مدرسة مجانية لتعليم المهن السينمائية لتصدير أفلام نوليوود 

لاغوس‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬تعطي‭ ‬المخرجة‭ ‬المتدربة‭ ‬إستر‭ ‬أباه،‭ ‬وهي‭ ‬تعتمر‭ ‬قبعة‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬المخرج‭ ‬الشهير‭ ‬ستيفن‭ ‬سبيلبرغ،‭ ‬تعليماتها‭ ‬النهائية‭ ‬للممثلة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بإدارتها،‭ ‬ثم‭ ‬تعود‭ ‬لتراقب‭ ‬شاشة‭ ‬التصوير،‭ ‬فيما‭ ‬يتأهب‭ ‬الفريق‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬30‭ ‬طالباً‭ ‬للبدء‭ ‬بالتسجيل‭ ‬في‭ ‬استوديوهات‭ “‬إيبوني‭ ‬لايف‭ ‬كرييتيف‭”‬،‭ ‬وهي‭ ‬مدرسة‭ ‬جديدة‭ ‬كلياً‭ ‬للسينما‭ ‬في‭ ‬لاغوس‭. ‬ويعمل‭ ‬الفريق‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬مخملي‭ ‬لغرفة‭ ‬الاعتراف‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الكنائس‭ ‬على‭ ‬تصوير‭ ‬فيلم‭ ‬بعنوان‭ “‬سامحني‭ ‬يا‭ ‬أبتِ‭”. ‬وبعبارة‭ “‬واحد،‭ ‬اثنان،‭ ‬ثلاثة،‭ ‬أكشن‭”‬،‭ ‬تطلق‭ ‬المخرجة‭ ‬الشابة‭ ‬المشهد،‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬مهندس‭ ‬الصوت‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بتعليمات‭ ‬من‭ ‬أستاذة‭ ‬يعدّل‭ ‬موقع‭ ‬عصا‭ ‬الميكروفون‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭.‬‮ ‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬رصيد‭ ‬إستر‭ ‬أباه‭ ‬البالغة‭ ‬الثلاثين‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬القصيرة‭ ‬والأغنيات‭ ‬المصوّرة‭ ‬التي‭ ‬تولت‭ ‬إخراجها‭ ‬في‭ ‬نيجيريا،‭ ‬قالت‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬إنها‭ ‬بانضمامها‭ ‬إلى‭ ‬الأكاديمية‭ “‬ارادت‭ ‬ان‭ ‬تتعلم‭ ‬كيفية‭ ‬صنع‭ ‬افلام‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬مختلف‭”.‬

وتسعى‭ ‬هذه‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الكائنة‭ ‬في‭ ‬لاغوس،‭ ‬العاصمة‭ ‬الثقافية‭ ‬النابضة‭ ‬لنيجيريا‭ ‬وكل‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬إلى‭ ‬تدريب‭ ‬الشباب‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬نوليوود،‭ ‬وهي‭ ‬الصناعة‭ ‬السينمائية‭ ‬النيجيرية‭ ‬القوية‭ ‬جداً،‭ ‬بهدف‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬أفلام‭ ‬قابلة‭ ‬للتصدير‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية‭.‬

واللافت‭ ‬أن‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬التدريبي‭ ‬متاحة‭ ‬مجاناً‭ ‬للراغبين،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬نادر‭ ‬في‭ ‬نيجيريا،‭ ‬وهو‭ ‬ممول‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬سلطات‭ ‬ولاية‭ ‬لاغوس‭ ‬التي‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬شبابها‭ ‬الموهوبين‭ ‬والطموحين‭ ‬هم‭ ‬ثروة‭ ‬حقيقية،‭ ‬ومصدر‭ ‬لتوفير‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تنظيم‭ ‬القطاع‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭.‬

وقالت‭ ‬مديرة‭ ‬المدرسة‭ ‬ثيرت‭ ‬كورستين‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ “‬نريد‭ ‬لطلابنا‭ ‬أن‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬سرد‭ ‬القصص‭ ‬النيجيرية‭ ‬لجمهور‭ ‬دولي‭ ‬بصيغة‭ ‬تجعلها‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭”.‬

وتضم‭ ‬الأكاديمية‭ ‬كل‭ ‬المهن‭ ‬السينمائية،‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬وتمثيل‭ ‬وإنتاج‭ ‬وسيناريو‭ ‬وصوت‭ ‬وإدارة‭ ‬فنية،‭ ‬وجميع‭ ‬المعلمين‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬النيجيريين‭ ‬أو‭ ‬الجنوب‭ ‬إفريقيين‭ ‬أو‭ ‬الكينيين‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرة‭ ‬الدولية‭.‬

حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غزو‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬هدفاً‭ ‬تسعى‭ ‬إليه‭ ‬بنشاط‭ ‬‮ ‬نوليوود‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2500‭ ‬‮ ‬فيلم‭ ‬سنوياً،‭ ‬وتستند‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬215‭ ‬مليوناً‭ ‬ولها‭ ‬تأثير‭ ‬ثقافي‭ ‬كبير‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬القارة‭. ‬فمنذ‭ ‬ظهور‭ ‬نوليوود‭ ‬في‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كان‭ ‬معظم‭ ‬المخرجين‭ ‬النيجيريين‭ ‬ينجزون‭ ‬أفلامهم‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬الف‭ ‬دولار‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ “‬ممولة‭ ‬في‭ ‬نيجيريا،‭ ‬وتتوجه‭ ‬إلى‭ ‬جمهور‭ ‬نيجيري‭” ‬،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لاحظ‭ ‬عالِم‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬المتخصص‭ ‬بنوليوود‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ “‬سيانس‭ ‬بو‭” ‬للعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بوردو‭ ‬الفرنسية‭ ‬أليساندرو‭ ‬جيدلوفسكي‭.‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬أدت‭ ‬القرصنة‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬قوضت‭ ‬‮ ‬النموذج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للصناعة‭ ‬السينمائية،‭ ‬إلى‭ ‬انتقال‭ ‬بعض‭ ‬الموزعين‭ ‬تدريجياً‭ ‬نحو‭ “‬سوق‭ ‬أكثر‭ ‬رسمية‭”. ‬وتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬ودور‭ ‬السينما‭ ‬الجديدة‭… ‬وخصوصاً‭ ‬البث‭ ‬التدفقي‭ ‬لقاء‭ ‬بدل‭ ‬مادي‭.‬

وأشار‭ ‬جيدلوفسكي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬سعوا‭ ‬إلى‭ ‬استهداف‭ ‬النخبة‭ ‬النيجيرية‭ ‬والشتات‭ ‬الأفريقي‭ ‬الأكثر‭ ‬ثراءً‭. ‬وما‭ ‬لبثت‭ ‬الموازنات‭ ‬أن‭ ‬زادت‭ ‬وتغيّر‭ ‬نوع‭ ‬الأفلام،‭ ‬وبرزت‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬الأفلام‭ ‬الكوميدية‭ ‬الرومانسية‭ ‬التي‭ ‬تصور‭ ‬أوساط‭ ‬الشباب‭ ‬الأثرياء‭ ‬في‭ ‬لاغوس‭.‬

وأدى‭ ‬ظهور‭ ‬منصات‭ ‬البث‭ ‬التدفقي‭ ‬العالمية‭ ‬الرئيسية‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬أمازون‭ ‬ونتفليكس‭ ‬إلى‭ ‬انفتاح‭ ‬نوليوود‭ ‬على‭ ‬جمهور‭ ‬عالمي‭ ‬أوسع‭ ‬بكثير‭.‬

وقال‭ ‬الاستاذ‭ ‬في‭ “‬إيبوني‭ ‬لايف‭ ‬كرييتيف‭” ‬المخرج‭ ‬النيجيري‭ ‬دانيال‭ ‬أورياهي‭ ‬إن‭ “‬أفلاماً‭ ‬من‭ ‬أميركا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وآسيا‭ ‬ودول‭ ‬غير‭ ‬معروفة‭ ‬تقريباً‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬تحقق‭ ‬نجاحاً‭ ‬لدى‭ ‬عرضها‭ ‬عبر‭ ‬المنصات،‭ ‬لذلك‭ ‬تبين‭ ‬لكثر‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬النيجيريين‭ ‬أن‭ ‬أفلامهم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُشاهَد‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬عالمي‭”.‬

لكنه‭ ‬شدد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ “‬يتطلب‭ ‬تطابق‭ ‬الأفلام‭ ‬مع‭ ‬معايير‭ ‬مختلفة،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬السرد‭ ‬أو‭ ‬التقنية‭”.‬

‭- ‬سمعة‭ ‬سيئة‭ -‬‮ ‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬تشجع‭ ‬الأكاديمية‭ ‬كتاب‭ ‬السيناريو‭ ‬والمخرجين‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬أنواع‭ ‬أخرى،‭ ‬كالدراما‭ ‬أو‭ ‬الأفلام‭ ‬البوليسية‭ ‬مثلاً‭.‬‮ ‬

أما‭ ‬الممثلون‭ ‬فيجري‭ ‬تدريبهم‭ ‬على‭ ‬التمثيل‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭ ‬لمحو‭ ‬سمعتهم‭ – ‬السيئة‭ – ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السينما،‭ ‬إذ‭ ‬يُتهمون‭ ‬بالافتقار‭ ‬إلى‭ ‬الواقعية‭ ‬أو‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬دورهم‭.‬

وقال‭ ‬أورياهي‭ “‬نحن‭ ‬نتحدث‭ ‬بصوت‭ ‬عالٍ،‭ ‬ونتحمس،‭ ‬ونعظّم‭ ‬الأمور‭ ‬كلها‭ ‬وهذا‭ ‬ينعكس‭ ‬في‭ ‬أفلامنا‭. ‬ولكن‭ ‬يمكنك‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬التمثيل،‭ ‬بحيث‭ ‬يجد‭ ‬المشاهد‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬شخصيات‭ ‬افلامنا‭”.‬

وأدركت‭ ‬شركة‭ “‬إيبوني‭ ‬لايف‭” ‬القوية‭ ‬للإنتاج‭ ‬جيداً‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬المختلفة،‭ ‬‮ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المصادفة‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الشركاء‭ ‬الرئيسيين‭ ‬لنتفليكس‭ ‬في‭ ‬نيجيريا‭.‬

وبادرت‭ ‬الشركة‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬الجديدة‭ ‬لتدريب‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬نوليوود،‭ ‬وكذلك‭ ‬لرصد‭ ‬أفضل‭ ‬المواهب‭. ‬ورصدت‭ ‬شركة‭ ‬الإنتاج‭ ‬مثلاً‭ ‬ضمن‭ ‬الدفعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬خريجي‭ ‬المدرسة‭ ‬الممثلة‭ ‬جينوفيفاأوميه‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬نجمة‭ “‬بلاد‭ ‬سيسترز‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬مسلسل‭ ‬نيجيري‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬إنتاجه‭ ‬نتفليكس‭ ‬،‭ ‬ووفرتها‭ ‬اعتباراً‭ ‬من‭ ‬مطلع‭ ‬أيار‭/‬مايو‭ ‬الفائت‭.‬

كذلك‭ ‬تمت‭ ‬الاستعانة‭ ‬بطلاب‭ ‬آخرين‭ ‬كمتدربين‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬يتم‭ ‬إعداده‭ ‬مع‭ ‬أمازون‭.‬

وكثرت‭ ‬المشاريع‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬وحده‭ ‬،‭ ‬حققت‭ ‬نوليوود‭ ‬إيرادات‭ ‬بقيمة‭ ‬‮ ‬660‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬لنيجيريا،‭ ‬أي‭ ‬2‭,‬3‭ ‬‮ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لأكبر‭ ‬اقتصاد‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.‬

ولهذا‭ ‬القطاع‭ ‬قدرات‭ ‬كامنة‭ ‬ضخمة،‭ ‬بحسب‭ ‬المحللين‭ ‬الماليين‭.‬‮ ‬

وبالتالي‭ ‬بات‭ ‬في‭ ‬إمكان‭ ‬إستر‭ ‬أباه‭ ‬ورفاقها‭ ‬أن‭ ‬تحلم،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬لوس‭ ‬أنجليس‭ ‬بل‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬لاغوس،‭ ‬بمسيرة‭ ‬سينمائية‭ ‬زاهرة‭.‬

مشاركة