تلك الكتب

تلك الكتب

الأدباء والإقامة في القطر الآخر

عندما التقيت بالقاص والروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي خلال زيارته لوطنه العراق اقترحت عليه ان نتعاون معه باعداد ملف عنه، على ان يكون مكتوبا بكل محتوياته من الادباء والنقاد التونسيين، وقد اخذت بنظر الاعتبار ان الربيعي عاش اكثر من عشرين عاما في تونس، واصدر طبعات جديدة لكل مؤلفاته فيها، وكتب بعض اعماله في ربوعها، وكان ومايزال يواصل النشر في صحفها ومجلاتها، ويعمل في ابرز واهم مجلة ثقافية تونسية هي الحياة  الثقافية، وانه امتزج بالواقع الثقافي التونسي واصبح واحدا من ادباء تونس، وانه على اساس ذلك قد مارس تاثيرا وحضورا في هذا الواقع الى الحد الذي يمكن فيه ان يكون موضوعا  لدراسات ومقالات تونسية، وتتناول اعماله وتاثيره وحضوره في الحياة الثقافية التونسية.

وهذا ليس افتراضا، وانما كتبت عن الربيعي الكثير من الدراسات والمقالات وصدرت  عنه كتب نقدية، كما انه كتب الكثير من المقالات عن النتاجات الادبية التونسية بل ان اغلب الكتب النقدية للربيعي هي نتاج اقامته في تونس.

ولم يكن هدفي من هذا المقترح اصدار ملف ادبي مختلف عن الملفات الاخرى، وان يكون احتفاليا ونقديا باديب عربي باقلام من خارج بلده فقط، وانما لانني ارى من خلاله ان اقدم وانجز عملا يعزز من الهوية القومية للادب العربي في اي قطر يحل ويعمل فيه، وتكون له اقامة معينة في ربوعه.

فقد عاش ادباء عرب في اقطار عربية غير الاقطار التي ولدوا فيها وقطعوا مراحل من الدراسة والتاليف في ربوعها ولكن الدراسات والمقالات عن حضورهم ودورهم في هذه الاقطار قليلة او معدومة ، بل تكاد تكون اقرب الى السبات  والغياب بالنسبة لبعض الادباء.

فقد عاش وعمل الكثير من الادباء العراقيين في الاردن وليبيا، وعاش وعمل ادباء اردنيون في العراق وكان العدد كبير من الادباء العرب نشأوا في عدد من امارات الخليج العربي، وفي اليمن ولبنان وسوريا، وقضى الجواهري سنوات طويلة في سوريا واقطار اخرى، وذلك ما ينطبق على  البياتي، ويمكن القول: ان معظم الادباء الذين عاشوا وعملوا في اقطار غير اقطار مسقط الراس كانوا موضع حفاوة وتقدير من ادباء ومثقفي هذه الاقطار ولكن مثل هذه الحفاوة والتقدير لم ينعكس على ما كتب عن هؤلاء الادباء من دراسات ومقالات واستذكارات.

وقد يكون بعض الادباء حالة استثنائية، ولكن من المهم والضروري ان نشعر جميعا باننا ابناء امة واحدة وثقافة واحدة، وان نحتفي بالادباء العرب الذين يحلون في ربوعنا، وان نعد عنهم الدراسات  والمقالات، وان نعمم ذلك على الاعلام بحيث تصدر عنهم ملفات ومحاور في الصحف ووسائل الاعلام الاخرى.

ويمتلك مثل هذا التوجه اهمية كبيرة وضرورية في ظل تدهور العلاقة بين الاقطار العربية وضعف العمل القومي، وضعف اداء المؤسسات القومية، اذ يعزز من التواصل القومي بين الادباء العرب، ويجعل اي قطر عربي وطنا لكل من يعمل ويحل فيه من الادباء العرب، ولذلك تأثيره في المواطنين العرب.

وقد كان الادب العربي ديوان العرب، وكان بعد القران الكريم قد مارس اهم الادوار في وحدة واستمرار الثقافة العربية، وما احوج هذه الثقافة الى مثل هذه الادوار، بما يعزز من قدرتها على استيعاب المتغيرات، وتحديات الانقسامات السياسية القطرية.

رزاق إبراهيم حسن