شركاء بتدمير الدولة – جاسم مراد
حديث القاضي حيدر حنون رئيس مؤسسة النزاهة ، مكشوفاً بالوضوح ، فمئات المليارات التي تم سرقتها وتهريبها ، ليست سرقة بعنوانها ، وإنما بجوهرها وأهدافها كانت تستهدف الدولة العراقية ، وبذلك فهي مؤامرة داخلية وإقليمية ودولية ، هدفها تفكيك الدولة وافقار الشعب وخلق الصراعات بين مكونات المجتمع ، ولما لا يكون ذلك ، فالشعب الذي يفتقر لا بسط مقومات المعيشة والحياة ، فأنه يتمرد ويثور ويبحث عن كل مقومات وأسباب الخلاص ، في الوقت الذي قلة من في النظام والسلطة وشركائهم يستحوذون على الأموال والمنافع الأخرى .
ووفق قراءة التاريخ العراقي المعاصر، لم يحدث في تاريخ هذا البلد في كل الأنظمة ، مثل هذه السرقة ، ولم يكن هناك مجموعة من الأشخاص ومعهم الذين رأوا وسكتوا والذين شاهدوا ولم يردوا والذين قبلوا واغفلوا الحق قد حدث في كل العمر السياسي للعراق ، إلا في هذا العهد ، والسبب معروف ، نظام مكشوف على المحاصصة والتوزيعات الطائفية والعرقية ، مما تسبب بانعدام مركزية القرار وضعف المتابعة واتخاذ القرارات التي تحمي البلاد وتصون المال العام ، وكلما أراد الشعب تغيير هذه التركيبة ، بنظام وطني ودولة قوية تمتلك القرار في تشكيل الحكومة وتعيين من هو بدرجة الإخلاص الوطني للبلاد والشعب ، يتهم بعودة الدكتاتورية وبالقوى الخارجية المحركة لهذا الموقف الشعبي ؟ .
نهب المال
وقال الله جلة قدرته لشعيب ما معناه _ انني أهلكت مئة الف من قومك أربعين الفاً من الطالحين وستين الفاً من الصالحين ، فسأله شعيب بدهشة واستغراب ، ولكن لماذا الصالحون ، فقال الله عز وجل .. إنهم شاهدوا الشر ولم يفعلوا شيئاً _ هنا لابد من التفريق بين حكومات شاهدت الشر ولم تفعل ورأت النهب للمال العام ولم تدافع عنه ، فهم بالضرورة شركاء بما جرى وينطبق عليهم قول الله لشعيب .
لابد من الانصاف والدفاع عن الحقيقة ، من إن حكومة السيد محمد شياع السوداني ومؤسسة النزاهة برئاسة القاضي حيدر حنون ، هما الجهتان اللتان كشفت الكثير من السراق وإعادة المليارات من العملة الصعبة والعراقية ، وعلى وفق ما تحقق وفي ضوء برنامج الحكومة فإنها ماضية بإطلاق البطاقة الحمراء بوجه كل الفاسدين واسترداد كل الأموال في الداخل والخارج ، وهنا لابد من التذكير في الاحداث المماثلة التي وقعت في بعض البلدان العربية من سرقة للمال العام وتعطيل للمصانع وتخريب للكثير من البنى التحتية ، حدث هذا اثناء ثورة تموز في مصر بقيادة جمال عبد الناصر ورفاقه عام _ 1953_ وعلى وفق هذه الاحداث التي قام بها الطابور الخامس فقد اصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراراً اطلق عليه._من أين لك هذا _ واسترد الملايين من الأموال واعتقل العشرات من السراق والنهابين والمتلاعبين بالمال العام وبمؤسسات الدولة ، لكن هذه الأموال أراد منها ناصر أن تتحول لبناء وانشاء المصانع وتشغيل المئات بل الالاف من العمال وحدث ذلك .
وقال على ابن ابي طال _ ع_ في نهج البلاغة ما معناه _ أن ناقة صالح عقرها شخص واحد ، ولكن الله اسند هذا العمل للجميع فقال _ فعقروها فأصبحوا نادمين _ . وهكذا فأن كل من سمع وسكت وكل من شعر بالخلل في أجهزة الدول وقبل وكل من مد يده لأموال هي ليست له فهو شريك بعقر ناقة صالح ، وهو شريك بتجويع الشعب وانعدام حصوله على حقه ، وهذا ما قاله أبو ذر الغفاري قبل اكثر من الف عام _ أنني أعجب لمن لا يجد خبزاً في بيته ومسلوب الحقوق فكيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه _ .
وهنا وعلى وفق تهريب الأموال للدول وتلك الدول تماطل في عودتها لملكيتها الاصلية العراق وعودة الناهبين لمحاكمتهم وفق القانون والقضاء العراق ، فأنهم شركاء في تدوير هذه الأموال بغية إراقة الدم العراقي وتدمير الدولة ، وفي هذا الصدد يقول سارتر _ متى ما اريق دم في بقعة من الأرض فأن ايدي الجميع ملطخة بهذا الدم _ .
المعركة مع الفاسدين لا تقل أهميه عن المعركة مع الإرهاب ، بل تتفوق عليها لكون الأخيرة متغلغلة داخل المجتمع وفي مؤسسات الدولة وفي مراكز القرار والمال . ومن هنا يتطلب الامر تظافر كل الجهود واصطفاف الجميع في خندق المواجهة الامامي ، وهذه مسؤولية كل الوطنيين والاحرار والقوى السياسية الخيرة والمؤمنة بالعراق ، وكذلك الاعلام بكافة اشكاله . وعلينا أن ننتبه بأن المال المسفوح يسيل له لعاب الاخرين ، في الموقع او في المشاركة ، وهنا من حقنا ان نستغرب هذا العدد الهائل من القوى السياسية والافراد المرشحة للانتخابات والتي بلغ عددها اكثر من _300_ تنظيم ، فهل هؤلاء حقا مرشحين لخدمة المواطن والايمان بالديمقراطية ..؟