شرعت أمانة بغداد على تقديم خدماتها لسكان العاصمة منذ سنوات طوال ،هذا ما أعتدنا عليه دائما ، كانت جادة وحريصة على أظهار بغداد بأبهى صورها لجعلها عاصمة تضاهي عواصم العالم وتليق بسكانها ،كل هذا الكلام كان في السابق ،أما اليوم تغير المشهد لدينا ،لا زالت بغداد (عاصمة) لكن لمن ؟ هل تغير سكانها ؟ أم تغيرت صفات (العاصمة) نفسها ، أنتشرت أكوام النفايات في كل مكان ، طبيعتها الجغرافية والديموغرافية هي الأخرى نالت قسطا كبيرا من التغيير، ما تضطلع به أمانة بغداد هو جزء يسير جدا من مهمتها الكبيرة التي يفترض أن تقوم بها، كثرت الأحياء العشوائية أو ما تعرف ب (التجاوز) وبالمقابل أزدادت الأحياء الزراعية.. لماذا؟ صحيح أن المواطن بحاجة ماسة إلى سكن يأويه ولهذا يلجأ إلى الأراضي الزراعية ليسكن فيها كونها أرخص سعرا لكن هل هذا هو الحل الأمثل ؟ نحن بحاجة إلى أقامة حزام أخضر حول بغداد لا أن نجرد الأراضي الزراعية كي نبني عليها أحياء سكنية.
هناك مسألة أخرى أنوي مناقشتها وهي التجاوزعلى أرصفة الشوارع في الأحياء السكنية ، فبالأضافة إلى تجاوز المحلات التجارية على الأرصفة لعرض بضائعهم، هناك تجاوز أصحاب المنازل أنفسهم على الأرصفة ، فكل من هب ودب منهم قام ببناء منزل ضم الرصيف إلى داره كي يكون له ، قاطعا إياه بالحواجز الصناعية، وواضعا له الباب الخاص به ،وبذلك يكون قد أضاف مساحة جديدة للدار تستخدم كحديقة خاصة أو كراج لسيارة المنزل وحرم الطريق على السابلة ، لماذا وجدت الأرصفة برأيكم ؟ أنها طريق يمر منه الناس وخاصة اذا كان الشارع مزدحم بالسيارات ،أو غارقا بمياه الأمطار الغزيرة كالتي سقطت في العام الماضي وهذا العام مما أضطر الناس والطلبة الصغار خاصة إلى الخوض في مياه الأمطار في (الشارع) بدلا من الرصيف الذي يكون ملاذا أمنا في أحيان كهذه،نحن لانقول لأصحاب المنازل لاتزرعوا الأرصفة بل أزرعوها لكن بحدود أي أن لايؤثر على المارة ويكون مباحا للجميع ،أما أن تكون الأرصفة (كراجات) خاصة معزولة بحواجز وقاطعة لطريق فهذا الأمر مرفوض ولا يقبل به أحد ،الكثيرون سقطوا في مياه الأمطار وأصيبوا بجروح بسبب إهمال أمانة بغداد في معالجة ظاهرة الأمطار وتراكم مياه الصرف الصحي وهذا الموضوع تناوله الكثيرون قبلي ويبدو أن الحل أصبح معضلة بالنسبة للمسؤولين في الأمانة ،لكن ما أريد التركيز عليه هو التجاوز على الأرصفة فلماذا السكوت ياأمانة بغداد وعدم محاسبة هؤلاء الناس أو تغريمهم أو أتخاذ أجراء حازم بحقهم فالطريق ملك الجميع ، هذه أحدى الحالات والبقية أكثر، فأمانة بغداد أخذت تصرف الأموال على مشاريع غير مجدية وعندما يظهر أي مسؤول منهم في وسائل الأعلام يتذرع بحجج واهية فالعاصمة تصنف ضمن أسوء عواصم العالم للمعيشة البشرية وتحتل مرتبة متقدمة في هذا المجال، فالخدمات مفقودة والمشاريع غير مدروسة بدقة ،والمعاناة واضحة في مجال التبليط والنظافة وأن وجدت بعض منها فهي محدودة بمناطق معينة لوجود مسؤول أو نائب في البرلمان في تلك المنطقة ،فلماذا لا نضع شعار (خدمة الجميع) كي نحقق العدالة والمساواة في أداء المهام ؟ والى متى نبقى نتذرع بعدم توفر الأمن ونختلق الحجج والأعذار كي نسكت عن الحق ياأمانة بغداد ألا تدركون أن عشر سنوات مرت على هذا الكلام أي عقد من الزمن مضى ونحن نتبادل التهم بيننا، متى نتحرك من مكاننا فالعالم ينتقدنا في كل لحظة ،هل من المعقول أن يبقى الوضع على هذه الصورة المخزية ؟ لايمكن السكوت على هذا الحال، لقد باتت (بغداد) مدينة مشوهة لا تمتلك أي ملامح لعاصمة تغنى بها الشعراء على مر العصور ، فبرغم المحن والغزوات التي وطئت أرض بغداد ظلت عامرة ونهضت من كبواتها، أما اليوم فلا نعرف ما الذي يحصل لها ، لماذا تعمر مدن الشمال وأقصد (كردستان) فقط ، ألا يأخذون حصصا من أموال النفط ويعمرون بها مدنهم ، ولماذا لا نخصص جزءا من الأموال المهدورة لهذه العاصمة المنكوبة والمغلوب على أمرها (بغداد) ألا تستحق أن تنال جزءا من هذا الكم الهائل من الأموال المصروفة، فالمسؤولون في أمانة بغداد يصرحون دائما بأن الأموال المخصصة لا تكفي لهذا المشروع أو ذاك، اذا كانت الكثافة السكانية قد تركزت فيها فلماذا لا تخصص الأموال التي توازي هذه الكثافة لأنجاز تلك المشاريع؟ هناك معادلة يفترض تحقيقها في هذا الجانب المهم من العملية السياسية والأقتصادية والثقافية ، فأذا كانت (بغداد) قد أختيرت (كعاصمة للثقافة العربية لعام 2013) أما كان أجدر بمسؤولي بغداد أن يظهروها بشكل يليق ويتناسب مع هذا العنوان الجميل،كان يفترض أن تكون عاصمة للنظافة والرقي والثقافة في آن واحد لا أن تكون في مقدمة المدن الأسوء في العالم للمعيشة البشرية، فهذان أختياران متناقضان لايتناسبان ومكانة هذه المدينة العريقة التي رفدت العالم بالعلماء والأدباء وكانت مركزا للأشعاع الفكري والحضاري، فأعلموا يامسؤولي بغداد أن النظافة تمثل جزء مهم من حضارة الشعوب لأنها دليل الوعي والأدراك والثقافة التي تكتنزها الشعوب وتحيا من أجلها، أتمنى أن تكون قد وصلت الفكرة.
حنان النعيمي