كلام على الماشي وساطة
حسن النــوّاب
أول مرة في حياتي قرأت كلمة وساطة عندما كنت في الأول متوسط، قرأتها على لافتة طويلة معلقة على جدار المدرسة جاء فيها تجنب الوساطة لأنها من مخلفّات الرجعية. لكني بعد اسبوع رأيت رجلا بدينا يقيافة مدنية تدل على الجاه والثراء يخرج من غرفة المدير برفقة ولده المترف وعلى وجهه علامات الفرح بعد ان تمكن من اقناع ادارة المدرسة ان ولده الذي تجاوز بالشتائم على مدرس اللغة العربية لأنه رسب بالامتحان الفصلي كان مظلوما والظالم انما هو المدرس المسكين الذي خضع لقرار المدير مجبرا لأنه كان مستقلا عن الحزب بينما التلميذ الذي جاء بالوساطة كان والده من الرفاق الحزبيين، ومن يومها كرهت الوساطة برغم ان حياتك وامورك المعايشية لا يمكن ان تستمر في بلاد النهرين بدون الوساطة التي تحتاج عادة الى وسيط له مكانة مرموقه او مرعبة في المجتمع ويتصف بالوقاحة وعدم الحياء خاصة اذا كانت وساطته بشؤون خارجة عن القانون، بينما هناك وسيط لا يقوم بدوره على أكمل وجه مالم يحصل على مكافأة سخية او رشوة بصريح العبارة من الشخص الذي يسعى لإنجاز قضيته ومهمته، اي بمعنى ان هناك أناساً خلقوا لهذه المهنة الباطلة والتي يحصلون من خلالها على الدولارات والبهائم والخيول وربما حتى السيارات والبيوت واصبحوا اثرياء بغمضة عين، بينما تجد في الطرف الآخر بعض الناس الطيبيين الذين يقومون بتلك المهمة لوجه الله تعالى، واذكر خلال خدمتي العسكرية اني تأخرت عن اجازتي ليومين وطلبت من طبيب الكتيبة الذي كان يعشق الأدب ولهذا السبب كان يحترمني بوصفي شاعرا، ان يتوّسط لدى الآمر حتى لا يزجني بالسجن، ولما حانت فرصة تناول الطعام في بهو الضباط عرض صديقي الطبيب وساطته لكنه تلقى ردا جافا من الآمر المتزمت ولكي يمعن باهانة صديقي الطبيب ضاعف ايام الحبس التي قضيتها في سجن الكتيبة، وكنت اشعر بتأنيب الضمير لأني حشرت صديقي الطبيب بمالا طاقة عليه وسببت لشخصه حرجا لن يبرح ذاكرتي حتى هذه اللحظة، بالوقت الذي اعفى الآمر جنودا آخرين من عقوبة الحبس لغيابهم مقابل هدايا ثمينة وصلت له بالخفاء، وهناك وساطة طريفة قمت فيها لمفوض شرطة حين كنت اعمل صحفيا في جريدة العراق، اذ دخلت عليه في ساعة متأخرة من الليل مع صديقي الشاعر كزار حنتوش الى مركز الشرطة القريب من نادي الأدباء بغية مساعدتنا بمبلغ من المال حتى نصل به الى عوائلنا بعد تعرضنا الى السلب من ثلة مشردين، ولم يتردد الرجل بمساعدتنا بما يسد حاجتنا من النقود بعد ان عرف اننا من حملة القلم، ورأيت من المناسب ان اكتب عن شهامة هذا المفوض بالجريدة، وبعد اسبوع عرفت ان وزير الداخلية قد امر بمنحه رتبتين اعلى، واصبحنا انا والحنتوش من اصدقائه المقربين وكنا كلما ضاقت بنا السبل نخطف عليه ليضع في جيوبنا ما تيسر لديه من مال، حتى قال لي كزار ذات يوم ان الرجل سيهج من مركز الشرطة و سيلعن اليوم الأغبر الذي تعرف به علينا، ولأن احوال الناس في الوطن لا يمكن ان تتقدم خطوة واحدة بدون الوساطة، التي كانت متفشية في النظام السابق برغم انها من مخلفات الرجعية واصبحت منتعشة جدا الآن، برغم ان النظام الحالي يعتبرها من الحرام، لكن الحقيقة المريرة تقول ان المواطن لا يمكن البتة ان يجد وظيفة حتى لعامل خدمة في الشوارع بدون وساطة وهذا يعني ان الوطن يحب الرجعية جدا ونحن لا ندري، لأني بصراحة ابحث عن وساطة لصديق عزيز يمتلك جميع المؤهلات الاعلامية عسى اجد له عملا في فضائية محترمة ولم اعد اهتم اذا ماقالوا عني رجعيا، فحشر مع الرجعيين عيد.
AZP20
HSNO