معالجات منطقية لأزمات العشوائيات – جاسم مراد
عندما تقرر الدولة توظيف الطاقات الخلاقة ، شبابية وعلمية واكاديمية وفنية ، فإنها يقينا تصل عبر مسيرة العمل للأهداف العليا في فترات زمنية متعاقبة ، والدولة التي تعتمد ضوابط القوانين وتمثلها سلطة تنفيذية صاحبة القرار في رسم الخطط وتنفيذها ، فأنها بالتأكيد تكون مراحل التنفيذ السنوية والخمسية على وفق البرنامج المرصود لهذه الغاية قد حققت غاياتها . المهم في كل ذلك أن تكون هناك سلطة واحدة تنجز المهام وتحاسب على الضعف والخلل ، وليس سلطات متعددة ومواقف متقاربة حيناً ومتباعدة أحيان أخرى ، ومثل هذه المواقف والسلوكيات السياسية هي احدى المعابر نحو الديمقراطية الواعدة ، وليست كما يقال في بعض منابر السياسيين من إن هذا السلوك هو بالضد من الديمقراطية ، فالديمقراطية كما هو معلوم نظام عمل تربوي وفكري واقتصادي واجتماعي وبنيوي حضاري ، وليست فوضى الصراعات والمناكفات والتفسيرات السياسية المتعددة لكل حزب وكيان وتجمع سياسي بما يخدمه وليس بما يعزز الدولة المؤسساتية.
ففي الطريق الممتد بين القاهرة والإسكندرية والبالغ _ 250_ كيلو متراً هناك حالتان تشدك اليهما ، اولاً الطريق منظم وفق احدث التقنيات فهو يحتوي في الجانب الذاهب الى الإسكندرية على خمسة خطوط لسير المركبات الصغيرة إحدى تلك الخطوط مخصص للتوقف اثناء العطل والباقي لحركة المركبات ، ويمنع على المركبات الكبيرة السير في هذا الشارع بتاتا فهناك خط سير موازي لهذا الطريق للمركبات ذات الاحمال الكبيرة ، وبعدما تقطع ثلاثة كيلو مترات تقابلك إشارة توقف اجبارية يدفع السائق _20_ جنيهاً مصرياً يحق له الاستمرار في وجهته ، وهذه الجنيهات هي خدمات لتطوير وإصلاح الطريق من الاضرار ، وفي بداية الطريق هناك لافته كبيرة مكتوب عليها (تحيا مصر ) ويتصدرها علم جمهورية مصر العربية وليس اعلام الأحزاب والكيانات السياسية ، ولما سألنا السائق ، اخبرنا أن معظم هذه الطرق الكبيرة والمهمة هي من عمل القوات المسلحة المصرية بخبرات جنودها ومهندسيها ، وهناك الكثير من المعامل والمصانع انتجتها القوات المسلحة وتعطي مردودات اقتصادية ومالية مهمة .
مزارع وحلول للعشوائيات
على الجانب الأيمن للطريق وعلى نفس المسافة ال _ 250_ كيلومترا العشرات من المزارع المنتجة للموز والبرتقال والحمضيات والمانكه والنخيل والخضراوات المتعددة الاشكال والحبوب ، ومعظمها إن لم يكن جميعها تسقى بواسطة الارواء الحديث أي بالرش ، وكذلك تجد مناطق الاستراحة الحديثة والمكيفة ، وبالرغم من كثافة السكان وكثرة الزوار والسواح إلا إن الكهرباء لم تنقطع وهي مستمرة _ 24_ ساعة حتى إنها تغذي المزارع بشكل نظامي ، وقيل لنا إن احدى الشركات الروسية انتجت طاقة كهربائية لمدن ومصانع مهمة بكلفة لا تتعدى _ 30_ مليون دولار وانهم مستمرون على انتاج مصانع الطاقة النووية السلمية لمصر في منطقة الضبعة ، وهذا العمل هو وعي متقدم لإنتاج الطاقة النظيفة التي باتت هاجس الدول المتحضرة.
اختلاف الدرجات
في الإسكندرية المطلة على البحر المتوسط ، يستلقي على البلاجات المئات من السواح من كافة الجنسيات العربية والأجنبية ، وتغص الفنادق على اختلاف درجاتها بالسائحين ، وفي هذه المقاهي نظام عدم تقديم الشيشة _ الناركيلة _ إلا بعد الساعة الثانية عشر بعد الظهر ، وفي أسواق الإسكندرية كماهي أسواق القاهرة لم نلاحظ وجود للمتسولين في الشوارع ولا صبية يطوقون السيارات طلباً للعون ، ولما سألنا عن العشوائيات ، فقيل لنا في كل محافظة خطة للقضاء على العشوائيات عبر إقامة عمارات سكنية واطئة الكلفة على ان يشتغل في انشاؤها معظم شباب العشوائيات وتقديمها للعوائل بأسعار زهيدة وحدث هذا في اكثر من محافظة.
وعند العودة للقاهرة طلبت من مالك سيارة الأجرة أن نرى كيفية يتم معالجة العشوائيات ، وفي منطقة واسعة جدا تنتصب فيها عمارات من ست طوابق واكثر مبنية من الطابوق الأحمر بقياسات واحدة ، فقال لنا السائق هذه مساكن العشوائيات حيث بدأت الدولة عبر استثمارات متعددة على انشاء هذه العمارات واسكان العشوائيات فيها بأسعار معقولة وعلى فترات زمنية بحيث لا ترهق الساكنين من العوائل المحتاجة والفقيرة ، وهذا الامر ينطبق على العاصمة وغيرها من المحافظات ، والملاحظ ايضاً لم نجد وجود دكاكين ومقاهي واكشاك على ارصفة الشوارع ولا في طرق المارة ، مثلما يحدث عندنا في العراق .
أما ما يتعلق بسكنة المقابر فيبدو إن هؤلاء قد تعايشوا مع هذه الحالة بيوت وغرف عامرة وسكان يتزاورون وطرق وسيارات اجرة وعمال ونسوة يجلسن أمام أبواب بيوتهن مطمئنات غير خائفات ، ولكن حتى هذه الحالة هناك تفكير بمعالجتها بعد استكمال مساكن العشوائيات ، إذن مصر تتقدم وهي التي رأيناها الان غير مصر التي عرفناها قبل عشر سنوات.
كنا نود ان نلتقي بعائلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أو احد ابناءه لكن سارت السفن بما لا نريد وهما الوقت وفترة انتهاء ايجار الفندق وفترة طول الموعد الذي تعهد به الينا احد الأصدقاء للوصول الى عائلة الزعيم .