مصر بين أكثر من إسلام

مصر بين أكثر من إسلام
أحمــد المرشــد
ماذا يجري بمصر؟.. تساؤل به كلمات قليلة ولكن اجابته ربما تتطلب كتباً ضخمة لوضع مجرد مقدمة لما تشهده أرض الكنانة.. فهي كل يوم بحال ولم تخرجها الثورة الى بر الامان حتى بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي هذا الرجل الاكاديمي الاخواني الذي تدرج في عالم السياسة من عضو نشط بالجماعة حتى دخول المعترك البرلماني ليكون برلمانيا ناجحا بشهادة خصومه الوطني آنذاك ليتولى رئاسة مصر في أصعب مراحلها بعد ثورة 23 يوليو، وليكون اول رئيس مدني بعد زمرة من العسكريين الذين ظلوا يسيطرون على سدة الحكم في مصر منذ الثورة اليوليوية كما يصنفها اليساريون بلغتهم.
اذاً.. لقد اكتست مصر باللون الاخضر نسبة الى حقبة حكم الاسلاميين الجديدة بسيطرة الاخوان على مقاليد السلطة برلمانا غائبا في طريقه للعودة وحكومة ورئاسة واعلام ومحاولة للهيمنة على القضاء في الطريق ولكن ورغم هذه الكسوة الخضراء، فان الانتقادات للحكم الجديد لم تسلم من فئة من المتأسلمين وهم الذين يطلق عليهم في مصر السلفيون وحزبهم السياسي المسمى بحزب النور، وكأن ماعدا ذلك هو الظلام بعينه. فليس عجيبا ان يكون بمصر تيارا اسلاميا واسع المجال مثل الدواء المضاد الحيوي واسع المجال الذي ينفع في شفاء الكثير من الامراض.. ولكن مع الفارق، فالتيار الاسلامي واسع المجال يتكون من جماعات عديدة تختلف في الرؤى والتوجهات ولا يجمعها سوى المسمي الواسع الفضفاض الاسلامي . ولو نظرنا للحقيقة بنظرة ثاقبة، نستكشف ان لكل جماعة اهدافها التى تختلف مع الاخرى، وفي هذه الحالة لا يربط المسمى الاسلامي بينهما، لان الاسلام كدين يدعو الى الاتحاد باعتبار ان الاتحاد قوة، في حين ان التيار الاسلامي مشتت ولا يجمعه سوى المسمى كما اسلفنا وضخامة العدد نسبيا اذا قارناه ببقية التيارات الليبرالية واليسارية والائتلافات الاخرى التي تكونت كنتيجة طبيعية لثورة 25 يناير والتي اطلقت الحريات فقط في تكوين الائتلافات والاحزاب والتيارات السياسية والدينية، ولكنها فشلت في تدشين اتحاد قومي شامل ينظر لمصلحة مصر اولا. واذا اخذنا فصيلاً مهماً من التيار الاسلامي وربما يكون الثاني في القوة والعدد بعد الاخوان المسلمين وذراعهم السياسية حزب الحرية والعدالة، فنجد ان حزب النور قد حاز على ربع مقاعد البرلمان المحل، وحل ثانيا بعد الحرية والعدالة، مما اعطاه قوة في التحرك ونبرة الحديث عن المشاركة في كل شيء في مصر، حكومة وصياغة دستور ولجان وطنية وغير وطنية، خاصة بعد اكتشاف ان السلفيين قوة لا يستهان بها في المجتمع المصري وانهم انفسهم لم يكونوا يتوقعوا مثل هذه القوة لولا اجراء انتخابات برلمانية وحساب مدى انتشارهم في المجتمع.
فالسلفيون الذين وقفوا في البداية ضد الاخوان وحزبهم الحرية والعدالة وتكتلوا وراء مرشحهم حازم صلاح ابو اسماعيل، اعلنوا تكتلهم وراء المرشح الاخواني عبد المنعم ابو الفتوح رافضين دعم المرشح الاخواني الرسمي محمد مرسي، ثم عادوا واعلنوا تأييدهم له في انتخابات الاعادة على اعتبار ان منافسه من الفلول ولا يجوز دعمه او الاقتراب منه. وبالتالي فإن دعم منافسه الاسلامي في هذه الحالة هو واجب ديني وليس وطنيا، وبالقطع يفوز العامل الديني ويجب السياسي هنا، فالامر وجب ولا مجال لمخالفته. وتمر الايام والكل يراقب اداء محمد مرسي وعلى رأس هؤلاء السلفيون، ولو نجح في الاختبار لقالوا له نحن معك ونظل نبايعك، واذا فشل لأخبروه بأنهم كانوا يرفضونه في السابق وانما انتخبوه كرها في احمد شفيق وليس حبا فيه.. وبالتالي، الخطأ هنا يستوجب المساءلة، وهو ما قام به السلفيون بالفعل، وبدأوا يستعدون لانتخابات برلمانية قادمة اذا لم يعد البرلمان المحل قريبا كما يشاع عبر شن هجمات ثقيلة ضد الرئيس لكسب تعاطف الشارع الذي لم ير حتى الان نتائج ايجابية من انتخاب مرشح الاخوان وتكاد المائة اليوم الاولى تمر بدون حلول للمشكلات الصعبة والتي تتمثل في عودة الامن المنفلت واستعادة الاقتصاد لقوته وتوفير فرص عمل والسيطرة على الاحتجاجات الفئوية التي تهدر ملايين الدولارات يوميا في ضياع كامل لعملية الانتاج. وجاءت الفرصة للسلفيين على طبق من ذهب، واذا كانوا هم الذين يطالبون باسلمة المجتمع المصري بكافة اشكاله من اجل تطبيق الشريعة الاسلامية، الا انهم اعلنوا استياءهم من تصرفات الرئيس الاخواني الذي يضعونه الان في عداد اليساريين. لماذا؟.. لان الرئيس خذلهم ولم يقف بجانب دعواهم بدعم صياغة اسلامية للدستور التائه بين جميع التيارات الدينية والسياسية في مصر. حتى ان حزب النور شهد انشقاقات داخلية كبيرة بسبب مواقفه التي رأى البعض انها مهادنة للرئيس على حساب الالتزام بالشريعة، وقدم عدد من شباب الحزب استقالاتهم.
أما الفرصة الحقيقية التي استغلها السلفيون للإطاحة بالرئيس الاخواني الذي اعلنوا انهم انتخبوه ليكمل هدفهم بأسلمة مصر، هي لقاء الرئيس المصري الاخواني المسلم لمجموعة من الفنانين والمثقفين وتشجيعه لهم على استمرارهم في اداء مهامهم.. وهنا وقعت الواقعة، فوصف احد الدعاة السلفيين الفنانين بأنهم فاسقون وفجار ، وانه لا يجوز لرئيس الجمهورية ان يجلس هذه الجلسة.. الغضب زاد والامر تطور لتظهر المتأسلمون على حقيقتهم من الفن والابداع والثقافة. فالفن هو قوم لوط والحشاشين، وكيف لهم ان يجلسوا من الرئيس المسلم الذي انتخبناه ليؤسلم مصر.
وخاطب شيخ سلفي آخر الرئيس في لهجة نذير ووعيد بان الصوت الذي منحناك إياه سنسحبه منك، وقال هذا لم اخترك لان تكون رئيسا للدولة المدنية كما قلت. يقصد كما قال مرسي للفنانين، بل لانك رجل مسلم وملتح وحافظ للقرآن وشعارك الاسلام هو الحل ، ومصر دولة إسلامية وليست مدنية. ثم يحرض هذا الشيخ مرسي لبث الوقيعة بينه وبين بقية الناس بقوله من التقاهم مرسي هم من صوتوا للآخر، في اشاره الى المرشح المنافس احمد شفيق.
وللأسف، فإن مصر لم تشهد حتى الان مليونية او مظاهرة واحدة تدعو لعودة الانتاج والهدوء والطمأنينة، ولكن كل ما بها يدعو الى التفرقة والعصبية، ناهيك عن محاولات مستميتة من التيار الاسلامي للسيطرة على كل نواحي الحياة في مصر. ولم يتوقف الوعيد والتهديد من السلفيين للرئيس الاخواني، فيسخر آخر قائلا لم نبايع مرسي ليكون ناصرا للفن والابداع، ولكن ناصرا لدين الحق وليقيم دين الله في الارض.. لو كان مرسي قد قرب الفنانين وابعدنا فتلك مصيبة لانهم اساءوا اليه ونحن من ناصروه . وقال آخر حرام شرعا ان يلتقي السيد الرئيس مع عاهرات.
كل هذا لمجرد ان التقى الرئيس المثقفين والفنانين وحاول طمأنتهم، فإن حرية الابداع والرأي مكفولة للجميع مؤكدا احترامه للفن والفنانين. ولم يسلم الاقتصاد من تدخلات السلفيين، فبمجرد دخول الحكومة في المرحلة الحاسمة لإنجاز قرض صندوق النقد الدولي، هب السلفيون واعتبروا ان القرض حرام وتنازل عن ثوابت الشريعة بسبب سعر الفائدة.
هذا نذر قليل من كثير مما يجري في مصر اليوم.. فمصر حائرة بين هذا وذاك. ولا يسعنا سوى الدعاء الى الله لنصرة مصر واهلها من شرور اهلها.. لك الله يا مصر التي احببناها.
كاتب بحريني
/9/2012 Issue 4303 – Date 13 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4303 التاريخ 13»9»2012
AZP07

مشاركة