوطن والشعب .. والله يعز المظلومين والمحرومين وأصحاب الحق وينصرهم.