بغداد – عدنان أبوزيد
يواجه الإعلام في العراق تحديات مركبة تجمع بين الفرص والمسؤوليات، حيث تظل حرية التعبير مكفولة دستورياً لكنها محدودة عمليًا بسبب غياب القوانين الواضحة والضغوط السياسية.
وتبرز المفارقات بين النصوص القانونية وبين واقع ممارسة الصحافة، ما يضع الإعلاميين أمام اختبارات مستمرة بين المهنية والملاحقة.
وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى الإعلام كشريك أساسي في الرقابة على السلطة وكشف الفساد، لكنه يظل معرضًا للتهديد أو التضييق عند الاقتراب من ملفات حساسة.
وتدعو الحاجة إلى تعزيز الأطر القانونية لضمان حماية الصحفيين وتحديد حدود حرية الكلمة بشكل دقيق، كما يشكل غياب التشريعات الخاصة بالحصول على المعلومات أو جرائم الإنترنت فراغًا يربك العمل الصحفي .
وفي الوقت ذاته، تُظهر التجارب أن الإعلام يمكن أن يواجه تحديات من المجتمع نفسه، بما في ذلك الضغوط الثقافية والسياسية والاجتماعية.
وهذا المزيج من الفرص والقيود يفرض على الإعلام العراقي البحث عن توازن بين الحرية والمسؤولية، بما يحافظ على دوره الرقابي ويخدم مصلحة المجتمع والدولة.
تهميش الأقلام والأصوات الحرة
وقال الكاتب والأكاديمي هاشم حسن لـ الزمان: «لا نعتقد أن البيئة الإعلامية في العراق مشجعة للعمل الإعلامي الحر، ودليل ذلك تهميش الأقلام والأصوات الحرة واستقطاب العناصر والمنصات المنافقة والمجاملة، وتقريبهم إلى المناصب الاستشارية وإغراقهم بالامتيازات».
وأضاف: «هذا السلوك تتبعه السلطات كافة، بالإضافة إلى الأحزاب والجهات المتنفذة سياسيًا واقتصاديًا، ما أسهم في إنهاء المهنية الصحفية ونشاط الصحافة المستقلة».
واستطرد: «النتيجة كانت تعزيز الصحافة الانعكاسية الدعائية، وإهمال الصحافة الاستقصائية، وقمع النقد والإعلام المستقل أو المعارض، ليصبح العمل الإعلامي الحر محدودًا ومهددًا في بيئة لا توفر أي حماية للمهنية أو الاستقلالية».
القضاء هو الفيصل
وقالت النائبة في البرلمان العراقي عالية نصيف لـ»الزمان» إن حرية الصحافة يجب أن يحكمها القانون، وإن أي إشكالات يجب أن تُحسم عبر القضاء فقط، مؤكدة على الدور المحوري لمجلس القضاء الأعلى في رفض اتخاذ المؤسسات الإعلامية وسيلة للتسقيط والتصفيات السياسية.
تكميم الأفواه
واعتبر النائب حسين عرب في حديث لـ»الزمان» أن هناك من يريد تكميم أفواه أعضاء مجلس النواب أيضاً، مشيراً إلى أن البعض يرغب في ألا تكون هناك حرية رأي حقيقية للصحفيين.
حرب الإعلام الإلكتروني
وقالت الخبيرة المتخصصة في التنمية الاقتصادية الأستاذ الدكتور إلهام خضير شُبّر، أن
الإعلامي الذي لا يتقيد بضوابط أخلاقيات المهنة والموضوعية ويتبنى ثقافة التغيير الإيجابي، لا يستحق أن يُدعى إعلامياً، فالإعلامي الحقيقي هو الذي يحمل على عاتقه همّ الأمة، فالصحافة والإعلام رسالة قبل أن تكون مهنةوأضافت: يواجه العراق حروباً مختلفة تستهدف أمنه واستقراره، وخاصة حرب الإعلام الإلكتروني، ما يستدعي أن يكون هدف الإعلام الحقيقي هو حماية الوطن وحقوقه، وتعزيز التعايش الاجتماعي، والمساهمة في تشكيل الوعي والرأي العام الداعم للقضايا المجتمعية، وتحقيق التنمية الشاملة.
وأضافت شبّر المتخصصة بالاقتصاد السياحي أن يخدم الأهداف والمبادئ الوطنية على كل المستويات، خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تُعد سلاحاً ذا حدين ضد الجهات المعادية، سواء كانوا أفراداً من الداخل أو الخارج، أو دولاً معادية أو منظمات دولية. ويجب أن ينصب دور الإعلام على كشف الفاسدين لا العكس، أي لا يُسمح له بتشويه مفهوم الوطنية أو الترويج لأفكار سياسية متعصبة لحزب ما أو دولة ما بما يزعزع أمن البلاد واستقرارها، ويغذي الفتن والاختلافات، والحملات الترويجية لأفكار مسمومة تزرع الفرقة من خلال نقل المعلومات والأخبار المفبركة.
واعتبرت شُبّر أن الدستور العراقي يكفل حرية التعبير للإعلامي والصحفي الحر الشريف الملتزم بقضايا وطنه والدفاع عنه، ورأت أن من العيب انتهاج سياسة تكميم الأفواه والآراء ومحاصرة أفكار النخبة من المبدعين الوطنيين أو اعتقالهم، لأن النتيجة ستكون بروز إعلاميين مرتزقة هدفهم مادي بحت على حساب القضايا المصيرية للوطن، يلهثون وراء تزييف الحقائق والترويج لأخبار ومعلومات مغلوطة وسطحيّة تمليها عليهم سياسة الولاءات، بما يؤثر على سلوك وعقول فئات المجتمع وخاصة الشباب. يقول عضو مجلس مفوّضي هيئة الإعلام والاتصالات، هشام الركابي، لـ الزمان إن الهيئة مؤسسة مستقلة تعمل على تنظيم قطاعي الإعلام والاتصالات وفقا للقانون، وليس لها أي علاقة بالجوانب السياسية.
وأضاف الركابي، أن قرارات المنع التي صدرت عن الهيئة مؤخرا هي قرارات تنظيمية بحتة، تهدف إلى تنظيم عمل القطاع الإعلامي، وهو من صميم مهام الهيئة، موضحا أنها تسترشد بلوائح السلوك الإعلامي التي تضمن عدم المساس بحقوق الآخرين أو بالمجتمع، وتمنع بث روح العنف والطائفية والكراهية والتحريض.
احصائيات
وفي العام 2024، سجلت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق أكثر من 300 حادثة انتهاك لحرية الصحافة، شملت 53 حالة اعتقال، و6 إصابات، و12 هجومًا مسلحًا.
وشهدت حرية الإنترنت في العراق تراجعًا ملحوظًا منذ مايو 2024، حيث قامت السلطات بحجب عدة مواقع إخبارية مستقلة، وتعرض العديد من مستخدمي الإنترنت لأحكام سجن طويلة بسبب محتوياتهم على الإنترنت.
من بين الحالات البارزة، اعتقال الصحفيين الأربعة في مدينة السليمانية في فبراير 2025، حيث قامت قوات الأمن الكردية باعتقالهم ومصادرة هواتفهم وإغلاق مقر الموقع.
ويتحدث الخبير القانوني علي التميمي لـ الزمان، عن ان «من المهم جدًا وضع ضوابط صارمة للتمييز بين حرية التعبير عن الرأي والسب والقذف والتشهير بالآخرين أو التعدّي على خصوصياتهم، لأن غياب هذه الضوابط يؤدي إلى خلط كبير بين النقد البنّاء والإساءة».
وأضاف: «هيئة الإعلام والاتصالات تعمل على تعزيز حرية الإعلام والسلوك الأخلاقي للصحفيين، ويستند عملها إلى قواعد السلوك الإعلامي المستمدة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور العراقي، وتحديدًا المادة 38 التي تكفل حرية التعبير بشرط ألا تتعارض مع النظام العام والقوانين والآداب العامة». واستطرد: «تمتلك الهيئة آليات رقابية مثل قسم الرصد لتقييم المحتوى الإعلامي واتخاذ الإجراءات اللازمة عند وجود مخالفات، وتشمل هذه العقوبات التحذير، والإنذار، وطلب الاعتذار، أو فرض غرامات مالية، وقد تصل إلى تعليق الرخصة أو سحبها نهائيًا».
وقال أيضًا: «وفي سياق متصل، قرارات الهيئة يمكن الطعن فيها من خلال مجلس خاص يُعرف بـ’مجلس الطعن’، يتكون من قاضٍ ومختص قانوني وخبير في الاتصالات، وتكون قراراته باتّة ونهائية». واستطرد التميمي في انتقاداته: «حتى الآن، لا يوجد قانون واضح في العراق لجرائم الإنترنت أو حرية التعبير، وهو ما يخلق فراغًا قانونيًا يؤدي إلى خلط كبير بين النقد الذي يهدف للإصلاح والتقويم، وبين الانتقاد الذي قد يتحوّل إلى وسيلة للتشهير وتشويه السمعة، كما ينطبق على جرائم السب والقذف التي يعاقب عليها قانون العقوبات العراقي». ويشير الإعلامي عقيل الشويلي في حديثه لـ الزمان الى ان «البيئة الإعلامية في العراق تواجه تحديات كبيرة تجعل حرية التعبير محدودة، إذ يظل الصحفيون معرضين للملاحقة بسبب آرائهم أو نشرهم معلومات عن ملفات حساسة».
وأضاف: «غياب قوانين واضحة لحرية التعبير وجرائم الإنترنت يجعل الخط الفاصل بين النقد البناء والتشهير غير محدد، ويعرض الإعلاميين لمخاطر قانونية وأمنية».
وقال أيضًا: «الصحفي الذي يكشف الفساد أو الانتهاكات يجب أن يحظى بحماية واضحة، لأن محاسبته ينبغي أن تكون ضمن أطر قانونية مدنية، لا عبر التهديد أو الزج بالسجن».
وأضاف: «الإعلام المستقل يحتاج إلى مساحة حرية حقيقية، بعيدًا عن الضغوط السياسية أو المحاصصة الحزبية، ليؤدي دوره الرقابي في خدمة المجتمع».
واستطرد: «التحدي الأكبر يكمن في تمكين الإعلاميين من ممارسة مهنتهم دون خوف، وضمان أن تظل المعلومة حرة وشفافة، بما يعزز الديمقراطية والمساءلة».
التطبيق العادل للقانون
وقالت الإعلامية نبراس المعموري لـ الزمان: «للأسف، المشكلة الأساسية ليست مدى جودة القوانين السارية أو من تحمي، بقدر ما هي هل هناك نفاذ واحترام للقانون وهل يتم تطبيقه بشكل عادل أم هناك تمييز على أساس المنصب ومن يلتزم من؟ وبغض النظر عن ذلك، أجد أن حتى القوانين السارية لا توفر حماية حقيقية للصحافيين، بل تُستخدم أحيانًا كأدوات بيد السلطة لملاحقة الأصوات الحرة، ولا تزال التشريعات غامضة ومطاطة وتفتقر إلى الضمانات الدستورية الكافية لحرية التعبير والإعلام».
وأضافت رئيسة منتدي الاعلاميات: «هناك حالات عديدة بينت أن الصحفي في العراق لا يواجه فقط تحديات المهنة ومدى التزام المؤسسة معه من حيث بيئة العمل ومستلزماتها، بل يواجه أيضًا خطر الملاحقة والتخوين، وحتى التهديد المباشر بسبب نشره لمعلومة أو رأي عبر صفحاته الشخصية في بعض الأحيان، والبيئة الإعلامية لا تزال محفوفة بالمخاطر، خاصة لمن يلامس الملفات الحساسة».
واستطردت: «سجن الصحفيين هو انتهاك صارخ للحريات، وللأسف نقابة الصحفيين لم تبذل جهدًا حقيقيًا بهذا الصدد كونها كانت انتقائية حتى في المساندة أو الدفاع، ولا يمكن تبرير السجن تحت أي ذريعة مهنية، فيما التجاوزات يجب أن تُعالج ضمن الأطر النقابية والقانونية المدنية، لا عبر تقييد الحريات والزج في السجون».
وأشارت: «الصحفي الذي يكشف الفساد يُلاحق، بينما الفاسد يُكرَّم أو يُنقل إلى موقع جديد، وهناك خلل عميق في المعايير، وكأن الجهات النافذة وشخصيات ومؤسسات وأحزاب تتعامل مع الصحفي على أنه المشكلة، وليس الفساد الذي كشفه».
وقالت أيضًا: «البيئة الإعلامية في العراق ما زالت طاردة للكفاءات ومحبطة للطاقات، خاصة الرسمية منها، لأنها ظلت مرهونة للمحاصصة والتحزب، وهناك خيبة أمل متكررة لدى الإعلاميين الذين يصطدمون بواقع الرقابة والضغوط وانعدام الحماية والتمييز على أساس القرب والعلاقات مع المتنفذين والأحزاب».
واختتمت تصريحها قائلة: «هي مفارقة موجعة تكشف حجم الهوّة بين الخطاب الرسمي والممارسة الفعلية، والديمقراطية لا تُقاس باللافتات، بل بالمساحات التي تمنح للرأي الآخر، وبقدرة الإعلام على النقد من دون خوف، ورغم أن الدستور كان واضحًا ومنح حرية الإعلام والتعبير، لكن للأسف هناك خلط للأوراق واضح ومقصود، وحتى انتشار منتجي المحتوى السيء يُعتقد أن هناك من يدعم هذا الشيء حتى يضيع الخابل بالنابل وتذوب حرية التعبير بحرية بديلة تُصبح لاحقًا حجة للتقييد».
الوجه الآخر
وقال الكاتب والمهندس محمد زكي إبراهيم لـ الزمان: «لا ننسى الوجه الآخر للظاهرة، فقد تعرض الكثير من الإعلاميين للقتل والخطف والتشريد على يد قوى معارضة أيضا، رفعت السلاح بوجه الدولة أو ناصبت منهجها العداء. والأسماء التي ذهبت ضحية لهذا الإرهاب كثيرة ومعروفة، ومن بينها نساء لم يتعرضن لأحد بسوء».
واستطرد: «إنني أرى أن العراق الجديد يتميز بحرية تعبير مفرطة، تحتاج إلى كابح يحد من جموحها، حتى لا تصبح أداة لتقويض السلم المجتمعي. وغني عن البيان أن البعض من ‘مرتزقة الإعلام’ استغل هذه الحرية، وقام بالترويج لأفكار قمعية أو انفصالية أو نفعية، دون الالتفات إلى ما تجره من ويلات على المجتمع».
وقال أيضًا: «ولا شك أن دفع الضرر أولى من ترك الحبل على غاربه، ومواجهة الخراب أجدى من البكاء عليه، ومصلحة المجموع أهم من أي اعتبار فردي، حتى لو كان الهدف هو ممارسة حرية التعبير المطلقة».
القوانين غير محمية
ويتحدث الكاتب محمد حسن الساعدي لـ الزمان عن أن «القوانين التي تخص الصحفيين والصحافة بشكل عام لم ترقَ إلى مستوى حماية وحصانة الصحفي، لأن القوانين ما زالت غير محمية من قبل القانون العراقي ومجلس النواب والقضاء، وأصبحت رهينة الاجتهادات والمجاملات، فأي قانون إذا لم يجد من يحميه ويحصنه من التأويل والاجتهاد سيسقط تمامًا».
وأضاف: «أعتقد أن الواقع الأمني بات ضاغطًا على بقية الملفات السياسية والإعلامية، وله الأولوية في أي متغير، وربما يغير حتى الواقع سواء في الجانب السياسي أو الإعلامي».
واستطرد: «بتصوري، الصحفي محصن ليس بالقانون، بل بوظيفته التي يضع فيها روحه بين كفه لأجل الحقيقة، وهي بحد ذاتها أكبر حصانة له، وأن إرعاب الصحفي وتهديده يمثل قتلًا للكلمة والحقيقة».
وقال أيضًا: «ما زالت الوسائل المهنية في التعامل مع ملفات الفساد لم ترقَ إلى المستوى المطلوب، وما زال التأثير السياسي واضحًا على واقع ملاحقة الفاسدين».
وأضاف: «البيئة العراقية غير صحية لممارسة العمل الصحفي، والشارع العراقي قاسي جدًا مع الصحافة بشكل عام، بل وفي بعض الأحيان يمثل تهديدًا لها».
واختتم تصريحاته قائلاً: «شعار الديمقراطية لا يتناسب تمامًا مع الواقع العراقي، بل إنه ربما يمثل حالة وقتية للواقع السياسي الحالي، ولا يمكن التعويل عليه كثيرًا».
إحباط من الديمقراطية
وقال الكاتب عبد الله الكناني لـ الزمان: «يقينًا، الديمقراطية في العراق بعيدة كل البعد عن التطبيق، لأنها علم واسع ومفهوم حضاري لا تطبق إلا من قبل العقول الراقية. أما في العراق، فيُنادى بها وقت الانتخابات حصراً لغرض استمالة الناس نحو الهرولة لصناديق الاقتراع».
وأضاف: «هل تكميم الأفواه، حتى لو وقع فيها بعض الأخطاء، يُعد ديمقراطية؟ نحن واعون أن هذا ليس تصحيحًا بل تسقيطًا، وأن تطبيق الديمقراطية متى ما تريد السلطات المناداة بها، يُعد زيفًا كبيرًا، لأنك لا تسمح بالتعبير عن الرأي حتى لو كان معارضًا لك، والدليل عدم وجود معارضة حقيقية داخل البرلمان، حيث نجد جميع الأعضاء موالين للسلطة والأحزاب أو يفتقرون إلى أي استقلالية لصالح المواطن».
واستطرد: «في العالم، كتلة المعارضة داخل البرلمان غالبًا أقوى من كتلة الموالاة، ولهذا ترى أن ملاحقة الإعلاميين أصبحت ظاهرة جديدة في العراق، تعكس حجم الضغط على حرية التعبير والمهنية الصحفية».
وقال أيضًا: «كمثال تاريخي، كتب أحد الإعلاميين على محافظ بغداد سنة 1974 بسبب إساءته التصرف تجاه إحدى السيدات التي كانت ترتدي الميني جوب، فتم تغيير المحافظ رغم أن السلطة كانت بيد حزب واحد، لأن الإعلام كان محترمًا وله وزن، والإعلامي لا يخشى قول الحق أمام أي مسؤول».
وهذه الشهادة تعكس حالة الإحباط تجاه تطبيق الديمقراطية الحقيقية في العراق، ويبرز أهمية الدور الرقابي للإعلام في مواجهة السلطة، حتى في ظروف سياسية معقدة.
مراجعة القوانين
ويرى الكاتب والمهندس زكي الساعدي في حديثه لـ الزمان، إنه: «لغاية اللحظة، القوانين العراقية الخاصة بالصحفيين تحتاج إلى مراجعة جادة وتعزيز حرية الكلمة، لكن السؤال هنا يطرح: هل كل من يعتنق الصحافة كهواية أو يمارسها يستحق الحماية، وما هي حدود حرية الكلمة؟ هنا يأتي دور تعزيز مفاهيم مهمة أخرى بهذا الشأن».
وأضاف: «الصحافة المهنية يجب أن تكون منضبطة، على الأقل بمعنى أن منح صفة إعلامي أو صحفي يجب أن يكون لمن يملك المهنية والأهلية، أو الدرجة الأكاديمية المعززة بالتطبيق، كي يأخذ تلك الصفة النقابية. وإلا، فإن أي شخص قد يعتلي منبر الصحافة ويبدأ تحقيقات أو برامج قد تكون عبثية أو سلبية، أو ربما أقلامًا مأجورة».
واستطرد: «وحول حرية الكلمة، يجب أن تكون محددة بعدم الإساءة إلى أي طرف دون وجه حق، لتصبح ممارسة الصحافة فعلًا مسؤولًا وهادفًا. أما التعديلات التي يجب إدخالها على القانون العراقي، فتختلف عن قوانين الصحافة في البلدان المتطورة، حيث في كثير من الدول مثل الولايات المتحدة والسويد والمكسيك، يحق للصحفي أو أي مواطن أن يطلب من أي مؤسسة حكومية أي وثائق أو بيانات، وتلتزم الجهة الرسمية بالرد وتزويد المعلومات خلال مدة محددة، إلا إذا كانت سرية لأسباب أمنية محددة جدًا. هذا النوع من القوانين يعزز الشفافية ويجعل الصحفي قادرًا على التحقيق في الفساد أو سوء الإدارة بشكل قانوني ورسمي».
وقال أيضًا: «أما في العراق، فلا يوجد قانون حق الحصول على المعلومات، رغم أن المادة 38 من الدستور تكفل حرية الصحافة، لكن الصحفي يظل يعتمد على المصادر الخاصة أو التسريبات، وهو ما يعرضه للملاحقة أو الضغط. وغياب هذا القانون يجعل التحقيقات الصحفية، خصوصًا في ملفات الفساد أو الانتهاكات، محفوفة بالمخاطر القانونية والأمنية، وهنا يظهر القانون بصورة حامي للسلطة التنفيذية وليس للصحافة».
إيقاف البرامج
وقال الإعلامي حسين باجي الغزي لـ الزمان: «نحن أصحاب رأي ولسنا أصحاب خصومة، نحمل الكلمة بمحبة وغيرة على هذا البلد. لذا، نوجه طبعًا رسالتنا، رسالة عتب صادقة إلى هيئة الإعلام والاتصالات، ونطالبها بإعادة النظر في بعض القرارات التي صدرت بحق بعض المحللين وإيقاف بعض البرامج».
وأضاف: «بلادنا لا تُبنى إلا بتعدد الآراء والأصوات والأفكار والمحاور. لذا نقول للزملاء في هذه الهيئة: إيقاف البرامج لا يحل أي أزمة ولا يمنع النقاش والحوار، بل يفتح باب الشكوك، والمسؤولية تقتضي أن تُترك مساحة الحرية، لأن الإعلام شريك في بناء الدولة لا عدو لها».