إنشاء مدرسة دينية ضمن أعمال تأهيل الصحن الحسيني

محافظة بغداد تباشر بتطوير مدخل قضاء التاجي

إنشاء مدرسة دينية ضمن أعمال تأهيل الصحن الحسيني

بغداد – ابتهال العربي

كربلاء – محمد فاضل ظاهر

تواصل الملاكات التشغيلية في العتبة الحسينية بكربلاء، أعمال تنفيذ مشروع صحن الامام الحسين، ضمن المرحلة الثانية من التوسعة العمرانية الخارجية، الشاملة بناء مدرسة جديدة للعلوم الدينية. وقال رئيس قسم المشاريع الهندسية في العتبة، حسين رضا مهدي، في تصريح تابعته (الزمان) امس ان (المشروع يتضمن تأهيل أماكن خاصة للعبادة، ومساحات خدمية للزائرين، فضلاً عن انشاء مدرسة جديدة للعلوم الدينية)، مبيناً ان (الاعمال الخدمية الجارية تتضمن رفع الاتربة لنحو 40 ألف متر مكعب).

اسناد متبرعين

ولفت مهدي الى ان (المشروع ينفذ بدعم واسناد متبرعين من داخل العراق، كما سيتم التعاقد مع العتبة الحسينية رسمياً خلال هذه الايام). على صعيد متصل، تشهد مدينة كربلاء، قرب تنفيذ اكبر مشروع للمياه محلياً. وأوضح محافظ كربلاء، نصيف الخطابي، في تصريح امس ان (كربلاء تشهد قريباً تنفيذ اكبر مشروع للمياه على مستوى العراق، بدعم رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني)، مؤكداً ان (المشروع يشكل نقلة نوعية لقطاع المياه في المحافظة)، واضاف ان (العمل جار لتطوير شبكات المياه ومشاريع الاسالة، بما يغطي حاجة السكان)، وشدد وشدد الخطابي خلال جولته التفقدية لمديرية ماء كربلاء، على (ضرورة المتابعة لتحسين خدمة المياه في المحافظة، من اجل تأمين مياه صالحة للاستخدام، والالتزام بمعايير الجودة اثناء عمليات الضخ والتعقيم، فضلاً عن الرقابة الصحية التي تشكل احدى الضمانات الأساسية، بهدف تأمين مياه شرب نظيفة للمواطنين)، بحسب تعبيره، مشيراً الى ان (التعقيم والتصفية اصبحت حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى، بسبب تزايد مصادر تلوث المياه والهواء). الى ذلك، أنجزت ملاكات محافظة بغداد، أعمال مشروع تطوير وتأهيل الشارع الرئيسي لقضاء الطارمية، بطول 4 كيلومترات، بعد تنفيذ جميع متطلبات البنى التحتية الخاصة بالمشروع.  وذكر بيان للمحافظة تلقته (الزمان) امس ان (فرقها الخدمية أنجزت الاعمال الشاملة إكساء وتخطيط الشارع، وتعديل الأرصفة، ونصب مشبكات مجاري جديدة، الى جانب انشاء أعمدة الأنارة في أربعة مقاطع ضمن الطريق)، مشيراً الى ان (قضاء الطارمية يشهد خمسة مشاريع مهمة بمختلف القطاعات الخدمية، يجري العمل فيها ضمن عدة مناطق لتطوير الواقع الخدمي بالقضاء)، وأضاف البيان ان (الأعمال تجري بانسيابية ووتيرة متصاعدة، وسيتم إنجازها بشكل نهائي خلال الأشهر القليلة المقبلة). وباشرت المحافظة، باعمال تبليط مدخل منطقة جرف الملح ضمن قضاء التاجي، باشراف المحافظ عطوان العطواني.

تبليط شوارع

وبحسب بيان امس فان (فرق قسم الشؤون البلدية التابعة الى محافظة بغداد، شرعت بتبليط شوارع جرف الملح ومدخلها الرئيس في القضاء، بمساحة إجمالية تشمل إكساء الشوارع بواقع 164ألف متر مربع، ضمن خطة شاملة لتطوير شبكات الطرق، وتحسين الخدمات للمناطق المحرومة في أطراف العاصمة)، موضحاً ان (العمل يجري بوتيرة متصاعدة، بما يضمن إنجاز المشروع وفق المواصفات الفنية والقياسية، والارتقاء بالواقع الخدمي قضاء التاجي والمناطق المجاورة). وتواصل محافظ بغداد، إنجاز مشاريع المجاري المركزية بمناطق الأطراف بوتيرة العمل، مؤكدة انجاز 46 بالمئة من اعمال المشروع. وقال بيان امس ان (العطواني تفقد المشروع المتضمن إنشاء شبكات تصريف مياه الأمطار، ومحطات الرفع والمعالجة المركزية ومد الأنابيب، لتعزيز الواقع الخدمي في بغداد)، منوهاً الى ان (الإنجاز المتحقق لمشروع مجاري النهروان بالعاصمة بلغ 30 بالمئة، بينما بلغت نسبة الإنجاز المخطط حسب جدول تقدم العمل، 16 بالمئة)، وتابع البيان انه (وجه المحافظ بزيادة أعداد الفرق العاملة في محاور المشروع كافة، بهدف تسريع وتيرة العمل، و إنجاز المشروع قبل الوقت المحدد).

الرواد أيقونة العلم منذ عام 1954

مدرسة يتطوّع المدير لترميم سقفها

الرواد أيقونة العلم منذ عام 1954

بغداد – عامر محسن الغريري

مدرسة الرواد من أقدم المدارس الريفية الابتدائية في قضاء المحمودية، التابع لمحافظة بغداد، حيث تتصدر شعارها: النظافة والنظام وحسن التدريس، وهاجسها الأساسي تأهيل أجيال شبابية محبة للعلم ومتطلعة لخدمة الوطن.

استعدادات مبكرة

مع اقتراب افتتاح العام الدراسي الجديد، تحرص إدارة المدرسة على تهيئة الصفوف وتجهيز الوسائل التعليمية الحديثة، مثل السبورات الذكية ووسائل الإيضاح وأجهزة الكمبيوتر. كما تم تنظيم جولات داخل المدرسة لتفقد صيانة الصفوف، وترتيب الحديقة، وتجهيز المكتبة، لضمان استقبال الطلبة في بيئة تعليمية محفزة وآمنة. وقال  المدير اسكندر هاشم عباس الذي التقيناه كل  المعلمين على أتم الاستعداد لإطلاق البرامج التعليمية والأنشطة الطلابية والمسابقات بين الصفوف منذ اليوم الأول، لضمان بداية سلسة ومثمرة للعام الدراسي. واضاف متحدثا عن واقع المدرسة وطموحاتها، فقال: «أسست مدرسة الرواد الابتدائية سنة 1954 على يد الشيخ الحاج حسين العبد الله في العهد الملكي، بعد أن لاحظ معاناة أهالي المناطق الريفية في التوجه نحو المدينة طلبًا للعلم، بسبب بعد المسافات وقلة وسائل النقل والشوارع الرديئة غير المعبدة. فبادر بإنشاء المدرسة، لتكون محطة استقبال للطلبة الساعين للعلم والمعرفة. واليوم، نجد خريجي هذه المدرسة في مواقع مختلفة، يخدمون وطنهم كالأطباء والمهندسين والمعلمين وأصحاب الرتب العسكرية». وقد نال تفوق المدرسة على صعيد القضاء اهتمام وزارة التربية، حيث زارتها الدكتورة خنساء الراوي، مديرة قسم الإشراف التربوي، وأثنت على جهود الإدارة وكادرها التدريسي، وعلى التزام الطلبة وتطلعهم للنجاح والتفوق، وقدمت للمدرسة كتاب شكر تقديرًا لهذه الجهود.

 وسنحرص هذا العام كما في الاعوام السابقة عل التواجد في الصفوف لمتابعة سير الدروس والوقوف على الصعوبات التي تواجه المعلمين والطلاب، وتذليلها، واردف قائلا:

«أعود بعد الغداء في أغلب الأيام لإنجاز متطلبات الإدارة، وممارسة تنظيم الحديقة المدرسية، والاطلاع على ملحقات المدرسة الأخرى». وقد لاحظنا أثناء جولتنا في المدرسة النظافة والترتيب وأناقة الطلبة، إضافة إلى اللوحات الفنية على جدران المدرسة التي تحث على العلم وتشجع الطلاب على الدراسة، وتعزز علاقتهم بالمدرسة.

مكتبة مدرسية

تتميز مكتبة مدرسة الرواد بأنها مفتوحة الأبواب أمام الطلبة، وتحتوي على كتب وقصص وأطالس تنمي خيال الطالب وتطلق مواهبه وتشبع رغبته في القراءة. كما خصص المدير جناحًا للأشياء الثمينة والقديمة من كتب وهدايا وورود وتحفيات، إضافة إلى لوحة بأسماء مديري المدرسة السابقين وصورهم تكريمًا لهم.

 الرواد التي  تقع في الريف يعمل كادرها التدريسي  على تنظيم مسابقات تعليمية بين الصفوف، لتعزيز روح التنافس والتعلم الإبداعي، مما يرفع من مستوى التحصيل الدراسي ويشجع الطلبة على المشاركة الفاعلة في العملية التعليمية.

لا يقتصر تميز مدرسة الرواد على التفوق الأكاديمي فحسب، بل يمتد ليشمل المواهب الفنية والرياضية للطلبة، حيث يشارك العديد منهم في مسابقات الخطابة والشعر والفنون التشكيلية على صعيد القضاء. كما يقدم المعلمون مبادرات متنوعة في الفعاليات الرياضية والفنية، مما يخلق بيئة مدرسية غنية بالإبداع والتميز. هذه المدرسة ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل منارة للعلم والأخلاق، تجمع بين التفوق الأكاديمي وتنمية المواهب، وتعكس صورة رائعة عن التعاون بين الإدارة والمعلمين والطلبة والأهالي، لتظل دائمًا صرحًا يضيء دروب العلم والمعرفة في قضاء المحمودية.

بعضهم.. قبض ريح – محمد صاحب سلطان

نقطة ضوء

بعضهم.. قبض ريح – محمد صاحب سلطان

من أجمل ما تعلمت على إمتداد سنين العمر ،هي أفكار أولئك الذين يصورون الحياة كلحظات عابرة سرعان ما تختفي بقضها وقضيضها، يتحملون الألم وصعوبة العيش بإبتسامة الرضا والقناعة والقبول بما وهبه الرحمن جل في علاه، فهم مثل شمعة لا تحترق لتذوب، بل تذوب لتتوهج، وتتوهج لكي يرى الآخرون، وعلمتني معاشرتهم والتلمذة على أيديهم الكريمة، من إن المرء لا يعيش ليموت، بل يضحي بنفسه ليعيش الآخرون، وعلموني كيف أبحث عن الحقيقة في الحياة، وكيف أبحث عن الحياة في الحقيقة!، فهم دائماً ما كانوا يذكرون طلبتهم من إن العبرة ليست في طول الحياة أو قصرها بل العبرة في عمق الحياة أو ضحالتها، وإن للإبتسامة في وجوه المتعبين والمظلومين، فعلا سحريا في شفاء نفوسهم العليلة،لإنها في العادة وعن طريق الإبتسام، تأخذ من الحياة أكثر مما تأخذه بالتقطيب والعبوس!

أحد أولئك الأفذاذ إتصلت به قبل أيام  ،فلم يرد ،وخشيت أن يكون قد وقع له أو لعائلته الكريمة مكروه، مما إضطرني إلى الإتصال بقريب له، فرد علي والأسى يعتصر صوته الحزين، من إن أستاذنا يعاني على كبره، عسر الحال ومن ضيق مادي، أجبره على مغادرة داره، لإن راتبه التقاعدي لا يكفي لمتطلبات العائلة بأدنى إحتياجاتها، وأستاذنا هو بروفيسور مختص بالإقتصاد، تأبى نفسه أن يكون تحت جنح من لا ذمة لهم في إدارة الاقتصاد والسوق، من خلال رفضه التعاون مع السراق كمستشار في شركاتهم، من الذين ظهروا بعد أن ضعفت كوابحنا الإجتماعية، فتضخمت وحشية الإكتناز في نفوسهم المريضة، عندها تذكرت إحدى مناقشاته التي حضرتها مستمعا، ومقولته التي أثارت في حينها، الكثير من النقاش الفلسفي المعمق لدى المختصين الحاضرين، داعما بطرحه ما قاله (هوارس ولبول) الذي لخص تجربته الحياتية بالقول (إذا كانت الحياة ملهاة في نظر الإنسان الذي يفكر، فإنها مأساة في نظر الذي يشعر)، إذن الشعور بالآخرين هو الأساس في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، لإن ركائز الحياة البشرية هي الفكر والفعل والقول، ومباهجها هي الحب واللعب والضحك!، أحد الحاضرين و كان من (تجار الصدفة)وأثرياء الزمن الأغبر،  علق متهكما باستهزاء بإن نظرية (الخمط) هي الأساس في الحياة ، إبتسم الأستاذ وهو يردد ما قيل على لسان النبي سليمان (الكل باطل وقبض ريح)، وما عبر عنه الفيلسوف الفرنسي باسكال (لقد أبحرت بنا السفينة وليس في وسعنا سوى أن نمضي)… وهكذا هي الحياة، ناس صاعدة وناس نازلة، ناس ذاوية مثل غصن لم يعد يصلح إلا للنار، وآخرين يشعرون بأنهم كالينابيع لا تملك إلا أن تفيض عطاءا ومحبة، برغم قساوة الحياة التي باتت مثل قارب فارغ علينا أن نملأه، إما بأفعال تسعد، أو بأخرى تحزن، جنبنا الله وإياكم من شرورها!؟

العدوان الإسرائيلي على قطر – أكرم عبد الرزاق المشهداني

العدوان الإسرائيلي على قطر – أكرم عبد الرزاق المشهداني

في تطور غير مسبوق على الساحة الإقليمية، تعرضت دولة قطر لعدوان إسرائيلي مباشر استهدف مقر إقامة الوفد الفلسطيني المفاوض في العاصمة الدوحة، وذلك في التاسع من سبتمبر 2025. هذا الهجوم، الذي أسفر عن استشهاد خمسة من أعضاء حركة حماس، يُعد سابقة خطيرة في تاريخ النزاعات، حيث لم يُسجل من قبل أن قامت دولة باغتيال أعضاء فريق تفاوضي خلال مساعٍ دبلوماسية لحل أزمة قائمة.

لطالما لعبت قطر دوراً محورياً في الوساطات الإقليمية، خاصة في النزاعات المعقدة التي تتطلب توازناً دقيقاً بين الأطراف المتنازعة. وفي ملف غزة، كانت قطر تقود جهوداً مشتركة مع مصر والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل. وقد حظيت هذه الوساطة باهتمام دولي واسع، نظراً لما تمثله من فرصة حقيقية لإنهاء معاناة المدنيين في القطاع.

الهجوم الإسرائيلي، الذي نُفذ باستخدام تكنولوجيا متقدمة ومن خارج الأجواء القطرية، يُفسر على أنه محاولة متعمدة لعرقلة مسار المفاوضات، وإرسال رسالة سياسية مفادها أن إسرائيل لن تتوانى عن استهداف من تعتبرهم خصوماً، حتى داخل أراضي دول غير معادية. هذا التصعيد لا يهدد فقط جهود السلام، بل يضع العلاقات الدولية أمام اختبار حقيقي في ما يتعلق باحترام السيادة الوطنية والقانون الدولي.

أدانت دولة قطر الهجوم بشدة، واعتبرته «جباناً» و»انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي»، مؤكدة عزمها على حماية أمن مواطنيها وممثليها. كما صدرت إدانات من عدة دول عربية وغربية، طالبت المجتمع الدولي باتخاذ موقف صارم تجاه أي محاولات لتقويض جهود السلام. في المقابل، بررت إسرائيل الهجوم بأنه استهدف قادة مسؤولين عن هجوم 7 أكتوبر 2023، في حين التزمت الولايات المتحدة الصمت الرسمي، وسط تساؤلات حول علمها المسبق بالعملية.

من المرجح أن يؤدي هذا الاعتداء إلى تصعيد دبلوماسي بين قطر وإسرائيل، وربما إلى إعادة تقييم قطر لدورها في الوساطة. كما يُتوقع أن تتخذ الدول المعنية إجراءات أمنية مشددة لحماية الفرق التفاوضية، وسط دعوات دولية لاحتواء الأزمة والعودة إلى طاولة الحوار. ويخشى مراقبون أن يؤدي هذا التصعيد إلى تعقيد جهود التهدئة في غزة، وإلى توسيع دائرة التوتر في المنطقة وزيادة المعاناة للشعب الفلسطيني في غزة خاصة.

تسارعت الاحداث وردود الفعل العربية والدولية، على العدوان الاسرائيلي الذي قيل ان اسرائيل كانت تخطط له وتوالت الاستنكارات العربية والدولية على الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قادة حركة حماس الفلسطينية في العاصمة القطرية والدوحة. علما ان ساكني مدينة الدوحة لم يشاهدوا الطائرات الاسرائيلية في اجواء الدوحة ويبدو ان اسرائيل اكتفت باطلاق قذائف صاروخية متفجرة من مسافة بعيدة عن الاجواء القطرية تحاشيا للرادارات الامريكية الموجودة في قاعدة العديد وتضم القوات الامريكية المكلفة بحماية قطر (!!!). ويبدو ان التحالف الامريكي الاسرائيلي يتفوق على كل التزام حماية آخر للولايات المتحدة، وان الولايات المتحدة تضع مصالح اسرائيل فوق اي اعتبار تعاقدي او اخلاقي.

أين أبناء الوطن؟ – محمد رسن

أين أبناء الوطن؟ – محمد رسن

تمرّ الأعوام وتتبدل الحكومات، لكن جراح العراقيين تبقى مفتوحة على سؤال واحد لم يجد جوابا: أين أبناؤنا المغيّبون؟

في كل مرة يطل فيها خبر عن إطلاق سراح أسير أجنبي أو عن استعادة جثة غريب، تتجدد في صدور العائلات العراقية نيران القهر والحسرة. لماذا يُفتح الطريق أمام الغريب ليعود مكرما إلى بلاده، بينما أبناء جلدتنا يذوبون في الغياب، بلا أثر، بلا قبر، بلا نهاية لانتظار ذويهم؟

خمسة أعوام مضت على اختطاف الناشط سجاد العراقي، ذلك الشاب الذي لم يحمل سلاحًا، لم يرتكب جريمة، سوى أنّه طالب بخدمات عامة، بكرامةٍ لوطنٍ يستحق الحياة. ومعه عشرات آخرون من شباب هذا البلد؛ مازن، توفيق، وغيرهم ممّن ابتلعتهم العتمة. مازالوا غائبين، ومازالت عوائلهم تبحث عن خبر يطفئ هذا الانتظار القاسي. كيف يُعقل أن تمتد يد الدولة ـ وبشتى مسمياتها ـ لتتدخل في قضايا أجانب، لتفاوض وتُخرج وتحتفل، بينما تعجز اليد نفسها عن فتح أبواب الظلام أمام أبنائها؟ أليس من الخزي أن يُعامل الجاسوس أو الغريب بكرامة، في حين يبقى العراقي ابن هذا التراب رهينًا للنسيان، مسلوب المصير؟

إنّها مفارقة تفضح عمق الخلل القيمي والسياسي: حين يصبح الغريب أرفع شأنًا من أبناء الوطن، وحين يُمنح الخارج مكانة لا تُمنح للدم العراقي، تكون السيادة قد انكسرت، والعدالة قد غابت، والذاكرة الوطنية قد جُرحت جرحًا لا يندمل.

إنّ دماء العراقيين ليست أرقامًا تُنسى في تقارير رسمية، بل هي هوية وطن ينهار إذا غابت الحقيقة. إنّ كل مغيَّب لم يعد صوته مسموعًا، لكن صرخته باقية في قلوب أهله وأصدقائه. إنّ استمرار الصمت هو اشتراك في الجريمة، وتواطؤ مع المجهول. فأبسط مقومات الدولة أن تحمي أبناءها، أو على الأقل تعيدهم إلى ذويهم أحياءً أو جثامين بكرامة. وإلا، فبأي وجه تُسمى هذه دولة، إن لم تحفظ لأبنائها حق الحياة وحق الموت الشريف؟

العطش الأمريكي إلى نفط فنزويلا – عبد اللطيف السعدون

أذن وعين

العطش الأمريكي إلى نفط فنزويلا – عبد اللطيف السعدون

لا يكل الأمريكيون، ولا يملون من البحث عن النفط منذ أن أقر «مجلس الحرب» الأمريكي إبان الحرب العالمية الثانية وجوب تأمين طرق دائمة للوصول إلى النفط في أي مكان في العالم، وأعتبر هذا المبدأ منذ ذلك الوقت أساسا في رسم استراتيجية الولايات المتحدة في المجال الخارجي، وغالبا ما كان العطش إلى النفط (بوصف الكاتب الأميركي إيان رتليدج) أحد أسباب ذهاب الأمريكيين الى الحروب في العقود الأخيرة، ويمثل اليوم السر وراء سياسة ادارة الرئيس دونالد ترامب تجاه فنزويلا التي ينظر إليها الأمريكيون على أنها «بئر» يضم أكبر احتياطيات النفط في العالم (303 مليار برميل وأزيد من 359 مليار إذا أضيفت الاحتياطيات المحتملة)، ولن ينضب هذا «البئر» قبل مرور عقود عدة، وقد زاد من حرارة هذا التوجه شعور الأمريكيين بأن دخول الروس والصينيين إلى كراكاس على عهد الزعيم اليساري هوغو تشافيز وخلفه  نيكولاس مادورو وضع بصمة على خارطة النفوذ في القارة اللاتينية التي يعدونها، إلى عهد قريب، حديقتهم الخلفية الخالصة لهم.

غواصات ذرية

هذا يفسر تدفق وصول العساكر الأمريكيين الى البحر الكاريبي في الأيام الأخيرة حيث حطت على مقربة من سواحل فنزويلا ثلاث سفن حربية، وغواصات ذرية، وحاملة طائرات، وطائرات تجسس، و4500 من أفراد مشاة البحرية، ومعدات لا نهاية لها لكن واشنطن كعادتها لا تريد أن تجهر بالسبب الحقيقي الذي دفع عساكرها بالاقتراب من الشواطئ الفنزويلية، وهي تغلف ذلك بادعاء سعيها لمكافحة تجارة المخدرات التي تتهم مادورو ورجاله النافذين في السلطة بترويجها في القارة اللاتينية، وأن ذلك يستدعي ممارسة خطة «الضغط الأقصى».

ويشبه «السيناريو» المطروح ما سبق أن فعلته ادارة جورج بوش الأب في ثمانينيات القرن الماضي في تدخلها العسكري في بنما تحت ذريعة مكافحة الاتجار بالمخدرات التي واجهت بها حكومة الجنرال مانويل نورييغا الذي كانت قبلا قد جعلت منه «رجلها» في أميركا الوسطى ثم ما لبثت أن أطاحت به عندما تمرد عليها، ووجهت له تهمة الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال، وحكمت عليه بالسجن في حين كان الهدف الحقيقي السيطرة على قناة بنما، وحماية المصالح الأمريكية هناك.

في الحالة الفنزويلية لا أحد يصدق أن الأمريكيين، الرئيس دونالد ترامب بالذات، لم يضع أمامه التدخل العسكري المباشر في فنزويلا كأحد الخيارات المطروحة على الطاولة وهو الذي أطلق أثناء ولايته الأولى حملة لإسقاط مادورو عبر عملية تنصيب الزعيم اليميني خوان غوايدو رئيسا لحكومة موازية، وفي حينه وعد مواطنيه «أن فنزويلا ستنهار، وستكون احتياطيات النفط الثمينة في عهدتنا»، لكن الخطة فشلت، وتحول غوايدو إلى مجرد لاجئ في ميامي، لكن في هذه المرة تجنب ترامب المراهنة العلنية من جديد على الإطاحة بالرئيس الفنزويلي عندما سأله أحد الصحفيين عما إذا كان يفكر بذلك، وابتعد عن الإجابة المباشرة بتأكيده أن محاربة تجارة المخدرات أضرت كثيرا بالقارة الأميركية، وبالولايات المتحدة بالذات.

اشارة ترامب هذه تعيد إلى الأذهان ما كان المفكر الاستراتيجي الأمريكي الراحل جورج كينان قد قاله في حينه من أن الكلمات يكون وقعها أثقل من الرصاص لكنها سرعان ما تفقد ثقلها عندما يتقدم الرصاص ليأخذ مكانه، وهذا هو، على الأرجح، ما دار في خلد مادورو وهو يتحسب من احتمال أن يقدم ترامب على ارتكاب خطوة حمقاء ضد بلده، قد تكون ضرب مواقع معينة أو استهداف شخصيات رئيسية في النظام، أو تحريض قوى اجتماعية أو عسكرية على التمرد، أو حتى تدخل عسكري مباشر وأكثر شمولا، ولذلك أعلن تشكيل «الميليشيا الوطنية البوليفارية» للدفاع عن البلاد، بنفس الوقت الذي دعا فيه بنبرة تصالحية صنوه الأمريكي إلى وضع العداء جانبا، والحوار لحل المشكلات، وإرساء علاقات ندية بين البلدين.

توحيد قطاعات

وبالطبع فإن احتمال قبول ترامب لدعوة مادورو غير وارد لكن ذلك قد يفضي الى توحيد القطاعات الشعبية المختلفة وراء حكومة مادورو، خاصة وأن فئات معارضة لم تعد ترى في الولايات المتحدة صورة المخلص المنتظر بعد ما فعلته واشنطن في العراق وفي غير العراق.

وعلى أية حال، فإن النظرة الواقعية للأحداث الماثلة لا تتوقع حلا للأزمة الحالية بين أمريكا وفنزويلا في المدى المنظور إلا إذا أدركت واشنطن أن بإمكانها أن تقايض حصولها على النفط الفنزويلي بالتخلي عن ممارسة «الضغط الأقصى»، والركون إلى التهدئة والحوار، وعلى كركاس، في حال كهذه، أن تعي ما ينبغي عليها فعله لكي لا تقع في الفخ المنصوب لها.

حريق ضخم يلحق أضراراً بمحال تجارية في مجمع مشن

حريق ضخم يلحق أضراراً بمحال تجارية في مجمع مشن

دهم أوكار السلاح وضبط مسافر أجنبي بحوزته مواد مخدّرة

المحافظات – مراسلو (الزمان)

شنت قيادة عمليات بغداد، حملات أمنية مكثفة، أسفرت عن دهم أوكار السلاح وملاحقة الخارجين عن القانون، فيما ضبطت هيئة المنافذ الحدودية، مسافرا بحوزته مخدرات خلال تفتيش دقيق. وقال بيان تلقته (الزمان) أمس إن (قيادة عمليات بغداد بممارسات أمنية واسعة النطاق للبحث والتفتيش المناطقي وتدقيق ملف العمالة الأجنبية وتنفيذ مذكرات القبض القضائية وملاحقة الخارجين عن القانون ودهم أوكار السلاح غير المرخص ضمن منطقتي الفضيلية والباوية شرقي العاصمة). فيما تمكنت مفارز مديرية استخبارات وأمن المثنى التابعة إلى المديرية العامة للاستخبارات والأمن بوزارة الدفاع من الاطاحة بأثنين من تجار ومروجي المواد المخدرة. وأشار بيان تلقته (الزمان) أمس إن (عملية ضبط المتهمين، نفذت في قضائي السوير والرميثة)، وتابع إن (المتهمين صادرة بحقهما مذكرتا قبض وفق احكام المادة 28 مخدرات،  حيث تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهما واحالتهما الى الجهات المختصة). وضبطت هيئة المنافذ الحدودية، مسافراً أجنبياً بحوزته أكثر من نصف كيلوغرام من مادة الكريستال المخدرة في منفذ زرباطية. وقال بيان تلقته (الزمان) أمس إن (مديرية منفذ زرباطية الحدودي، وبناءً على المعلومات الواردة من مكتب جهاز المخابرات الوطني في المنفذ، تمكنت من ضبط مسافر أجنبي بحوزته مادة الكريستال المخدرة بوزن 570 غراماً، كان يحاول إدخالها إلى البلاد)، وتابع إن (عملية الضبط تمت بالتعاون مع الدوائر الساندة والأجهزة الأمنية).

جهات مختصة

مؤكداً إنه (تمت إحالة المتهم والمضبوطات، بموجب محضر ضبط أصولي، إلى الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه). وفي ديالى، أعلنت هيئة النزاهة العامة، صدور قرار حكمٍ غيابي يقضي بالحبس الشديد لمدير بلدية بعقوبة سابقاً. وقال بيان تلقته (الزمان) أمس إن (محكمة جنح بعقوبة المُختصّة بقضايا النزاهة، أصدرت قرار حكم غيابياً بالحبس الشديد لمدَة سنتين، على المدان الهارب س. ن. ع، عن إلحاق الضرر بأموال ومصالح الأشخاص المعهودة إليه)، وتابع إن (القرار صدر وفق أحكام المادة 341 من قانون العقوبات)، مؤكداً إن (المُدان قام بتخصيص قطعة أرضٍ إلى أحد الأشخاص، برغم تخصيصها قبل ذلك إلى شهيد من منتسبي وزارة الدفاع)، ولفت إلى إن (التخصيص الثاني تمَّ بدون محضر تخصيصٍ أصوليٍّ، فضلاً عن قيام المُدان بتوجيه كتابٍ إلى مديرية التسجيل العقاريّ في ديالى تضمن تسجيل قطعة الأرض باسم الشخص الثاني لقيامه بتسديد مبلغ بدل القطعة، حسبما أشار المُدان في الكتاب)، ومضى البيان إلى القول إن (المحكمة، وبعد اطلاعها على الأدلة والإثباتات المُتحصّلة في هذه القضيَّة المُتمثلة بإفادة المُشتكية والتحقيق الإداريّ وأقوال المُمثل القانونيّ لمديريَّة بلديَّة بعقوبة، وقرينة هروبه، وجدتها المحكمة كافيةً ومقنعةً لإدانته، فقرّرت الحكم عليه غيابياً بالحبس الشديد لمدة سنتين). كما أصدرت محكمة جنايات بابل، حكماً بالإعدام بحق داعشي استهدف دورية للقوات الأمنية. وقال بيان أمس إن (محكمة جنايات بابل، أصدرت حكماً بالإعدام بحق داعشي عن جريمة تفجير عبوتين ناسفتين استهدفتا القوات الأمنية في منطقة جرف الصخر، الذي أسفر عن استشهاد ستة من منتسبي الجيش).

حريق ضخم

في تطور، أفاد مصدر أمني في بغداد، بإن حريقا ضخما اندلع في عدد من محال بيع الأدوات الاحتياطية قرب مجمع المشن.

وقال المصدر أمس إن (فرق الدفاع المدني تكافح حريقا اندلع في عدد من محال بيع الأدوات الاحتياطية للمركبات قرب كراج الفين في مجمع المشن بمنطقة الكرادة).

دعوة سائقي المركبات لتسلّم اللوحات المرورية المنجزة

دعوة سائقي المركبات لتسلّم اللوحات المرورية المنجزة

بغداد – الزمان

دعت مديرية المرور العامة، سائقي المركبات الذين لم يتم تثبيت لوحات مركباتهم إلى مراجعة مواقع المرور لتسلمها. وقال مدير المرور العام الفريق عدي سمير الحساني في بيان تلقته (الزمان) أمس (ندعو جميع سائقي المركبات الذين لم تثبت لوحات مركباتهم حتى الآن، سواء كانت الخصوصي، أو الأجرة، أو الحمل، إلى مراجعة مواقع المرور فوراً لتسلم اللوحات المرورية). فيما أصدرت عمليات بغداد، توضيحاً بشأن القطع المروري المؤقت ضمن مقتربات ساحة كهرمانة. وقال بيان أمس إن (القطع المروري المؤقت ضمن مقتربات ساحة كهرمانة جاء نتيجة الاشتباه بوجود مركبة متروكة لفترة طويلة، الأمر الذي استدعى قوة أمنية مختصة للكشف عليها)، وتابع إنه (بعد إجراء الفحص الفني، اتضح إن المركبة خالية من أي مواد مشبوهة، وسيتم نقلها إلى أحد المراكز القريبة لاستكمال الإجراءات الأصولية)، داعياً المواطنين الى (التعاون مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن أي حالات مشابهة حفاظاً على انسيابية الحركة وسلامة الجميع).

إنطلاق معرض الإستثمار العقاري في أربيل بمشاركة دولية

إنطلاق معرض الإستثمار العقاري في أربيل بمشاركة دولية

إنتاج ألف طن من حديد التسليح لدعم الصناعة الوطنية

بغداد – ابتهال العربي

أربيل – فريد حسن

سوّقت وزارة الصناعة والمعادن، الف طن من حديد التسليح بمعملي الصلب والدرفلة في البصرة، ضمن توجهات الحكومة لدعم واقع الصناعة المحلية. وقال بيان تلقته (الزمان) امس ان (الشركة العامة للحديد والصلب التابعة الى الوزارة، تواصل العمل في مصنعي الصلب لإنتاج الكُتل الحديدية، والدرفلة لإنتاج حديد التسليح بأقطار تتراوح بين 8 ملمتر، و32 ملمتراً)، مشيراً الى ان (الوزارة تهدف الى دعم المنتج الوطني، واستكمال المشاريع الخدمية التي تحتاج الى مواد بناء بتكاليف مناسبة). وتواصل شركة الفرات العامة للصناعات الكيمياوية، إحدى شركات الوزارة، التجهيز لمنتجاتها المختلفة إلى القطاع والحكومي والخاص.

واوضح مدير عام الشركة، علي قاسم كاظم، في تصريح امس ان (عمليات التجهيز شملت مديريات ماء البصرة، كربلاء، الديوانية، بابل والنجف، بمنتج الكلور السائل، ووزارات الكهرباء والنفط، والقطاع الخاص بمنتج هايبو كلوريت الصوديوم وحامض الهايدروكلوريك)، مؤكداً (قدرة الشركة على تغطية حاجة المؤسسات الحكومية والخاصة في عموم العراق، بالمواد الكيمياوية).

أحدث تقنيات

وأضاف ان (جميع المواد يتم انتاجها بأحدث التقنيات، وفق المواصفات القياسية المعتمدة). من جهتها استأنفت الشركة العامة لصناعة الأسمدة الجنوبية، التابعة للوزارة، تشغيل الخط الأول لإنتاج سماد اليوريا بطاقة الف طن يومياً، بعد توقف دام ثلاثة أشهر، بسبب التغيرات التي وصفتها الشركة بالكبيرة، ومواصفات مياه شط العرب، التي تعد المصدر الأساسي للمياه الصناعية الخام في عمليات الإنتاج وعدم تجهيزها بالغاز. واشارت الشركة الى (إعادة تشغيل الخط، بدعم ومتابعة وزير الصناعة، خالد بتّال، وبجهود الملاكات التشغيلية للشركة، بالتنسيق مع الهيئة العامة للمياه الجوفية، التابعة لوزارة الموارد المائية، لاستخدام مياه الآبار كمصدر بديل للمياه الخام، بعد معالجتها وفق المعايير الصناعية المعتمدة)، وأكدت الشركة (التزامها بدعم القطاع الزراعي، وتأمين احتياجات السوق المحلي من الأسمدة). وبدأ معمل المنتجات الإسفلتية في محافظة كركوك، العمل بطاقة 60 ألف طن سنوياً، بحسب الشركة العامة للصناعات التعدينية. وقال مدير عام الشركة، محمد قاسم مفتن، في تصريح تابعته (الزمان) امس ان (المعمل يعد من المعامل المهمة والناجحة التي أُنشأت بالشراكة مع القطاع الخاص، ضمن خطط توسيع الإنتاج المحلي)، لافتاً الى (قدرة المعمل على تلبية متطلبات واحتياجات السوق المحلية وفق أحدث التقنيات والمواصفات المطلوبة)، وأوضح مفتن ان (المعمل يوفر أنواع المنتجات الإسفلتية المُستخدمة في العزل المائي وأعمال التبليط، مثل الكات باك والبرايم كوت، الصديق للبيئة). في غضون ذلك، افتتح رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور البارزاني، المعرض الدولي السادس للاستثمار العقاري في أربيل، بمشاركة 280 شركة محلية وأجنبية من 16 دولة. وقال البارزاني في كلمة خلال الافتتاح امس ان (معرض الاستثمار العقاري يعد واحداً من أكبر المعارض المتخصصة في مجال العقار)، واضاف ان (المعرض انطلق بمشاركة رجال اعمال وشركات عقار واقتصاد متخصصة، لتبادل الأفكار والرؤى، وفتح باب الشراكة بينها، بما يعزز فرص الاستثمار في العقار).

همود الخريف – سردار رضا الجاف

همود الخريف – سردار رضا الجاف

مهداة لروح صديقي الراحل، الشاعر محمد عمر عثمان“ جنرال الخريف “

 ها نحن نقترب من فصلك المفضل و ندق قاموس الأوارق المتساقطة، نغطي همومنا بالأوراق الصفراء المغازلة و هن يتساقطن يتيما، فقدوا قائدهم الجنرال المنتحر، لست أدري أمحو أهازيج الصغار و الكبار لحي درگزين السليمانية أو أفتح صاريتي لكي ألملم الأوراق الملونة المعثرة و أغطي مثواك الأخير بالأطياف التي عشقتها و أنتم فارس من فرسان رقص الخريف، كل ما نصل لفصلك همومنا تترعرع و ننكس راية بسماتنا، وأتجول بكل شبر من مدينتك الجميلة، وأتذكر تلك اللحظات التي كنا نناقش المواضيع ذات الصلة بالثقافة والأدب، آه كم كنت قاسيا و لم أردعلی طلبكم، لليوم تأكلني الحسرات أعترف لك كنت مذنبا، أعتقلت قلمي تجاهك لست أعلم لماذا لأن كان طلبا ولليوم دوما أرفض الطلبات أو غرس فيا الفضولية والغرور لست أعلم وها أنا الآن أخشع لمثواك الطاهر و كل خريف مع تساقط الأوراق واحدة تلو الآخری أتجول في غابة كلماتك، عيناي الغجرية مرحلة مابين الغناء والرقص من جهة و تنجيم نجمك المكسوف … وجنتي غصون دمعتي ها أنا أستمر بالتجوال في أزقة الخريف من حارة لحارة من باب لباب آخر، كم هذا فصل جميل. وأشتياقي لحروفك الزاهية متعطشة …

 عند بداية تسعينات القرن العشرين حينما ترقيت لرتبة جنرال كانت آخر معزوفة السمفونية بعيدة عن الرومانسية كأنما آخر مسمار علی تابوت من تخيل بأن يترقی للرتبة هذه…. أسمح لي سيدي،بعظمتكم، و بكل رقة، أترجم قصيدتكم هنا “ جنرال الخريف” للغة الضاد… لكي تجف دموعي و أشطف حسراتي

  جنرال الخريف

 ..ها أنا جنرال الخريف

أنا الذي لن أری السكون أبدا

أنا الجنرال… جنرال الآف الآشجار العريانة

وملايين الأوراق المتساقطة

 ***

ها أنا جنرال الخريف

قبعة رأسي سحابة

 و النجمات التي علی كتفي عدة أوراق من اللون الفضي

معطفي المرتدي نسيم العليل

سيفي غصن الشجرة المعفنة

***

ها أنا جنرال الخريف

دم صفراء، تتجول بشراييني

عيناي مرطوبة كالغيوم

كنت أنا الوحيد من تابوت الزجاج

أودعت عدة أوراق للأرض

***

ها أنا جنرال الخريف

كنت أنا مع طوفان النسيان … أدخلت الحرب

و حررت عدة أوراق من القبضة

كنت أنا وضعت ليالي الأوراق

تحت جناح الومضة و حفيف بزوغ الفجر

 ***

ها أنا جنرال الخريف

خريف من دوني يتيم

وكنت أنا الذي قلت أجل جثة ظل الأخضر ….

الأوراق المتساقطة المرحلة

ها أنا الوحيد في محراب الخريف …

لأرواح الأوراق الحية ….

أقيم صلاة الشهيد …. لم أسميها صلاة الميت

ولد محمد عمر عثمان عام 1957 بحي درگزين في مدينة السليمانية بأقليم كوردستان العراق، أكمل دراسته الأبتدائية و المتوسطة والأعدادية بنفس المدينة، لمواصلة دراسته الجامعية توجه الی العاصمة بغداد، وهو شاب لە ألمام قراءة الكتب و منذ سنة 1975 بداء بكتابة القصائد . في 22  تشرين الأول 2019 أنتحر و علق نفسە بمروحة سقفية داخل منزله….

المصدر

ويكيپيديا  ئينسكڵۆپيديا ئازاد

□ شاعر و ناقد كردي ، المانيا

صلاة سومرية قبل ان يطالني النسيان – شوقي كريم حسن

وضوء الفراغ

صلاة سومرية قبل ان يطالني النسيان – شوقي كريم حسن

في أهوار الجبايش،

حيثُ الماءُ صلاةٌ سرمديّة،

وحيثُ القصبُ،

مسبحةُ سومر الأولى،

وخالقُ النايات التي تعلّمَ منها الهواءُ معنى النداء.

هنا يتطهّر الفراغ،

يخلعُ جلدَه اليابس،

يمدُّ كفّيهِ إلى الاخضرار

لم يزل منذ فجر الخليقة

يعلّمُ الطينَ كيف يصيرُ إنساناً،

وكيف يكتبُ على صفحة الغيم

نشيدَ الخلود.

 أمجادَ ماءٍ لا يشيخ،

أنفاسكِ وضوءُ الروح،

قطراتُكِ كتابُ الطهارة،

ومن يلمسُ جبهتَهُ بمائكِ

يكتبُ اسمهُ على لوح الأبدية

كواحدٍ من أبناء سومر،

كواحدٍ من رعاة الضوء.

سلامٌ عليكِ،

يا مفخرةَ السلالة الأولى،

يا معراجَ القصبِ نحو السماء،

يا نايَ الخلودِ الذي لا ينكسر.

سلامٌ على الأهوار،

على مائكِ الموشومِ بأسرارِ الخلق،

على قصبكِ الذي يشبهُ الرماحَ

حين يحرسُ حدودَ الأبد.

سلامٌ على الطين،

وقد نطقَ بالحياةِ أوّل مرّة،

فصارَ إنساناً،

وصارَ مملكةً للضياء.

سلامٌ على أصواتِ النوارس

وهي تعلّمُ الغيمَ طريقَ العودة،

وعلى الزوارقِ

كأنّها أجنحةُ سومرية

تشقُّ دروبَ الخلود.

أيّتها الأهوار،

يا وضوءَ الفراغ،

يا معراجَ الروح،

يا تاجَ سومرَ الخالد،

كوني لنا مزاراً ومحراباً،

وللدهرِ شاهدَ قداسةٍ،

ولتظلّي أبداً،

كتاباً مفتوحاً على الماء،

يُتلى فيه نشيدُ الخلق،

وترتفعُ منه صلاةُ الوجود.

قِربة قمر بني هاشم – خالد قنديل

قِربة قمر بني هاشم – خالد قنديل

ابنائي الحسين والحسن، اجلسا أمامي الآن، كقلبين صغيرين أضع فيهما ما بقي من يقيني..

في هذا العالم المليء بالضوء، لم يعد الناس يبحثون عن الحقيقة بل عن صورةٍ واضحة لأنفسهم، نحن نعيش اليوم في مدينة من الزجاج: كل ما فيها مصقول، ظاهر، لامع، لكنه هش، جدرانها شفافة، لكن القلوب داخلها مغلقة، الناس فيها لا ينظرون إلى بعضهم البعض، بل ينظر كل واحد إلى نفسه عبر الآخر؛ الآخر ليس إنسانًا، بل مرآة متحركة تُظهرني، تُقارنني، تُقومني، وهكذا أصبح الإنسان، دون أن يشعر، عبدًا لانعكاسه.

في هذه المدينة، الأهمية لا تُمنح لمن يعطي، بل لمن يظهر، الضوء ليس هداية، بل شهرة، والكلمة لا تُقاس بصدقها، بل بعدد من يصفق لها، هكذا وُلدت “أنا” جديدة: أنا تنتعش على التوثيق لا على الفعل، أنا تقيس النجاح بعدد المشاهدات، لا بعدد القلوب التي شُفيت، والسؤال الحقيقي: متى أصبحت الذاتُ صنمًا؟، متى صارت النجاةُ مشروطةً بأن يتأخر الآخر، ويظهر “أنا” أولًا؟، هل يمكن لحياةٍ تُبنى على هذا التمركز حول الذات أن تنتج إنسانًا؟، وهل بقي من المعنى شيء، حين صار كل شيء وسيلة لتضخيم “الذات”؟.

في هذا الزحام المصنوع من الانعكاسات، تتضح قيمة أولئك الذين لم يظهروا، أولئك الذين كانوا يملكون أن ينجوا بأنفسهم، لكنهم اختاروا أن ينجو غيرهم. وفي قمة هذا المعنى، يقف رجل اسمه العباس بن علي بن أبي طالب، أخي الإمام الحسين عليه السلام، وأحد أبرز رجالات كربلاء في معركة الطف، القمر الهاشمي، الذي سار نحو الماء ولم يشرب، الذي قُطعت يداه ولم يطلب شهرة، الذي فَقَد كل شيء لكنه أنقذ صورة الإنسان، في زمنٍ تصعد فيه “الأنا” على أكتاف الجميع، العباس لم يقل “أنا” يومًا، بل كان هو، الضد الكامل لهذه المدينة الشفافة والمجوفة.

لم يكن أبو الفضل يسير خلف الحسين كأخٍ صغير يتبع أخيه الكبير، ولا كجندي مأخوذ بكاريزما قائده، كان يتبعه كما يتبع الماءُ مجراه، وكما يتبع الضوءُ منبعه، لم تكن علاقته بالحسين علاقة دمٍ فقط، بل كانت علاقة يقينٍ متجذرٍ في المعنى، يقين بأن هذا الرجل، هذا “الحسين”، لا يُمثل نفسه، بل يُمثل النور حين يمشي على الأرض. في كربلاء، لم يكن العباس نسخة مصغرة من أخيه، بل كان امتدادًا له في الجسد والنية والفعل، لم يُلغِ ذاته، لكنه جعلها جسرًا يعبر منه الحسين نحو رسالته، لم يكن تابعًا، بل كان المجلى الذي انسكب فيه النور حتى انمحى فيه الشكل، وبقي الوهج، “فالفناء في المحبوب لا يعني الذوبان السلبي، بل تجاوز الذات دون إنكارها”، هو أن تُحيل وجودك إلى صدى، لا لضعف، بل لأن الأصل أبهى من الصدى، وأنفع، وأوضح، العباس لم يُذِب نفسه في الحسين لأنه لا يملك هوية، بل لأنه اختار عن وعي أن يجعل حبه طريقًا للفعل، لا زينةً للعاطفة، أن تمشي خلف من تحب حين تكون قادرًا على أن تقود تلك منزلة، لكن أن تمشي خلفه وأنت تعرف أنك ستموت، دون أن يُذكرك أحد، وأنت تملك القوة والشجاعة والإرث والهيبة تلك منزلة أخرى، منزلة العباس.

الحب حين يختبر في لحظة المصير، إما أن يتحول إلى تمسك، إلى رجاء شخصي، إلى محاولة نجاة، وإما أن يتحول إلى امتثال حر، فيه كل الرضى، دون خوف، دون طلب، دون مقابل، هكذا أحب العباس الحسين: لا كمن يتعلق بمن يمنحه الحماية، بل كمن يطمئن لأن وجوده صار جزءًا من فكرة أكبر منه، فكرة لا تحتاج إلى صورة، بل إلى كفين تُحمل بهما ولو قُطعت.

رمز الحياة

عند نهر الفرات، لم يكن العباس يقف أمام الماء، بل أمام أقصى اختبارات الروح، كان العطش يملأ جسده، والحرارة تشتد، والنبض يتصاعد، وكان الماء أمامه، حاضرًا، ممكنًا، مباحًا، لا أحد يمنعه هذه اللحظة من أن يروي نفسه، لكنه لم يفعل. لأن الماء، في تلك اللحظة، لم يكن ماءً. كان رمزًا للحياة حين تناديك لنفسك فقط، كان تجليًا للشهوة الشرعية التي تصير اختبارًا حين تختلط بالأنا: هل تأخذ لأنك قادر؟ أم تمسك لأنك أسمى من الحاجة؟، الماء وقد صار على مرمى كفه لم يعد سائلًا، بل مرآة، رأى فيها صورته، ورأى خلفها وجوه الأطفال في الخيام، شفاه الصغار اليابسة، ونظرة الحسين المتعبة، فرمى الماء.

ليس لأن العطش لم يكن حقيقيًا، بل لأنه أدرك أن العطش لا يُروى بالجسد وحده، الجسد يطلب، لكن الروح أحيانًا تُعلق رغباتها على مشجب الوفاء، وترتفع تلك اللحظة حيث امتدت يده إلى النهر، ثم تراجعت ، هي اللحظة التي انتصر فيها الإيثار على الأنا، لأن أعظم درجات التزكية أن تملك الشيء، لكن لا تأخذه، أن تعرف أنه لك، ثم تقول: ليس لي وحدي، ويا لها من مفارقة، كم مرة في حاضرنا نشرب، بينما من حولنا يموتون؟، كم مرة نحمل القِربة، فنرتوي بها لأنفسنا، ثم نعود ونخبرهم أننا “حاولنا”؟، كم مرة خان الإنسان القِربة التي وُضعت في عنقه لأجل غيره، فجعلها وسيلةً للذات بدل أن تكون عهداً للآخر؟، العباس لم يكن عطشانًا فقط، بل كان واعيًا لكيفية العطش، العطش الذي يجعلك ترى نفسك، وتُقرر أن تتجاوزها، وهنا، في هذا التراجع عن الماء، تحقق فعليًا المعنى الكامل للإيثار: أن تُمسك عن نفسك ما هو متاح، لكي لا يموت غيرك بفقدانك.حين رُفعت السيوف على العباس، لم تكن تستهدف جسده فحسب، بل كانت تضرب ما ظنه الناس شرطًا للقدرة: اليد. لكن العباس، حين سقطت كفاه، لم يسقط معها. لم يتوقف، لم ينكسر. بل تابع السير، حاملاً القِربة بكتفيه، بصدره، بعزمه، كأن الفعل لا يحتاج أداة إذا كان المعنى حاضرًا. كانت يداه وسيلة، نعم، لكنها لم تكن الهوية. هويته كانت في النية، وفي النية لا تُقاس القدرة بما تملكه، بل بما أنت مستعد أن تفقده دون أن تفقد ذاتك. في منطق الوجود، الإنسان يُعرف غالبًا بما يملك: يده، صوته، قوته، أثره. لكن في لحظة بطل العلقمي، كل هذا يتبدد، وتبقى الكرامة كفعل مستقل عن الجسد. وما عادت اليد وسيلة للبطولة، بل صار الفقد نفسه صوتًا أعلى من كل انتصار جسدي. هنا تتجلى المفارقة حين يخلع الصوفي نعله على باب الحضرة، لا لأنه محتقرٌ له، بل لأنه لا يريد أن يدخل بشيء من ذاته. كأن العباس، حين قُطعت يداه، كان يتهيأ للدخول إلى مقامٍ آخر، لا يُسمح فيه باليدين، بل بالقلب وحده. السؤال الصعب، الذي نخاف النظر إليه عادة: هل الخسارة دائمًا سقوط؟، أم أن بعض الخسائر تُعيد تعريفنا؟، هل الألم دائمًا عذاب؟، أم أن بعض الألم هو باب نقي، تُغسل فيه آخر بقايا التعلق بالذات؟، قمر بني هاشم حين فقد كفيه، لم يُصبح أقل شأنًا، بل صار أصدق صورة للفعل النقي، الذي لا يستند إلى القوة، بل إلى المعنى. وهكذا، حين عاد جسده دون يدين، عاد إنسانًا تجرد من الحاجة، وصعد بمعناه إلى ما هو أعلى من البطولة: الإيثار الكامل، حيث لا شيء يُمنَح إلا وقد فُقِد.

نعيش في زمن لا يُكافئ من يؤثر، بل من يُظهر. في زمنٍ تتقدم فيه “الأنا” على كل القيم، وتتحول المبادئ إلى شعارات، والنيات إلى علامات تجارية، تتراجع المعاني التي لا تُرى، لصالح الصور التي تُجمع الإعجابات. في هذا العالم، لا أحد يسأل: من ضحى؟، بل الجميع يسأل: من ظهر؟، لا أحد يُكافأ لأنه حمل القِربة للآخرين، بل يُكافأ من قال إنه فعل، ولو لم يبلل إصبعه بالماء. في هذا الزمن، الأيدي لا تُقطع كما قُطعت يد العباس، لكنها تُمسَكُ بخدر الرغبة، بشهوة الاستحواذ، بفكرة أنني أولًا، ولو على حساب الجميع. وما أكثر القِرَب التي يُفترض أن نُوصلها للآخرين، لكننا نفتحها على جانب الطريق، ونرتوي وحدنا، ثم نكمل السير بوجهٍ متعبٍ نقول إنه تعب الإيثار. بطل العلقمي، في لحظته المفصلية، لم يختر ذاته، رغم امتلاكه لها بالكامل. لم يكن مجبورًا على الطاعة، ولا مقهورًا على التضحية. بل كان واعيًا تمامًا أن بإمكانه أن ينجو، لكنه اختار أن يكون جسرًا يعبر عليه الآخرون نحو الحياة. إنه ليس نموذجًا أخلاقيًا عابرًا، بل نظرية كاملة مضادة لما نعيشه الآن.

الصمت العظيم

نظرية تقول: “أنت لا تُقاس بما تُظهره، بل بما تمسك عنه، بما تُخفيه في نيتك، بما تقدر عليه ثم لا تأخذه.» في زمنٍ يعلو فيه صوت “أنا”، أبو الفضل هو الصمت العظيم الذي يفعل ولا يقول، الذي يمنح ولا ينتظر أن يُقال اسمه، الذي يموت ليبقى المعنى حيًا. هو ليس ذكرى، بل دعوة مفتوحة، لكل من تعب من تسويق الذات، واشتاق أن يكون إنسانًا حقيقيًا، حتى لو لم يصفق له أحد.

يا الحسين،

يا الحسن،

إذا خُيرتم يومًا بين أن تكونوا أول من يشرب..

أو آخر من يحمل القِربة لغيره..

فاختاروا القِربة..

حتى وإن لم يبقَ منكم شيء..

سيبقى فيكم الإنسان..

بين وزير متأسلم وألباني – منير حداد

بين وزير متأسلم وألباني – منير حداد

إشتجرت عام 2013 في مشاكل نشبت بيني وأحد كبار مقربي رئيس الوزراء.. حينها، ليس من أقاربه لكنه يحتفظ بعلاقة أخوية معه منذ أيام المعارضة، يستمع إليه مصغياً بقناعة مسبقة، عازماً على تلقي ما سيقول “صواباً” قبل أن يتلفظه فيعرف إن كان صحاً أم (خرط).

يسمع له مسلماً، حتى لو أشار الى أن الأسودَ أبيضَ، يراه أبيضَ بمشيئة سحر إستسلامه لصديق غابر، قطع رواتبي.. عدا راتباً بسيطاً من مؤسسة السجناء السياسيين، لا يكفي لإعالة أسرتي في اليونان، ولم أعد.. بعد.. للمحاماة؛ فذهبت الى وزير مهم إبان المعارضة سجين سياسي ومظلوم من صدام مثلي؛ آملاً بإنتصاره لي… إستقبلني بحفاوة مكرماً وفادتي، حتى أوشكت على تصور نفسي نبياً؛ هكذا هيمن ترحابه على إحساسي بالهضيمة وأنا أرى حقوقي تسفح هدراً؛ بغية التنكيل وتصفية حسابات شخصية، لا يرتضيها الرب.

تطامنت غائلة الجوع ورهبة الفقر التي تترصدني بالإصرار المستشار المزاجي لرئيس الوزراء، على”دوسة البخت” إذاءً سيوقفه الرب طويلاً عنه.

حملت مع مضيفي الوزير أوراقاً لشركة أجنبية، طالباً منه عقداً نظيفاً ليس فيه شبهة فساد؛ عسى أن أستفيد ما يعيد التوازن المالي للوضع المنهار الذي أخوضه في ظل غلاء العيش من دون رواتب ولا عمل.

وعدني خيراً، وأعطاني رقمي هاتفه وهاتف سكرتيرته، وسرحني بالكنافذ مسروراً؛ إذ إتصلت به بعد إيام، فوجدت الرقمين خارج نطاق الخدمة، عائداً للغوص في بحر الحسرات، وقد تضاعف إحساسي بالهوان… علماً بأن هذا الشخص من أهل الدين وعائلته معروفه بتقواها.

ربِ إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين؛ فلم يكلني الله الى أحد؛ حيث مكنني من الإرتقاء برزق عائلتي الموهوب من الله الى ما يفوق الذي كنت أنتظرره من بشر!!!

هذا إنموذج يرائي بالدين، في حين قواد ألباني.. يدير شؤون الغرائز، قصدته برفقة صديق أسباني توسط بيننا؛ طالباً معونته بترويج معاملة رسمية معقدة.. إستجاب بصدق وإلتزام.. أنجز المهمة رافضاً تقاضي أجور نظير خدمته الإنسانية، مكتفياً بفنجان قهوة يونانية في كافيه قريبة من داري…

أتيكيت .. خارج الحدود – اميمة ابراهيم السامرائي

أتيكيت .. خارج الحدود – اميمة ابراهيم السامرائي

العراق.. بلاد الرافدين وارض حضارة بابل وسومر واشور التي علمت البشرية الكتابة , واول من سنت القوانين والتشريعات واقامت المدن , هنا حيث شيدت الجنائن المعلقة لتصبح من عجائب الجمال والتمدن .

والجميل في الامر , ان العراقي عندما يسافر خارج بلده يحمل على عاتقه نشر ذلك التأريخ ويعكس روعة تلك الثقافة , فنجد ان طالب العلم والسائح والزائر يلتزم بأنظمة وقوانين ذلك البلد ويطبق شروط النظافة ويعرف اين مكب النفايات ويعامل الشوارع والحدائق العامة على انها متاحف اثرية ويلتزم بإشارات المرور ويضع حزام الامان ويلتزم بإتكيت التعامل وكأنه يقول انظروا انا سليل تلك الحضارات. لكن المفارقة العجيبة , ما ان تطأ قدماه ارض الوطن الغالي حتى يمزق جواز الأتيكيت ويعود الى نسخة المواطن الفوضوي فتتحول الارصفة الى مطفأة للسكائر وتمتلئ شواطئ دجلة الخير بعلب الببسي والماء الفارغة وتصبح كل قطعة ارض فارغة خزان للنفايات وتتزين الاشجار بأكياس النايلون المتطايرة .

 لماذا ؟؟؟!!! لماذا لا نمارس الادب البيئي والسلوكي في عاصمة السلام بغداد كما كنا نفعل في اسطنبول او برلين او باريس؟ الا يستحق بلدنا ذات الاحترام واكثر ما دمنا لا نجهل السلوك الصحيح ونراعي الانظمة ونحفظ القوانين عن ظهر قلب؟

هناك شيء يجب ان يعرفه الكثير منا ان الأتيكيت ليس طابعا بريديا ولا ختما على جواز سفر والاخلاقيات العامة ليس هدية تهديها للغرب واهل بلدك اولى بها. فالعراق لا يحتاج الى سفراء ليذكروا العالم ماذا كان ومن هو فكتب التأريخ كفيلة بذلك , لكنه يحتاج من ابناءه ان يثبتوا فعلا انهم الورثة الشرعيون لتلك الحضارة ومرآة لها نعكسها في سلوكنا اليومي ونجسدها في تفاصيل حياتنا .

طائر السعد – علي اليساري

طائر السعد – علي اليساري

اجملُ ما خبرتُه وعرفت معدِنه انه يتواضع فيرتفع منزلةً في قلوب وضمائر من يعاشره ويأنس الى مجالسته وينتفع بثراء معرفته وعلو كعبه بوصفه كاتبا موسوعيا لامعاً  وصحفيا مجتهدا قلَّ في هذه الايام نظيرٌ له

انه الدكتور احمد عبد المجيد رئيس تحرير صحيفة الزمان طبعة العراق

آخر ما صدر له كتاب ( خير جليس واسماء ملهمة ) اهداني نسخةً منه وضعها بين يديَّ باقةً من تجلياتٍ ملهمة من مداد قلمه وتجليات فكره وتنوع اهتماماته الثقافية جمعها الواناً شتى في طبقٍ واحد فيه ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين

صديقي الدكتور احمد  رغم ان الصدفة جاءتني على جناحي طائر السعد الابيض

لكني اؤمن : ان الارواح جنودٌ مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف بمعنى ان الصدفة المجردة ليست وحدها قد هيأت لي هذه الفرصة ولكنّ للارواح فصل الخطاب في هذا اللقاء والتعارف

ليس من طبعي ان اتملقك واكتب عنك ما ليس فيك

ولكن الاستحقاق هو ما دعاني لان اجعل قلبي يتحدث اليك ويشير الى نبلك وارتفاع مناسيب محبتي لك تقبل مني اجمل التحيات وارقها.

إندثار الإملاء وانتشار الأخطاء اللغوية – دعاء يوسف

إندثار الإملاء وانتشار الأخطاء اللغوية – دعاء يوسف

أصبحت الأخطاء الإملائية والمغالطات اللغوية ظاهرة متفشية في المجتمع العراقي، بحيث لم تعد محصورة في الكتابات الفردية أو منصات التواصل الاجتماعي، بل امتدت لتشمل لافتات المحلات التجارية، الإعلانات على الشاشات، ولوحات الطرق العامة. وقد أظهرت متابعة ميدانية أن العديد من اللافتات تحمل أخطاء فادحة في الكتابة، سواء في أسماء الشركات أو في العبارات الدعائية، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان القارئ أحيانًا للثقة في النص المكتوب ويشكل تحديًا للحفاظ على اللغة العربية الفصيحة.الواقع اليومي يظهر أن الكلمات المغلوطة باتت جزءًا من المشهد العام، حيث يتم تداولها في وسائل الإعلام والإعلانات بشكل متكرر، مما يجعل الأجيال الجديدة تتعود على الخطأ وتفقد القدرة على التمييز بين الصحيح والخاطئ في اللغة العربية الفصيحة. انتشار هذه الظاهرة يعكس فجوة واضحة بين ما يُعلَّم في المدارس والجامعات وبين ما يُمارس في الحياة اليومية، ويهدد بإضعاف قدرة الطلاب والشباب على الكتابة والقراءة بشكل سليم.ويرتبط تفشي الأخطاء الإملائية بشكل مباشر بوسائل الإعلام الحديثة والرقمية، إذ غالبًا ما تتفوق السرعة في إنتاج المحتوى على التدقيق اللغوي. فقد لوحظ أن الإعلانات التلفزيونية والرقمية المعروضة على الشاشات الكبرى تحتوي في كثير من الأحيان على أخطاء واضحة، سواء في تركيب الجمل أو كتابة الكلمات، مما يعكس تجاهلًا شبه منهجي للقواعد الإملائية والفصاحة.كما يظهر في وسائل التواصل الاجتماعي أن بعض المغالطات اللغوية لم تعد تُعتبر خطأً، بل جزءًا من ما يُسمى بالحداثة أو الهوية العصرية، وهو ما يزيد من صعوبة استعادة الانضباط اللغوي. يلاحظ أيضًا أن الاهتمام بالخطأ اللغوي أصبح ثانويًا بالنسبة للبعض مقارنة بسرعة إيصال المعلومة أو الفكرة، سواء في الإعلانات أو المنشورات الرقمية، مما يعزز انتشار الأخطاء بين جمهور واسع من المستخدمين.التحدي لا يقتصر على الإعلام الرقمي فقط، بل يمتد إلى المدارس والجامعات، حيث يعاني المعلمون من تراجع مستوى الإملاء والكتابة الصحيحة بين الطلاب، ما يجعل دور المؤسسات التعليمية أساسيًا في مواجهة هذه الظاهرة. ولضمان الحفاظ على الهوية الثقافية والتراث اللغوي، يصبح التدقيق اللغوي في كل ما يُنشر إعلاميًا أو يُعرض على العامة ضرورة ملحة، إلى جانب التوعية المستمرة بأهمية الإملاء الصحيح والفصاحة في اللغة العربية.

شارع الرشيد.. من المبادرة الى الوثائق العثمانية – سعدون الجنابي

شارع الرشيد.. من المبادرة الى الوثائق العثمانية – سعدون الجنابي

المبادرة الاولى

في شهر مايس 2025 , عرفت من اصدقاءي هنا في اميركا،   ان الكتب لمؤلفين عراقيين مرحب بها بمكتبة الكونغرس الاميركي ، و اتصلت بخبير المكتبة بالعربية  د مهند صالحي  فرحب بذلك، وشرعت انفذ ما فكرت به ويتمثل بإهداء المكتبة ما أملكه من كتب مهداة  لي من اصدقاءي المؤلفيين العراقيين  و بعد اخذ موافقات اصدقاءي المؤلفين و الكتاب الذين كانوا قد اهدوني كتبهم ، بعدها رتبت اموري وقمت بنقل 25 كتابا لكتاب عراقيين الى مكتبة الكونغرس الاميركي وسلمتها الى مسؤول الاهداءات العربية د مهند صالحي لأضافتهم  الى خزين المكتبة الهائل و ادخالها الى كتلوك وارشيف و رفوف اكبر مكتبة بالعالم مكتبة الكونغرس الاميركي،  وبعد اشهر من الانتظار لدراسة وتقييم الاعمال المهداة ، وافقت مكتبة الكونغرس الاميركي على الإهداءات ، وبدأت الاسبوع الماضي المكتبة بارسال رسائل شكر وتقدير لكل كاتب قدم ايميله ، ومن لا ايميل له ، ارسلوا لي باسمي رسالة عامة بكل العناوين المقبولة واعلمونا في كتب الشكر ان  الكتب كلها  تم ادراجها ضمن كتلوك مكتبة الكونغرس الاميركي، من شهر آب 2025. ولذا اصبحت متاحة في خدمة  الملايين من الباحثين والدارسين والمهتمين في كافة انحاء العالم الراغبين في ألاستزادة من  البحوث و المعلومات والاطلاع على التراث والتاريخ البغدادي واخيرا انتعاش حركة الترجمة والتأليف في بلاد مابين النهرين.

جسر جديد

«ومن بغداد إلى واشنطن، وعلى بساط الريح مدّ الأدباء والكتاب  والباحثون بالتراث جسراً جديداً عبر مبادرة عشقا للعراق ، لإهداء 25 كتاباً عراقياً إلى مكتبة الكونغرس الأميركي، لتدخل في كتالوج أكبر مكتبة في العالم، ويتلقّى أصحابها رسائل شكر رسمية. أسماء مثل :

دار المأمون للترجمة والنشر، وعادل العرداوي عن أمانة بغداد، و هيثم فتح الله ، و قصي إسماعيل الفرضي، و علي الموسوي ، و د نعمان الهيمص ، و مروان ابراهيم ، و المهندس عدنان اسود، وهاتف الثلج ، والشاعر عدنان الصائغ ، واخيرا سعدون الجنابي. مؤلفاتهم وكتبهم ، تقف اليوم على رفوف مكتبة الكونغرس الاميركي الهائلة ، وكلنا إلى جانب بغداد في واحدة من أجمل صور الوفاء للذاكرة.

المبادرة الثانية

في مبادرة فذة تنم عن مهنية وحرفية وبعد نظرمستقبلي ، افتتحت ادارة المركز الثقافي البغدادي ، معرضا تفاعليا دائما عن شارع الرشيد حصرا ، اقامته باحد قاعاتها في بناية القشلة ،  تم فيه تجميع وعرض كل ما يمت الى شارع الرشيد من وثائق تاريخية و تراثية و افلام  وثائقية نادرة وفيديوهات وخرائط وتخطيطات نادرة وما كتب عن شارع الرشيد من مؤلفات الكتاب والباحثين العراقيين .

ولكوني احد هؤلاء المؤلفين عن شارع الرشيد عن كتابي رحلة في ذاكرة شارع الرشيد.. بطبعتيه الاولى 2019 والثانية

  1. وكنت قد قمت باهداءهما الى المركز الثقافي البغدادي، وقد خضع كتابي كالكتب الاخرى ، خضع

  كتابي رحلة في ذاكرة شارع الرشيد بطبعتيه الاولى والثانية المنقحة والمزيدة،  والذي يتحدث عن معالم شارع الرشيد كوني شاهد عيان حقيقي ،  عن مشاهداتي عن معالم شارع الرشيد ، الى دراسة شاملة من المختصين بالمركز، كما ابلغت ، لذا تولدت قناعة لدى ادارة المركز بإدارة استاذ طالب عيسى والكادر المتخصص ، وقررا ان يعرضا كتابي بطبعتيه الاولى والثانية  في العارضة الزجاجية الاولى في المعرض ، كونه يتناول معالم شارع الرشيد تفصيليا كما عشتها وتعاملت معها وحفظت مواقعها كما كانت بالخمسينات ، انه لعمري فخرا ما بعده فخر، اعتز به ما حييت. لذا تم وضع كتابي في المعرض اسوة بكتب الكتاب.

شؤيعة الملا

سألني كثيرون لماذا كتاب عن شارع الرشيد ؟، فكان جوابي لأنني ولدت عام 1947 بالمربعة جنب شارع الرشيد وعشت طفولتي وصباي وشبابي وانا اتجول بالشارع ، اكملت دراستي الابتدائية في مدرسة  الرشيد الابتدائية 1955 ، في شريعة ملا حمادي بالمربعة مقابل سينما الزوراء ، ودرست في متوسطة الرشيد في العاقولية  1961،  وأخيرا دراستي و  تخرجي من مدرستي العتيدة الاعدادية المركزية  1963 بجديد حسن باشا في منطقة الميدان .

انها لعمري ، جولة سياحية يومية مشيا على الاقدام ذهابا وايابا ، او بالباص الاحمر للنقل العام ذهابا وايابا ، تولدت من كل ذلك الخزين الهائل من الصور والذكريات

لكل ذلك ، توكلت على الله وكتبت كتابا عام 2019 بعنوان رحلة في ذاكرة شارع الرشيد ، يقع في 193 صفحة  وعديد الصور الابيض والاسود حصرا عن معالم شارع الرشيد بالخمسينات وللان كما شاهدتها وعشتها  وتعاملت معها ودخلتها واشتريت منها او جلست فيها ، ولكثرة استفسارات القراء عن هذه الجزئية وتلك في كتابي بطبعته  الاولى ، قررت ان أخوض غمار توسيع العمل لتحويله كوثيقة شاهد عيان حقيقي ، فبدات مشوار البحث والدراسة و ما لا احصل على تفسير له ، تفضل اصدقاءي من باحثي التراث البغدادي برفدي بالعديد من المعلومات التي فاتني ان اذكرها او التي لا اعرفها ، ذلك الدعم الاخوي، اكن له كل الاعتزاز وذكرت ذلك بالمقدمة.. وهكذا بعد جهد مضني طال سنين ، صدر على بركة الله ، كتابي رحلة في ذاكرة شارع الرشيد  الطبعة الثانية المنقحة والمزيدة ، ب 310  صفحة أحتوت صورا ومعلومات نادرة تعرض لأول مرة  2025… واستمر منهجي  بالكتابة :  ان اقدم جردا بالمعالم و ان اكتب ما شاهدته وعشته وتعاملت معه وحفظت معالمه.

 اود ان اوضح ، ان الله حباني وعائلتي بميزة لم تتوفر لغيري ، الا وهي أنني حسب الوثائق  العثمانية لعائلتنا ..

نحن بغادة ابا عن جد ،  بيوت عائلة  والدي و عائلة جدي لابى وعائلة والد والدتي و عائلة جد والدتي واقاربهم كلهم يملكون عقارات ملك صرف من الوثائق ومستمسكات الطابو العثمانية كلها في شارع الرشيد: بيوتهم ملك صرف في  مناطق العاقولية والعمار والجنابين وحافظ القاضي و سيد سلطان علي و المربعة والسنك والباب الشرقي …ومن خلال زيارتي المتكررة لكل هؤلاء مع عائلتي يوميا واسبوعين والمناسبات الدينية والاجتماعية .

  تكون لي خزين هائل من الذكريات والصور انطبعت في ذاكرتي واغنتها، اضف الى حقيقة ان والدي تاجر تتن وسيكاير وجرود وبايب  ومحله في بناية سيد سلطان علي بالمربعة ، وخالي كذلك تاجرسكاير وتتن ، و كلاهما ذكرا في ‹ كتاب الباحث الراحل عباس بغدادي في كتابه الهام … ‹ بغداد في العشرينات ‹ كتجار سكاير وتتن.

كبرت وكبرت معي الذكريات والصور من طفولتي عام 1947 الى الان ، فكان كتابي بطبعتيه الاولى والثانية.

ولكون شارع الرشيد ، ليس مجرد شارع تتراص على جانبيه المباني والأسواق، بل ذاكرة بغداد نفسها. شارع الرشيد، شاهد على قرن كامل من تحولات العاصمة، يعود اليوم بوجه متجدد بعد إعادة تأهيل واجهاته، ليُفتتح في الأول من أيلول 2025 كأنه يخرج من بين صفحات التاريخ ليصافح أبناءه من جديد.

مبادرة ثالثة

 قبل ان انهي هذا الجزء عن المركزوقاعته  التفاعلية الفذة عن شارع الرشيد ، والقادم قاعة تفاعلية عن بغداد، جاءتني فكرة إقامة  جدارية ثلاثية ..تعرض بالاولى اغلفة المؤلفين العراقيين عن بغداد وشارع الرشيد  والثانية المؤلفين العرب والثاثة كتابات الاجانب ، لتكون بمثابة مكتبة بصرية تحكي حكايا بغداد والرشيد، وبمبادرة مني انا اقوم تجميع اغلفة الكتب لما يخص المؤلفين الاجانب والعرب نقلا عن كتلوك مكتبة الكونغرس مكتبة الكونغرس الاميركي

و كتلوك مكتبة جامعة أكسفورد البريطانية و مكتبة المتحف البريطاني . والله من وراء القصد. اما المؤلفين العراقيين فسيتولى المركز استلام الاغلفة من الكتاب العراقيين.

رأي اعتز به

و في اليوم التالي لافتتاح قاعة شارع الرشيد التفاعلي في المركز الثقافي البغدادي،  زار  المركز العديد من المختصين والباحثين والمثقفين ليطلعوا على المعروضات في المعرض، كان بينهم الباحث في التراث البغدادي استاذ نبيل عبدالكريم الحسيناوي ، رئيس منظمة التراث والارشفة ، الذي انبرى  بصوت جهوري امام الجميع  وقدم شهادة فذة بحق كتابي واصفا اياه ان الكتاب ‹ شدّ الانتباه أكثر من غيره ‹، واضاف : «رحلة في ذاكرة شارع الرشيد من أهم الكتب التي وثّقت تفاصيل المكان اي شارع الرشيد “ ، واضاف انه :  ‹ قام بمبادرة مع دار المأمون للترجمة والنشر فوجدت تجاوبا من  وزارة الثقافة  التي أوصت بترجمة الكتاب  وتوزيعه في إطار “بغداد عاصمة السياحة 2025”، وهنا اضيف انني اجد في مبادرة دار المأمون للترجمة والنشر لترجمة الكتاب انهم في هذه الإشارة وضعوا ما يكفي للتدليل على أن الكلمة المكتوبة، مثل الحجر المشيّد، تحفظ هوية المدن.

هكذا، يغدو شارع الرشيد، بجدرانه التي أُعيد ترميمها وافتتح يوم 1 أيلول 2025,  و بقاعة تفاعلية بالمركز الثقافي البغدادي و بكتبه التي جُمعت أغلفتها، ورحلة الكتب الى مكتبة الكونغرس ،  رمزاً لمدينة تعرف أن تستعيد نفسها من تحت الركام، وأن تكتب تاريخها بحجرٍ وبحبرٍ في آن واحد.

وقبل ان اغلق هذا الجزء ، اود ان اقول انني أثمن مبادرة ا نبيل الحسيناوي ، و اشكر  دار المأمون للترجمة والنشر،  واشكر مبادرة ست اشراق العادل مدير عام الدار ، واقبل العرض لترجمة كتابي .. والله الموفق للجميع.

المبادرة الرابعة

 سألني  اخي الغالي د احمد عبد المجيد رئيس تحرير صحيفة الزمان الغراء طبعة بغداد ، عن الوسيلة التي عن طريقها يستطيع  الكتاب والادباء العراقيين …نقل نتاجهم الادبي والثقافي والتراثي و يستطيعون عن طريقها  أيصال كتبهم  ومؤلفاتهم الى مكتبة الكونغرس الاميركي ،

ولكل الاخوة والاصدقاء ، اقول..

اتصلت بصديقي د مهند صالحي مسؤول استلام الكتب العربية و مراجعتها لتحديد قبولها او رفضها، وابلغته بكل ما طلب مني من الاستفسارات ، وها هي ردوده عليها  :

  • مكتبة الكونغرس الاميركي لا تقبل كتب بصيغة pdf بل كتب ورقية فقط….

يجب تقديم ايميل للمتبرع

  • يرجى الإبتعاد عن تقديم اكثر من نسخة لنفس العنوان مستقبلا.

الان ثلاثة وسائل من داخل وخارج اميركا….

من داخل اميركا ..

 ..لمن يروم اهداء كتب من داخل اميركا  الى المكتبة :

..ارسال كتبهم على عنوان المكتبة … :

 Library of Congress

10 1st Street SE

Jefferson Building

LJ229

Washington DC 20003

 ATTN: Dr. Muhannad

 Salhi

…اذا اردتم الاتصال برقم المكتبة ……على رقم زوار المكتبة…

1 2027073778

 FAX

12022523180

ثانيا…

## ملاحظة هامة للاطباء…..

…اما الاطباء والدكاترة داخل اميركا ….

ممن لديهم مكتبات منزلية يودون اهدائها الى المكتبة ،  … يرجى العلم ان  مكتبة الكونغرس لا تقبل الكتب الطبية …

 الكتب الطبية ترسل الى…

 National Library of Medicine

الوسيلة الثانية…

…الان من خارج اميركا…

..اما الاهداءات من خارج اميركا من دول العالم….

….ادناه ما اوضحه د مهند ..

..## ولارتفاع تكلفة الشحن  العالمي

 يرجى ارسال الكتب الى فرع المكتبة في القاهرة ،

 على العنوان ادناه:

….واتباع الخطوات الاتية….

  • … اولا الاتصال على تلفون فرع المكتبة بالقاهرة ..

الرقم

0020227973546

  • ..الاتصال يهدف الى التعريف بالكاتب وأسماء كتبه التي يود اهدائها وان يبلغوا انهم سيرسلها الى د مهند صالحي ..مكتبة الكونغرس بالعاصمة واشنطن.

  • .. بعد ان يتم التحقق والموافقة

  • ترسل الكتب الى العنوان :

Rustin Zakar

Library of Congress

 US Embassy

 8  Kamal El- Din

Salah Street

Garden City

Cairo, Egypt

Cc/ Dr Muhannad Salhi

Cc/

…. تعادل بالعربي عناية د مهند صالحي

  • … يمكن ايضا الكتابة لهم على الايميل …

  • مع كتابة ملاحظة ذكر اسم د مهند صالحي……

Dr Muhannad Salhi

Library of Congress

Cairo Office

  • الايميل….

Cairo@ loc.gov

  • loc

  • هي اختصار الى

  • Library of Congress

اخيرا…

رابط كتلوج مكتبة الكونغرس

http:// lccn.loc.gov/

ملاحظة هامة

المبادرة الاخيرة….

لكل الاصدقاء من الذين يقدرون دفع تكلفة ارسال طرد بريدي …..ارسال كتبهم مباشرة الى مقر المكتبة ….

رجاء إرسال الكتب على هذا العنوان ….

حسب ما كتب ادناه

Library of Congress

African and Middle Eastern Division

Room:LJ229; Stop 4823

C/O Dr. Muhannad Salhi

101 Independence Ave, S.E.

Washington DC 20540-4823

وانا الممنون ….سعدون الجنابي

قراءة في قصيدة المقهى لحميد سعيد

محـــراب الذّاكـــرة

قراءة في قصيدة المقهى لحميد سعيد – سناء يحفوفي

يتسرّب خيطٌ واهٍ من بين أسوارِ المقهى يشبهُ رجعَ وَتَرٍ بعيدٍ، يفتحُ شقوقَ الذّاكرةِ فتنهضُ منها ظلالٌ معلّقة. هناك، في الرّكن الموحى إليهِ بصمتٍ يتجاوزُ الخفوتَ، مع وقعِ الخطواتِ، تتكاثفُ الهمساتُ حتى تغدو هيئةً شفيفةً للرّوح. فيما تنصهرُ تفاصيلَ المكانِ في نغمةٍ مكتومةٍ تعيدُ ترتيبَ الزّمنِ وتبني للذّاكرةِ معراجًا خاصًّا، حيثُ اليوميّ يتحوّلُ إلى أسطوريّ، والاعتياديّ ينكشفُ كأثرٍ غائبٍ في وجدانِ الشّاعر. وكلُّ نبرةٍ تختزنُ ما تراكمَ في الرّوحِ، لتعيدَ صياغةَ الكيانِ في هيكلٍ خفيّ. وفي خفاءِ هذه الظّلال، يختبئُ وَتَرٌ خامدٌ يرتقبُ لحظةَ الانفجارِ الدَّاخليِّ للشَّاعرِ، بركانٌ ينبثق من صمتِ المكانِ والذَّاكرةِ، يكشفُ عمقَ التّجربةِ، ويهيئُ النَّصَّ لرحلةٍ وجوديّةٍ رمزيّةٍ يتجلّى مع كلّ حركةٍ لاحقةٍ في المكان.

في فضاءِ المقهى، حيثُ ينهضُ المكانُ بحضورِ الشّاعر ويتنفّس وجوده: يتّسعُ بأنفاسِ الآخرينَ، يحتفظُ في عمقِهِ بصمتٍ أصيل. حينها، يتراءى الحاضرُ نهرًا صاعدًا من تراكمِ الأيّامِ: يفيضُ بما أودعتْهُ الذَّاكرةُ، يصوغُ لحظةَ العبورِ بينَ الغربةِ والأنسِ، وكل لحظة تحمل ما أودعته الذّاكرة.

»في المقهى« محرابُ الرّوحِ، ينبلجُ مسرحٌ للغربةِ الثّانيةِ؛ لا يعودُ الغريبُ غريبًا عن المكانِ وإنّما غريبٌ فيه. فالمقهى عند »سعيد« يستحيلُ معراجًا إلى الدّاخل، وكلّ تفصيلةٍ عابرةٍ – صحيفةٌ مهملةٌ، كوبٌ يتركُ أثرَهُ على الطّاولةِ، رائحةُ قهوةٍ عالقةٍ – تنقلبُ إلى أداةِ كشفٍ لعمق الذات، ليتولّى المقهى نفسَهُ كتابةَ النّصِ مع الشّاعر، ويعيدُ إليه ما غاب؛ إذ، يشكّلُ حاضنةً للذّكرياتِ والخيالِ، حيثُ تتفاعلُ العناصرُ اليوميّةُ مع العمقِ النّفسيّ للذّات.

تفاصيل صغيرة

هذِهِ القصيدةُ تُفتَحُ على بوّابةِ الاعترافِ: يستعادُ العمرُ عبرَ تفاصيلٍ صغيرةٍ، وتُغزَلُ اليوميّاتُ في نسيجٍ رمزيٍّ يتجاوزُ المقهى، ليغدوَ مسرحًا لوجودٍ معلَّق، حيثُ الذّكرى تصوغُ ذاتَها من جديدٍ في لغةٍ مثقلةٍ بالرّؤى. معلنةً أن الغربةَ تعاشُ وتتجدّدُ مع كلّ جلوسٍ مع الذّات، فيتقدّمُ الشّاعر عبرَ الزّمنِ حاملاً إلينا الحكايا، كما يحملُ العودُ نغمةً لا تكتملُ إلّا بلمسةِ عاشقِ الصّمت.

« قبلَ أنْ يزدحمُ المقهى،

انتهى من صحفِ اليومِ التي غصّت بأنباءِ الوفياتِ

ومن قهوتِهِ. .

طالبًا من نادلِ المقهى. .

بعضَ الماءِ، كي يأخذَ في الموعدِ أقراصَ دواءُ. «

تبدأ ذاكرةُ المكانِ بالتّحرّك منذ مطلعِ القصيدةِ، تتسلّلُ في كيانِهِ لتُعيدَ الرّوحَ إلى ما عَبَرَهُ العمرُ من بهاءٍ أو خذلان. فحينَ تنشطُ سورةُ الحياةِ في المقهى، تتحوّل كلّ حركةٍ يوميّةٍ إلى نبضٍ يحتضنُ ما يحتدمُ في الذّاكرة؛ فينفتحُ الفضاءُ على بعدٍ رمزيّ يستوعب ذاكرةَ المكانِ، حيثُ تتشابكُ تفاصيلُ الرّوتينِ مع صدى الغيابِ والحضور.

المكانُ يمدّ الشّاعر بمرآةٍ تكشفُ له مستوياتِ ذاتِهِ: الحواسُّ، الذّكرياتِ المتراكمةِ، والبوصلة التي توصلُ الماضي بالحاضرِ، والغربة والحنين. فحينَ يطوي صحفَ الوفيّاتِ ويستدعي الماءَ لأقراصِ الدّواء، يكونُ قد فتحَ دهليزًا ما بين الحياةِ والموتِ؛ فتتحوّلُ الصّحفُ إلى مرايا تعيدُ إليه ما انطفأَ من ذاتِه، بينما يصبحُ الدّواءُ رمزًا لجسدٍ منهكٍ. عندها، يغدو المقهى صديقًا يرافقُ قلبَهُ، يُصغي لنبضِهٍ وجسدِهِ، يشاركُ الشّاعرَ إحساسَهُ وينسجُ معَهُ إيقاعَ وجودِهِ.

« اقتَحَمتْ عُزْلَتَهُ.. ذاكرةٌ تذبلُ كالوردةِ أحياناً

وكالنَّهرِ تفيضْ

يبدأ النّهرُ مع الضّوء ..

وتبدو السُّفنُ السُّودُ التي خبَّأها اللَّيلُ . .

على مقربةٍ من ثرثراتِ الصِّبْيَةِ الآتينَ ..

من أقصى الحكاياتِ ومِنْ أدنى الوعودْ

كبروا . . واكتشفوا النّهرَ. . لَكَم كان حيِيًّا »

تتماوجُ من بين ثنايا الدّهرِ ذاكرةً تخونُ النّهرَ حينًا وتفيضُ بالنّورِ أحيانًا، فتنهضُ لتوقظُ الماضي من كبوتِهِ. يعودُ الشّاعر إلى الأمسِ، يشاركُ الضّوءَ في جريانهِ والنّهرَ، يواجهُ غربتَهُ المتمثّلةَ في سفنٍ سودٍ يخرجُها اللّيلُ من بينِ سراديبِه. وحينَ يتقاطعُ المشهدُ مع الصّبيةِ وحكاياتِهم، ينفتحُ النّهرُ على طفولةٍ تنمو وتكتشفُ أنَّ الحياةَ مرآةٌ تحتضنُ الأسرار. صدى الطّفولةِ يمدّ السّؤالَ: أيعودُ إلينا النّهرُ بما أخفاه؟ هذا السّؤالُ يتحوّلُ إلى مرآةٍ للذّاتِ، يُعيدُ من خلالها الشّاعر ترتيبَ المسافاتِ بينَ الذّاكرةِ والحاضرِ؛ النّهرُ يفيضُ، وفيهِ مجرى الزّمنِ المتشظّي، حيثُ الماضي يترصّدُ داخلَ لحظةِ الحاضر.

لحظاتُ الغيابِ تُصدرُ أصداءً، والأحداثُ المعلّقة تصيرُ مواضعَ للتَّأملِ. يحتضنُ المقهى الرّوح والتّجربة، والسّنونُ تنسجُ حكاياها على صفحةِ ماءٍ. هناك، على مدرّجاتِ الخيالِ تنهضُ الذّاكرةُ بقلبٍ معلّقٍ بما اجتناهُ على طولِ الدّهر.

 »نسِيَ النّهرُ ثمارَ اللَّيلِ . .

إذْ يقطفَها العاشِقُ من دونِ رَقيبْ

أتُرى يذكُرُ ما كانَ مِنَ الماءِ .. إذا مرَّ بنا . .

يَسأَلُ عنَّا

وفرِحْنا بهداياهُ وما خَبَّأ من سحرِ المسرّاتِ. . وَكُنا ..

نتوارى من خَطايانا . . إذا جاءَ إلينا. . خَلْفَهُ . .

صِرنا بعيدينِ. . فَهَلْ يسأَلُ عنَّا؟ «

ذاكرة الليل

تجري القصيدةُ بينَ صورٍ تتوهَّجُ ثُمَّ تخفُتُ، وفي عُمقِها سؤالٌ لا يتراجعُ: أيُّ معنًى للحياةِ حينَ تغدو المُدُنُ مُجرَّدَ روايةٍ عنها؟ يتبدَّى النَّهرُ وقد فارقَ ذاكرةَ اللَّيلِ، تاركًا على الضّفافِ ثمارًا قطفها العاشقُ على غَفلةٍ، سرٌّ يتوارى في الأعماقِ لا يمنحُ نفسَهُ إلَّا للغريبِ لحظةَ انكشافٍ. هكذا، يوقظُ السّؤالُ جُرحًا قديمًا: جُرحَ اللِّقاءاتِ المؤجَّلةِ، وتُبرزُ عطايا النَّهرِ تماوُجاتٍ؛ كلُّ موجةٍ تُعلِنُ عن سُرورٍ غامرٍ، وكلُّ خفّةٍ في جريانهِ تكشفُ سِحرًا متماهٍ مع الغياب، ليتوارى الشّاعرُ خلفَ خيباتِهِ كما أنَّ الخطيئةَ ظلًّا يرافقُهُ. عندها يتجلّى السؤالُ: مَن يَسألُ عنّا؟ سؤالٌ يستحيلُ قَوسًا مشدودًا، يربطُ بينَ ماضٍ مُتفَتّحٍ على طفولةٍ بريئةٍ، وحاضرٍ يفيضُ بغيابٍ مُتراكِمٍ.

هكذا، يصبحُ النَّهرُ نفسُهُ مرآةً ثانيةً للغربةِ، مرآةً تكشفُ عن ذاتٍ مثقلةٍ بما اختزنتهُ. والمقهى يتجاوزُ كونهُ مكانًا عابرًا لاحتضانِهِ لتلكَ الأسئلة؛ إذ يفتتحُ دهليزًا آخرَ لمواجهةِ الذَّاتِ بذاتِها.

 »طافَ في مملكةِ اللهِ. . رأَى ما لا يُرى

رافَقَتْهُ لغةُ الأسئلةِ الأولى إلى حيثُ مَضى

كلَّما حاوَلَ أن يفتَحَ أبوابَ الرّضا

وقفتْ بينهُما نارُ الغضا

طافَ في ما تَفْتَحُ الألفةُ من حالٍ. .

وما يغلقُهُ الشكُّ ..

أكانتْ مُدُنا تلكَ التي مرَّ بها ؟ «

في مملكةٍ لا يطالها البصرُ، يعبرُها الشّاعر متّكئًا على لغةِ الأسئلةِ الأولى، وأبوابُ الرّضا مُغلقةٌ بجمرٍ خفيٍّ. هكذا، يتداخلُ الجمرُ والنّارُ، العبورُ مشروطٌ بالاحتراقِ؛ إذ، لا تجلٍّ دون لهب. وما لا يُرى يتخفّى في هيئةِ حفلٍ صامتٍ، حيثُ الأرواحُ تكشِفُ أسرارَها لتعودَ فتسترها بالمسوحِ.

 »كما الرُّهبانُ في حفلٍ . . رآها

كلّ ما تَكْشِفُهُ الروحُ تُغطّيه المسوحُ

كانَ يخافُ البحرَ . . ينأى عنهُ في اللَّيل . .

وما شارَكَهُ في صَخَبِ الموجِ إذا جاءَ النَّهارْ «

في هذه المشديّة، يتحوّلُ المقهى إلى بحرٍ آخرَ: صاخبٌ في النَّهارِ مخيفٌ في اللَّيلِ، غيرَ أنَّ الصّمتَ فيه أشبهُ بقوّةٍ خفيّةٍ، ليعودَ المقهى ويمتلئُ بانعكاساتٍ متشظّيةٍ بالحضورِ. والأسئلةُ الجارحةُ تتفتّحُ كطعناتٍ تستيقظُ في نحرِ الذّاكرةِ، تذوي في هيئةِ وردةٍ، قبل أن تمتدَّ لتفيضَ بهيبةِ النّهرٍ. والغريبُ، الّذي يمضي نحو شيخوخةٍ مربكةٍ، يستبقي في قلبه الحنينِ، محاطًا بوردٍ خلاسيٍّ، مرسلًا من نخيلِ الطّفولةِ إلى قفارِ الغربةِ.

ليلٌ مشتعلٌ بالغيابٍ، يولد من فناءٍ يفتحُ على صلاةٍ، والنَّهرُ الفراتيُّ سرٌّ متوهّجٌ بالانتظارِ. والبنيّ -من أشهر أسماك نهر الفرات- المجلوبُ على موجةٍ يقتربُ ساخرًا، يحمل طابعَ الرّفضِ والاختطافِ، فيما الغيابُ يتكدّسُ حتى يصيرَ سُكرًا وارتباكًا. وحين يمضي النّهرُ إلى نجمتٍهِ الأمّ، يبقى الفقدُ وحده يجرّنا إلى الحرمانِ، وعطاياهُ الغائبةُ لا يخلفها إلا بردُ الشّتاءِ، كأنَّ آخرَ ما يُطفأ هو جمرةُ الطقسِ، ليتركنا في فراغٍ مشتعلٍ بغيابِ السرّ.

وحينَ يزدحمُ المقهى بأفواجِ الرَّمادِ، تبلغُ القصيدةُ ذروةَ الاعترافِ لشاعرٍ يرى نفسَهُ وأقرانَهُ المفكّرينَ والكبارَ الذين استنزفتهم الحياةُ، جالسينَ في المقهى وقد تآكل بريقُهم، فصاروا رمادًا حيًّا؛ هذا ليس موتًا، إنّما اشتعالُ الذّاكرة وما تركَ في النّفسِ من أثر. جلسوا في المقهى مجتمعينَ في لحظةِ انطفاءٍ جماعيّ، يعاقرونَ صمتَهم ووعيَهم. تلكَ اللَّحظةُ، تتفجّرُ من الدَّاخل حيثُ يضطربُ الخيالُ ويجرُّ الرّوحَ إلى عرباتِ الزّوال.

هنا يسدّدُ السؤالُ ضربتَهُ، ارتطام بجدارة: إلى أيّ مدى يصبح ُالعابرُ تابعًا لما يتخلّقُ في داخلِهِ؟

 »بعدَ أن يزدَحِمُ المقهى بأفواجِ الرّمادُ

تلِدُ اللّحظة بركاناً ثقيلَ الظلِّ مِنْ نسجِ الخيالْ

أيجاريها . . ويجري خَلفَها ؟!

لا ..

هل رأى فيها الَّذي كانَ بِهِ ؟!

لا ..

غادَرَ المقهى إلى الشَّارعِ لا يبحثُ عَنْ شيءٍ . .

غدا سوفَ يعودْ. . «

اللّحظةُ التي تلِدُ بركانًا هي في حقيقتِها انتفاضةٌ داخليةٌ: استعادةٌ للشَّبابِ والطُّفولةِ، اندفاعٌ للذّكرى من بينِ الرُّكام. كأنَّ الجالسَ في الرَّمادِ لا يزالُ يحملُ جمرًا مخفيًا، ينفجرُ للحظةٍ ويذكّرُهُ بما كان. ولكنْ، هذا البركانُ سرعانَ ما يثقلُ ويغلقُ عليهِ الأفقَ، فيعودُ إلى إدراكِهِ المريرِ ويستفيقُ من كبوتِهِ، ويغادرُ إلى الشّارعِ الَّذي هو امتدادٌ للمقهى، وهو يعيدُ تردادَ صدى اللَّحظةِ؛ العودةُ التي يعلنها مواجهةٌ مؤجّلةٌ، تتربّصُ بالغريبِ في الغدِ، إذ لا يغادرُ حقًا إلا ليعودَ إلى دهليزِهِ، محمولًا على وعدٍ يتجدَّدُ معَ كلِّ احتراق.

أمّا تكرارُ «لا» مرّتَين، فهو إيقاعٌ داخليٌّ أشبهُ بضربةِ قلبٍ متردّدةٍ، ونَفَسٍ يُقطعُ ثم يُعادُ، يعكسُ مقاومةَ الشّاعر لذاتِهِ: رفضَ أن يرى في الرّمادِ ماضيَهُ، ثم امتنعَ أن يعترفَ أن ما فيهِ قد انتهى. الإيقاعُ هنا رفضٌ مزدوجٌ، لكنّه في النّهايةِ يظلُّ هشًّا أمامَ اليقينِ، يشبهُ ارتجافَ اللّّحظاتِ الأخيرةِ قبلَ التّسليم.

»غدًا سوفَ يعود» هي عودةٌ إلى الدَّائرةِ نفسِها: المقهى، الرّّمادُ، الذّكرى، ثم مواجهةُ العجزِ: إنّها دورةٌ وجوديّةٌ تتجدَّدُ معَ كلّ نفَسٍ لا تنتهي.

غدًا سوفَ يعود…

□ كاتبة وباحثة لبنانية

600 دار نشر عربية وعالمية ومحلية تشارك في معرض بغداد

الدورة 26 من معرض بغداد الدولي تواصل فعالياتها

600 دار نشر عربية وعالمية ومحلية تشارك في التظاهرة

بغداد – ياسين ياس

تتواصل على أرض معرض بغداد الدولي فعاليات الدورة 26 من مهرجان بغداد الدولي للكتاب التي انطلقت الاربعاء الماضي تحت شعار(بغداد اجمل حين تقرأ) وتتواصل حتى 21 من الشهر الجاري.

وعن المعرض تحدث لـ(الزمان) رئيس اتحاد الناشرين العراقيين عبد الوهاب الراضي قائلا(منذ اكتساب بغداد لقب عاصمة للثقافة العراقية بدا معرض بغداد الدولي للكتاب يشهد تطورا سنة بعد سنة  وخصوصا العام الحالي الذي شهد تميز ا مهما من خلال المشاركة الواسعه والتنظيم الجيد والاقبال الشديد على المعرض مستمر لاقتناء الكتب)واضاف(شهد العام الحالي مشاركة  21  دولة و600 دار نشر عربية وعالمية ومحلية. وكانت المشاركات اكثر من طاقة المكان.لذلك اعتذرنا لبعض دور النشر لعدم وجود مكان للمشاركة ) وأكد(نحن مع أي مشاركة تسهم في نشر الوعي الثقافي والفني والادبي وفي كافة المجالات الاخرى). ومن الدول المشاركة في المعرض بريطانيا وبلجيكا وكندا وألمانيا وقبرص وإيران والبوسنة والهرسك، فضلاً عن مشاركة الكويت وسلطنة عمان والامارات ولبنان ومصر وتونس والسعودية والجزائر وسوريا والأردن.

وتجولت (الزمان) في اروقة المعرض وسط حضور جماهيري كبير فيما ثمن أصحاب دور النشر عربية وعراقية التنظيم الجيد والانسيابية في عملهم وتوفير كل متطلبات النجاح للمعرض.مؤكدين من جهة اخرى ان اسعار الكتب مناسبة وفي متناول الجميع. ومن بين الذين اتقهم (الزمان ) المشرفة على جناح مكتبة دار العلوم شمس شاهين التي قالت (تحتوي الدار على العديد من عناوين الكتب الادبية والفنية والادبية والترفيهية ) مضيفة (هناك إقبال من طلبة الدراسات العليا على بعض عناوين الكتب. ولدينا مشاركات ومعارض في أربيل والسليمانية.وفي المهرجانات التي تقام في الجامعات العراقية..ولدينا العديد من المشاركات في دورات سابقة من معرض بغداد الدولي للكتاب ).ومن المشاركين في المعرض مكتبة كلمة الحياة الكنيسة المحمدانية المختصة في كتب عن الديانة المسيحية.تتكلم عن مواضيع مختلفة. منها تاريخ الكنيسة، فلسفة الدين المسيحيو سلوك الحياة اليومية ومشاكل العوائل حسب السلوك المسيحي).

تنظيم جيد

 وعن جناح دار كلينكوم للطباعة والنشر من الكويت تحدث المشرف على الدار يوسف مراد قائلا (للمرة الثالثة تشارك الدار في المعرض. لكن انا هذه الزيارة الأولى بالنسبة لي. وانا سعيد وفرحان بهذا الاستقبال والتنظيم الجيد والجميل بحيث لم نواجه اية صعوبات.والدار تضم العديد من العناوين، فلسفه،خواطر، علوم،تنمية بشرية، تغذية و كتب للاطفال). فيما قال المشرف على جناح بيت اللغات الدولية وليد قنديل من مصر.(هذه أول مشاركة للدار في المعرض). مؤكدا (بصراحة التنظيم كان مريح جدا ودار بيت اللغات تشارك في العديد من عناوين الكتب: ادب، فن ،مسرح،رواية.وهناك جناح خاص بالأطفال. تربية،تعليم ،قصص إسلامية وكل عناوين الكتب مترجمه من الانكليزية إلى العربية.والعكس صحيح. ولدينا مشاركات ومعارض في العديد من دول العالم ).

ومن ضيوف المهرجان كاتب السيناريو والقاص المصري عـبـد الرحـيـم كـمـال ،الذي  بدأ مشواره الأدبي بكتابة الروايات والمجموعات القصصية.وتخرج من المعهد العالي للسينما قسم السيناريو، وأبدع في كتابة الأعمال التي تصف الأجواء في الصعيد المصري مستلهمًا من بيئته الأصلية.ومن أبرز أعماله الدرامية: «شيخ العرب همام» «دهشة» «أهو ده اللي صار»و»جزيرة غمام» بالإضافة إلى العديد من الروايات والمجموعات القصصية التي تركت بصمة في الأدب المصري المعاصر. ومن ضيوف المهرجان الفنان المصري أشرف عبدالباقي.

ويشهد المنهاج الثقافي للمعرض ندوات عدة منها  ندوة للكاتبة نورا ناجي بعنوان (تدوين الإنوثة في الرواية ، الموضوع واللغة) ، حاورتها فيها الاكاديمية موج يوسف، وكذلك ندوة للاكاديمي مهدي الحسني ، وضيف المعرض في أمسية شعرية الشاعر القطري نــاصــر الـوبــيـر ، فيما يقيم جناح العتبة العلوية المقدسة ورشة تدريبية عملية بعنوان (صناعة الورق الطبيعي يدوياً) أحمد الموسوي وتضمن محاور الورشة:المواد الأولية وطرق تحضيرها ،الأدوات الأساسية في صناعة الورق ،أنواع الورق الإسلامي ،العلامات المائية بين الورق الإسلامي والأوربي. فيما وقعت الحقوقية مريم وناس  الحسناوي كتابها الجديد في جناح المركز الاكاديمي للنشر والتوزيع.

وقالت الاكاديمية سناء حميد البياتي ان (كتابها المعنون  نظرية الصفر اللغوي للنحو الكلي وتطبيقاتها في العربية المعروض في جناح دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيعيحتل الصدارة في المعرض). فيما اشار الصحفي صالح الشيباني ان (كتابه (كوابيس عميد الخراف) يعرض في جناح دار الكتب العلمية بالمعرض، ويتضمن 80 قصة قصيرة، بعضها مكتوب قبل أكثر من ثلاثين عاما، وبعضها وضعت لمساتي الأخيرة عليه قبل أشهر قليلة، انها قصص ذات أبعاد ومضامين شتى، متباينة في الحجم والجرأة والدلالات، بعضها سيعرضني إلى انتقاد حاد). وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد افتتح المعرض بحضور وزير الثقافة القطري عبد الرحمن بن حمد آل ثاني كضيف شرف، وفي كلمة السوداني رحب بحضور دولة قطر الشقيق كضيف شرف، مؤكداً في كلمته (ان مهمة المثقف تمثل أحد خطوط الصد في الدفاع الأول عن الدولة، وإسهامه بتنمية البلد وتعزيز وحدته وتماسكه الاجتماعي)، وأشار الى ان (الثقافة هي الصوت الأقوى والسلاح الفاعل الذي لا تستطيع أقوى الأسلحة إسكاته أو هزيمته). وفي حفل الافتتاح القى كلمة اللجنة المنظمة للمعرض رئيس اتحاد الناشرين العراقيين عبد الوهاب الراضي ، مؤكداً ان( رعاية رئيس الوزراء واشراف وزارة الثقافة والسياحة والاثار للمعرض هو دليل اهتمام الحكومة للجانب الثقافي المتميّز في العراق)، مشيراً ان(اللجنة المنظمة تحرص اين يكون هذا المعرض خيمة ثقافية تبث انوار معارفها وعلومهــــا لبناء انسان قويم الفكر).

هتلر .. ثلاثة اخطاء قاتلة – ضرغام الدباغ

رؤية جديدة

هتلر .. ثلاثة اخطاء قاتلة – ضرغام الدباغ

أتابع منذ زمن بعيد كل ما يتعلق بأحداث ومفردات الحرب العالمية الثانية، وفيما بعد حين قيض لي أن أعيش في ألمانيا سنوات طويلة من شبابي وكهولتي وشيخوختي، وشاهدت الكثير جداً من الأفلام الوثائقية، وقرأت أكثر باللغة الألمانية، حتى بوسعي أن أزعم، أني أحطت بكل ما يدور بالحرب العالمية الثانية، وتركيزاً على ألمانيا. والدروس السياسية والاستراتيجية للحرب العالمية الثانية ما تزال تستحق الدراسة.

ولكني لأني درست التاريخ علماً (مؤرخ  مجاز) أعلم أن الأحداث الكبيرة في التاريخ أعمق مما يمكن الإحاطة بها، لذلك ففي أوربا هناك متخصصون في كل صفحة وفي كل من المتفرعات. ومؤخراً قرأت أخبارا مثيرة حقاً، تحمل على التفكير العميق، فالقائد هتلر لم يكن غبياً بل كان ذكياً وموهوباً، وقد قرأت أن علماء أمريكيون بعد الحرب أجروا اختبارات الذكاء على القادة الألمان بعد اعتقالهم، وأجروا الاختبارات وتسمى علمياً (اختبارات سبيرمان من 150 درجة) (تشارلس سبيرمان ــ Spearman)  حتى على هتلر، وكان مستوى الذكاء مرتفعاً للغاية. ولكني من خلال قراءاتي لأحداث الحرب وتفاصيلها كنت ألاحظ أن هتلر أرتكب أخطاء قاتلة ترى لماذا أرتكبها وهو الذكي الأريب ..؟ أم ترى أن نشوة الانتصارات الرائعة السياسية منها والعسكرية، التي أحرزها في البداية سهلت له الانزلاق إلى مواقف لم يكن له أن ينزلق إليها، ولا سيما ارتكابه الخطيئة الأكبر بمهاجمة الاتحاد السوفيتي ..ومخالفته نصائح حكيم المانيا بسمارك، الذي نصح القيادات الالمانية الحالية والمستقبلية بعدم قتال روسيا.

مؤتمر فرساي

كان هتلر يعبر عن السخط الشعبي الألماني على مقررات مؤتمر فرساي بعد الحرب العالمية الأولى هو تعبير وطني صادق، ومخلص. فالمقررات كان يصعب احتمالها وترتب التزامات على ألمانيا تكبلها وتعيق سبل تطورها وحتى وحدتها الوطنية، فالوقوف بوجه فرساي كان أمراً حتمياً، وهو ما أوصلته للسلطة بالانتخابات النزيهة وبأغلبية كبيرة. ولكن السؤال الأهم كان يتمثل : كيف وماذا ينبغي أن تفعل ألمانيا للخلاص من التزامات مؤتمر فرساي ..؟

كان أمام هتلر العقبات التالية لإزالتها واستعادة ألمانيا مكانتها كدولة عظمى :

استعادة مناطق الروهر (rohr) التي استولت عليها فرنسا، وهي القلب الصناعي لألمانيا.

استعادة السوديت (sudeten) الألمانية من جيكوسلوفاكيا.

إعادة تسليح ألمانيا وهو ما يخالف قرارات فرساي.

معالجة تبعات تشكيل الدولة البولونية على أراض اقتطعت من ألمانيا، ومن الاتحاد السوفيتي، وبذلك تقطعت أوصال ألمانيا في الشرق في مناطق متداخلة منقطعة مثل بروسيا الشرقية ومدينة / ميناء دانزنغ (Danzig).

ولكن هتلر بدأ في التنفيذ يواجه مواقف وعقبات، كان موقفه حيال يعضها، انفعالياً، لم يدرس جوانبها بدقة …!

حين أستعاد بالقوة منطقة الروهر، كان الفرنسيون والإنكليز يدركون صعوبة أن تقوم أمة ألمانية صناعية بدون منطقة الروهر، لذلك سكتوا عنها وقبلوا هذا الاختراق الأول.

حين أتم عملية الإنشلوس (Anschluss) الوحدة مع النمسا، أستطاع تمريرها لأنه أدرك أن الأوربيين في مرحلة من الهشاشة لن يقفوا بوجهه.

حين أقتحم بالقوة المسلحة منطقة السوديت، بل كل أراضي الجيك، حين قبلت حكومة براغ الإنذار الألماني، وصمت لندن وباريس ثم إخراجه عبر مؤتمر ميونيخ / 1939 إذ أعتبر المؤتمر أن هذه هي آخر طلبات ألمانيا في القارة.

مزايا هتلر تجاه بولونيا التي صممت على مقاومة طموح هتلر، وجدت في فرنسا وبريطانيا الضامنة لاستقلال وكيان بولونيا، وخطأ هتلر أنه أعتقد أن فرنسا وبريطانيا سوف لن تخوضا الحرب من أجل ممر يفضي إلى مقاطعة دانزنغ .

تمادى هتلر أكثر حين لم يواجه بإجراءات أو تصرف جاد من بريطانيا وفرنسا، وتراخي فرنسي اعتقادا أنهم في أمان خلف الخطوط الدفاعية ماجينو المحكمة، ولكن الجيش الألماني الذي كان قد أستوعب نظريات وتاكتيكات الحرب الآلية / المدرعة، تمكن من اجتياح دول البينولوكس (هولندة وبلجيكا ولوكسمبورغ) متفاديا العقد الدفاعية، وفي غضون أيام قليلة تمكن من الوصول إلى باريس، بل وكاد أن يغلق طرق الانسحاب (ميناء دنكرك).

أعتقد هتلر أنه قام بصدمة خارقة (كانت فعلا صدمة كبيرة) وبذلك سيرغم بريطانيا وفرنسا بالإذعان لسياسته، في رسم خطط أن تكون ألمانيا قوة عظمى في أوربا والعالم. وبذلك أرتكب خطأه الأول : حين سمح للقوات البريطانية والفرنسية بالانسحاب من دنكرك، معتقداً أن إنزال هزيمة مذلة بالإنكليز، تصعب عليهم طريق الحوار والتفاوض.

ترك هتلر الإنكليز طويلاً ليفكروا (أطول مما يجب)، وتلك كانت غلطته الثانية، وحين تأكد يقيناً بأن الإنكليز جاءوا بتشرشل الاستعماري العنيد الشرس ليقف بوجه هتلر، بدأ هتلر بحرب بريطانيا بالطائرات، واجهها الإنكليز بكفاءة، وتحملوا بصبر آثارها، حتى بلغوا مرحلة من الاقتدار ليس بمواجهة الهجمات، بل والرد عليها، ونقل آثارها (الاقتصادية والاجتماعية) إلى ألمانيا، كما نجح الساسة البريطانيون من حمل الأمريكان على دخول المعترك الأوربي.

بدخول الولايات المتحدة الحرب، وهي لديها قدرات صناعية هائلة، بدأت بريطانيا تتعافى من تأثير الضربات الألمانية، والتحول من مرحلة الدفاع السلبي، إلى الدفاع النشيط، ثم إلى شن الهجمات الجوية، والبحرية وحتى البرية (في ميدان شمال أفريقيا)، لدرجة أنها أخرجتها من شمال أفريقيا كلها.

وهتلر كسياسي ذكي يعلم أن المكوث في الخنادق، هي الخطوة الأولى لجمود الموقف العسكري، وحين لا تتغير المعطيات على الأرض، ينتج الجمود السياسي، ويبدأ العطب يتسلل إلى الحرب ويشع بنتائجه. والألمان حين خسروا الحرب العالمية الأولى، خسروها وجيوشهم تحتل أراض في فرنسا وغيرها، ولم يكن جندي أجنبي واحد على أراضيهم ..

أعتقد الزعيم هتلر … ويدعم اعتقاده تصور (ربما أيده بعض من مستشاريه الفلاسفة)، أن العداء بين الأنظمة الرأسمالية / الديمقراطيات الغربية والنظام الاشتراكي / الشيوعي هو صراع تناقضي تناحري، يعلو على سواه من التناقضات. لذلك أعتقد أن حربه على الاتحاد السوفيتي، سيجعل الحلفاء الغربيين يميلون لتأييده وكانت غلطته الثالثة القاتلة، وقد يبدو هذا التصور صحيحاً في الوهلة الأولى، ولكن بريطانيا تعتمد في صياغة نظريتها للأمن القومي أن تكون القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في أوربا، والحروب حرفة رأسمالية توسعية، لذلك مثلت الخطط الألمانية مؤشرات الخطر لبريطانيا لأكثر من سبب:

إن التوسع حتى في القارة الأوربية ولا سيما في البلقان التي لم تخلو من اهتمامات الاستراتيجيين الإنكليز سيعرض نفوذ وهيبة بريطانيا لتدهور.

إن التوسع السياسي على الأرض يرافقه الإنتاج الصناعي النشيط والمشهور بجودته وغزارته، لا بد أن يرافقه بوسع تجاري واقتصادي عام وسيكون ذلك على حساب التجارة البريطانية.

إن سياسة التوسع الألمانية والتي كانت تجري تحت شعار „ المجال الحيوي /  Lebensraum“ تثير في بريطانيا ذات المخاوف التي كانت في سبيلها إلى التحقق قبيل وأثناء الحرب العالمية الأولى تحت شعار „ الزحف نحو الشرق „  Drangen nach Osten التي كانت ألمانيا تعتمد فيها على حليفتها الإمبراطورية العثمانية في التوغل شرقاً حتى الخليج العربي وطرد النفوذ البريطاني من تلك الأرجاء التي كان بدء اكتشاف واستخراج النفط يبشر بمكانتها الإستراتيجية.

ومن المعروف أن تركيا كانت قد أعلنت الحياد في الحرب العالمية الثانية، وإن كانت تتعاطف مع ألمانيا ليس فقط للأسباب التاريخية المعروفة، بل وتطميناً لمخاوف أمنها القومي، وذلك من احتمالات تفوق سوفيتي (بنتائج الحرب)، وهو ما حصل حقاً فيما بعد، وتجديد السوفيت لمطالبهم القديمة بمقاطعتي قارص وأرداهان التركيتين، بالإضافة إلى مخاوف من فرض عناصر جديدة (شروط) على المضائق: البسفور والدردنيل، تقلص من حدود السيادة التركية عليهما، وكان أي انتصار ألماني جديد بعد عام 1943 سيدفع بتركيا إلى المحور، الأمر الذي سيفتح أبواب الشرق الأوسط على مصراعيه أمام قوى التوسع الألماني، وكان الشرق الأوسط حتى ذلك الوقت ملعباً للفعاليات البريطانية تهيمن على معظم أقطاره وتستحوذ على ثرواته الطبيعية وفي مقدمتها النفط.

كان لتحالف ألمانيا مع إيطاليا ذات الأطماع الاستعمارية في القارة الأفريقية، وليس في ليبيا فقط، بل التوسع شرقاً لبلوغ مصر والسودان، ومن الاتصال بالوجود الإيطالي في منطقة القرن الأفريقي، فذلك كان يعني السيطرة على قناة السويس التي تمثل عصب الملاحة التجارية والحربية لبريطانيا إلى مستعمراتها في القارة الأفريقية وإلى شبه القارة الهندية وإلى الملايو في آسيا، وتشكيل كماشة وحصار الوجود البريطاني الذي سيغدو ضعيفاً (نسبياً) في المشرق العربي، ثم غدا أكثر ضعفاً (لاحقاً) بعد أنظمام الوجود الفرنسي في المشرق العربي(سوريا /لبنان) إلى حكومة فيشي الفرنسية الموالية للألمان، وكذلك الوجود الفرنسي في المغرب العربي (تونس، المغرب، الجزائر) بالإضافة إلى نشاط فعاليات حركة التحرر الوطنية والقومية النشيطة في مصر والعراق وفلسطين الهادفة إلى طرد الوجود البريطاني، وقد ثبت لاحقاً أن لهذه المخاوف ما يبررها، إذ كاد الفيلق الألماني وقوات المحور بقيادة الماريشال رومل أن يحقق هذه الإستراتيجية وبوصوله إلى العلمين كاد أن يبلغ مدينة الاسكندرية  (116 كم) ومشارف قناة السويس.

بالإضافة إلى المخاوف البريطانية في القارة الأوربية وأفريقيا أنفة الذكر، فإن احتمالاً ينذر بالخطر يتمثل بالقوة اليابانية في آسيا التي لم تكن تخفي أطماعها بالوصول إلى مستعمرتين رئيسيتين لبريطانيا تمثلان المستودع البشري والاقتصادي لها، وهما أستراليا والهند، وكان للتحالف الألماني الإيطالي الياباني ما يمنح هذه المخاوف أبعاداً جدية.

مثلت هذه المعطيات بالإضافة إلى عناصر ثانوية تتمثل بمصداقية التحالفات البريطانية في أوربا، تحالفها مع فرنسا، ضمان وجود واستقلال بولونيا، مثلت عناصر موقف استراتيجي ينذر باحتمال خرق خطير لأمن الإمبراطورية لابد من استباقه، ووضع حد لتدهور الموقف ولإيقاف عجلة الأحداث التي تدور في غير صالحها. فيما أعتقد الزعيم الألماني، أن الغرب الرأسمالي أمام الخطر الاشتراكي / الشيوعي (الروسي) سيعتبر أي خطر سواه معقول ومقبول.

هتلر يعلم بدقة تامة أن روسيا فرن حربي من الطراز الأول، تضم كافة خواص ومزايا المحرقة من :

أ . مساحات شاسعة بلا أفق,

ب. شعب بأعداد سكانية كبيرة.

ج. بلاد وشعب ذا قدرة على احتمال شظف الحياة ونكباتها. ومقاومة الغزاة.

د. الطبيعة الخاصة المتمثلة بالصحاري الجليدية شتاء، تتحول إلى بحار من الوحول صيفاً، وكثرة الأنهار والمستنقعات والغابات.

ه. قرأ هتلر القيادة القوية السوفيتية القوية خطأ، فأعتقد أن الشعب سيهب ضد النظام الشيوعي.

هكذا كانت التصورات والحسابات الدفترية … ولكن كيف جرت في الواقع …

ترومان عبر عن جوهر الموقف الأمريكي بقوله „ إذا قتل الألمان الروس فهذا جيد… وإذا قتل الروس النازيين فهذا جيد أيضاً «.

ستالين قال بما معناه „ هذه الحرب بين إمبرياليين قدامى (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة)، وبين إمبرياليين جد (ألمانيا وإيطاليا واليابان)،لتقسيم العالم، لا تستحق أن نسفك دماء جندي سوفيتي واحد من أجلها «.

هتلر المشبع ذهنه بأفكار عنصرية فلم يكن ليرغب بإنزال هزيمة تامة بالعنصر الأنكلوسكسون وهو ما يجمعه بالإنكليز، فتوقع أن أميركا سوف لن تجازف وترسل أبناءها للحرب في أوربا لترتاح بريطانيا وفرنسا، فالأمر ليس كارثة أن تنتصر ألمانيا (للاعتبارات العنصرية والدينية / الطائفية)، فتوقع أن تعمد بريطانيا إلى طلب الهدنة والصلح وإنهاء القتال مع ألمانيا، وهنا سيحسم هتلر أمر كونه قوة عظمى، ومن سادة أوربا. ولكن هذا الاحتمال أصبح بعيد المنال حين تولى تشرشل قيادة بريطانيا وفرنسا الحرة (بزعامة الجنرال ديغول).

ولما كان احتمال غزو الجزيرة البريطانية بعيد الاحتمال، كما أن الحرب على بريطانيا جوا وبحراً، لم تؤدي إلى نتائج مهمة، أدرك هتلر هذه المعطيات بسرعة، وربما أستعجل حين قرر أن تبحث الأركان الألمانية خطط الحرب على الاتحاد السوفيتي، معتقداً هذه المرة على حسابات دفترية (على الورق): جيش سوفيتي ضعيف، بلا قيادات حقيقية نتيجة تصفيات ستالين، أسلحة متخلفة تعود للحرب العالمية الأولى، طموح الشعوب السوفيتية للتخلص من الشيوعية، فأعتبر أن الوصول إلى موسكو لا تحتاج إلا إلى قفزة جريئة على يد قادة عباقرة الحرب الخاطفة /الميكانيكية والمدرعة، وسوف ينهار هذا الكيان فإما أن يضعف بدرجة لن يشكل خطراً أو أهمية، أو سيفرض عليهم سلماً ألمانيا ستقرر أبعاده. والغرب الرأسمالي وهذه هي الفقرة الأهم في سيناريو الزعيم النازي سيهرع إلى ألمانيا التي هزمت الشيوعية الخصم الأكبر للرأسمالية، وسيتمثل هتلر لهم بصورة المنقذ والمحرر.

هتلر كان يعرف تمام المعرفة مقولة الزعيم الألماني بطل الوحدة السياسي المحنك أوتو فون بسمارك قوله „ من أجل الحفاظ على ازدهار ألمانيا ومن أجل أن تنعم بالسلام ينبغي عليها (ألمانيا) أن تحافظ على السلام مع روسيا « ولكنه كان يدرك أن الاستسلام للإيقاع الصراع مع بريطانيا خيار خاسر، لذلك قرر اقتحام الجبهة الشرقية مع روسيا ووضع كل ثقله فيها على أمل أن „ المعارك مع روسيا الشيوعية „ ستقربه حتماً في مرحلة ما من الصراع، وأن الغرب سوف لن يسمحوا بوصول الشيوعية إلى حصونهم في أوربا الغربية. والغريب أن هذه القناعة لازمته إلى الأيام الأخيرة من الحرب أيار / 1945، وحتى ساعاته الأخيرة كان يتوقع أن يهرع الغرب لنجدته في الجبهة السوفيتية، وكانت معظم القوى الألمانية مركزة على الجبهة الشرقية، ويحث قادته على إجراء الاتصالات مع الجيوش الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية.

كانت خيارات هتلر تتقلص بتقدم الحرب، ولكنه كان يحصر آماله في :

أ . أن تقدم الصناعة الألمانية أسلحة متقدمة جداً ترغم الحلفاء على وقف الحرب، وكانت إنتاج الصواريخ البعيدة المدى (V1- V2) متواصلاً، وكذلك إنتاج الطائرة النفاثة مسرشمت (Messerschmitt 262) صنع منها 1433 طائرة، وإن كان تدبير الوقود اللازم للطائرات بدأ يشكل مشكلة، ولكن نتائج البحوث النووية وإنتاج السلاح الذري هو الأمل، ولكن النتائج الإيجابية ظهرت متأخرة بما لا يمثل انعطافة ذات نتائج حاسمة.

ب . أن تواجه الولايات المتحدة مشكلات في مسارح العمليات الآسيوية بما يكف يدها عن المسرح الأوربي.

ج . حدث سياسي خارق يلقي بظلاله المؤثرة على القرارات والعمليات الحربية.

ومنذ الانتصار السوفيتي في معركة ستالينغراد التي استمرت نحو ستة أشهر ( من 21/ آب / 1942 وحتى 2 / شباط / 1943) ابتدأ التراجع الألماني في الجبهة الشرقية ببطء ولكن تراجع متواصل حتى يوم 8 / أيار / 1945، يوم استسلام ألمانيا الرسمي. الخيارات تتقلص، ولكن هتلر ظل يعتقد أن حدثاً ما سينقذ الرايخ الثالث من الانهيار التام.

ويكتب وزير التصنيع الحربي الألماني البرت شبير في إحدى مقابلاته بعد إطلاق سراحه (بعد 35 عاماً) أنه كان يستمع للمذياع باهتمام تطورات الموقف الحربي في آسيا، وأنزعج كثيراً بأنباء الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر واندلاع الحرب بين الولايات المتحدة واليابان، وكان هتلر يحاول دفع اليابان لإعلان الحرب على الاتحاد السوفيتي، لأن ذلك سيخفف الضغط على الجبهة الشرقية / السوفيتية، ولمح الوزير شبير إلى تهاوي أمال كان هتلر يتأملها. ثم فشل وساطة حاول الفاتيكان القيام بها مع الحلفاء الغربيين.

ومع تقدم الحلفاء على الجبهتين الشرقية / الاتحاد السوفيتي، والغربية الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا (بعد تحريرها حزيران / 1944)، والتقدم على الأرض كان يقابله تضاؤل احتمالات التفاوض، وحتى الاستسلام المشرف للغرب، وهي احتمالات كانت أصلاً ضعيفة، والنصر العسكري بدا بعيد المنال، لتقلص الإنتاج الحربي، وضعف الموارد الخارجية وخاصة النفط، وأتساع الخروق في الجبهات، بحيث أن إنتاج طائرة نفاثة لم تغير من ميزان الموقف رغم أنه أنتج من هذه الطائرة نحو 1200 طائرة. والآمال على إنتاج السلاح النووي يبدو لم يكن وشيكاً، مع تدهور الأوضاع في كافة الجبهات .

وهنا عندما بدا أن غرق السفينة بات وشيكاً، بدأت سيناريوهات اليوم الأخير توضع، ولكن وبدأ قادة الدول الاوربية يفكر في  سفينته، وإنقاذ نفسه، وفي إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والبعض الآخر أدرك أن الهزيمة والتدمير لا محالة، ولكن مع عدم الإفراط في التدمير. ولكن من ذا الذي يرحم خصماً عنصرياً شرساً متطرفاً عنيفاً، قتل الملايين من الشعوب الأوربية :

وهنا يجيب السؤال نفسه: لماذا رفض الحلفاء الغربيين (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا)، بالإضافة للإتحاد السوفيتي كل فرصة للتفاوض وإنهاء الحرب سلماً بعد تمكن الحلفاء من تحطيم إرادة النازي، وأصبح النصر النهائي يلوح في الأفق، فضل الجميع أن تكون الحرب هو الحاسم بينهم. لذلك لم يكن للرحمة مكان في الخطط، فعلى سبيل المثال قصف مدينة دريسدن 13/14/15/شباط/1945 حيث قامت(1249 طائرة) 722 من الطائرات البريطانية و527 من الطائرات الأمريكية، بقصف المدينة قصفاً مدمراً رغم أنها كانت ساقطة عسكرياً وخالية من القوات العسكرية حيث أسقطت في أربع غارات 3,900 طن من القنابل الشديدة الانفجار دمرت حوالي 7 كم مربع من المدينة، وتسبب في عاصفة نارية قتلت 25,000 شخصاً (أقل التقديرات) من سكان المدينة، استهدفت الغارات المراكز الصناعية المهمة (تحسباً من وقوعها بيد الجيش السوفيتي المطبق على المدينة)، والمراكز الجامعية والبحثية. وهو أكبر وأعنف قصف يطال مدينة في الحرب العالمية الثانية (أوربياً)، وحجم التخريب لم يكن يقل عن حجم دمار هيروشيما وناغازاكي اليابانيتان.

الكارثة بأنهيار كل شيئ كانت محدقة، والزعيم الألماني كان يريد تأخير النهاية، على أمل حدوث ما ليس بالحسبان، ولكن هذا الجيوش (وأفرادها بالملايين) تتحرك كماكنة عملاقة لا يمكن إيقافها، حتى يوم 8/ ايار / 1945 جرى التوقيع على وثائق الاستسلام التام بلا قيد وشرط. آنذاك توقف نزيف الدم والموارد. (1)

ولكن مأساة الشعب الألماني لم تنهي، إذ كرس مؤتمر بوتسدام تقسيم ألمانيا والشروط الأخرى، منها التعويضات. ومن الغريب أن يكون الاتحاد السوفيتي الذي لقى من التدمير والقتل بقدر كافة الدول والشعوب مجتمعة، كان أكثر رحمة ورأفة بالشعب الألماني. مع الفارق العرقي والديني بين السوفيت والألمان، والتقارب الشديد عرقياً ودينياً مع الحلفاء الغربيين وهذه لا تخلو من العبر …..! .(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شاهدت (الباحث) في مقبرة ألمانية شاهد على قبر جماعي كتب عليه „ هنا دفن ستة جنود ألمان مجهولين يوم 8 / أيار / 1945 „ يوم انتهاء الحرب فتصور ….!

تحدث لي كثبر من المواطنين الألمان ممن شهدوا اليوم الأخير للحرب وما بعده، أن الجيش السوفيتي الذي كانوا يخشون انتقامه، كان رحيماً بالناس، وكانت مطابخ الميدان تطبخ الشورية وتقدمها مع الخبز مجاناً للناس في الشوارع .

الجدول رقم: (10): الخسائر بالأفراد عسكريين ومدنيين في الحرب العالمية الثانية

(الجدول من إعداد الباحث)

حين يصبح الترند إمتحانًا للبصيرة – انتصار الحسين

حين يصبح الترند إمتحانًا للبصيرة – انتصار الحسين

في عالمنا الرقمي المتسارع، صار الترند ظاهرة لا يمكن تجاهلها، موجة عاتية يتدافع خلفها الناس بلا وعي، ظانين أنهم يمسكون بخيط الحقيقة أو يتابعون ما هو مهم. لكن، ما بين هذا السحر الآني يكمن خطر جليّ يصعب تجاهله: تحويل الترند إلى ساحة قاسية تفضح الخصوصيات، وتشهّر بالأشخاص، وتسقطهم في محارق التنمر والتنفيذ، أحيانًا دون ذنب يُذكر.

وقد رسم القرآن الكريم لنا حدودًا واضحة في التعامل مع الخطابات والموجات التي لا تبني، فقال تعالى:

(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) (النساء: 140).

وفي موضع آخر شدد سبحانه على الوعي والحذر:

(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(الأنعام: 68).

وهذا التحذير الإلهي يجد صدى عميقًا في أقوال الحكماء والعلماء. ففي نهج البلاغة، يحث الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) على أن لا نكون إمعة تتبع الآخرين بلا عقل ولا بصيرة، بل نوطن أنفسنا أن نحسن الإنصاف ونبتعد عن سوء الظن وانتقاء السوء، فقال:

«لا تكونوا إمَّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساؤوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم.» (نهج البلاغة، الحكمة 167).

وأما الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، فقد نبه إلى خطر الخوض في الجدالات العقيمة التي تفسد المحبة وتنبت النفاق، قائلاً:

«إياكم والخوض والمراء، فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان، وينبتان النفاق.» (الكافي، ج2، ص300).

وأكد الشهيد محمد صادق الصدر قدس سره أن الأمة التي لا تزن أقوالها وأفعالها بميزان الحق، لا بد أن تنزلق في أوحال الباطل، حتى وإن ظنت العكس، فقال:

«إن الأمة إذا لم تزن أقوالها وأفعالها بميزان الحق، انزلقت في مهاوي الباطل وإن كانت تظن أنها على صواب.» (خطب الجمعة 1999).

الترند، إذن، ليس ذنبًا بحد ذاته، بل طريقة تعاطينا معه هي التي تحدد إن كان سببًا للبناء أو للهدم. فهذه الظاهرة الرقمية، رغم سلبياتها المعروفة كالفضيحة والتنمر، قد تتحول إلى أداة قوية لردع الظلم، ونصرة المظلومين، وكشف الفساد، ونشر الفضائل، ودعم المنتجين البسطاء بما يكرمهم ويعينهم على رزقهم الحلال.

وعي ومسؤولية

وفي ضوء ما سبق، تتطلب منا المواجهة مع كل موجة ترند وقفة وعي ومسؤولية. لا بد من التمهل والتحقق، وعدم الانجرار خلف كل ضجة، بل توظيف هذه الظاهرة ضمن ضوابط أخلاقية وإنسانية. فبكلمة طيبة قد نخفف من معاناة إنسان، ونخلق ارتباطًا إنسانيًا قوامه الرحمة، فيما بكلمة جارحة قد نُهدم سمعة ونترك جرحًا لا يندمل.

أمامنا خياران: أن نكون جزءًا من موجة ضوضاء بلا مضمون، أو أن نختار أن نكون صوتًا رشيدًا مسؤولًا في فضاء يعج بالفوضى الرقمية. ومن هذا المنطلق، تُعرض بعض المبادئ العملية التي تحوّل الترند إلى أداة خير:

التدقيق والتحقق من صحة المعلومات قبل المشاركة أو الترويج.

استخدام الترند لنشر الخير والقيم، ونصرة الحق والضعفاء.

احترام خصوصيات الآخرين، والابتعاد عن كل ما يجرح كراماتهم.

توجيه الصوت ليكون سببًا في بناء المجتمع لا هدمه.

في النهاية، لا يعد الترند سوى امتحان للبصيرة. فلتكن مشاركتنا فيه شهادة للحق، ونشرًا للرحمة، لا سببًا للظلم والتنمر. ولنسعَ أن يحكم حضورنا الرقمي ضميرنا وروح أخلاقيتنا، فلا نفقد إنسانيتنا وسط زحام السطور والمشاركات.

هل إنتهى زمن الكتاب ؟ – قاسم حسين صالح

هل إنتهى زمن الكتاب ؟ – قاسم حسين صالح

يمتاز العراقيون بأنهم يحبون الكتاب من يوم تعلموا القراءة، فهو بوصف البصري أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (الجليس الذي لا يُطريك « لا يمدحك»،والصديق الذي لا يُغْريك، والرفيق الذي لا يَمَلُّك، والمستميح الذي لا يَسْتِريثُك،والجار الذي لا يَستبْطِيك،والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالمَلَق،ولا يعاملك بالمَكْر، ولا يَخْدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب.) ويضيف بان الكتاب يحيي القلب، ويقوّي القريحة، ويمتع في الخلوة، ويؤنس في الوحشة..وعنه قال المتنبي (وخير جليس في الزمان كتاب). وكنا (نحن جيل الكبار) في ستينيات القرن الماضي نلتقي بمقهى (البرازيلية) وكل واحد منا جاء وبيده كتاب. واكتشفنا مبكرا ان اكتشاف الكتابة تعد واحدةً من أهم الإنجازات الإنسانية عبر التاريخ بوصفها وسيلة للتعبير عن المشاعر الصريحة والمكبوتة التي تجعل القاريء يتوحّد بالكاتب. وان للكلمة المكتوبة وقع السحر على النفس الإنسانية؛ القادرة على التغلغل إلى الأعماق،وإبراز المواهب والقدرات،لاسيما الرواية والقصة والشعر التي تساعدعلى تطوير شخصية الإنسان، والنهوض به عقليا ونفسياً و وجوديا!.

تحفيز الخيال

وسيكولوجيا يعمل الكتاب على تغيير نظرة الإنسان الى الحياة والناس بشكل إيجابي،وتحفيز الخيال عبر جمل ستتشكل في دماغ القاريء كصور حيّة في النهاية لا ككلمات،ولطالما قال الناس:الرواية أجمل من الفيلم،لأنّهم يترجمون كلمات الكتب كلاً بشكل مختلف وأجمل وأكثر ابتكاراً،ويشاركون كاتب الموضوع في بناء المعنى وتكوينه.

ويؤكد كثيرون ان اغلاق الكتاب وفتح شاشات الأنترنت على الفيسبوك واخواته تفقد ثقافتنا وحضارتنا الشيء الكثير،ونفقد أيضا على المستوى الشخصي ما لا يُمكن تعويضه. فمواقع التواصل بصفحاتها اللانهائية التي تغرينا بالاستمرار بالتقليب فيها تُصبح ثُقبا أسودا يبتلع الساعات والأيام، ولا تمدنا بما يُساوي الوقت الذي نُضيعه عليها،فيما صُحبة كتاب جيد تجعل الوقت يمر أبطأ،وتفتح أفقا آخر بعيدا عن هنا والآن يجذبنا إليه و(نذوب) فيه.

وحتى عندما نغلق الكتاب ونعود لتفاصيل الحياة، نبقى نحمل في داخلنا ذكريات وتجارب من عوالم أخرى بعيدة طافت فيها أرواحنا، وعشنا فيها زخما من حيوات موازية ننتمي لبعضها أكثر مما ننتمي لواقعنا المُعاش، وتجعلنا نتفق مع ما تنبأ به برادبوري في «فهرنهايت 451، من أن الإنسانية ستفقد مرآتها العاكسة التي ترى من خلالها كل ما بها من عيوب وخطايا، ولن يبقى حينها سوى صور «سيلفي» برّاقة تُظهر كل قُبح جميل. وهناك خطر آخر يهدد الكتاب يتمثل بالذكاء الاصطناعي،وهو تقنية تحاكي الذكاء البشري نجح في التشكيل والاعلام الى حد ما،الا انه لا يمكنه ان يبدع في نظم قصيدة تقترب من قصيدة للمتنبي،الجواهري، نازك،السياب…ولا يمكن ان يكتب رواية تقترب من اضعف رواية لنجيب محفوظ ،لأنه يفتقر الى الحساسية في التعبير عن المشاعر والتفاعل الأنساني مع الاحداث بشكل مباشر، كما يفتقد الى البصمة البشرية بكل ما تملكه من حيوية. ورغم ان الشعب العراقي تعرض الى ما لم يتعرض له اي شعب في العالم المعاصر من كوارث وفواجع وفقدان احبة خلال الخمسة والاربعين الماضية ، فانه يشهد في كل عام اقامة معارض يتنافس فيها اصحاب دور النشر الذين يشكون الآن من ارتفاع اسعار الورق، وفي ذلك خطر يهدد الكتاب والكاتب والقاريء،ونتمنى على لجنة المعرض عقد ندوة لمعالجتها.

وخاتمة القول..

قد يختفي الكتاب في كل الدنيا بفعل الثورة المعلوماتية والذكاء الأصطناعي ..لكنه سيبقى في العراق!

الهوّية وأدب المنفى – عبد الحسين شعبان

الهوّية وأدب المنفى – عبد الحسين شعبان

باستعادة رسالة الجاحظ «الحنين إلى الأوطان»، وهو الجد الأقدم للمثقفين العرب والمسلمين، ندرك حقيقة المعاناة الإنسانية الفائقة للمهاجرين والمهجّرين والمنفيين في عالمنا المعاصر، بما له علاقة بالمكان والذاكرة من جهة، وبالهويّة والثقافة من جهة أخرى، تلك التي وجدت صورًا للتعبير عنها في أدب المنفى.

وأعطت العولمة للمنفى ولثقافة المهجر أهمية كبيرة، لم يكن يتمتّع بها من قبل، وأصبح بالإمكان تحقيق التواصل والتفاعل والتشارك والتداخل بين الوطن والمنفى، وبين المهاجر وثقافته الأصلية والثقافات والحضارات المختلفة والمتنوّعة. ومع كل هذا التطور الهائل يبقى هناك شيء مختلف بين الوطن والمنفى، حيث يعيش المهاجر خارج بيئته وثقافته المجتمعية ولغته الأصلية، حتى وإن حافظ عليها، خصوصًا ونحن نتحدث عن الثقافة العربية في المنفى أو المهجر.

في كتابه « تأمّلات المنفيين» يعرّف الصحافي البريطاني جون سمبسون المنفي بالقول «هو الشخص الذي لا ينسجم مع مجتمعه»، ثم يعدّد ست مجموعات من المنفيين لأسباب سياسية أو دينية أو قومية أو قانونية أو نفسية أو اقتصادية أو غير ذلك.

لقد شملت الهجرات العربية الأولى (في القرن التاسع عشر) مثقفين كبار مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وآخرين، الذين أسسوا «الرابطة القلمية» في نيويورك، وقد أقاموا صلات مع أدباء الوطن، وكانوا الأكثر شهرةً قياساً بالأدباء الذين هاجروا إلى أمريكا الجنوبية، لاسيما إلى البرازيل مثل شفيق المعلوف والياس فرحات وجبران سعادة وغيرهم، الذين أسسوا « العصبة الأندلسية».

وكان المنفى آنذاك أقرب إلى «الاختيار» حتى وإن كان اضطراراً فردياً، مثل هجرة الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي إلى إيران بعد فشل ثورة العشرين في العراق (1920)، وبقائه فيها ثماني سنوات وترجمته الشهيرة لرباعيات عمر الخيام، ومن ثم انتقاله إلى سوريا ولبنان.

 أمّا الهجرات اللاحقة فكانت أقرب إلى الهجرات الجماعية، لاسيما الهجرة الفلسطينية القسرية بعد قيام إسرائيل في 15 أيار (مايو) العام 1948، وفي منتصف السبعينيات شهد لبنان هجرة واسعة بسبب الحرب الأهلية، كما شهد العراق، كنموذج آخر لم يعرف الهجرة من قبل، هجرات كبيرة منذ نهاية السبعينيات وخلال فترة الحرب العراقية – الإيرانية والحصار الدولي المفروض عليه والاحتلال فيما بعد، شملت آلاف من المثقّفين، وحصل الأمر في سوريا أيضًا، التي شهدت هجرة ما يزيد عن 6 ملايين إنسان بعد حركة الاحتجاج في العام (2011) وقمع النظام السابق لها.

ظاهرة مقلقة

وحسب فرانسيس فوكوياما أصبحت الهجرة ظاهرة مقلقة، بل مهدّدة للاستقرار العالمي، ومع تعاظم مشكلات اللاجئين والمهاجرين والمنفيين، برزت العديد من الإشكاليات والمشكلات مثل: الهويّة، ومسألة الاندماج وتفرّعاتها، وقضية الخصوصية الثقافية والقومية والدينية.

وفي ندوة عن الجنسية واللّاجنسية في جامعة أوكسفورد، تناول القاضي يوجين قطران، وهو أول قاضي فلسطيني عربي في بريطانيا كان قد مضى على وجوده فيها آنذاك نحو خمسة عقود من الزمن، تجربته المثيرة في المنفى وازدواجية الهوّية والولاء والانتماء والمواطنة والجنسية، التي تختلط وتتقارب وتتباعد وتؤثر، بل وتضغط على المنفي أو المهاجر المبدع وثقافته وإنتاجه، لاسيّما على وعيه الذي تتداخل فيه أصوات متعددّة. وهو ما بحثته بالتفصيل في كتابي «المثقّف وفقه الأزمة».

إن حياة المثقفين المنفيين، لاسيّما الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، وقبلهم المهاجرين الروس في العشرينيات، والمهاجرين الإيرانيين واليونانيين في أواخر الأربعينيات والخمسينيات، وفي السبعينيات الشيليين، تعكس الهواجس الدائمة والهموم والشكوك والانكسارات، وهذه كلها تمثل حياة المثقفين المهاجرين في كل مكان: البحث عن وثيقة، جواز سفر، مكان آمن، الابتعاد عن الاحتكاك برجالات السلطة ومؤسساتها، تحاشي المشكوك بأمرهم، الدعايات والإشاعات المبثوثة في كل مكان، جدل الهوّيات أو الهوّيات المتعدّدة، المتفاعلة، المختلفة والمؤتلفة، وما تسبّبه أحياناً من تمزّقات، لاسيّما للجيل الثاني من المهاجرين.

ولعل خير من عبّر عن هذه الحالة من الصراع والتناقض والتألّق إدوارد سعيد في كتابه «خارج المكان»، الذي سجل حياته من خلال العلاقة المركّبة والمزدوجة بين الوطن والمنفى. ومثّل «خارج المكان» جسراً بين ماضي لا يمكن أن يُنسى وبين حاضر لا يمكن أن يدوم، وبينهما صور وانعكاسات وأحداث ووقائع ومؤامرات وآمال وحروب، ولكن الذاكرة تظل قائمة وكأنها تعيش واقعاً هو استمرار بحثها عن هوّية ومكان وأرض ووطن مسلوب، لعلها الهوّية اللقاحية على حد تعبير الباحث التراثي هادي العلوي، الذي ظل يردّد أنه سليل الحضارتين الصوفية ( العربية- الاسلامية) والتاوية (الصينية)، لاسيّما انتسابه إلى لاوتسه مثلما هو منتسب إلى الحلاّج.

لم يكن إدوارد سعيد بعيداً عن جبرا إبراهيم جبرا حين تحدث في « البئر الأولى» عن نشأة الطفل والتشكّل الأول لذاكرته وما استقرّ فيها من تفاصيل، ولم يكن من الممكن محوها أو التجاوز عليها،  فقد حُفرت في قاع الذاكرة وهي ما لا يمكن إهماله.

في حديث خاص مع الشاعر الكبير الجواهري، سألته عن المنفى: وماذا كان هناك يا أبا فرات؟ فردوس الحرية أم زمهرير الغربة؟ وبعد فترة تأمّل، سحب نفساً عميقاً من سيجارته فأجاب: الاثنان معاً أي والله الاثنان معاً.

لم يستطع روائي كبير مثل غائب طعمة فرمان، الذي عاش المنفى طيلة أكثر من ثلاثة عقود أن يكتب رواية عن المنفى. ظل هاجسه الوطن، حيث وُلد وترعرع وعاش شبابه الأول، وظلّت شخصياته ذات ملامح بغدادية حادة أحياناً. لم يتمكن المنفى منه، على الرغم من أنه أعطاه فضاء الحريّة.  وعلى العكس منه كان برهان الخطيب، الذي عاش في المنفى أكثر من ثلاثة عقود في موسكو ودمشق واستكهولم، فقد أجاب على سؤال لمجلة «الوطن العربي» بقوله: للمهجّر أو للمغترب وجهان ظاهر وخفي؛ الأول مبهرج والثاني كالح. حياة المهجّر تكشف لي عن وجه شنيع أحياناً، وهناك صعوبات وضغوط حاولت كسري. ويضيف: أمّا التأقلم والذوبان أو الصمود أمام الصعوبات والضغوط ومجابهة احتمال التحطّم… الهرب من فجيعة الوطن لا ينبغي أن يجعلنا نسقط في فجيعة الغربة.

في حوار أداره المنتدى الأورومتوسطي، وحضرته نخبة متميزة من المثقفين، قال أسامة الشربيني في معرض معالجته لظاهرة ازدواجية الهويّة: حين أكون في المغرب أشعر بأنني مغربي وعربي ومسلم، وحين أكون في بلجيكا أشعر بأنني بلجيكي وأوروبي وجزء من الثقافة الغربية. وهنا يثار سؤال مشروع: وهل المكان هو الذي يحدد الهوّية؟ أم أن الهوّية التي تكونت وترسخت واكتسبت، تظهر على نحو جلي في بيئتها الحقيقية، حيث المكان والاستمرار والتفاعل؟

وإذا كانت هناك من معاناة للثقافة العربية في المهجر، وخصوصاً للمثقفين، فهو ما يمكن أن نتمثله من خلال بيتين من شعر الحلاج والذي كان يرددهما وهو يواجه السيف بعد رحلة نفي طويلة بقوله:

طلبتُ المستقرّ بكلّ أرضٍ / فلم أر لي بأرض مستقرّا

وذقت من الزمان وذاق منّي/ وجدتُ مذاقهُ حلواً ومرّا

فقد ولد الحلاج حسب ما يروي المؤرخ الطبري عنه في مدينة البيضاء في اليمن(حسب ابنه أحمد) وهاجر منها إلى بلدة « تستر» ثم إلى البصرة. ثم رحل إلى بغداد ومنها عاد إلى تستر ثم خراسان، حيث غاب هناك 5 سنوات مطارداً ومنها إلى « كرمان»  وبعدها إلى الأحواز، حيث انتقل إلى البصرة ومنها إلى مكة وعاد إلى البصرة ومن البصرة إلى بغداد، وقد سبقته روايات عن زندقته المزعومة، فهجرها إلى حيث واجه حتفه.

إن هوّية الحلاج الرئيسية هي هوّية اللاجئ، و الحريّة هي إحدى تجليات هويّة اللّاجئ التي تظهر في فضائها ألوان ثقافات وتواصل حضارات وعادات شعوب وبشر. فالحريّة إذن هي الشرط الأول للاجئ والمهاجر والمنفي، وهي القاعدة التي تؤسَّس عليها الهوّية اللاحقة، ذات البعد الإنساني، والتي تمثل المشتركات الإنسانية.

رحلة المنفى

كتب الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي في منفاه الخمسيني والستيني قصائد مفعمة بغنائية رقيقة وصوفية عقلانية متآلفة، راسماً صوراً أليفة بألوان منسجمة، ولعل ذلك أراده تواصلاً مع الوطن أكثر من كونه تعبيراً عن الفقد واللوعة والحزن، وهذا ما ظهر في «النور يأتي من غرناطة» وفي «بستان عائشة» وهو من أجمل دواوينه، وكذلك صوفياته عن ابن عربي.

وعلى نحو مختلف كتب الشاعر سعدي يوسف عن منفاه الأول في الجزائر، وخصوصاً في مجموعته الشعرية « الأخضر بن يوسف» حين حضر المنفى باعتباره واقعاً ظلّ من خلاله يتهجى الوطن. أما مظفر النواب فقد كان يجد «المنفى كالحب، يسافر في كل قطار أركبه، وفي كل العربات أمامي».

لعلّي هنا أتوقّف عند رواية الكاتب والروائي الفلسطيني غسان كنفاني «رجال في الشمس» في الحديث «عن رحلة النفي أو الهجرة أو اللجوء». كيف قُدّر لهؤلاء الرجال الذين بقوا في الصهريج ينتظرون موتهم ببطء ويأس وحتى دون حراك، فبدلاً من فتح باب الفرج، انفتح لهم باب القبر بكل صمته وظلامه. وبإيحاء كنفاني الذي كان منولوجه الداخلي عالي النبرة، يخاطب هؤلاء الرجال، لماذا لم تصرخوا؟ لماذا لم تدقوا كي يسمعكم من في الخارج؟

مع الاستقرار المؤقت والاندماج الجزئي في المجتمع الجديد، تبدأ مشكلات المهاجرين والمنفيين الحقيقية، وتظل هواجس الروائي الألماني أريش ماريا ريمارك قائمة في (ليلة لشبونة)، فالمهاجر كثير الشك، منغلق، يثير ريبة أهل البلاد الأصليين أحياناً، ويتعامل مع العالم الخارجي في الكثير من الأحيان بمنظار أمني، ويعاني من فقدان هويّته الأصلية، وعدم قدرته على التكيّف مع الهويّة الجديدة.

وحتى لو حصل الأديب المنفي على جنسية البلد المستقبِل (المضيف) بعد سنوات من إقامته فيه، فإنه يظل يعاني من ازدواجية الجنسية فيما بعد، لاسيّما وأنها في إحدى تعبيراتها تواجه ازدواجية المواطنة والجنسية أحياناً، وهذه تثير نوعاً ملتبساً من ازدواجية الهويّة.

وقد سبق لأمين معلوف الروائي اللبناني العالمي الذي مُنح أعلى وسام فرنسي، أن تحدّث عن موضوع الهوّية في كتابة « الهوّيات القاتلة» وقد مثل هو شخصياً هذا البعد المتحرّك في الهويّة بحمله الثقافتين العربية والفرنسية، وقدرته في أن يكون جسراً للتواصل، دون أن يعني ذلك تجاوز المعاناة الإنسانية الفائقة، لاسيّما في التعبير عن تلك الهويّات المزدوجة، بل المتعدّدة والمتنوّعة.

في كتابه « موسيقى الحوت الأزرق» يناقش أدونيس فكرة الهويّة، ويستهل حديثه بالعبارة القرآنية التي تضيء بقِدَمِها نفسه، حداثتنا نفسها على حد تعبيره، وأعني بها التعارف، أي الحركة بين الانفصال والاتصال في آن، من خلال «رؤية الذات، خارج الأهواء»، وخاصة الأيديولوجية، ويمكن أن نضيف الدينية والقومية وغيرها، بمعايشة الآخر داخل حركته العقلية ذاتها، في لغته وابداعاته وحياته اليومية.

فالهويّة ليست سرمدية أي أنها ليست نهائية أو كاملة أو مغلقة، إنها مفتوحة وغير تمامية، أي قابلة للإضافة والحذف والتأثّر والتأثير، وهي أقرب إلى أرخبيل مفتوح من بركة راكدة.

وإذا كانت عناصر الهويّة الأساسية تقوم على اللغة والثقافة والتاريخ والدين، وهـــــــذه أقرب إلى الثبات، وإن كانت ليست ساكنة، فإن العادات والتـــــــــــقاليد والآداب والـــــفنون وطريقة العيش والملبس والمأكل كلّها قابلة للتغيير، والمنفي والمهجّر والمهاجر، ولاسيّما الأديب، أكثر حساسية وتفاعلًا مع محيطه من غيره، سواء إزاء الهويّة القديمة أو الهويّة الجديدة.

هكذا سيتم تحوّل النظام – منقذ داغر

متى يتغيّر النظام في العراق؟  (7)

هكذا سيتم تحوّل النظام – منقذ داغر

«التغيير فرض وإنكاره كفر»

خلاصة ما تقدم من تحليل هي ان العراق يمر حالياً بما مرت به كثير من الدول التي إختبرت عمليات تغيير اجتماعي كبرى. هذه المرحلة الانتقالية يمكن تسميتها بمرحلة (أزمة السلطة). تتميز هذه المرحلة بتآكل بل واحتضار السلطة القديمة، وتعسر ولادة سلطة جديدة وبالتالي هزال شديد في السلطة القائمة. في ظل هذه الظروف تبرز طبقة من النفعيين Opportunists اسماها غرامشي بوحوش السلطة، تستفيد من ضعف هياكل وعمليات السلطة القديمة وتمدها بأجهزة إنعاش بالكاد تبقيها حية. أن مقومات هذا الوجود والديمومة لنظام الحكم -لا النظام السياسي- في العراق تتلخص في انه وعلى الرغم من ان كل الظروف الموضوعية Objective للتغيير حاصلة فعلاً، فأن هناك ظروف ذاتية Subjective يبرع النظام في استثمارها، ولا يستطيع المجتمع المدني تجاوزها، هي التي تساعد وحوش السلطة على الهيمنة على الحكم الى الآن. لقد تم تفصيل تلك الظروف الموضوعية والذاتية سابقاً. هذا يعني ان النظام العراقي ليس باقيا لأنه فعال او كفوء، ولا لأن الجماهير راضية عنه، بل لأنه تمكن من بناء نظام مقايضات مشترك مفيد لمصالح النخب، وممول بعائدات النفط، ومسنود بدعم خارجي أولاً، وضعف وتشتت المعارضة ثانياً، وبقوة السلاح والعنف ثالثاً. باختصار فأنه نظام هش في شرعيته، وهش في استقراره لكنه مرن في بنائه. أنه أشبه ببيت العنكبوت المحاك جيداً لكنه قابل للتمزق بسهولة عند توفر الشروط. والسؤال اذاً ما هي تلك الشروط التي يمكن ان تمزق نسيج شبكات المصالح العنكبوتية المتخادمة والتي تديم بعضها البعض؟ أن التنبؤ بتاريخ محدد لسقوط نظام وحوش السلطة غير ممكن ولا واقعي، لكن ما يمكن التنبؤ به هو أن هذا السقوط لن يكون مفاجئاً وانما سيمر عبر مراحل من تآكل الشرعية وفقدان الزخم والتحلل التدريجي لشبكات المصالح المتخادِمة. بمعنى ان هناك قوتَين ستسهمان في هذا الإحتضار المستمر الأولى هي تآكل القوة والشرعية، والثاني هي قوة التغيير التدريجي المستمر في قناعات المساندين الداخليين والخارجيين بأن هذا النظام لم يعد مناسباً لإدامة مصالح داعميه من جهة، وغير قادر على تلبية حاجات الصابرين عليه من جهة أخرى. لكن يجب ان يكون واضحاً ان سيناريو الإنقلاب الليلي او البيان رقم واحد، أو حتى إعادة الاحتلال هو سيناريو مستبعد، ولا يخدم سوى استمرار وحوش السلطة وليس العكس تماماً.

السيناريوهات المتوقعة

  1. على المدى القصير. استمرار شبكات القوة المتخندقة والمتصارعة نهاراً، والمتفقة والمتخادمة ليلاً من الشيعة والسنة والكورد باتفاقاتهم ومناوراتهم السلطوية التي تكفل لهم أطول مدة من البقاء في السلطة وأقصى غنائم ممكنة. يصاحب ذلك استمرار ولاء القوى المحتكرة للعنف، سواء تحت سلاح الدولة أو اللادولة، بإخلاصها لهذا النظام المتحالف والمتغانم معها مما يجعل سيناريو الإطاحة به عسكرياً غير وارد حالياً. اما القوى الخارجية الداعمة للنظام فستديم هي الأخرى نفس الدعم-بخاصة ايران- ما لم يحصل تغيير جذري في ميزان القوى الخارجية وتحديداً فيما يتعلق بعلاقة إيران مع أمريكا والعالم الغربي.
  2. على المدى المتوسط والبعيد (أي اكثر من ثلاث سنوات): يتوقع استمرار أزمات النظام وتفاقمها مما يجعل تغييره وارداً عند أي لحظة فارقة سواء كانت شرارة هذه اللحظة داخلية أو خارجية. وهاكم بعض تلك الأزمات المتوقعة الحصول والتي اذا اندلعت شرارة ما خلالها فقد يحصل التغيير:

أ‌. أزمة أقتصادية. هذا سيمزق شبكات التخادم المصلحي ويعري النظام من قدرته على «رشوة» المواطنين للسكوت عنه، فضلاً عن نشوب صراع مصالح كبير بين المتغانمين الحاليين.

ب‌. القنبلة الديموغرافية. يشهد العراق تغيراً ديموغرافياً كبيراً لا يتمثل في زيادة السكان بحوالي مليون شخص سنوياً،وأنما بدخول مئات الوف الشباب سنوياً لسوق العمل الضعيف وغير القادر على النمو. ومهما كانت قدرة الدولة على امتصاص هذه الزيادات الهائلة من الباحثين عن العمل فأنها لن تستطيع تلبية كل الحاجات. وفي ظل ضعف القطاع الخاص الخدمي وغير المنتج لا يمكن الا توقع ازمة بطالة خانقة تؤثر في كل الحياة عموماً. من جانب آخر فأن ازدياد اعداد المتقاعدين سيلقي مزيد من العبء المالي على الدولة ليس فقط لدفع رواتبهم وانما لتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم. على الجانب الآخر فأن ظهور جيل جديد لم يعِش المظلومية التاريخية للشيعة او السنة او الكورد، ومثقلاً بالطموحات والآمال بحياة افضل بخاصة في ظل انفتاح كل العالم عليه، فأن ادامة وحوش السلطة لولاء مجاميعهم الطائفية والمذهبية من خلال نفس الخطاب التاريخي للظلم الذي وقع عليهم سيكون صعب جداً ولا يمكن تسويقه لهذه الأجيال الشابة بسهولة.

ت‌. الصدمات الأقليمية. تزخر المنطقة بكثير من التقلبات السياسية الكبرى التي تعيد صياغة قواها والمتحكمين بها. لم تعد أمريكا وايران هما اللاعبان الوحيدان بل انضمت تركيا و»إسرائيل» لهما. ويبدو ان دول الخليج الغنية قادمة ايضاً بقوة. في ظل هذه التغيرات الإقليمية فسيكون من الصعب على ايران وامريكا الاتفاق كما فعلت دوماً لإدامة بقاء نظام وحوش السلطة في العراق،وسيكون للاعبين الجدد كلمتهم المسموعة ايضاً.

الخلاصة التي تجيب عن السؤال الذي طُرح كعنوان لهذا التحليل (متى يتغير النظام) هي انه بدلا من توقع السقوط المفاجئ، فمن المرجح أن يواجه النظام العراقي أزمات دورية – احتجاجات وتعديلات حكومية وانتخابات مبكرة وأزمات اقتصادية وإقليمية – تقوض شرعيته. من المحتمل أن يتطلب الانهيار المنهجي الحقيقي توافق واحد او أكثر من الشروط الآتية:1) قيام توافقات وتفاهمات، بل وتحالفات عابرة للطائفية والقومية بين القوى المعارضة لوحوش النظام تتناسى فيها خلافاتها الآيدلوجية والقيادية وتركز على مصالح العراق ومصالحها.2) فقدان الحماية الخارجية (الأمريكية او الإيرانية) للوضع الراهن بعد ان يصبح عبئاً ومسؤولية liabilities  أكثر من كونه رافعة لمصالحها.3) أزمة اقتصادية مؤثرة في قدرة الوحوش على ادامة هيمنتهم على السلطة. وفيما عدا الشرط الأول فأن الشرطَين الآخرَين ابتدءا على ما يبدو وهو ما يشرح سبب هشاشة النظام حالياً الذي يبدو قوياً من الخارج لكنه كقالب الزبدة يقطع بسهولة، أو يذوب تدريجياً.

تحليل للإسهامات العراقية في قطاع التعليم – عبد الجليل البدري 

دور الأكاديميين المتقاعدين في بناء الدولة المدنية

تحليل للإسهامات العراقية في قطاع التعليم – عبد الجليل البدري

يحتل الأكاديميون المتقاعدون مكانةً بارزة في بنية الدول التي تسعى إلى التحول نحو المدنية والاستدامة المعرفية. وفي العراق، حيث يمر المجتمع بمخاض إعادة بناء مؤسسات الدولة وبسط نموذج الدولة المدنية، تتجلى الحاجة الماسة لاستثمار خبرات الأكاديميين المتقاعدين، سواء داخل الوطن أم في الخارج، باعتبارهم مخزونا استراتيجيا للمعرفة والقيادة والخبرة الميدانية. لقد تبلورت أدوار هؤلاء في دعم التعليم العالي، إثراء السياسات التعليمية، بناء البنية التحتية للبحث العلمي، نقل الخبرات الدولية، وتفعيل الشراكات الأكاديمية. يجمع هذا التقرير إسهامات رمزية ونوعية لمجموعة من الأكاديميين العراقيين المتقاعدين ويتناول الأنشطة الجماعية التي أسهمت (وتسهم) في هذا التحول، كما يسلط الضوء على نماذج عالمية ويوصي باستراتيجيات لتأطير هذه الجهود ضمن سياسة وطنية مستدامة لبناء دولة مدنية قوية وحديثة.

الأكاديميون المتقاعدون وثروة الدولة المدنية

المفهوم والدلالة الوطنية

ينظر للأكاديميين المتقاعدين في الدول المتقدمة كـ»ذاكرة معرفية حيَّة» و»مرآة لتاريخ التعليم والقيادة والتفكير»، كما جاء في مقالات وتحليلات حديثة حول التجربة العراقية والعالمية. بعيداً عن مقولة أن التقاعد نهاية للعطاء، فهو نقطة انطلاق دور أوسع وأعمق في خدمة المجتمع. في الدولة المدنية النابضة، يُفَعِّل الأكاديميون المتقاعدون حضورهم في مجال رسم السياسات، تقييم الأداء الجامعي، رعاية القيادة الأكاديمية الشابة، وإلهام الابتكار من خلال التجربة والنضج الفكري والمنهجي.

تُشير التجارب العالمية في ألمانيا واليابان وفرنسا وأستراليا إلى دمج النخب الأكاديمية المتقاعدة في مجالس التخطيط والتعليم، ولجان التقييم، ومبادرات نقل ونشر المعرفة، بحيث يستفيد المجتمع الأكاديمي والشباب من تفاعل الأجيال والخبرات. إن تجاهل هذه الشريحة يعد خسارة جسيمة لرأس المال البشري وصانعًا لفجوات في التنمية والبحث والابتكار. في العراق، تركيز استدامة المعرفة يتطلب تحفيز وتفعيل كامل الاحتياطي العلمي والقيادي للأكاديميين المتقاعدين داخل البلاد وخارجها.

المبادرات والأنشطة الجماعية للأكاديميين المتقاعدين

تأسيس رابطة الأكاديميين المتقاعدين في العراق

سُجل في العراق لأول مرة تأسيس رابطة رسمية للأكاديميين المتقاعدين عام 2023 بحضور حشد من القيادات الجامعية وممثلين عن مختلف الجامعات العراقية. عكست هذه المبادرة إيمانًا عميقًا بمكانة الأستاذ الجامعي، وهدفت لنشر جودة التعليم وترصينه وفق المعايير الدولية. تلتزم الرابطة بنهج أكاديمي مستقل وتسعى لتحقيق مصالح المتقاعدين وتفعيل دورهم المجتمعي، كما تعد قناة للتواصل والتنسيق مع نقابة الأكاديميين وغيرها من الجهات المعنية باستثمار الخبرات، وضمان حقوق النخبة العلمية العراقية.

المشاركون المؤسسون للرابطة شملوا وزراء ووكلاء وزارات ومستشارين ورؤساء جامعات وعمداء كليات ورؤساء أقسام حاصلين على أوسمة من جامعات وجمعيات دولية. وهؤلاء النخبة لديهم عشرات المؤلفات وبراءات الاختراع وأشرفوا على مئات الأطروحات وساهموا في تخريج آلاف الكفاءات، فضلاً عن مشاركتهم في مئات المؤتمرات العلمية المحلية والدولية. تسعى الرابطة لجمع كل هذه الطاقات لاستثمارها في تنشيط حركة التنمية وتأهيل الأجيال لتحقيق صورة العراق الجديد.

رابطة الاكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة وتجمع أهل الموصل

لعبت رابطة الاكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة دوراً محورياً في ربط الأكاديميين بالخارج مع القضايا الوطنية، لا سيما عبر مؤتمرات نوعية مثل مؤتمر المياه، وجمع الكتب لإعادة تأهيل مكتبة جامعة الموصل بعد الدمار، ونداءات لمشاركة الخبرات مع الجامعات العراقية. كما تميز تجمع أهل الموصل بالمبادرات المجتمعية والعلمية للمساهمة في عملية إعادة الإعمار الثقافي والاجتماعي، ضمن مشروع «إحياء روح الموصل» الذي كان محط دعم من منظمات دولية وتعاون أكاديمي متعدد المستويات.

ورش العمل الدولية: ورشة مؤسسة الرؤيا حول المياه برزت ورشة عمل دولية نظمتها مؤسسة الرؤيا كمثال عملي على التعاون البحثي والشراكة بين الخبرات الأكاديمية العراقية والدولية، حيث ناقش المشاركون حلولاً لأزمة تلوث المياه وضمان حقوق العراق المائية، بحضور خبراء عراقيين من الداخل والخارج ناقشوا أهمية تبني البحوث التطبيقية في رسم سياسات إدارة الموارد البيئية المستدامة، وبمشاركة الملحقية الثقافية العراقية في لندن وسفارة العراق ونخبة من المختصين.

نموذج إعادة إحياء جامعة الموصل: جهود جماعية

يُعد مشروع إعادة إحياء جامعة الموصل ومكتبتها الوطنية مثالاً بارزاً لتكاتف الأكاديميين العراقيين في الداخل والخارج والجمعيات الأكاديمية الدولية، حيث تمت حملات جمع الكتب من أكبر المراكز البحثية في المملكة المتحدة وإرسالها للموصل، وبينما تولت السفارة العراقية التنسيق وتوفير الموارد اللوجستية، انخرط أعضاء الرابطة والمجتمع المدني في إعداد وتصنيف وإرسال شحنات الكتب والمخطوطات لدعم العملية الأكاديمية في المدينة.

الإسهامات الفردية: نماذج أكاديمية عراقية مؤثرة

الدكتور عبد الهادي الخليلي

يُعد الأستاذ الدكتور عبد الهادي الخليلي من القامات الوطنية والعالمية في مجال التعليم الطبي وتطوير الخدمات الصحية. كرائد أكاديمي، تولى مبادرات كبرى بمجال التعاون الدولي لتحديث مناهج كليات الطب العراقية من خلال الاتصال والشراكة مع كلية طب جامعة إدنبرة البريطانية. ساهم الخليلي في رسم برامج تكامل التربية الطبية والخدمات الصحية واقترح تشكيل لجان خبراء تضم أكاديميين وعاملين ذوي خبرة واسعة لإعادة النظر ومواكبة التطورات العالمية في مناهج الطب وتطبيق الممارسات المثلى في التعليم الطبي. كان للتحديات الأمنية أثر على استدامة بعض الجهود، إلا أنه استمر بالنضال العلمي والفكري لإحداث نقلة نوعية في جودة البرامج الأكاديمية برصانة علمية واستقلال فكري وتحفيز الشراكات الدولية.

الدكتور محمد الربيعي

يعتبر البروفيسور محمد الربيعي أحد أبرز رموز العلم العراقي عالميًا، وهو بروفسور متمرس في الهندسة البايوكيميائية في جامعة دبلن، وزميل معهد كونوي للعلوم الطبية، وخبير لدى اليونسكو، ورئيس شبكة العلماء العراقيين في الخارج. تنوعت مساهماته بين تطوير السياسات التعليمية، وأبحاث الهندسة الحيوية، وتأسيس بنية تحتية بحثية متقدمة على المستوى الأوروبي والدولي. بفضل جهود الربيعي، حاز العراق على اعتراف دولي في مجال البحث العلمي الحيوي وأصبح له حضور ملموس في اللجان الاستشارية الدولية لتوزيع التمويلات البحثية والتخطيط الاستراتيجي للبحث العلمي. كما نشر ما يزيد عن 500 بحث وكتاب وقدم استشارات للوزارات والرئاسة العراقية، وأسهم في وضع سياسات لتطوير منظومة البحث العلمي وتدويل التجربة العراقية.

الأساتذة العراقيون في جامعات هارفرد وMIT وعالمية

سجل الأساتذة العراقيون بصماتهم في أرقى الجامعات والمؤسسات البحثية في هارفرد و MIT وغيرهما من المؤسسات القيادية في العالم. برزت أطروحات وأبحاث عراقية في المجالات الطبية والهندسية والاجتماعية ضمن المراكز الأولى، واحتلت أعلى المراتب في التصنيفات العالمية للأبحاث المقرؤة والمبكرة، كما انخرط هؤلاء في لجان تحكيم عالمية وأشرفوا على مشاريع بحثية مشتركة ونقلوا خبرات الجامعات العريقة إلى العراق والمنطقة العربية.

إن إشرافهم على طلبة الدراسات العليا في العراق والخارج، وكتاباتهم في الصحافة العالمية، فضلا عن حضورهم في الندوات الدولية، جعلهم عناصر فاعلة في تفعيل الشراكات وتوطين العلوم المتقدمة ضمن منظومة البحث العلمي الوطني، وقد تولى العديد منهم مواقع استشارية في مؤسسات سياسات التعليم العالمية، مما أضاف زخماً لسياسات النقل المعرفي والتوأمة المؤسسية.

ليث شبر: رؤية استراتيجية لدور المتقاعدين

طرح الأكاديمي العراقي الدكتور ليث شبر في مقالاته رؤية عميقة لمسألة دمج المتقاعدين الأكاديميين في بناء الدولة المدنية، مؤكدًا أن الخبرة الممتدة لعقود هي رأس مال معرفي لا غنى عنه لقيادة التحول الوطني. ودعا إلى تأسيس مجلس وطني للمتقاعدين الأكاديميين أو بنك خبرات وطني يمكن للدولة عبره استثمار هذا المخزون الاستراتيجي، مقارنًا بتجارب دول متقدمة مثل ألمانيا واليابان حيث النتائج ملموسة في تعزيز السياسات وتجويد الأداء المؤسسي واستدامة التنمية المعرفية.

تحليل الأدوار والمسارات في تطوير السياسات التعليمية

ساهم المتقاعدون الأكاديميون بشكل ملموس في رسم السياسات التعليمية وتقديم الاستشارات للوزارات والمؤسسات التربوية، مستندين إلى تجارب طويلة في التعليم والبحث والإشراف الأكاديمي الدولي. كان لدكتور عبد الهادي الخليلي دور فعّال في الدفع بتحديث مناهج كليات الطب عبر التعاون مع مؤسسات عالمية، مستندًا إلى رؤية تؤمن بأن التطوير لا يتم إلا بعد استثمار خبرات الداخل والخارج معًا. ورغم الصعوبات الأمنية والسياسية، ظلت توصياته تحظى بالاحترام والتطبيق ضمن كثير من برامج الوزارة، مؤيدًا فكرة تشكيل لجان قطاعية يقودها خبراء لديهم «باع في التربية والتعليم» بعيدًا عن التعيينات الإدارية البحتة. الدكتور محمد الربيعي مثّل نموذجا لاستثمار المعرفة والخبرة في السياسات التعليمية عبر منصبه كمستشار في وزارتي التعليم العالي ورئاسة الجمهورية، وعضويته في الهيئات الاستشارية الدولية. وامتد تأثيره إلى نقل منهجيات الجودة ومعاييرها من المنظومات الغربية إلى العراق والعالم العربي، مقترحًا تعديلات في السياسات تسهم في مواءمة المخرجات مع المتطلبات العالمية. ترتكز خبرة هؤلاء الأكاديميين على تراكم المعرفة ومعايشة التحولات العالمية في هيكلة الجامعات، حيث يقدمون نماذج في تشخيص مكامن القصور واقتراح الحلول المبتكرة القائمة على أفضل الممارسات. كما أن تواجدهم الفعلي في شبكات رسم السياسات ولجان تقييم الجودة يعد ضمانة لفعالية السياسات التعليمية المعتمدة.

في بناء البنية التحتية البحثية

كان للأكاديميين المتقاعدين دور أساسي في دعم البنية التحتية البحثية للعراق. شارك العديد منهم في تأسيس وإدارة مختبرات عريقة داخل الجامعات العراقية، ورصد الفجوات وتخطيط احتياجات القطاع البحثي، والتواصل مع المجتمع البحثي الدولي لاستقطاب المنح وإدخال التقنيات المتقدمة. فقد أسهمت مساهمات د. الربيعي ومجموعته البحثية، وكذلك خبرات رابطة الأكاديميين العراقيين في الخارج، في تحديث مختبرات الكيمياء والهندسة الحيوية وتطوير الشراكات مع جامعات أوروبية مرموقة. وتولى كثير منهم الإشراف المباشر أو الافتراضي على مشاريع أبحاث داخل العراق والمشاركة في تدريب العاملين المحليين على التقنيات الجديدة.

تتّضح أهمية مشاركة المتقاعدين في إعادة تأهيل المكتبات الوطنية والجامعية عند دراسة تجربة إعادة إعمار مكتبة الموصل وإعادة بناء مراكز الوثائق والأرشيف العلمي المدمر، والتي اعتمدت بشكل كبير على علاقات الأكاديميين بالخارج وشبكات دعمهم المالية والمعرفية.

في نقل الخبرات الدولية

أسهم الأكاديميون المتقاعدون في تأمين قنوات لنقل المعارف والمهارات عبر التوأمة مع جامعات أجنبية، وإعداد برامج تدريبية متبادلة، وإدارة فرق بحث دولية تضم عراقيين وأجانب للعمل على مشاريع ذات أثر وطني. لعبت الملحقية الثقافية العراقية في بريطانيا وجمعيات العلماء العراقيين في المملكة المتحدة دوراً محورياً في هذا الصدد، حيث بادرت لتنظيم ورش عمل حول قضايا مشتركة (كالمياه والبيئة والطاقة) ونقلت مضامين الأبحاث الحديثة إلى الداخل العراقي. كما أن بعض السياسات الوزارية الحديثة تم اشتقاقها من نتائج مؤتمرات دولية وإقليمية حضرها أكاديميون متقاعدون سواء كمحاضرين أو كمستشارين.

من الأمثلة المميزة، التعاون بين جامعة بغداد وكلية طب إدنبرة لتطوير المناهج، وبرامج تدريب الكوادر وتبادل الزيارات العلمية مع عدد من الجامعات البريطانية، والتواصل مع البرامج الدولية مثل DAAD الألماني الذي أتاح فرص تمويل وبعثات بحثية استفاد منها الجامعيون العراقيون بفضل جهود الأكاديميين المتقاعدين في تهيئة الطلبة والشباب للاستفادة القصوى من هذه الشراكات.

في تفعيل الشراكات الأكاديمية

تجلت أهمية الشراكات الأكاديمية (سواء بين الجامعات العراقية أو مع مؤسسات عالمية) في نقل الممارسات الفضلى، وإرساء تعاون بحثي طويل الأمد، وتبادل الأساتذة والطلبة، وتطوير مناهج متعددة التخصصات. وأكدت وزارة التعليم العالي مراراً على استراتيجية «تنمية الشراكات وتبادل الخبرات الدولية»؛ وهي سياسة تعتمد في جوهرها على مخرجات خبرات الأكاديميين المتقاعدين وديناميكية علاقاتهم الدولية. هؤلاء يقومون بدور العقدة المفصلية للشراكات ويساهمون في فتح آفاق برامج التوأمة المزدوجة وبرامج الدكتوراه المشتركة والمنح التعاونية.

سيناريوهات التعاون هذه ليست مجرد رؤية طموحة بل تحققت فعليا من خلال دعم البرامج التطبيقية، وتنظيم المؤتمرات الثنائية، وتسجيل اختراعات علمية باسم المؤسسات العراقية بالشراكة مع جامعات في بريطانيا وأمريكا وغيرهما. كما أمكن عبر الشراكات تفعيل برامج نقل التكنولوجيا، والتدريب الفني، وتطوير قدرات الباحثين الشباب المحليين ليصبحوا منافسين عالمياً.

تحويل الجهود الأكاديمية إلى استراتيجية وطنية مستدامة

التحديات الحالية في العراق

رغم الجهود المبذولة من الأكاديميين المتقاعدين والفاعلين، هناك جملة من التحديات تقف حائلاً دون توطيد أثرهم في بناء دولة مدنية مؤسسية مستدامة:

  • ضعف القنوات التنظيمية والرسمية التي تتيح إدماج الأكاديميين المتقاعدين بشكل مؤسسي في السياسات الحكومية وصناعة القرار التعليمي والبحثي.
  • تغليب الاعتبارات البيروقراطية والمنطق الوظيفي على حساب الرؤية المعرفية النوعية، حيث يتم أحياناً تجاهل المتقاعدين أو اعتبارهم خارج دوائر التأثير.
  • غياب إستراتيجية وطنية متكاملة تستند إلى قواعد بيانات دقيقة للخبرات المتقاعدة وإلى آليات استثمار هذا المخزون الاستراتيجي بشكل منهجي ودائم، بعكس ما هو معمول به في تجارب عالمية مثل ألمانيا والكويت ودول آسيا المتقدمة، حيث أنشئت مجالس وجمعيات متخصصة لإدارة هذه الطاقات عبر «بنوك خبرات وطنية» أو «مجالس استشارية عليا».
  • القصور في التكامل بين القطاعين التعليمي والاقتصادي، وهو ما يؤخر انضواء المتقاعدين الأكاديميين في المشروعات الإنتاجية والاستشارات الحقيقية.

من الرؤية إلى التطبيق: الدروس المستفادة من النماذج العالمية

توفر التجارب الدولية دلائل على جدوى تأسيس مجلس وطني أو بنك خبرات للمتقاعدين الأكاديميين. ففي الكويت، تم توقيع شراكات بين المجلس الأعلى للتخطيط ومشروع «خبرات» لاستغلال خبرات المتقاعدين بإسنادهم مهام استشارية، ومراجعة وتقييم السياسات السنوية، والمساهمة في قيادة المشروعات الكبرى. وفي ألمانيا، يسهم المتقاعدون في تطوير أنظمة التعليم وسد الفجوات البحثية عبر برامج مستدامة تشجع المشاركة المجتمعية وتحفز الشراكات مع القطاع الخاص.

عناصر الاستراتيجية الوطنية المستدامة للعراق

  1. إنشاء مجلس أو منتدى وطني للمتقاعدين الأكاديميين يعمل كمحور مركزي لجمع وتوظيف الخبرات.
  2. قاعدة بيانات وطنية رقمية ترصد وتحدّث ملفات الأكاديميين المتقاعدين وتدير عملية توزيع الاستشارات والمهام التخصصية حسب احتياج المؤسسات.
  3. إعتماد نظام امتيازات فعال يشمل عضوية في البنية التحتية البحثية، وتحفيز الاستمرار في الإشراف والتحكيم والنشر والعضوية في اللجان الوطنية والدولية.
  4. تشجيع الشراكات المؤسسية بين الجامعات المحلية والدولية عبر برامج توأمة، تفعيل بعثات تبادلية، ودعم المنح البحثية المشتركة والتي يديرها أو يشرف عليها أكاديميون متقاعدون.
  5. التوثيق المستمر والتقييم الدوري للمنجزات عبر تقارير مؤسسية شفافة، وربطها بمؤشرات قياس أداء واضحة تسهم في إعادة هيكلة العملية التعليمية والبحثية وفقًا لأفضل الممارسات الدولية.

التوصيات التنفيذية

  1. إدماج رابطة الأكاديميين المتقاعدين في العراق ضمن الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي، بحيث تكلف بوضع برامج تشغيل للكفاءات ومتابعة مخرجاتها بشكل دوري مستقل.
  2. تفعيل دور الأكاديميين المتقاعدين في رسم وإشراف السياسات التعليمية عبر تشكيل لجان استشارية وتقييمية دائمة تستفيد منها مؤسسات الدولة المدنية في التخطيط والرقابة والتحكيم.
  3. تقديم حوافز ملموسة للأكاديميين المتقاعدين تشمل عضوية مدى الحياة في المكتبات والمنظومات العلمية، والترشيح الدائم للجوائز الوطنية والإقليمية، وإتاحة منصات النشر والمشاركة الأكاديمية.
  4. وضع خارطة طريق وطنية للشراكات الأكاديمية، يُكلف فيها المتقاعدون الخبراء ببناء الجسور مع الجامعات العالمية وإدارة التوأمات والبرامج الدولية، وتوثيق هذه التحركات ضمن سجلات وطنية للمتابعة والتقييم.
  5. إدراج التجربة العراقية ضمن التقارير السنوية لمؤسسة الرؤيا وجمعية العلماء العراقيين في الخارج، بغرض تسليط الضوء إعلاميًا وأكاديميًا على المنجزات ودعم السياسات الوطنية بآراء رصينة من نخبة المتقاعدين.
  6. تأسيس برامج احتضان للبحث العلمي والابتكار يديرها أكاديميون متقاعدون تهدف إلى رعاية المواهب الأكاديمية الشابة وتوفير منصات تدريب وتطوير مستدامة وفق المعيار الدولي.

الخلاصة: الاستدامة المدنية تبدأ بخبرة المتقاعدين

تؤكد التجربة العراقية—مدعومة بمقاربات عالمية ونجاحات عديدة لمبادرات الأكاديميين المتقاعدين—أن استثمار هذه الكتلة البشرية والمعرفية هو طريق استدامة رأس المال الفكري، وهي ضامن لتقدم منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والمؤسسات الوطنية. بناء الدولة المدنية لا يكون إلا بتكامل الجيل الخبير مع الجيل الطموح، عبر بنية تحتية متكاملة تضمن العدالة والمعرفة والإبداعية والانفتاح على التجارب الدولية.

وبينما يتسارع إيقاع التحولات العالمية، يصبح الأكاديميون المتقاعدون نقطة ارتكاز لا غنى عنها لقيادة التغيير والمساهمة في وضع العراق على خارطة التقدم العلمي العالمي، بشرط تأطير جهودهم ضمن استراتيجية وطنية مستدامة تشركهم في التخطيط وصنع القرار والرعاية المؤسسية. بهذا فقط يتحول التقاعد من محطة للصمت إلى بوتقة للإنتاج والعطاء والإبداع من أجل عراق مدني متين.

الوطن يختنق بخوفنا – حامد الضبياني

الوطن يختنق بخوفنا – حامد الضبياني

الوطن يجلس على حافة صمتٍ طويل، يتنفس خيوط الخوف المعلقة بين المكونات، كأن كل حجر في الشوارع يحمل وشاية، وكأن كل نافذة ترقب الآخر بعين مشبوهة. المكونات تتشبث بالسلطة كما يتشبث الغريق بالهواء، لا لأنها تملك القرار، بل لأن الخوف صار قانون الحياة، وغرسه الآخرون بعناية، نظام دولي يتقن العزف على أوتار الطائفية، يعزف موسيقاه في صمتنا، ونحن نرقص دون أن نشعر.كل كلمة تقولها المكونات تتحول إلى اتهام، كل ابتسامة تصبح مشبوهة، وكل حركة تُقاس بنظرية الشك. المجتمع البسيط، الذي كان متحابًا بطبيعته، صار حلبة صراع، حلبة لأقلام مدفوعة الثمن، تكتب الكراهية بين الناس، تزرع العداء، تحشو القلوب باللوم، وتفجر النفوس بقنابل العيد وحزام ديني ناسف، محشو بالكره والاتهام، لتبقى النار مشتعلة في الداخل، والنار أعمق من الحروب، أعمق من القنابل، لأنها تحرق الروح قبل الجسد.الفقراء أصبحوا ضحايا خوفهم، ضحايا الخوف المزروع الذي قتل شجاعتهم، وأمسك بهم بين أصابعه كدمى على خشبة مسرح. يهربون من الحقيقة، يهربون من الآخرين، يهربون من أنفسهم، وكل يوم يولد فيهم شك جديد، وكل يوم يموت أمل صغير كان يزرع بين القلوب.أخطر ما في الأمر أن الخطر ليس خارجيًا، بل داخلي: في عقولنا، في قلوبنا، في نظراتنا إلى بعضنا. إذا لم نحمي الناس من أنفسهم، من أفكارهم، من مخاوفهم المزروعة، فلن يكون هناك سلام، لا داخلي ولا خارجي، ولن نتجاوز دائرة الألم والاتهام واللوم.الوطن يئن ونحن نتجادل على شرفات السلطة، ونحن ننسى أن الحياة موجودة في الأرض، في النسيم، في الأطفال الذين يركضون في الطرقات، في النساء اللواتي يطبخن، في الفلاحين الذين يزرعون. إذا استطعنا أن نحرر قلوبنا، أن نعيد الثقة إلى الناس، أن نعيش بدون خوف، عندها فقط سيهدأ الوطن. عندها فقط سيصبح السلام حقيقة، لن يكون حلمًا بعيدًا، بل هو الحياة نفسها التي نستحق أن نعيشها، بلا كراهية، بلا لوم، بلا قنابل، بلا أقلام ملوثة، بلا خوف من بعضنا، بلا خوف من أنفسنا.

الوطن يختنق بخوفنا، لكننا نستطيع أن نحرره.

سازوكي و معلمه الأبيض – صفاء الفريجي

سازوكي و معلمه الأبيض – صفاء الفريجي

تعود بي الذاكرة إلى طفولتنا حين كنا نتابع برنامج الأطفال في تلفزيون العراق ، و نتعارك على إتجاه الأريل بحثاً عن صورة نقية .و من بين تلك الحكايات  قصة “سازوكي و معلمه الأبيض”، التي تشبه ما نعيشه اليوم في البصرة و العراق عموماً ..!!

سازوكي كان يظن نفسه بطلاً يريد خوض المعركة ، لكن معلمه الأبيض ربطه بحبل كي يمنعه من التهور ، غير أن سازوكي إستعان بفأر فقطع الحبل خفية ، ليعود بعدها بخيبة و يدّعي البطولة ، فيما هما الإثنان في النهاية مجرد دوخة ببوخة ..!!و هكذا الحال اليوم مع بعض الخصوم الذين يشنّون حملات تسقيط سياسي قبيل الإنتخابات ، خصوصاً ضد قائمة “تصميم” بزعامة أسعد عبد الأمير العيداني ، عبر أساليب دينية و إجتماعية و سياسية و إعلامية رخيصة ..!!أساليب لا تنتج إلا رائحة نتنة و تاريخاً أسود ، مصدره جذور بعثية أو أفراد متورطون بالمخدرات ، و الشروع بالقتل أو مشمولون بإجتثاث البعث .الغريب أن بعض هؤلاء كانوا بالأمس يتسابقون على التقاط الصور معه ، ويترقبون توقيع معاملاتهم بشغف ، أما اليوم فقد صار خصمهم .. أي نفاق هذا …؟؟

البناء العمودي ..بمعزل عن التخطيط – حاكم الشمري

البناء العمودي ..بمعزل عن التخطيط – حاكم الشمري

شهد العراق خلال السنوات الأخيرة توسعًا لافتًا في قطاع البناء، خصوصًا في العاصمة بغداد، حيث ارتفعت الأبراج السكنية والتجارية بسرعة غير مسبوقة. هذا التوجه نحو البناء العمودي عُدَّ في البداية خطوة استثمارية إيجابية تعكس رغبة في مواكبة أنماط العمران الحديثة وتلبية الطلب المتزايد على السكن، لكن سرعان ما تحوّل إلى أزمة خدمية خانقة ألقت بظلالها على حياة المواطنين.فالمشاريع التي كان من المفترض أن تشكّل رافعة للتنمية الحضرية، بُنيت بمعزل عن التخطيط المتكامل للخدمات الأساسية. أحياء بأكملها أضيفت إليها مجمعات شاهقة دون أن تُحسب طاقتها الاستيعابية لشبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي، ما أدى إلى اختناقات كبيرة في هذه القطاعات. النتيجة كانت واضحة: انقطاع متكرر للكهرباء، ضعف في تجهيز الماء، وضغط متزايد على البنى التحتية التي تعاني أصلًا من التقادم والإهمال.

هذا الواقع كشف عن غياب التنسيق بين الاستثمار العمراني والبلديات والوزارات الخدمية، إذ يُفترض عند منح أي رخصة لمجمع سكني أو برج تجاري أن تُلزم الشركات المنفذة بإنشاء خدماتها الخاصة، أو المساهمة في توسيع الشبكات العامة، بما يضمن عدم الإضرار ببقية الأحياء السكنية. لكن ما حدث كان العكس تمامًا؛ حيث جرى التركيز على المردود المالي السريع، دون الالتفات إلى انعكاساته على جودة الحياة في المدينة.الأمر لا يقتصر على الكهرباء والماء فحسب، بل يمتد إلى مشاكل في الطرق والازدحامات المرورية ونقص مواقف السيارات، فضلًا عن الضغط على المدارس والمراكز الصحية. ومع استمرار هذا النمط من البناء غير المخطط، باتت بغداد تواجه تحديًا حقيقيًا في استدامة خدماتها الأساسية.إن معالجة هذا الملف تتطلب إعادة النظر في سياسات الاستثمار العمراني، وربطها بشكل مباشر بالقدرة الاستيعابية للخدمات، مع وضع ضوابط صارمة تفرض على المستثمرين إنشاء البنى التحتية المرافقة لمشاريعهم. فالعمران لا يُقاس بعدد الأبراج التي ترتفع في السماء، بل بمدى انسجامه مع حاجات المجتمع وضمانه لرفاه المواطن.

لماذا نكتب؟ – بلقيس كاظم لفتة

لماذا نكتب؟ – بلقيس كاظم لفتة

نحن نكتبُ لأنَّ الصمتَ يُرهقُنا .و الكلماتُ وحدَها تستطيعُ أن تُخففَ وطأةَ ما نحملهُ فى قلوبِنا .نكتبُ لأنَّ الورقَ لا يُحاكِمُنا .و لا يُطالبُنا بتبريرِ تلك المشاعرِ التى تُراوِدُنا فى لحظاتِ .نحن نكتبُ كى لا تَتوه أصواتُنا فى زِحامِ أفكارِنا .كى نُرتِّبَ تلكَ الفوضى التى تصنعُها الحياةُ فى أرواحِنا .نكتبُ لأنَّ الحروفَ تُنقذُنا من ثِقَلِ ما نعجزُ عن البوحِ به .

و لأنها تُنصِتُ حين يُدير الجميع وجوهَهم عن حديثِنا .نحن نكتب لنُحافظَ على ما تبقَّى منَّا حينَ تَخذُلُنا الأيام .و نبحثُ فى السطورِ عن وجهِنا الحقيقى .

نكتبُ لأنَّنا نُدركُ أنَّ :ما يَبقى منَّا فى الكلماتِ أصدقُ مما يَبقى فى الذكريات .نكتبُ لأنَّ الكتابةَ وطنٌ حين تغدو الأماكنُ غريبةً عنَّا .نحن نكتبُ هَربًا من سؤالِنا الدائم :

من نَحنُ فعلًا فى هذا العالم؟

حكومة اهلية رديفة  شعارها الجوزة – حسن الحيدري

حكومة اهلية رديفة  شعارها الجوزة – حسن الحيدري

في العراق، يقف المواطن يوميا أمام مقارنة واضحة بين  مؤسسة حكومية بطيئة متخمة بالروتين والختومات والمراجعات والسروات والواسطات ، مقابل مؤسسة أهلية (مدرسة مستشفى  شركة ) أكثر مرونة وسرعة  رغم قلة مواردها ودعمها وتاسيسها بالشراكة المواطن يرى بنفسه أن الكفاءة ليست مسألة إمكانات  بل مسألة ادارة وحرص على تقديم خدمة حقيقية المؤسسات الأهلية تتزايد فالمصرف الاهلي ومكاتب الصيرفة والمدارس ورياض الاطفال اصبحت شبه طبيعية ووصل الحال الى استئجار الشباب لملعب خماسي بمبلغ من كلا الفريقين للقضاء على اوقات الفراغ الذهبية لدى اقرانهم من ذات الفئة العمرية في كوريا او الصين مثلا الموسسات الاهلية  تُجبر نفسها على العمل بكفاءة حتى تستمر وتبقى قريبة من الناس أما الوزارات فهي مطمئنة إلى ميزانيات ثابتة ورواتب مضمونة مهما كان ادائها  هنا يولد السؤال ماذا لو كانت هناك حكومة أهلية بجانب الحكومة الرسمية خطوط النقل بين المحافظات بانتظام اكثر وسيارات احدث  مناهج دراسية كانت تطبع خارج العراق . موتمرات وزارية تقام من قبل شركات الكهرباء تعرض للخصخصة من مستثمرين ورجال اعمال ومناطق اخرى بعدد كبير من المولدات الاهلية ( لصاحبها الحجي الملتحي) التي تنتشر بين كريات دم الازقة الحمراء والبيضاء . المولات هي الاخرى سوق اقتصادي مكتمل من المصاعد والتكييف والحمامات التي تفوح منها عطور مركزة خلافا لحمامات بعض المؤسسات للاسف . الجامعات الاهلية الفخمة والعمليات الجراحية المطمئنة في المستشفيات الاهلية وعيادات طب الاسنان .ماذا لو تحولت الوزارات إلى مؤسسات تحاسب كأي قطاع أهلي حيث البقاء للأكفأ والسقوط للفاشل لربما شهدنا تنافساً على خدمة المواطن لا على المناصب  ولو كانت الوزارات تخضع لمبدأ الزبون أولا  كما في القطاع الخاص لما انتظر العراقي سنين من أجل كهرباء مستقرة أو ماء صالح للشرب وتفاوتت اختياراته العائلية بين ( لؤلؤة واكوافينا) الفارق ان المواطن اليوم زبون مجبر على التعامل مع مؤسسات حكومية بلا خيار آخر. بينما في أي مؤسسة اهلية إذا فشلت في تقديم الخدمة  يغادر الناس ببساطة إلى بديل أفضل.

أحدث الأخبار

Azzaman