زمان جديد ذكريات لا تنسى مع البياتي
هادي الحسيني
بعد وصولي الى العاصمة الاردنية عمان في العام 1933 اضطررت الى العمل ساعات طويلة لتعويض جوعي وحرماني وبعد أن أصبح في جيبي مبلغ جيد من المال، ذهبت الى مقهى السنترال لالتقي مجموعة من الشعراء والفنانين.
وقبل ذلك كنا وأصدقائي طردنا من الغرفة التي سكناها مع عماد العراقي الذي غادرنا الى فنلندا لاحقاً. جئت الى فندق السلطان الذي كنا نجلس فيه ايام شهر رمضان بسبب اغلاق المطاعم والمقاهي في هذا الشهر، وعند باب الفندق التقيت بصديق قديم اسمه صباح الندائي وهو فنان تشكيلي ويعمل خياطاً في العاصمة عمّان التي وصلها عام 1993.
استقلينا تكسي الى بيت عبدالله حمدان الذي دعا البياتي واصدقائه، كان البياتي والمطرب حسين البصري وأنا حين وصلت بنا التكسي الى المنطقة التي يسكنها حمدان، وكانت عبارة عن حي سكني رائع وجميل بعماراته المتشابهة والجميلة وشوارعه واضوائه، كل شيء كان جميلا وكأننا دخلنا الى واحد من احياء مدينة أوربية، لم أشاهد طيلة فترة بقائي في عمّان مثل هذا الحي الجميل، دخلنا الشقة التي تبدأ بمدخل كبير يؤدي الى صالتها، كانت الصالة كبيرة جداً وأنيقة في نفس الوقت. وقبل فترة قصيرة كان البياتي قد اشترى شقة بمساحة اقل من نصف مساحة شقة عبد الله حمدان وبسعر جاوز الخميسن ألف دينار أردني.
أشعل البياتي سيجارته وهو يرتشف من كأسه في المائدة الفاخرة التي قدمها لنا حمدان، قال البياتي المثقف العراقي هذه الايام ينام على الرصيف ولا يحصل على قوت ابنائه داخل وخارج العراق. تألم البياتي كثيرا حيث كنا في ذلك اليوم نرزح تحت طائلة الجوع والحرمان في بلد مثل الاردن. حاولنا تغيير الذائقة التي تعكرت بسماعنا الحديث، ليبدأ حسين البصري من جديد يطربنا بأغانيه الجميلة التي جعلت البياتي يكون في حالة سعادة يرافقها بكاؤه المستمر حين يناغي عوده البصري في موال من مواويله الحزينة. بعد منتصف الليل غادرنا شقة عبدالله حمدان الذي قدم لنا كل شيء بكرم وطيبة نفس عالية. ثم أستقلينا تكسي لنوصل البياتي الى بيته لأذهب مع حسين البصري الى وسط البلد بعد أن أوصلته الى فندقه، وحين دخلت شقتنا رأيت الجميع يضحك على الشيخ كاظم جياد الذي استمر في شربه حتى الصباح وهو في غاية السعادة بعد أن التقى البياتي وحسين البصري في الامسية. كان ستار البيروتي يشكو من الزائدة وكان لابد له أن يجري عملية جراحية وإلا سيواجه مصيراً مجهولاً، اصطحبه في اليوم الثاني صديق آخر اسمه نعيم النومي ولا اعرف من اين جاءت تسميته بالنومي، وكان خبيراً في تزوير الجوازات والفيزا واشياء أخرى ويعمل خطاطاً، أخذ البيروتي الى احدى المستشفيات وأدخله بعد أن وافق على شروط المستشفى كاملة بضمان جواز سفره العراقي حتى يجلب لهم المبلغ الكبير لاجراء العملية، ولان حالة البيروتي على وشك الانفجار، أجريت له العملية على الفور، في اليوم الثاني وبعد أن تحسنت حالته وغادر منطقة الخطر، رتب النومي لعملية تهريب البيروتي من المستشفى، وقد نجحت خطته بتهريبه من دون أن يودعوا درهماً واحداً للمستشفى الاهلي الذي كان ثمنه خيالياً بالنسبة لنا. وقد تدبر نعيم النومي مشكلة جوازه المرهون لدى المستشفى بطرق غريبة لا تخلو من الذكاء الكبير. وأثناء تواجد البيروتي في الشقة اقمنا له بالعناية الفائقة كونه قد خرج من عملية جراحية، وقد جاء بعض الاصدقاء لزيارته.
AZP20