لورنس العرب الجديد

لورنس العرب الجديد
إبراهيم الشيخ
الكل يعرف القصة كيف بدأت وما زلنا نعيشها لكي لا يُزوروا التاريخ ويدعون بأنهم هم من خططوا للربيع العربي وهم الذين حرروا الشعوب من براثن الانظمة الاستبدادية التي كانت مدعومة وصديقة الغرب وأمريكا بالتحديد، ولولا هذا الدعم لما استمرت هذه الانظمة التي ابدعت في التنكيل بشعوبها وبقائها حتى وقتنا هذا.
قصة التغيير الربيع العربي معروفة متى وكيف واين بدأت؟ وهي معروفة للقاصي والداني في هذا العالم الذي اصبح قرية صغيرة، شاب تونسي اضرم النار بنفسه بتاريخ 17 ديسمبر 2010 في مدينة سيدي بوزيد التونسية تعبيرا عن غضبه لمصادرة الشرطة العربة التي كان يبيع عليها ليؤمن قوت يومه، هذا الحادث أدى الى احتجاجات عفوية ضد الشرطة القمعية والغلاء والفساد والبطالة، ومن ثم تحولت للمطالبة بالحريات والاصلاحات السياسية، هذا فقط للتذكير لمن نسي ما حدث، ونقول لاوباما هذا ما حدث، ولا اظن بأن البوعزيزي كان ينفذ مخططا أمريكيا لتحرير الشعوب عندما اشعل النار بنفسه.
بعد ذلك انتقلت الاحتجاجات الى شوارع وميادين مصر وليبيا واليمن والبحرين ومن ثم الى سوريا، فالأنظمة في هذه البلدان لم تكن تتوقع بأن تشملها الاحتجاجات والتغييرات، لأن كل نظام كان يظن نفسه مستثنى ومعصوماً من هذا التغيير، ولا تزال بعض الانظمة حتى الآن وبالرغم ما يجري تظن بأن التغيير بعيد عنها ولا يعنيها.
فأمريكا والغرب يتحملون المسؤولية عن هذه السنوات الطويلة من القمع والظلم وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة، فالغرب كان شريكاً لهذه الانظمة في قمع الشعوب، فسكوته طوال هذه السنوات عن هذه الاوضاع كان سببه المصالح المشتركة التي تربطهم ببعض. فالحكام عملوا على تأمين مصالحه في المنطقة، وهو بدوره سكت عن دكتاتورية الحكام وفسادهم بكل اشكاله وبقائهم في الحكم لعشرات السنين. ان التشرذم الذي نعيشه على مستوى الشعوب والانظمة مرده الى الثقة في سياسة بريطانيا التي استغلت العرب للوقوف الى جانبها لمحاربة الاتراك وتعهداتها الكاذبة بالاعتراف بالاستقلال العربي بغية تحقيق مصالحها في المنطقة العربية، وكان الفضل لتحرير العرب من حكم الاتراك كما شيع لضابط بريطاني اسمه لورنس العرب، ولكن بعد ذلك اتضحت المؤامرة وتم اقتسام الوطن العربي بين فرنسا وبريطانيا سايس ــ بيكو ، ولم تكتف بريطانيا بذلك وانما تعهدت بإقامة وطن قومي لليهود على ارض فلسطين. بعد كل هذا الذي حدث، يبدو ان العرب لم يتعلموا من دروس التاريخ وما زالوا يطلبون المساعدة من دول لا يهمها سوى مصالحها، فالربيع العربي شكل فرصة ذهبية للغرب للتدخل مرة اخرى في منطقتنا، ولا بد ان نعترف بأن سبب ذلك هو تشبث الحكام بالسلطة، وكان ليس بالسهل عليهم ترك السلطة دون استعمال القوة وهذا ما كانت تفتقد اليه هذه الشعوب.
ولكن المطالبة بالتدخل الخارجي قد شوهت هذه الثورات، واصبح لبعض الشعوب شركاء في حريتهم، وهذه الدول بدأت بالتبجح بأنها سبب تحرر هذه الشعوب ويجب دفع الضريبة والثمن من ثروات البلاد والخضوع لارادتهم.
لا أحد ينكر أن الغرب والادارة الأمريكية ساعدوا على التخلص من بعض الحكام، ولكن هذا حصل من اجل مصالحهم، لا من اجل عيون الشعوب العربية، ليكون لها موطئ قدم في هذه الدول واقناع الجماعات الاسلامية المتشددة منها والمعتدلة بأن الغرب صديق لهم ودولهم ومن اجل اقامة العلاقات معهم، ولكن الذي لم يتوقعه الغرب وخاصة أمريكا وبعد عرض الفيلم المسيء للاسلام بأن تشتعل الاحتجاجات بهذا الشكل ضد الولايات المتحدة مما استدعى التساؤل عن جدوى الدعم الساسي والعسكري الذي قُدم لهذه الدول.
أوباما حاول اقامة علاقات جيدة مع دول الربيع العربي والتشديد على انه يدعم الديمقراطية والحرية في هذه البلدان، وكان يريد الظهور بأنه المُخَلِص لهذه البلدان وسبب تحررها واراد أيضاً ان يسجل نقاطا لصالحه على انه بطل الربيع العربي ليستأهل جائزة نوبل التي حصل عليها. لكنه لم ينجح بذلك لانه تعهد الحفاظ على امن اسرائيل ودعمها ماديا وعسكريا لتبقى متفوقة على العرب، ولم ينس ادراج القدس عاصمة لاسرائيل في برنامجه الانتخابي، ولكنه نسي بأنه وعد بإقامة دولة فلسطينية، وفي ظل ادارته ازداد الاستيطان على الاراضي الفلسطينية.
ان الإيمان بمبادئ الحرية ونشرها لا تعرف الاستثناءات وهي حق لكل انسان، ولكن الحقيقة التي تتبعها أمريكا منافية لهذه المبادئ من خلال استثناء الشعب الفلسطيني من هذه الحرية لصالح دولة محتلة لاراضي الاخرين ومصادرة حريتهم.
ونستطيع القول ان التغيير الذي حصل في الوطن العربي هو بإرادة وصنع الشعوب العربية، ولم يُستورَد بصناديف كُتب عليها صُنع في الولايات المتحدة، وان الربيع العربي الحقيقي سوف يتحقق عندما تَستكمل الشعوب ثورتها بالاعتماد على نفسها والضغط على انظمتها للتخلص من التبعية للغرب.
كاتب وصحافي فلسطيني
/9/2012 Issue 4308 – Date 19 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4308 التاريخ 19»9»2012
AZP07