عن مجلة الكلمة ونصوص سمية العبيدي

عن مجلة الكلمة ونصوص سمية العبيدي

إستذكارات وآراء

سعد الدين خضر

بغداد

في تجاوز ذكي لشروط قانون المطبوعات العراقي رقم 155 لسنة 1967 أصدر الأديب الموسوعي حميد المطبعي مجلة (الكلمة) في النجف الأشرف على أنها (حلقات أدبية تعنى بالشكل الأدبي الحديث، ولكنها لا تلتزم به تعبيرا بالضرورة ) …، صدرت (الكلمة) مجلة بصيغة (كتاب دوري) ..!!، صدرت الحلقة الأولى منها في (شباط 1967) وأستمرت تصدر في النجف حتى نقلها راعيها ومحررها حميد المطبعي الى بغداد عام 1968 … وقد مثلت تلك المطبوعة يومذاك تحولاً في التعبير (عما يعتمل في نفوس الشباب ورغبة في الأنطلاق في خضمّ الحياة …) كما كتب عنها الناقد الراحل الدكتور علي جواد الطاهر .  فعلا، جاءت (الكلمة) كمنشور طليعي مفتوح لكل أشكال التعبير الفني من شعر ونقد وقص ومقال.. وقد لاحظ الوسط الثقافي العراقي آنذاك (جديد) النتاجات الأدبية وجرأة الكتابة الأبداعية في (الكلمة)، ولم يكن حميد المطبعي وحده في هذه التجربة الجسورة، بل كان معه وحوله والى جانبه العديد من الأدباء، من شعراء وقصاصين ونقاد، نذكر منهم مثلا عبدالأمير معله وحميد سعيد وخالد علي مصطفى وسامي مهدي وعبدالجبار عباس وعبدالرحمن طهمازي وموفق خضر وعبدالاله الصائغ وشريف الربيعي وموسى كريدي ومصطفى جمال الدين ومحمد أمين الحلفي وملك مهدي (الأعلامية زوجة الراحل موفق خضر) وغازي العبادي وطراد الكبيسي ونجيب المانع وشاذل طاقة وفوزي كريم وميّ مظفر وعبدالملك نوري وعائد خصباك ويوسف الحيدري وعبدالجبار داؤد البصري.. ونخبة رائعة من المبدعين لايتسع المجال لذكرهم..

 وكانت من مزايا الكلمة أنها صدرت بجهد خاص غير حكومي وبأمكانات محدودة بسيطة وانها أتاحت فرص النشر لكثير من الأقلام الصاعدة الواعدة التي كان لها فيما بعد شأنها المعروف في حركة الثقافة العراقية وتيار الحداثة والتجديد… فضلا عن إسهام العديد من الأسماء اللامعة في تحريرها والنشر فيها رغم أن نصوصهم وكتاباتهم مرحب بها في كبريات المجلات الثقافية…

لم أحظ بالحلقة الأولى (العدد الأول) من (الكلمة)..، بل حظيت بالحلقة الثانية الصادرة في مارس 1967 أي في شهر آذار من ذلك العام.. وفي ذلك العدد قرأت تعقيبات وملاحظات على بعض قصائد العدد الأول كتبها السيد محمد أمين الحلفي، ومنها عن قصيدة الشاعرة سمية العبيدي وعنوانها (السر أتعبه السكوت).. وكان رأي الناقد الحلفي (أن العبيدي تحمل معها سرا وهنا تحاول أن تغشيه عنا.. لو بقي سرا لكان أفضل لها، صحيح أنها جزء من تجربة تمر بها المرأة العربية في هذا العصر، ويبقى هذا السر مكهونا نتيجة الوعيد والخوف فلا تريدي هي أن تكون الضحية لبنات جنسها.. نحن نريد صراخا فنيا متكامل الخلق لا همسات خائفة..، بناء القصيدة يسقط نسقا في هذا الحشو اللفظي وعطش القافية والنحت في الحد الذي يناقض الشعر حضاريا) !!؟؟ هكذا قرأ السيد محمد أمين الحلفي قصيدة سمية العبيدي، رغم أن السيد عبدالرحمن طهمازي من جهة أخرى قد تناول في ذات العدد قصائد العدد الماضي ومنها (الصيف يجرح الصمت) لحميد المطبعي، (الشيء) لمحمد طالب محمد و (المعبد المهجور) لهادي الحداد و (الاشكال الرابع) عبدالأمير معلة و (عيناك مرفأي) مصطفى جمال الدين

و (موضوع) عبدالاله الصائغ… وتلك هي العادة التي درجت عليها مجلة الآداب اللبنانية الرائدة في باب (قرأت في العدد الماضي) كما هو معلوم.

وعقب انصرام عقود القرن العشرين وحلول القرن الجديد، أتيح لي أن اقرأ في بعض الصحف.. وفي يومية (المشرق) العامرة بالذات قصائد ونصوص وقصص سمية العبيدي… ولكأنها تتصل ابداعا ببداياتها المبكرة، وتتواصل..، ولكن..، هيهات..، هيهات لقارئ عابر أن يمسك بخيوط نسيجها السردي، أو يناوش خط التماس الأول في مقارباتها النصيّة… هيهات، إن لم يكن قارئا متابعا دؤوبا يتلقف أوراق الأبداع… أوراق القص والنص والنقد والمقال.. ناهيك عن الشعر..!!؟؟

قرأت في نصوص سمية العبيدي ما طاب لي..، في القصة القصيرة قرأت :- وجه في المرآة، المرأة في الكرسي الهزاز، ولم أعثر على قصتها المنشورة في صحيفة الفتيان (المزمار) وعنوانها (الرداء الأزرق).. وفي النص الشعري قرأت :- الأصدقاء، خصام، فضفاض، الرقص في غابات العوسج، ترتيلة الى بغداد، مطفأة الوعد، زهو، حتى هذا، أناشيد الرحيل..، أما نصها بعنوان (دمي) فقد نشرتها المشرق يوم 17/12/2013 وأعادت نشره يوم 11/1/2014، وربما للشاعرة بعض النصوص التي لم أعثر عليها، وحبذا لو توفرت لنا فرصة مطالعتها..، على أية حال..، فإن سمية العبيدي تعترف بأن الشعر عندها (مخاض).. و (ألم لذيذ ينتهي بالولادة.. ولادة القصيدة) وترى أن القصيدة موجودة في (وعي) الشاعر.. أو في (لاوعيه) أو في كليهما  مقالها : نظرة في الشعر جريدة (المشرق) يوم 2/1/2014.

الشاعرة إذن تغامر في (تنظير) أصول أحد الأجناس الإبداعية حتى لو كان مبدع هذا الجنس – تقصد الشاعر – معتصما في صومعته المتخيلة أحيانا..!!

وأنا أقرأ نصوص سمية العبيدي أتخيل انفعالاتها الأنثوية التي تضعنا أمام تشابك حسي تتمخض عنه صورة (الذات) أعني (الأنا الشاعرة) للأيقاع بالآخر، القارئ، وحشره وحصره في حيرة التفسير، تفسير النص، كمقدمة لفهمه وقبوله أو الأنقلاب عليه ورفضه….!! وفي سياقات جملها الشعرية البسيطة والساذجة أحيانا، نلحظ أن لدى الشاعرة تقاطعات سردية تقترب من بنية الحكاية العابرة، حكاية ذاتية صميمية شفافة، تتوفر على تساؤلات أزلية.. كما في نصها (دمي) :- (فمتى تستقر أجداث النساء في قبور كريمة)؟ وفي ترتيلة الى بغداد نقرأ :

(أين النضارة والنضار أين النخيل له سموق… الخ)…. بينما تتساءل في نصها (فضفاض) :

(الليل فضفاض والنهار طويل وما الى وطني سبيل) ولكأنها ترسل نصوصها للقارئ بلاغات… بلاغات غربة وحزن، حتى في نصها الشعري (زهو) : (بالزهو برز القتيل لموضعه لما يحين.. انه كان شيخا متخما يشم الحياة وأهلها أو كان في رحم جنين…).

ولكن الشاعرة ارتضت تأسيس مشروعها النصي على مرتكزات التأويل والرمز واللغز.. رغم أنها لم تكن محايدة في مقارباتها النصية : شعرا وقصا، وتلك ميزة تحسب لها لا عليها.