الرواية التسجيلية: اشتراطات النوع السردي

 

بغداد – الزمان

بعد كتابيها “السرديات ما بعد الكلاسيكية” و”الذكاء الاصطناعي التأهيل والتهويل” صدر كتاب جديد للباحثة والأكاديمية العراقية نادية هناوي بعنوان “الرواية التسجيلية: اشتراطات النوع السردي”.

وجاء في تقديمه:

تذهب د. نادية هناوي في كتابها الجديد والصادر مؤخرًا عن “مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع” إلى أن الرواية التسجيلية نوع سردي انحسر الاهتمام بكتابته على صعيد الأدب العربي والعالمي. وبحثت في أسباب ذلك ولمَ يهتم الروائيون بكتابة أنواع معينة، تأتي الرواية الواقعية في مقدمتها. وواحد من أسباب العزوف عن الرواية التسجيلية أن سرد الوقائع يحتاج صبرًا ونفسًا طويلين ومعايشة ميدانية حقيقية، فضلًا عن أنَّ واقعنا الراهن محتدم بالتطورات والمنعطفات المصيرية المتسارعة. ما يجعل من الصعوبة بمكان اللحاق بتفاصيلها، بل إن الواقعة الواحدة لا تكاد تبين إلا ولحقتها واحدة جديدة بتفاصيل أكثر قوة.

ومن موجبات تأليف هذا الكتاب، ما رأته الدكتورة هناوي من نقص في التنظير السردي للرواية التسجيلية. ما يجعل آفاق هذا النوع الروائي ومواضعات استعماله غير جلية أو ملتبسة عند كثير من الكتّاب والنقاد على حد سواء. هذا إلى جانب “ما نلمسه من خلط بين التمثيل الواقعي والمتخيل التاريخي عند كثير من كتّاب الرواية وناقديها الذين يرون أنَّ الواقعة التاريخية هي ما كان زمان وقوعها قد انقضى ومضى، ومن ثم يكون كل ماضوي هو تاريخي!!. وهذا تصور جزافي ووهم شائع إلى درجة يحتاج معها رصدًا وتصحيحًا”.

وترى نادية هناوي أن أول التفات نقدي إلى الرواية التسجيلية كان على يد اللغوي والناقد البريطاني إدوين موير (1887-1959) وعنه تقول: “إن ما وضعه إدوين موير للرواية التسجيلية من سمات يعدُّ رياديًا ومؤسسًِّا في حدود العمر الزمني لما قطعه النقد الأدبي من أشواط آنذاك. ولقد اجتهد موير في التنظير لنوع روائي ما يزال إشكاليًا حتى وقتنا الحاضر. وأغلب المفكرين ومنظري السرد لم يروا في التسجيل فاعلية فريدة، وإنما هو التخييل الذي فيه يجتمع الواقعي بغير الواقعي ويتلاقى التسجيلي بالتاريخي… فكانت هذه هي البداية أيضًا لتأسيس النقد الانجلوسكسوني”.

ويعد الكتاب الجديد عملًا نقديًا نوعيًا، يجيب عن أسئلة إشكالية مثل: هل نعد هذا النوع مهجورًا أو ندرجه في الرواية التاريخية ورواية الحقبة أو الأجيال؟ وإذا عددناه غير مهجور، فمتى إذًا بدأت كتابته؟ أبعدَ أن تشكلت إجناسية الرواية، أم هو معروف قبلها، شأنه في ذلك شأن القصص الخيالية والتاريخية والرومانسية والسيرية؟ كيف نتمكن من تمييز الرواية التسجيلية عن سائر الأنواع؟ وما الفرق المؤكد والجلي بينها وبين الرواية التاريخية؟

يضم الكتاب أربعة فصول، تناولت قضايا نظرية وإجرائية واشتملت على تحليل عدد من الأعمال الروائية العربية والأجنبية. ومن النتائج التي انتهت إليها المؤلفة في كتابها الجديد أن الرواية التسجيلية هي من أدب التحقيق والإثبات، كونها تعرض الواقعة أو مجموعة الوقائع على حقيقتها أي كما جرت في تفاصيل طبيعتها الحياتية. ما يجعل الانعكاس الفني فيها مطلقًا إلى درجة التطابق مع تاريخية الواقعة وبإفراط في تسجيل الأحداث. والبغية تحقيق أمرين: أولًا، الإحاطة الكاملة بالمشكلة التراجيدية فيما يمارس بمعتادية من أنشطة إنسانية ضمن الواقعة المسجلة. وبعض من هذه الأنشطة ممل ومكرور وبعضها الآخر تصادفي طارئ يأتي كضرورة من ضرورات التطور الاجتماعي. وثانيًا، تصوير ملحمية العلاقات الإنسانية، سواء وهي تتصادم بالتحولات الحياتية أو وهي تتقاطع بالتناقضات المحتمة في المصائر أو وهي تتطور بشكل درامي أو ميلودرامي.

مشاركة