
نيويورك-أ ف ب: وعلى الطريق السريع بين بروكلين وكوينز في نيويورك، تتدلى لافتة صفراء ضخمة تدعو الى «مدينة بأسعار معقولة»، في مشهد يلخّص القلق الجماعي من غلاء المعيشة الذي بات يهدد قلب المدينة الأكثر صخباً في الولايات المتحدة.
وتتفاقم في نيويورك أزمة السكن إلى مستويات غير مسبوقة، إذ يعاني نحو ربع سكان المدينة البالغ عددهم ،5 ملايين نسمة من العجز عن تلبية احتياجاتهم الأساسية من غذاء ومسكن. وتشير بيانات موقع «ستريت إيزي» العقاري إلى أن متوسط الإيجار الشهري تجاوز للمرة الأولى في يونيو الماضي أربعة آلاف دولار، أي أكثر من ضعف المتوسط الأمريكي. كما ارتفعت الإيجارات غير الخاضعة للضوابط بنسبة 5,6% في الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالعام الذي سبقه.
وتوضح التحليلات الاقتصادية أن أزمة السكن في نيويورك باتت نتيجة مباشرة لسنوات من نقص المعروض العقاري واحتكار السوق من قبل شركات التطوير الكبرى، فيما يتحدث أكاديميون مثل دانيال شلوزمان من جامعة جونز هوبكنز عن أنّ «التضخم بعد جائحة كوفيد جعل الناس تحت ضغط لا يُحتمل، وفتح الباب أمام موجة من الغضب الاجتماعي».
ويظهر هذا الغضب في أصوات الناس البسطاء. ففي أحد التجمعات الجماهيرية بالقرب من جسر جورج واشنطن، رفع سانتياغو البالغ 69 عاماً لافتة تطالب بـ«مساكن بأسعار معقولة لمجتمعنا»، مؤكداً أنّ آلاف العائلات اضطرّت لمغادرة نيويورك نحو نيوجيرسي بحثاً عن إيجارات يمكن تحمّلها.
ويقول ليكس رونتري، الناشط في مجال حقوق السكن والبالغ 27 عاماً، إنّ «المستأجرين يمثلون سبعين في المئة من سكان نيويورك، ونحن الغالبية التي يمكنها فرض التغيير متى ما توحّدت».
وتتجاوز معاناة السكان حدود الإيجارات إلى أسعار الطعام التي تحوّلت إلى عبء يومي. فقد ارتفعت أسعار البيض واللحوم والدواجن والأسماك بنسبة تقارب 9% خلال عام واحد، فيما يؤكد تسعون في المئة من سكان المدينة أنّ كلفة البقالة تزداد بوتيرة أسرع من دخولهم.
وتتصاعد الدعوات في الأحياء الفقيرة إلى إنشاء شبكة من متاجر البقالة البلدية بأسعار مدعومة، بهدف كبح جشع الأسواق وضمان توفر المواد الأساسية للجميع. غير أنّ هذا المقترح يلقى معارضة من شخصيات سياسية بارزة ترى فيه «دعماً لمشتريات الأغنياء»، بينما تشير استطلاعات معهد «داتا فور بروغريس» إلى أنّ ثلثي سكان نيويورك يؤيدون الفكرة.
ويقول ستيفن لويز، النادل الأربعيني الذي يفكر في مغادرة المدينة: «الغلاء يطاردنا، لكن صعب أن تجد مكاناً يضاهي نيويورك بما تتيحه من حياة ثقافية واجتماعية نابضة».



















