لا تسألوا عن قيمة المبلغ المسروق
فاتح عبدالسلام
الفساد المنتشر في العراق ظاهرة من الصعب تجاوزها لأجيال مقبلة إلاّ إذا وقف المجتمع عبر حكومة وطنية في التصدي لها وإيجاد بدائل وحمايات للفرد والمجتمع من الانزلاق إلى مهاوي الفساد المالي الذي بات مرادفاً للفساد السياسي ودافعاً له.
جميع الآراء والندوات والتصريحات تتحدث عن أقيام المبالغ المسروقة وعدد الصفقات السرية وطبيعتها والأشخاص المشتبهين بها أو المتورطين فعلاً فيها، لكن لا أحد يجيب عن سؤال واحد بسيط يلخص مأساة العراق وهو
لماذا يسرق المسؤول السياسي من المال العام أو يستغل منصبه لملء جيوبه واستغلال المواطنين أصحاب الحاجات الذين يقصدونه وهو في موقع المسؤولية فيقوم.. يقاسمهم تجارتهم أو أملاكهم أو صفقاتهم فيأخذ حصته من التجارة قبل أن تباع البضاعة أصلاً؟ ولماذا بدأ العراق الجديد كما يقولون بصفحة اللصوصية؟
لماذا يسرق وزير أو نائب أو مسؤول سياسي وراتبه الشهري مصمم في العراق الجديد ليكفي عائلته وحياته من دون حاجة إلى قرض أو مساعدة؟ لماذا يسرق السياسي ويتنافس مع أقرانه ويخوض ضدهم معارك إلى حد الإقصاء أو التصفيات أحياناً من أجل الفوز بصفقة مالية من هذا المال الحرام المشرّع له أن يستمر تحت مظلة الفساد بوصفه ظاهرة لا تمس الولاء السياسي للحكّام فهي مشروعة.. لكنها مكروهة ومحرجة على رأي بعض الرؤوس؟
الاجابة أيضاً بسيطة لكنها مهمة وتوحي بما سيصير إليه العراق حين تتوحد غضبة المسحوقين والمظلومين والجوعى والمغدورين في رزقهم وحياتهم، فالسياسي الحرامي تكون قدماه أقرب إلى سلم الطائرة منهما إلى الثبات في المنصب حين تقترب الموجة الغاضبة. ذلك إنه كان في منصبه من أجل النهب وهو مليء باليقين في إنَّ كلّ شيء سينهار يوماً وهو غير مستعد ليكون كبش فداء لأكباش أكبر منه ويعرف أنهم أطول يداً إلى الصفقات والمال العام منه ويتوقع رد فعلهم عند الشدائد.
هم يعرفون أنفسهم جيداً، ليس لهم بقاء في العراق برغم الأموال الهائلة المكدسة في جيوبهم، ولا غرابة في أنْ نراهم يهربون أموالهم إلى بقاع العالم، ويشترون العقارات والشركات والمصانع تحت مبررات شتى، لعلّ أطرفها استثمارات باسم الحزب الذي ينتمي إليه الحرامي. الانهيار ليس دائماً يحدث باحتلال دولة لأخرى كما احتلت جيوش أمريكا العراق وانهار كل شيء.
الانهيار يحدث أحياناً حين يشعر المواطن العادي إنه مُحتل من قوة أكبر منه وتدوس عليه باسم الدستور والوطن والشرعية والدين والمذهب.
وذلك يوم ليس بعيداً
FASL