
نبض القلم
زمن البندقية وزمن الصاروخ – طالب سعدون
بعد حرب عام 1967 والهزيمة المدوية للجيوش العربية فيها ، وإحتلال (اسرائيل ) لما تبقى من أرض فلسطين التاريخية جاءت معركة الكرامة (21 – اذار- 1968) لتحيي الامل العربي من جديد ، وتكون عنوانا عريضا للنصر ونقطة تحول كبيرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية ، وتفتح الافاق واسعة امام العمل العربي والفلسطيني في كل مجالات المقاومة ، بما فيها الكتابات وتبعث روح التفاؤل والامل في النفوس المحبطة بمرارة النكسة والانكسار .
كتب ومجلدات ودراسات وبحوث وندوات وقصائد كتبت في النكسة ، وهي تسمية مرة ، ثقيلة ، لكنها انتجت ابداعا بمستوى المرارة نفسها وربما أقسى ، وتلك هي الحقيقة ..
فمن منا لم يطبع في ذهنه الى اليوم ذلك البيت الشعري البليغ من قصيدة طويلة للشاعر العراقي الكبير مصطفى جمال الدين ، القاها في مهرجان الشعر العربي التاسع في بغداد عام 1969..
لملم جراحك واعصف ايها الثار
ما بعد عار حزيران لنا عار
ومن منا لا يتذكر الى اليوم قصيدة الشاعر العربي الكبير نزار قباني (هوامش على دفتر النكسة) ونقدة اللاذع للواقع العربي واسباب النكسة ..
قصيدة وضع فيها نزار قباني (خلاصة ألمه وتمزقه وكشف فيها عن مناطق الوجع في جسد الامة ) فكانت (صرخة حادة وجارحة بحجم الطعنة ، لأن النزف يكون بمساحة الجرح) على حد تعبيره في رسالة الى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ..
إذا خسرنا الحرب لا غرابة
لاننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة
السر في مأساتنا صراخنا أضخم من أصواتنا
وسيفنا أطول من قاماتنا
يا سيدي السلطان .. لقد خسرت الحرب مرتين
لان نصف شعبنا ليس له لسان
ما قيمة الشعب الذي ليس له لسان ؟
الخ …
وبعد أن غنت فيروز .. –
الان الان وليس غدا
أجراس العودة فالتقرع
رد الشاعر نزار قباني عليها ..
(عفوا فيروز ومعذرة ..
أجراس العودة لن تقرع ..
نزار قباني الذي كتب عن مرارة النكسة والهزيمة والواقع المؤلم ، هو نفسه من كتب كذلك عن المقاومة والنصر بعد معركة الكرامة التي تكبد العدو فيها خسائر كبيرة .. وجعل النصر روحه ترتــــقي الى مستوى الامل الجديد ..
فقد كتب قصيدة
أصبح عندي الان بندقية .. لحنها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب .. وغنتها ام كلثوم وغناها بعدها فنانون عرب منهم ذكرى .. ولها قصة معروفة في اللحن والغناء احتلت مكانتها في ذاكرة الفن وتاريخه ..
أصبح عندي الان بندقية
الى فلسطين خذوني معكم
الى ربى حزينة كوجه مجدلية
الى القباب الخضر ..
والحجارة النبية
عشرون عاما .. وانا ابحث عن ارض وعن هوية ..
…………..
الى فلسطين خذوني معكم ايها الرجال ..
أريد أن أعيش أو أموت كالرجال …
………………………..
أين نزار قباني .. واين جمال الدين .. واين الابنودي وامل دنقل واحمد فؤاد نجم والنواب وغيرهم الكثير ممن رحل مما يجري اليوم للفلسطينيين .. ؟ ماذا سيكتب قباني مثلا لو كان حيا بيننا عن المجازر والمذابح التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة والشيخ جراح وغيرها من الاراضي الفلسطينية على يد الاحتلال ، وكأن عام 1948 يبعث من جديد..
ماذا سيقول عن مواقف العرب ، بعد أن قال فيهم ما قال ؟
حالة جديدة من توازن الرعب خلقتها صواريخ الفلسطينيين تظهر بوضوح في تحليل طويل للمحلل الاقتصادي والسياسي الاسرائيلي جدعون ليفي لخص حالة الرعب التي عاشها الاسرائيلون بقوله (الجحيم فوق رؤوسنا ونحن في الملاجيء .. ) ..
ما ذا سيقول قباني عن هذه الحالة الجديدة من الرعب المتوازن ، وما هي الصورة الشعرية التي تثيرها فيه صواريخ الفلسطينيين بمداها الاوسع والاعمق .. وامتداد المعركة على طول الارض الفلسطينية..؟
هل ستفعل فعلها كما فعلت بندقية الفدائي الفلسطيني في معركة الكرامة وستكون محطة فاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية ..؟
هل سيكت نزار قباني قصيدة اخرى بعنوان (أصبح عندي الان صاروخ) ..يكمل بها قصيدة (اصبح عندي الان بندقية) .. ؟..
اسئلة واراء كثيرة طرحت حول هذه المعركة ..
هناك من يرى بانها قد ترتقي في فعلها الى ان تكون من اكثرالمعارك تأثيرا حتى من السابقة لانها نقلت الصراع الى هذا المستوى من الرعب المتوازن واخذت تتصدر واجهة الاحداث على مستوى العالم بسرعة بعد محاولات حثيثة لطمس القضية الفلسطينية برمتها وتراجعها في الاهتمام ومحاولة تغييبها لدى الجيل الجديد، وجعلها قضية هامشية ، خاصة بعد حركة التطبيع السريعة ، وانكفاء العرب على قضاياهم الخاصة ، وهي كثيرة ، فقد اصبح لكل قطرعربي فلسطينه الخاصة وتشرد أهله في المنافي بعد أن أصبحت ارضه طاردة لهم وهي مثقلة بالازمات والمشاكل ومحاولات اخرى لتوجيه الصراع والاهتمام الى اتجاهات ومجالات اخرى ليس لها علاقة بالقضية الفلسطينية ..
هل ستغير المواجهات الدامية بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال حالة القضية الفلسطينية وتنقلها الى درجة اعلى من الاهتمام على مستوى العالم ومنظماته ، بعد ان اخذت هذا المستوى من العمق والتوسع والرعب بين الطرفين والتضحيات العالية والمجازر الرهيبة وظهور جيل جديد من الشباب مؤمن بعدالة قضيته وحقه الكامل في اقامة دولته ، واستعداده للدفاع عنها.
هل ستحقق هذا الحلم ؟
هذا ما نرجوه وندعو له ..
00000000000000
من اغرب ما حدث في غزة
مواطن من غزة كتب باسلوبه يقول :
((أغرب ما فعلته اليوم ، تبادلت أولادي أنا واخي .. أخذت منه اثنين من أولاده وأعطيته اثنين من أولادي ، حتى لو قصفت يبقى مني أحد ، وحتى لو قصف هو يبقى منه أحد ..
وربنا يحفظنا ويحفظ شعب فلسطين ..
غزة يا وجع القلب ..))
00000000000000000
كلام مفيد :
المحايد هو شخص لم ينصر الباطل، لكن مؤكد أنه خذل الحق .. ( انيس منصور ) ..


















