موسيقى قصيدة النثر
الفريد سمعان
بغداد
يتعالى صوت الحوار بشان قصيدة النثر وتتبارى الاقلام تحاول ان تجد ( الانغام) المناسبة والايقاعات التي تتسلل الى اعماق الانسان المتلقي وتستحوذ على اعجابه ويعيش حالة من الانس والطرب والاستجابة نفسيا وعاطفيا وفكريا للهمسات التي تجودبها مقاطع قصيدة النثر ودلالاتها .
يقول احدهم ..بصوت رزين ( ان الايقاع الموسيقي هو توزيع الصوت ومداه .. وقد تمثل في دندنة الانسان مع نفسه في حالتي فرحة وحزنه حين تغلب عليه عاطفته فيصفق بيديه فرحا او يبكي نشيجا حزنا ) وتمضي الكلمات تحاول ان تحدد ابعاد الموسيقى وتأثيرها وانتشارها . وليس جديدا عندما نقول ان الموسيقى تؤثر بشكل استثنائي على المشاعر وتمتدفي اعماق المجتمعات البشرية وتحظى بمنزلة خاصة وموقع متميز وتغمر نغامتها العالم سواء كانت ايقاعات راقصة تتمايل معها الاجساد وتتزاحم الحركات التي ترافقها سواء كان ذلك في مقهي صغير ام قاعة كبيرة وفضاء واسع كما يجري في الحفلات التي تقام في الهواء الطلق ويرتادها عشرات الالاف من الناس شبابا وشابات حتى الاطفال تتحرك اجسادهم الناعمة على ايقاع النغمات وتطل الابتسامات من عيونهم وشفاهم .. والكبار ايضا يتمايلون ويزغون وهم جالسون على الكراسي تغمرهم النشوة وهنا لابد من التاكيد ان الموسيقى ايقاعات واصوات ناعمة او صاخبة قوية او ضعيفة عنيفة او رقيقة ولكنها انغام وترانيم جميلة ومثيرة وتتسلل بنعومة او تفاجئ الاخرين بالعنفوان والصخب .. وقد اخذت طريقها الى الشعر سواء كان اناشيد طفولة او قصائد رثاء او مديح او تراتيل غزل رقيقة ومفاجاة لاحلام هاربة من مرافئها او لاي غرض اخر .. وقد خذعت اصداءها فهناك الموسيقى الكلاسيك التي اطلقها الكبار بيتهوفن وكورساكون وباخ وشستراوس وشوبان ويان اليوناني المتألق فهناك موسيقى الرقص الذي يلزم بقواعد محددة وخطوات متحلاقة مثل التانغو والرومبا والفوكسترون والفالي والسامبا وهنالك ايضا موسيقى الشعوب البدائية التي نلتزم بقواعد معينة وفسحة من التنويع والحركات العنيفة كموسيقى الهند التي تحرك الاجساد بشكل سريع وعنيف ضمن ابتكارات تكاد تكون مستجلية التصور اضافة لالوان اخرى لاحدودلها وكذلك موسيقى الزنوج والانغام الكردية البدائية والصينية الروسية وسواها من الرقصات الشعبية التي تحركها ايقاعات تتوازن معها الحركات وتتنوع الاتغام وتمزج الهدوء بالصخب والحنين بالهفات والرغبات الجامحة بالات تختلف اختلافا كبيرا ومتنوعا وفريدا في التقنية والاوتار والتصميم ومميزاتها انها تعتمد على نغمات موسيقية متداخل غير مترابطة ) ولا ادري اين هي هذه الموسيقى المتداخلة اين هو الايقاع اين هي النغمة ولاسيما ان معظم شعراء قصيدة النثر لايمتلكون مذاقا موسيقيا ولم يتعرفو على مفرداتها ولا الاتها لايحسنون حتى الاستماع بعمق للترانيم وهنالك الان نماذج من القصائد التي تكاد تكون صحراء جرداء لاتتمتع باية همسة او لمسة موسيقية او نبرة باستثناء ماياتي عبر القصيدة من تقاطع تتسرب اليها( التفعيلة ) كما ورد في المقطع الذي استشهد به الكاتب حيث اورد بداية القصيدة
افيقي افيقي
وليل الحب مروج وهنا نجد جملة الاولى على وزن (فعولن فعولن) وليل الحب مروج (مفاعيل مفاعيل) وهو ايقاع متوازن معلن وليس موسيقى مخبؤة كما يريدون لها ان تكون بدعوى ان التكرار لجملة في قصيدة النثر تمنح الجملة موسيقى دافئة مكتومة غافية تحت لحاف الكلمات .. انه كلام مجاني بلا حدود . واو تمعنا جيدا في قصيدة التوالي لوجدناها تواكب ايقاعا معينا ولكنه متنوع تتباين مساحة كل شطر بين بيت واخر فهناك مقطع او جملة بثلاث كلمات واخر بستة واخر باكثر من ذلك ولكن هناك ايقاع متوازن يرافق القصيدة من البداية الى النهاية وعلى سبيل المثال : وانا احدق في العيون سيل من العبرات
تفشل الحدود ..بها
تنساب
تغرس لوعة الاهات
في النسخ الجريح
ان هذا التناقضات التي تتسرب وتطرح علنا يعوزها دائما الاستشهاد بقصائد او مقاطع تعزز رأي دعاة قصيدة النثر ولن اتجاوز الحدود ولن احاور الفضاءات الوهمية وسوف استعين بالنماذج واود ان يعرفني دعاة موسيقي قصيدة النثر على الموسيقى التي يتحدثون عنها .
من قصيدة متحغ لحسين الهاشمي
ذلك التمثال
بقيانه من لوعة الممزقة
لديه الرغبة في العودة الى بين
تمثال جرئ
ومن قصيدة سلالات ضياع للشاعر هيثم جبار عباس
كنت دائما اخر المتحدثين
لكم باشقات النخيل
والبري والرطب والجنى
وانا اخر نخلة
محروقة العذق
في طريق الفاو
ومن قصيدة الصفة للشاعر قاسم سعودي
مجرد حظ عاثر
ان نعيش تلك الصفة طويلا
او تحظى بذاكرة مستيقطة لاتصدأ
ان نقول لا
ومن الشاعر صارت معد هذا المقطع قصيدة شمعة بهلال بعيد
ولدت في عهد
لا اعلم فيه من اين امسك الطبشور
في ازمة الكتاب والروايات
كان اسوء شاعرا
على وسادته تتعرق الاوراق
وبعنوان قفار الكاحل للشاعر قاسم سعودي هذا المقطع
ايها الكاحل
الكاحل النائم مثل ريشة تالفة لنسر مريض
هل اخبروك عن الضحكات المسجونة في السماء
هل اخبروك عن قسوة اليابسة الفريدة
والنماذج كثيرة جدا .. وهنا لابد من الاشارة اني لا اناقش السمات البارزة في هذه القصائد ولا انتقص من قدرات الشعراء الذين استعنت بنماذج من قصائدهم بل يتركز الموقف على الموسيقى في هذه القصائد .. وانا لا اجد فيها ولا في معظم قصائد النثر التي تغطى سماء العراق وتنافس النجوم في اعدادها وبريقها في بعض الاحيان واتمنى ان (يدلني) المتحدثون عن قصيدة النثر اين هي الموسيقى في هذه القصائد الموسيقى التي لاتتحدث بالحروف والكلمات بل بالنبرات والايقاعات والتراتيل وان لانكون (العوبة) بيد فلان وفلان داخليا وخارجيا .ان الاقلام التي ياخذها الحماس عندما تتحدث عن الموسيقى في قصيدة النثر تحاول ان تؤكد على ذلك لابعادها عن واقع حال انها (نثر) ليس الا يتضمن افكارا شتى ويعبر عن المشاعر والقدرة على التعبير لدي (شاعر) قصيدة النثر !؟ وهم بلاشك يقدمون انطباعاتهم في صحن ملون وهوامر مشورع وقدرة على التعبير ونضج فكري واحساس شعري ولكنه لا يخرج عن دائرة النثر ولاينتمي للشعر الا بقدر ما يتضمن من عمق فكري واحساس شعري بما يدور في افكار المبدع. نحن مع تطوير كل الفنون ونزهو بما يقدمه اي مبدع ولكن بعيدا عن (التهويل) وتسمية الاشياء (بغير اسمائها) نعم هنالك من يكتب بذكاء وملكات خاصة واسلوب ابداعي وهو جدير بالتقدير والاحترام لكل مايقدم في فضاءات الكتابة والفن والجمال ولكن دون تجاوز الحدود والضحك على الذقون واحتفاء بصفات لاتنسجم مع واقع الحال .
لقد فتحت انشودة (قصيدة النثر) للمئات من لايمتلكون اي امكانيات وليس لديهم المؤهلات الضرورية لكتابة الشعر وعدم استيعابهم للشروط الضرورية لذلك وعلى رأسها الاطلاع على الرصيد الهائل من الشعر سواء كان حديثا ام قديما عربيا او عالميا اضافة للتعرف على اوزارهن للشعر ومحاور البلاغة وكثيرة هي القصائد والكتابات التى تدخل تحت خيمة (موسيقى قصيدة النثر) التى لاتمت للشعر بأي صلة وربما تكون نوعا من (التركيبات) اللفظية ومحاولات لاجتذاب الانتباه ومفاجاه (المتلقي) بفكرة عابرة لايقف عندها فكر او نشاط فني او ابداعي كلمات تنطلق في فضاءات باهته بعيدة عن النضج الفكري واكتشاف المجهول الذي لايدور في كل الاذهان وليس من السهولة اقتناصه وتقديمه باطار فني جميل وتركيب ابداعي مقنع يعكس مدى ثقافة وقدرة المبدع على التعبير عن حالة او فكرة او تاريخ محدد
ليس هناك من يقف بوجهه الابداع الذي يشكل طوفانا انسانيا زاخرا بالصور الرائعة وامتداد لتاريخ فكري عريق ولكن ان ترواغ بشكل (ساذج) ومحاولات اطلاق عناوين لامكان لها على ارض الواقع الفكري الابداعي لعل فيها يصلنا من نصوص اجنبية تؤكد على ان البعض يقودون حملة تدريجية .. لامكان لها .. ولاتقف على تدمين
الموسيقى عالم واسع لا حدود له تتضوع فيها النغمات الدافئة الناعمة وفيها ضجيج الرياح وصخب الامواج وترانيم الصلوات واغاني الحب والامل الحماس والعالم كله .