رسالة إلى المواطن نون

رسالة إلى المواطن نون
حسن النواب
صحيح اني لم اكتب لك بإسمك الصريح، لكن القارىء سيعرفك دون جهد، اما لماذا لم اضع اسمك الصريح ؟ فأقول تحسبا من ادارة الجريدة في البلاد فلربما سترفض نشر مقالي وهذا ما اتوقعه، فالعاملين فيها من دم ولحم ايضا ويخافون من غدر كواتم الصوت لهم وماأكثرها هناك .. نتذكر جميعا حين تسنمت منصبك الرفيع وبدأت بجولات ميدانية على مديرية السفر والجنسية ثم الى مدينة الطب، واصبحنا نتحدث بشيء من الأمل انك ستشمل بتلك الجولات مناطق العراق كافة، لكن الذي حدث بعد هاتين الزيارتين لم تتفقد حتى شارع السعدون القريب من قصرك المنيف، ولا حتى مطار بغداد الدولي الذي طالما دخلت وخرجت منه، لأن هناك من الصحفيين الذين زاروا الوطن اخيرا صدموا بالحالة المزرية التي شاهدوها في المرافق الخدمية الموجودة في المطار، ولا اظن ان مسافرا لا يدخلها عندما يروم السفر ؟ فكيف سيكون موقفنا امام وفود اجنبية اذا ما دخلت الى تلك الأمكنة التي تزدحم بالذباب والطافية بالماء القذر والمكسورة الحنفيات، ولأنك اصبحت الآن مواطنا من الدرجة الأولى مع شجرة العائلة الكريمة التي تنتسب اليها مع اعتزازنا بجدك ابو المحاسن شاعرا شجاعا وقف بوجه الإحتلال البريطاني وهو وزير المعارف في حكومة جعفر العسكري والذي قدم استقالته من منصبه بعد خمسة شهور لإختلافه مع زملائه الوزراء حول المعاهدة العراقية البريطانيّة ، على خلاف حفيده الذي مازال متمسكا بالحكومة برغم فشلها الذريع، كما أن مدينتك التي احتضنتك بحنانها وبوفائها والتي زرتها شخصيا منتصف التسعينيات وكتبت عنها تحقيقا في مجلة الف باء، وربما لا تعلم انها من المدن الأولى التي استخدمت الترقيم الحديث في احصاء بيوتاتها وان من اخبرني بهذه المعلومة مدير ناحيتها في ذلك الوقت، صارت هذه المدينة الكائنة بين الحلة وكربلاء مصدر رعب للداخلين والخارجين منها، وهي بذلك تعيد حكاية قرية الطاغية التي اصبح دخول الناس اليها مستحيلا يوم كانت البلاد ترزح تحت ظلم واضطهاد لامثيل له بين الأوطان، ذلك الظلم والإضطهاد الذي بدأ ينمو مرة اخرى بوقاحة هذه الأيام امام انظار الناس، واذا كان الناس في النظام السابق يجبرون على الخروج لإستقبال الطاغية، فأنهم حين يعودون الى منازلهم ويغلقون الأبواب يحولون هتافات الترحيب الى الصنم الى شتائم ولعنات عليه، وربما لا تعلم اخي المواطن نون ان الناس في ظل حكومتك العجيبة والغريبة، يتداولون حديثا ذا شجون مفاده، انك يوم كنت معارضا في دمشق وانعم الله عليك برزق طيب من بيع الخواتم وكارتات شحن الموبايل، وهو عمل شريف لا مثلبة عليه، حتى جاء الغزاة وهشموا الصنم في ساحة الفردوس وهم يشكرون على ذلك، ولكن الناس صارت تلعنهم فيما بعد لأنهم لم يحسنوا اختيار القائد الذي يدير دفة البلاد الى مستقبل زاهر، فمن يصدق ان حكومة على وشك ان تنتهي ولايتها مازالت بدون وزيري داخلية ودفاع، وان جريدة الحكومة التي تشفط تموينها من خيرات الشعب بدون رئيس تحرير منذ نصف سنة او يزيد، كل هذه المؤشرات تشير الى دكتاتورية فجة تهيمن على احلام الشعب، وانت الذي دخلت الى الوطن بعد سقوط الصنم وماهي الا ايام وقررت الرجوع لأن حلمك ان تصبح مديرا لتربية بابل صار بعيد المنال، واذا بطائر السعد يحط فجأة على رأسك وتصبح خليفة المؤمنين على ارض السواد، وماهي الا شهور حتى اطحت بقائدك بمؤتمر مريب وجعلته يبتلع الطعم على مضض، الأمر الذي دعانا نتذكر الطاغية حين انقلب على اقرب رفاقه في الحزب، وقال الناس حينها مثلما يقولون الآن الخير بما اختاره الله لنا، وهاهي سنة ثامنة على العراق الجديد، ومازالت السيدة العراقية ام عامر البصرية تقول لك علنا هيه وليه ، ولولا همة الإعلاميين بالحفاظ على حياتها لأصبحت بعداد الأموات، ربما تتصور ان وصولك الى المنطقة الخضراء جاء عبر صناديق الإنتخاب، فنقول لولا اصوات العسكر جيشا وشرطة والمنضوين تحت رايتك لما حصلت على وفير الأصوات، على خلاف انتخابات مصر التي منعت العسكر من التصويت وهذه هي النزاهة والديمقراطية التي ينشدها الناس، وسمعناك تقول في عيد الصحافة العراقية متباهيا ان سجون البلاد خالية من اي اعلامي وصحفي، وكأنك نسيت اوامرك بحظر عمل 44 مؤسسة إعلامية عراقية واجنبية بضمنها وسائل اعلام كردية، مثلما تناسيت الإهانات المتكررة التي يتعرض لها الصحفيون من قبل افراد حماية المسؤول الفلاني ناهيك عن التعامل غير الحضاري معهم في نقاط التفتيش والأنكى انك ماعدت تتذكر بالمرّة دماء الصحفيين المهدورة اغتيالاً والتي لم يكشف النقاب عن القتلة الذين تورطوا فيها حتى لحظة كتابة هذا المقال، واذا كان الصنم قد زج بالمناضلين والأحرار في السجون حين ذاك، فأن الذي يحدث بحقهم ومنهم الإعلاميين اكثر خطورة الآن، تحت شعار اقتل وضيّع خبر ، اجل اخي المواطن نون ماعاد الصوت الحر في العراق الجديد يزج به الى المعتقلات انما يتم تصفيته فورا بكاتم صوت، والبرهان هل بوسعك ان تضمن لي حياتي حين ادخل البلاد لزيارة قبور الأولياء والصالحين وقبور امي وابي واختي واصدقائي؟ الواقع اشك بذلك لأن كواتم الصوت ستكون متأهبة الى اغتيالي حالما تنتهي من قراءة هذا المقال، وها انا اقول لك بصريح العبارة اذا كانت هناك ديمقراطية في الوطن كما تعتقد، اتمنى ان يصل مقالي هذا الى اكبر شريحة من الناس عبر فضائية الحكومة، وان كنت تعتقد اني ابحث عن شهرة، ادعو مذيع المنطقة الخضراء المدلل ان يقرأ المقال دون ذكر اسمي، بل اقترح ان يكون كاتب المقال بإمضاء ضمير الناس، بعدها لننتظر حديث الشارع عنك وعن المقال ولكن تأكد يا اخي المواطن نون ان النصر للفقراء في نهاية المطاف ان شاء الله مذكرا اياك بما قاله جدك ومن شيمي أن لا أُقر ظلامة وإن لم يكُن إلاّ الحسام نصيرُ
وأهجر عذب الماء إن هان وردهُ فأظمأ أو يروي الغليل هجير.. او حين قال فلا يغرنك عيش طاب مورده، فرب عذب اتى من دونه الشرق. فمتى تهجر عذب الماء وتجعل الناس تتنفس الصعداء قبل ان تغص وتشرق به ؟ متى اخي المواطن نون؟
/7/2012 Issue 4252 – Date 16 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4252 التاريخ 16»7»2012
AZP20

مشاركة