الأتراك يتخلون عن بعض طقوسهم الرمضانية بسبب وباء كورونا
الصائمون تقبلوا الحظر الجزئي بعدم إقامة الصلاة
في الجوامع حفاظاً على حياتهم من الوباء
رجال الدين: شهر رمضان أوسع الأبواب الإلهية العظيمة لقبول توبة العباد
صلاح الربيعي
تعميقا للقيم الإنسانية والإيمانية الرئيس أردوغان يتناول الافطار في بيت احدى العوائل التركية في أنقرة .
المواد الغذائية الأساسية التركية حافظت على أسعارها المقبولة رغم التقلبات الاقتصادية .
الأتراك يتطلعون الى يوم تزول فيه مخاطر كوفيد ليعودوا لحياتهم الطبيعية .
البلديات التركية وبعض الجمعيات الإنسانية تؤمن وجبات إفطار مجانية للصائمين.
مع حلول شهر رمضان الفضيل من كل عام تحتفل تركيا بأيامه الايمانية الروحانية المميزة التي ترتبط بالشهور القمرية وفقا للحسابات الفلكية التي اعتمدتها الحكومة التركية منذ وقت طويل وهذا عكس الدول الإسلامية الأخرى التي تعتمد المنظار أو العين المجردة لرؤية هلال الشهر الكريم ومن بين الدول الاسلامية تتميز تركيا ببعض العادات والتقاليد والطقوس الرمضانية الدينية المتوارثة منذ سنوات طويلة حتى ظهور جائحة كورونا التي انعكست تداعياتها الصحية الخطيرة ليس على تركيا فحسب وانما انسحبت آثار تلك الجائحة على مجمل الفعاليات الانسانية والاجتماعية والرسمية في العالم وهذا ماغير المشهد الرمضاني السائد في عموم المدن التركية التي كانت تشهد تحضيرات مسبقة للاحتفال بهذا الشهر العظيم الذي يطلق عليه الاتراك تسمية سلطان الشهور حيث يتم تزيين شرفات البيوت والمجمعات السكنية العمودية ومنارات المساجد والجوامع بالأضوية الملونة كترحيب بشهر المغفرة والرحمة من خلال نشر عبارة أهلا وسهلا بك يارمضان وترفع بلافتات ونشرات ضوئية متحركة على واجهات الجوامع والمساجد والبنايات العالية تيمنا بمكانة الشهر الكريم واللافت ان الاسواق التركية.
اسعار مواد
وبالرغم من التقلبات السياسية والاقتصادية التي أصابت العالم قد حافظت على استقرار اسعار المواد الغذائية الأساسية فيها ولم تشهد تلك الاسواق حركة للمتبضعين كما كان سائدا في شهر رمضان بالسنوات الماضية التي سبقت ظهور وباء كورونا وبسبب الإجراءات الصحية الوقائية الاحترازية التي اتخذتها الحكومة لتفادي الاصابة بالوباء فقد انحسرت الفعاليات والطقوس الرمضانية في البيوت وبعض الاماكن المحدودة خارج مراكز المدن التركية التي قبل اهاليها بالحظر الجزئي الذي نظمته السلطات المعنية في تركيا وبقناعة كاملة حفاظا على صحتهم وحياتهم من مخاطر الوباء الذي خيم على الجميع منذ شهور ومع هذا فان الكثير من الاتراك سيما في أنقرة قد استثمروا الايام العادية قبل حلول الشهر الكريم والبدء في شراء تحضير مايحتاجونه من مستلزمات ومواد غذائية تتطلبها الموائد الرمضانية من الاسواق القريبة الى أماكن سكناهم تحسبا الى اجراءات ممكن ان تكون أكثر تشددا اذا ماتصاعدت الاصابات بين الناس بهذا الوباء اللعين الذي حرمهم من الطقوس الاعتيادية التي كانوا يمارسونها قبل وجود الوباء وفي مثل هذه الايام المباركة تعرض المحال التجارية في عموم الاسواق التركية مختلف الحلويات والمكسرات واللحوم والاسماك والخضروات وكثير من المواد الغذائية الاساسية التي مازالت اسعارها مقبولة رغم الأحوال الاقتصادية العالمية المتقلبة وتتضمن موائد افطار معظم العوائل التركية الجبن والبسطرمة والزيتون بأنواعه المختلفة وبعض من الاطعمة المنوعة التي يفضلها الأتراك في وجبة الافطار بعد أن يرفع الآذان في الجوامع والمساجد التي بدت خالية من المصلين كوقاية صحية وتنفيذا لتوجيهات الحكومة ومؤسساتها الصحية التي تسعى وبشكل حثيث للتقليل من اصابات كوفيد 19 بين صفوف الناس ومع دخول وقت وساعة الافطار يبدأ الصائمون بتناول القليل من التمر واللبن أو الزيتون ثم يقيمون الصلاة في بيوتهم وليس كما هو الحال سابقا حيث تمتلئ الجوامع والمساجد بالمصلين وبعد الانتهاء من الصلاة يكملون افطارهم بما رزقهم الله من فضله وخيراته حيث تتصدر موائدهم أطباق الشوربة الساخنة وهي من الأطعمة الأساسية في المائدة التركية في حين تعتبر الكنافة والقلاش أو الكلاج والبقلاوة من أكثر الحلويات التي يقبل عليها الأتراك في شهر رمضان المبارك.
وجبة افطار
كما تقوم المخابز والأفران في جميع أنحاء تركيا باعداد نوع مميز من الخبز والمعروف باسم خبز بيدا وهو من أهم أصناف وجبة الإفطار في رمضان التي تعد غير مكتملة في حال لم يكن خبز بيدا الطازج من ضمنها واستمرارا للعادة التي وضع أسسها الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان في فترة توليه لرئاسة الحكومة في عام 1996 تقيم العديد من البلديات في تركيا خيما وسرادق رمضانية في الميادين والأماكن العامة لتقديم طعام الإفطار المجاني لكل من يدركه وقت الإفطار خارج منزله حيث يتسابق رجال الأعمال والأثرياء في تركيا خلال الشهر الفضيل في إقامة موائد الرحمن زكاة عن أموالهم وتجاراتهم والتماسا للأجر وكسب الثواب في هذا الشهر الكريم كما تقوم العديد من الجمعيات الانسانية الخيرية بإعداد الموائد المجانية في سرادق كبيرة يتوجه اليها اعداد كبيرة من الصائمين قبيل الافطار ولكن بسبب جائحة كورونا فقد اقتصرت تلك الفعاليات الخيرية الرمضانية على الوجبات الجاهزة وتعتبر بلدية إسطنبول وبلدية أنقرة أولى البلديات التركية التي تقدم طعام الافطار في الشوارع والميادين العامة مجانا ولنفس السبب وحرصا على سلامة وصحة المصلين والصائمين من الوباء فقد اكتفت الجوامع والمساجد التركية برفع الآذان وقراءة الادعية الرمضانية التي يتضرع فيها المسلمون عند الرب الكريم بقبول الدعاء وذلك من خلال مكبرات الصوت الموجودة على مآذن تلك الجوامع المنتشرة بشكل واسع في عموم المدن التركية واشهرها جامع السلطان أحمد التأريخي كونه يتضمن العديد من مقابر الأولياء والسلاطين العثمانيين فيما يعكف الكثير من الصائمين خلال الشهر الفضيل على قراءة القرآن الكريم تقربا لله العظيم وتبركا بمضامينه الايمانية السامية ومن العادات الرمضانية الشهيرة الأخرى لدى الاتراك قيام الرجال والسيدات بزيارة جامع الخرقة الشريفة بحي الفاتح في اسطنبول لمشاهدة الخرقة النبوية الشريفة التي نقلها السلطان سليم من الحجاز الى اسطنبول أثناء حكمه للدولة العثمانية وهذه الخرقة محفوظة في جامع الخرقة الشريفة منذ تأسيسه عام 1853م حيث سمح السلطان عبد الحميد الثاني بفتح صندوق الخرقة الشريفة لعرضها على المواطنين في شهر رمضان المبارك كما انحسر التزاور بين العائلات والاقارب الذي كان سائدا قبل وجود الوباء حيث كانت اغلب العوائل التركية تقضي أوقاتها بعد الافطار والصلاة في اللقاءات مع الاهل والاقارب والاصدقاء حتى تحين ساعة السحور التي يسبقها صوت طبل المسحراتي أو مايسمى عند العراقيين البغداديين ابو طبيلة الذي يجوب شوارع وأزقة المدن التركية ليوقظ المسلمين الصائمين النائمين ليتناولوا طعام السحور الذي غالبا مايكون من المعجنات وبعض الحلويات كالأرز بالحليب والمربيات المختلفة الأنواع والزيتون والجبن الأبيض والتمر المجفف والفطائر وبعض العصائر الطبيعية وكثقافة تركية انسانية طيبة قديمة متوارثة تقوم بعض العوائل التركية بتبادل أطباق الطعام فيما بينها تعزيزا لأواصر العلاقات الانسانية والاخوية والاجتماعية التي من شأنها أن تخلق أجواء الالفة والمحبة بين المسلمين كما يشهد الشهر اقامة صلاة التراويح والاكثار من الصدقات والزكاة وقراءة القران بطريقة المقابلة التي تعتبر ارثا عثمانيا قديما كما يتلو أصحاب الأصوات المميزة جزءا من القرآن الكريم يوميا عبر مكبرات الصوت في الجوامع والمساجد تقربا الى الله عز وجل وتيمنا بشهر رمضان المبارك الذي تهدف ايامه وطقوسه الروحية الى الارتقاء بالانسان نحو القيم السامية العليا التي يريدها الله عز وجل لعباده المؤمنين وتحثه لاغتنام الفرص من أجل محاسبة نفسه وماقدمه من عمل خلال حياته وليتجنب ارتكاب المعاصي أو الخطايا والابتعاد عن الغيبة والنميمة والكذب وغيرها من العادات السيئة وهذه هي الأمور المرجوه من كل العبادات والديانات السماوية العظيمة ولتعميق روح التكافل بين المسلمين في هذا الشهر العظيم فقد أطلقت رئاسة الشؤون الدينية التركية حملة تحت عنوان ومضمون عبادة الانفاق عبر الزكاة أو الصدقة بهدف إيصال المساعدات إلى الفقراء والمحتاجين ومد يد العون لهم أينما كانوا وتعزيزا للقيم الانسانية التي حث عليها الدين الاسلامي الحنيف وتعميقا لروح الألفة والتكافل والمحبة والايمان وفي أول أيام شهر رمضان الكريم فقد زار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان احد بيوت العوائل التركية في أنقرة ليشاركهم طعام الافطار وقد لاقت تلك الزيارة اهتماما واسعا عبر وسائل الصحافة والاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التي وصفت مشاركة اردوغان الافطار مع هذه العائلة بالرسالة الانسانية التي تحفز الجميع على البر والتعاون فيما بين المسلمين بغض النظر عن المسميات والعناوين والمناصب وقد تضرع الصائمون بالدعاء عند الرب الكريم وبحق شهر رمضان الكريم أن يرفع البلاء ويجنب المسلمين وجميع الانسانية في العالم شر الوباء وعاديات الزمن وان تعود الحياة كما كانت آمنة في كل بقاع العالم وان يبقى الجميع تحت مظلة التعايش السلمي والقيم الانسانية التي أقرتها كل الرسالات السماوية العظيمة .