درس الإنشاء وادامة اللغة العربية

درس الإنشاء وادامة اللغة العربية
العرب لا يبدأون بساكن ولا يقفون عند متحرك
الانشاء والتعبير والخطابة، الثلاثة مصطلحات مترابطة بحلقة اللغة وادامتها على المستويين التربوي الخاص والثقافي العام هذه المتوالية في اللغة التي ما انفكت تلازم المتعلمين منذ الصغر حتى سنين عمرهم المتقدمة صبيان او فتياناً وحتى بلوغ الشباب فتكون لديه عدة يستطيع بوساطتها ان يفك لغز اللغة ومخرجاتها مستعينا بصندوق الحركات المضافة الى الحروف والكلمات ليصبح لديه معجماً صغيراً في ذاكرته تمكنه من الحفاظ على لغته الام وتنميتها.
والانشاء هو حجر الاساس الاول في زاوية المتانة اللغوية ورصانة مفرداتها وتحصينها من اللحن والتعثر واللغو، وتاتي مهمة التربوي في الدرجة الاولى في كيفية تدرج التلاميذ والطلاب والاخذ بايديهم لبلاغ الغاية.
والفكرة او الحكاية اليسيرة مثل القصة او الاقصوصة هي نواة الشروع في بناء موضوعة الانشاء، فيطرح المعلم متن حكائي ليشرع الطلاب بكتابة مواضيعهم مستلهمين من تلك الفكرة سرداً مدوناً ينتقلون فيه من مكان الى اخر او من حدث الى حدث وكل طالب حسب امكانياته وقدراته.
ويقسم المعلم موضوعة الا نشاء الى مقدمة واستهلال في الدخول في سير الحكاية والغور في تفاصيلها ويوصي طلابه ان يضعوا خلاصة تعطي الغاية من هذا الموضوع على شكل عبرة حياتية او حكمة موضوعية .. الخ والانشاء لوحده غير كاف حتى يبلغ الطالب حسن التعبير. فيبدأ المعلم بسماع طلابه وهم يتلون عليه مواضيعهم واحداً واحداً، فيستوقفهم مرات عدة وهو يدلهم على مواطن الخطأ ويصحح لهم في اللفظ والنحو ويضع لهم مناطق الوقوف والاستمرار في محددات الكتابة والتعبير مثل النقطة، والفارزة، والاستفهام، وحتى علامة التعجب، ويعينهم على اضافة بعض التغييرات الاكثر فصاحة واوسع حكماً في اللغة ليزيدهم قدرة على قيادة الجملة وايصال المعنى، والتعبير لا ينحسر في مدة الدرس فحسب بل يوصي المعلم طلابه بكثرة المطالعة والاستعانة بمكتبة المدرسة ليحصلوا على اكبر خزين من المفردات اللغوية التي تفيدهم في اختزال السرد الذي يذهب المعنى الاساس للحكاية او الموضوع (الانشاء) واتقان الانشاء تعبيراً يعني تمكن الطالب الكاتب من الامساك بالكثير من الادوات التي تجعله قادراً على الخوض في كتابة اي موضوع ويصبح قادراً على الاقتباسات والاستعارة في اللغة بما يتوافق واسلوب وهدف انشائه مثل ايات من القران الكريم او ابيات من قصائد شعرية لها وقع في صياغة الموضوع .. الخ.
وما بين طالب منشئ واخر معبر جيد يستطيع المعلم ان يشخص نوعاً ثالثاً من طلابه الا وهو الطالب الخطيب.
والخطابة عامة هي بحاجة الى من يكتب بتركيز واختصار وتعبير فصيح تمام وشجاعة في الاداء والتلاوة.
وللخطيب سمات يمتاز بها غير الانشاء والتعبير منها قوة الصوت واجادة التعبير بالايماءة والوصف والاشارة المحدودة.. ويكون قوي الملاحظة يعرف مواطن النبر والتوكيد مسترسلا بموضوعه (الخطاب) من غير تكلف قليل المدح والذم يختصر المقدمة والاستهلال ويصيب الهدف بتروئها وله المقدرة على التلوين في الالقاء مبتعداً عن المسميات باسماءها الا ما ندر وافضلهم من يلقي خطابه بغير كلام مكتوب (ارتجالا) يرتقي المنبر ويغادره بذات النفس والقوة والاحساس من دون تغيير او اجهاد. فاعظم واقدر الخطاء هو من يبقى محافظاً على اتزانه منذ الكلمة الاولى حتى النهاية.
ويشهد التاريخ العربي الكثير من رجالات الخطابة في ميادين شتى وقد اصبحوا اعمدة ذوي صفحات في كتب النحو والمطالعة والنصوص والانشاء.
واليوم ونحن نطالع في دفاتر ابنائنا الطلبة ونتحدث معهم فلم نجد تلك الهمة وذلك الاقدام الواسع على هذا الدرس الحيوي الذي يصون اللغة العربية ويحافظ عليها فما يلبث بعض الطلاب ان يمسك القلم حتى يتعثر ويتوقف عن الكتابة ليستعين في البيت باخرين او يلجأ الى مواقع الانترنت للحصول على غايته في تحضير واجب الانشاء المطلوب منه في الصف لليوم التالي.
وتحضرني هنا طريقة عن الكاتب الكبير (مكسيم غوركي) حين طلب المعلم ان يكتبوا موضوعا تحت عنوان (ماذا تفعل لو اصبحت مليونيراً) فهم جميع الطلاب بالكتابة الا مكسيم غوركي الذي لم يكتب شيئاً، وعندما ساله المعلم لماذا لا تكتب اجاب (لا اظن انني سافعل شيئاً اذا اصبحت مليونيراً) وهنا اجاب مكسيم المعلم ابلغ اجابة وافضل تعبير وقدرة على المواجهة.
عبد الكريم سلمان – بغداد
AZPPPL

مشاركة