شجرة البرتقال
حميد الحريزي
نلتقي منذ أشهر تحت ظلال شجرة البرتقال، نجلس في مكان منزو في المتنزه الجميل، نطيل الجلوس لندخل في سمر وحديث عشق وغزل، تتراقص له وريقات البرتقال لتشاركنا حميمية اللقاء، تحط العصافير على أغصان الشجرة وما يجاورها من أشجار الرمان والليمون لتمارس الحب والغناء دون قيود، نتهامس، نتلامس، تفور في عروقنا دماء الشباب، تهيج رغبة الاحتضان والاندماج، تتداخل الأصابع تندفع مرتفعات صدرينا لتتلامس حد سماع نبضات القلب، يتصاعد رفيف الشفتين، يتلظى اللسان، يسرج أحصنة الرغبة لتذوق رحيق شهد الشفتين، تتكسر موانع المحاذير، تتبخر قيود الخجل، نذوب في عناق ساخن حد الالتصاق، تزغرد الطيور وتصفق أجنحة الفراشات..
تكاثفت غيوم الكدر، أوجعتنا سهام الانتظار، فارق بيننا عذول لا يرحم، باعد بيننا ((كورونا))، اتقدت همسات الهاتف شعلة ساخنة تزيد من لهيب العطش، تصطدم الشفاه بزجاج النقال،ترتد خائبة من سراب القبل، تترقب فتح أبواب السماح لتصطاد فرصة اللقاء، تدق أجراس الفرج، نسرح صوب شجرتنا الحبيبة، نجلس متعبين من سير الطريق أملاً في إشباع رغبة العناق، تصدني كمامة الحذر تغطي شفاها من عسل، تتوحش أصابع اللهفة تمزق كمامة الخوف، يندلق شهد اللسان الساخن يمتصها حتى ترتوي أحصنة الاشتياق،
تمر ثقيلة أيام الفراق، ترتفع حرارة الجسد، تدق في الرأس طبول الألم، يضيق الصدر ويشح الهواء، تظهر نتيجة الفحص موجبة ((كورنا))، يستفسر الأطباء عن الملامس ومن كان السبب، ترتفع نبضات الرفض واستحالة الكشف، يبلغ غضب الطبيب أشده، يزداد ضيق النفس، أدخل في عالم اللاوعي نادبًا شجرة البرتقال، تتحطم مطرقة الأسئلة، يقرر الأطباء الحجر على الشجرة على الرغم من احتجاج سرب العصافير.