هيوز والمكارثية

هيوز والمكارثية
عوّاد ناصر
كتبت قبل أسبوعين عن الشاعر الأمريكي الأسود لا نغستون هيوز، وقاربت، باختصار سيرته الشخصية وأهم أعماله الأدبية والصحفية وهي متنوعة، وأشرت، عابراً، إلى مثوله أمام لجنة التحقيقات المكارثية بعد أن عبر عن إعجابه وتأييده للاتحاد السوفيتي أبان الحرب الباردة كان ذلك عام 1952 بالضبط . وذكرت أيضاُ تم الاعتراف بجهوده الأدبية من قبل الحكومة واعتمد كمبعوث ثقافي إلى أوروبا وأفريقيا لحساب وزارة الخارجية الأميركية .
وجدت من المهم التوقف بعض الشيء عند الورطة الأزلية التي عاناها الكثير من المبدعين، عبر العالم، ومنهم في عالمنا العربي طبعاً، وهي الاقتراب من أو تجاوز الخطوط الحمر التي غالباً ما تضعها السلطات الحاكمة في وجه المبدع عندما تسوّل له نفسه التدخل في السياسة، بالضد من آيديولوجيتها مثقف السلطة نفسها خارج سياق هدف هذا العمود .
كانت المكارثية أبان خمسينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية صفحة سوداء في تاريخ هذه الدولة التي تحمل لواء الديمقراطية والتمدن والتقدم العلمي والفني، اليوم، وهي فكرة السناتور الأمريكي جوزيف مكارثي زعيم الهوس اليميني وهستيريا مكافحة الشيوعية أبان الحرب الباردة، فشكل لجنة مكافحة النشاطات غير الأمريكية التي استدعت عشرات المبدعين من أمريكان أو غيرهم من جنسيات مختلفة، وفي قوائم تكبر وتتلاحق على مدى فترات متقاربة، بتهمة التجسس للاتحاد السوفيتي.
لانغستون هيوز الذي لقب بـ أبي الوعي الأسود و زعيم نهضة حي هارلم كان من بين ضحايا تلك اللجنة سيئة الصيت، وسط مناخ سياسي قاتم ومضطرب لم تبلغ فيه الحقوق المدنية والدستورية في البلاد ما بلغته لاحقاً، وبعد كفاح شعبي وفكري وثقافي كبير، وكان لهذا الشاعر ميول شيوعية» اشتراكية وكتب نصوصاً تحمل دلالات مباشرة أو غير مباشرة لكفاح الطبقة العاملة، في الولايات المتحدة وخارجها، بل إن نصاً شعرياً له بعنوان المسيح وداعاً كان واضح التعبير عن إعجابه بماركس ولينين وستالين، وعندما وقف أمام لجنة مكارثي تلك أجاب على أسئلة المحققين بما يدرأ عنه خطر التجريم من خلال إنكاره المتنوع لأي أشكال الانتماء الحزبي، وهو لم ينتم حزبياً، حسب اعترافه خارج التحقيقات لأسباب صارت معروفة بشأن عدم قدرة المبدع على الالتزام الحزبي والضبط الصارم في أحزاب حديدية التنظيم كالحزب الشيوعي.
في إجاباته على أسئلة المحققين اعتمد الإنكار كأفضل وسيلة دفاعية بيد المتهم، بل إنه لجأ إلى أجوبة عبثية أو فنية مثل القصيدة تقرأ من قبل القراء بأشكال وتأويلات متعددة، أو إنني لم أمل إلى اليسار إلا في حدود العواطف، ولم أكن قرأت الشيوعية بشكل متعمق، حتى أنني لم أقرأ إلا السطور الأولى من البيان الشيوعي .
حتى كتاب بوني غرير لانغستون هيوز قيمة الإنكار، دار Arcadia Books Ltd. LONDON) لا يخلو من لوم لهيوز لأنه كان بمقدوره أن لا يجيب على الأسئلة، وفق قانون التعديل الخامس الذي يمنح الحق للمتهم في أن يمتنع عن الإجابة إذا رأي فيها ما يسبب إدانته.
حتى أقرب أصدقائه وجمع غفير من الشباب الذين أعجبوا به وتمثلوا خطواته وصفوه بـ المتخاذل ووضعوه إلى جانب المخرج السينمائي إيليا كازان صاحب شرق عدن وزاباتا .
كانت الولايات المتحدة برمتها تختنق بينما البعبع الشيوعي كان يكبر في إحشائها، والخطر السوفيتي بدأ يزحف على قارات بأكملها، وليس على دول حسب، والزنوج فيها كانوا يتدربون في تمارين أولية على نيل حقوقهم في العمل والسكن والمساواة الاجتماعية، في مجتمع عنصري، حتى أن منظمي حفل توزيع جوائز الأوسكار منعوا الممثلة السوداء هاتي ماكدانيل من الدخول عبر المدخل الرئيس للمراسم فاضطرت للدخول من الباب الخلفي لتسلم جائزتها كأفضل ممثلة ثانوية في فيلم ذهب مع الريح
/8/2012 Issue 4280 – Date 18 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4280 التاريخ 18»8»2012
AZP09

مشاركة