مكاتيب عراقية مشاكل ليست وطنية
علي السوداني
سأهرب الليلة من الغمّ البلدي، صوب الهمّ الشخصي. سأؤجل الطقطوقة الوطنية التي مردت قلبي وكبدي، وأذهب الى المشكل الخاص. المناسبة، هي في ذلك الارتفاع المروّع في مقياس درجة الكآبة. أحزان خاصة جداً، بعضها لا أدري سرّ منبعه. شكاوى ومناحات قد تقترب من جرف البطر، أو الدلع. عندي ــ مثلاً ــ نظّارتان، واحدة لايضاح شاشة التلفزيون المسخمة، والثانية لتكبير حرف الكتاب، أما في الشارع، فأسير لابساً عيني المتعبتين، فإن شفتُ صديقاً مزعجاً، ثقيلاً ظله، طفرتُ نحو الرصيف الآخر، فإن عاتبني، ستكون اجابتي واضحة وقوية وواثقة ومفحمة والله يا صاحبي الطيب الجميل، ان العتب على النظر. أقول قولي المشع هذا، وأثنّي عليه، بصلية بوسات فوق خد الصاحب، واذ أتركه، فإنني سأكون فريسة سهلة لوسواس مصحوب بمغص الصداقة. قبل ستة شهور، انطبق باب سيارة الأجرة على اصبع كفي الوسيط، وبعد رحلة آلام مميتة، تقفلع الظفر المعطوب، وتضعضع أساسه، بعد أن نما تحته، ظفر وليد. لم تطل فرحتي طويلاً، بهذه الاضافة الممتعة، حيث أن الظفر الجديد، يغور الآن في ساقيتي اللحم، المحفورتين على جانبي رأس الاصبع. ثمة ارتفاع باهظ، في عديد الأسنان المنخورة بحلقي. خمسة أسنان مسوسة، اثنان منها، لا شفاء لهما، سوى الخلع، والباقيات، بالمقدور تدبّر أمرهن بالتحشية. منذ سنتين، والطبيب الفنان علي زيني، يلحّ عليّ لزيارة عيادته، من أجل أعمال الشلع والحشوة والتجسير، وببلاش، لكنني لم أزره حتى اللحظة. أنا منشغل جداً بالمسألة الوطنية، وأتمنى أن تنخلع وتتسوس وتتعفن، كل أسنان السياسي الأفندي، أو المشرول، أو المعقّل، أو المعمّم، الذي يقول، إنه منزرع على مسافة واحدة، من جميع الأطياف والأصول والفصول. ثلاث زرعات حلوات منعشات حنونات مورّدات، متن دفعة واحدة، لأن الولد نؤاس، كان سقاهن أول البارحة، بماء غسل الملابس. طبعاً، نؤاس الكبد، لم يقصد أبداً، تفليش قلب أبيه. عدد شعرات لحيتي البيضاء، صار أعظم من عديد الشعرات السود، وهذا سيلغي تماماً، فكرة الصعود على سطح الدار، وتلاوة قصيدة نثر مفخخة، لبنت الجيران. ما زلت تحت تأثير الصدمة القوية التي سبّبها لي، منظر كاسر من مناظر فلم الاسبوع الفائت. أافلم يحكي قصة الليلة الأخيرة من حياة الفوهرر هتلر. امرأة كاسرة، أظنها زوجة الكذاب غوبلز، في مشهد تسميم، سلة ملونة من أطفال مخبأ هتلر الحصين. قالت إنها لا تريد أن يقع الأطفال، طرائد أو فرائس لجند الحلفاء. جاءت وهي تشيل فوق يمينها، دورق عصير مسموم، قالت للصغار، إن هذا الشراب الطيب المنعش، سيعينهم على النوم. المخرج القاسي، أظهر الأولاد والبنات، وهم يكرعون العصير، مزفوفاً بابتسامات رضا وامتنان. ثمة طفلة تحمل وجهاً ملائكياً منيراً، يبدو أنها شعرت بالريبة، فرفضت شرب العصير المسموم، الا أن المرأة الحديدية، فتحت بالقوة المفرطة، حلق البنوتة البديعة، وملأته بالعصير المسموم. سأكتفي بهذا القدر من توصيف الواقعة، لأن ما تبقى من المشهد، سيشجعني على العودة الى العراق، والارتقاء نحو الطبقة الأخيرة، من ملوية سامراء، والتطويح بجسدي الضئيل الذي يشتهي الليلة بقوة، الاتحاد بالأرض. في الواقع، عندي كومة دسمة من المشاكل، لكن صلتي الطيبة بكم، توجب عليّ، أن أتمنى لكم، قهوة صباح لذيذة، من دون قراءة جريدة، أخبارها قد تتسبب في قرقعة معدة مهينة. فيمالله.
/6/2012 Issue 4224 – Date 12 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4224 التاريخ 12»6»2012
AZP20
ALSO