دولة العشائر
يروي لنا الكاتب العراقي المعروف د. علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية عن تشكيل اول حكومة عراقية وكيف كانت تعقد اجتماعاتها في بيت عبد الرحمن النقيب الذي يقوم بإعداد وليمة بعد كل اجتماع ويمنع الوزراء من الخروج مالم يتناولون معه وجبة الغداء وذكر ان ابن عبد الرحمن النقيب كان يودع الوزراء الى باب الدار ويقف بعتبة الدار فيقول الوزير باللهجة العامية “سفرة دايمة” فيما يرد هو صحة وسلامة “بالعافية” وهذا يدل على ان الدولة العراقية تحكمها النزعات العشائرية منذ تأسيسها.
وعراق ما بعد عام 2003 هو امتداد للدولة العراقية الاولى التي سادت فيها النزعة والروح العشائرية والقبلية بحكم الدور الذي اضطلعت فيه العشيرة في العراق الجديد وهذا يدل على انحسار المدنية والقانون وتفشي الفساد لان مبدأ العشيرة يقوم على مساندة القوي واحترام القوة فضلا عن صفات الشجاعة و الكرم والنخوة و الثأر حتى ان كانت تلك الصفات بالضد من الحق والعدل والانصاف تبعا لمصالحها ومصالح شيوخها وبيئتها البدائية.
واستفحال وتنامي دور العشيرة في العراق الجديد جاء لعدة اسباب اولها النظام السابق قام بتنمية العشائرية والقبلية واعطى لها دوراً كبيراً بسبب تراجع قيم الحضارة والمدينة من اجل السيطرة على الوضع باي شكل من الاشكال حتى ظهرت عشائر جديدة وشيوخ جدد اطلق عليها شيوخ الـ 90 ، والامر الثاني عدم قدرة السلطة العراقية الجديدة على تجنيب العشائر الخوض في ما يهم الدولة وشؤونها وذلك بسبب سيل لعاب الساسة الى تلك الحشود العشائرية في الانتخابات لان طبيعة المجتمع العراقي هي طبيعة عشائرية قبلية بنسبة كبيرة جدا لذلك تم فسح المجال واعطاء الدور الكبير للقبيلة لكي تتدخل في شؤون الدولة العراقية مما سبب كوارث نعيش تبعاتها في الوقت الحالي، والملفت للنظر ان اول من اعطى للعشيرة دور في العراق الجديد هم الامريكان عندما جاءوا بشيوخ عشائر في مجلس الحكم.
وما تشهده المناطق الغربية من تدخل العشائر بأثارة الفتنة مرة ومرة اخرى بالوقوف الى جانب الدولة في فرض القانون يعطينا صورة عن الازدواجية التي تظهرها تلك الطبقة المجتمعية تجاه الدولة فهي تتقلب بمواقفها بين حين واخر اي مساندة للقوي في كل الاحول ولا وجود فعلي او مؤشر على دعم الدولة على اساس انها مؤسسات وقوانين وارض وسماء وماء ولا وجود للمواطنة في قوانينها والشاهد الاخر قدمه لنا احد شيوخ الانبار عندما صار سببا بإعدام 4 من عناصر مكافحة الارهاب وهو يعلم علم اليقين انهم جاءوا لتخليصه واهل الانبار من كابوس يجثم على صدورهم منذ 10 اعوام يسفك دماء الابرياء ويسرق قوتهم واموالهم لكن النخوة لحماية ابناء عمومته والسبيل لبقائه شيخ مطاع دفعه الى قتل هؤلاء ولديه الاستعداد ان يقتل كائناً من كان .
لذلك يجب على الحكومة العراقية ان تحذر اشد الحذر من التعامل مع هذه الشريحة و لا تعطيها ضوءاً اخضر ومجال اوسعاً فهي غير مأمونة الجانب كونها تعيش تناشزاً فاضحاً وتتبدل مواقفها ما ان تختفي مصالحها وما قدمه بعض الشيوخ خير دليل وما صرح به الحردان “العشائر في النهار معنا وفي الليل علينا” خير برهان .
كاظم العبودي