عقبات أمام الأطباء القادمين من خارج أوربا الى فرنسا

باريس‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬يواجه‭ ‬الأطباء‭ ‬الحاملون‭ ‬شهادات‭ ‬حصلوا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬خارج‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاوروبي‭ ‬معاناةً‭ ‬ليستطيعوا‭ ‬ممارسة‭ ‬مهنتهم‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬ضمن‭ ‬الشروط‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬زملاؤهم‭ ‬المتخرجون‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬أوروبي،‭ ‬إذ‭ ‬عليهم‭ ‬الخضوع‭ ‬لـ‭”‬مسار‭ ‬مليء‭ ‬بالعقبات‭”‬،‭ ‬بين‭ “‬امتحانات‭ ‬شديدة‭ ‬الانتقائية‭” ‬و‭”‬إجراءات‭ ‬إدارية‭ ‬معقدة‭”.‬ويقول‭ ‬طبيب‭ ‬جزائري‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬جراحة‭ ‬العظام‭ ‬وطب‭ ‬الرضوح‭ “‬أجري‭ ‬عمليات‭ ‬جراحية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬شخص‭ ‬سنوياً،‭ ‬وأتولى‭ ‬تعليم‭ ‬متدربين،‭ ‬وأنا‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬عشر‭ ‬جمعيات‭ ‬علمية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مشاركتي‭ ‬في‭ ‬مؤتمرات‭ ‬دولية‭. ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬عقد‭ ‬عملي‭ ‬محدداً‭ ‬بفترة‭ ‬زمنية‭”.‬

ويضيف‭ ‬الطبيب‭ ‬الذي‭ ‬طلب‭ ‬عدم‭ ‬ذكر‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬زملائه‭ ‬الذين‭ ‬أجرت‭ ‬وكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬مقابلات‭ ‬معهم،‭ ‬إنّ‭ “‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬نفاق‭”.‬

ويعمل‭ ‬نحو‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬طبيب‭ ‬ممارس‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬شهاداتهم‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬خارج‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬مستشفيات‭ ‬فرنسية‭ ‬رسمية‭ ‬ضمن‭ ‬عقود‭ ‬موقتة‭ ‬ويحصلون‭ ‬على‭ ‬رواتب‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الخاصة‭ ‬بالأطباء‭ ‬الأوروبيين‭.‬وسافر‭ ‬الجراح‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬عندما‭ ‬أنهى‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطب‭ ‬سنة‭. ‬وبعدما‭ ‬مارس‭ ‬مهنة‭ ‬الطب‭ ‬‭”‬كمتدّرب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬راتب‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭”‬،‭ ‬غادر‭ ‬إلى‭ ‬جزر‭ ‬الأنتيل‭ ‬واستقر‭ ‬فيها‭ ‬لعامين‭ ‬تخللهما‭ ‬ثلاث‭ ‬موجات‭ ‬من‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭”.‬وأصبح‭ ‬بإمكانه‭ ‬عند‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬آلية‭ ‬جديدة‭ ‬لقانون‭ ‬أُقرّ‭ ‬سنة‭ ‬2019‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬أنياس‭ ‬بوزين‭ ‬وزيرةً‭ ‬للصحة‭ ‬يتيح‭ ‬للأطباء‭ ‬الحائزين‭ ‬شهادات‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاوروبي‭ ‬والذين‭ ‬مارسوا‭ ‬مهنة‭ ‬الطب‭ ‬لسنتين‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬تسوية‭ ‬وضعهم‭. ‬‮  ‬وفيما‭ ‬تقدم‭ ‬الطبيب‭ ‬بطلب‭ ‬في‭ ‬أيار‭/‬مايو‭ ‬2021‭ ‬حصل‭ ‬على‭ “‬إذن‭ ‬موقت‭ ‬لمزاولة‭ ‬المهنة‭ ‬صالح‭ ‬لتاريخ‭ ‬31‭ ‬كانون‭ ‬الاول‭/‬ديسمبر‭ ‬2022‭”‬،‭ ‬لكن‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬بالكاد‭ ‬يحرز‭ ‬الملف‭ ‬تقدماً،‭ ‬بحسب‭ ‬قوله‭. ‬أما‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬فالمرحلة‭ “‬تتسم‭ ‬بضبابية‭ ‬كاملة‭”.‬وتقدمت‭ ‬طبيبة‭ ‬نفسية‭ ‬من‭ ‬السنغال‭ ‬بطلب‭ ‬مماثل‭ ‬كذلك‭. ‬ورغم‭ ‬متابعتها‭ ‬تحصيلا‭ ‬علمياً‭ ‬لاثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬بلدها‭ (‬في‭ ‬الطب‭ ‬العام‭ ‬ثم‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭)‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إجرائها‭ ‬تدريب‭ ‬يتمحور‭ ‬على‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬الخاص‭ ‬بالأطفال‭ ‬وحصولها‭ ‬على‭ “‬اثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬شهادة‭ ‬جامعية‭” ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬اللجنة‭ ‬الوطنية‭ ‬لم‭ ‬تمنحها‭ ‬إذن‭ ‬بمزاولة‭ ‬مهنة‭ ‬الطب‭ ‬وطالبتها‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬شهادات‭ ‬جديدة‭.‬

وتقول‭ ‬الطبيبة‭ “‬أتولى‭ ‬رئاسة‭ ‬أحد‭ ‬الأقسام‭ ‬وإدارة‭ ‬مركز‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬الأطفال،‭ ‬وأعطي‭ ‬دروساً‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬كليات‭ ‬الطب،‭ ‬وأكتب‭ ‬مقالات‭ ‬تنشرها‭ ‬مجلات‭ ‬علمية‭”‬،‭ ‬مضيفةً‭ ‬بأسف‭ “‬أشعر‭ ‬وكأنهم‭ ‬لم‭ ‬يطلعوا‭ ‬على‭ ‬ملفي‭. ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬رواتب‭ ‬منخفضة‭”.‬

وبعد‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬موجة‭ ‬كورونا‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬ربيع‭ ‬2020،‭ ‬طالبت‭ ‬وجوه‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الطب‭ ‬بفرنسا‭ (‬من‭ ‬بينهم‭ ‬ماتياس‭ ‬فارغون‭ ‬وبرنار‭ ‬كوشنير‭ ‬وميشال‭ ‬سيميس‭) ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬أوضاع‭ ‬الأطباء‭ ‬الحائزين‭ ‬شهادات‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬أجنبية‭. ‬واكدوا‭ ‬ان‭ ‬هؤلاء‭ ‬الاطباء‭ ‬يستحقون‭ “‬تقدير‭ ‬الجمهورية‭ ‬لالتزامهم‭ ‬بالعمل‭ ‬الطبي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬رواتبهم‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬زهيدة‭ ‬مقارنة‭ ‬بتلك‭ ‬التي‭ ‬يتقاضاها‭ ‬زملاؤهم‭”.‬وفي‭ ‬اوائل‭ ‬حزيران‭/‬يونيو،‭ ‬اعتصم‭ ‬الأطباء‭ ‬الحاصلون‭ ‬على‭ ‬شهادات‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬خارج‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أمام‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬وجهتها‭ ‬نقابتهم،‭ ‬بهدف‭ ‬تذكير‭ ‬الحكومة‭ ‬بأنّهم‭ “‬انتظروا‭ ‬طويلاً‭ ‬للتصديق‭ ‬على‭ ‬إذن‭ ‬مزاولة‭ ‬المهنة‭ ‬الخاص‭ ‬بهم‭” ‬في‭ ‬فرنسا‭.‬‮ ‬

ويشير‭ ‬طبيب‭ ‬متحدر‭ ‬من‭ ‬هاييتي‭ ‬وحاصل‭ ‬على‭ ‬الجنسية‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ “‬وجود‭ ‬عقبات‭ ‬إدارية‭ ‬كثيرة،‭ ‬إذ‭ ‬تكثر‭ ‬الملفات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬دراستها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭”‬،‭ ‬مضيفاً‭ “‬أن‭ ‬أتلقى‭ ‬معاملة‭ ‬مشابهة‭ ‬لتلك‭ ‬التي‭ ‬يخضع‭ ‬لها‭ ‬الأطباء‭ ‬الأوروبيين‭ ‬استغرق‭ ‬من‭ ‬حياتي‭ ‬سنوات‭” ‬كثيرة‭.‬

وبعدما‭ ‬حاز‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬شهادة‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬جمهورية‭ ‬الدومينيكان،‭ ‬عبر‭ ‬الطبيب‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬زوجته‭ ‬وابنته‭ ‬الفرنسيتين‭. ‬ولأنه‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬مهنته‭ ‬كطبيب‭ ‬عام،‭ ‬تولى‭ ‬وظائف‭ ‬تمريضية‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬رعاية‭ ‬المسنين‭ ‬ثم‭ ‬تدرّب‭ ‬كطبيب‭ ‬شيخوخة،‭ ‬ليحصل‭ ‬سنة‭ ‬2021‭ ‬أخيراً‭ ‬على‭ ‬إذن‭ ‬مزاولة‭ ‬مهنة‭ ‬يُمنح‭ ‬عادة‭ ‬للأطباء‭ ‬بعد‭ ‬الخضوع‭ ‬لامتحان‭ “‬شديد‭ ‬الانتقائية‭”.‬

ومنذ‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الطبيب‭ ‬ينتظر‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬التكليف‭ ‬الخاص‭ ‬به‭ ‬ليباشر‭ ‬بمسار‭ ‬إلزامي‭ ‬يعزز‭ ‬خلاله‭ ‬مهاراته‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنتين،‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬طبيباً‭ ‬ممارساً‭ ‬يعمل‭ ‬ضمن‭ ‬عقد‭. ‬ويقول‭ ‬إنّ‭ “‬فرنسا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأطباء،‭ ‬لكنّ‭ ‬السلطات‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بأي‭ ‬خطوة‭ ‬لتسهيل‭ ‬وضعنا‭”.‬

مشاركة