
فك التشفير
قادة تويتر .. وصواريخ السياسيين -ياس خضير البياتي

باتت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة فعالة للتأثير على الأحداث السياسية ، سواء في المناطق الإقليمية أوعلى نطاق العالم ، كما أصبحت وسيلة لتشكيل الرأي العام والضغط على الحكومات من خلال فتح مجال أوسع للمعارضة لفضح الحكومات وإظهار الفساد ، كما ساعدت على زيادة النزعة السياسية لدى عناصر في المجتمع قد تكون خاملة سياسيا ودفعها للمشاركة والتفاعل مع الأحداث، وهو ما أدى إلى زيادة النشاط السياسي للمجتمع ،وخلق الرأي العام الجديد باتجاه إحدى القضايا، وحشد الجمهور وتنظيم الاحتجاجات والتظاهرات التي يصعب أو يستحيل أحيانا تحقيقها في ظل الإعلام التقليدي وبهذه المدة الزمنية.
إنَ التوسع الكبير للشبكات والمواقع سيؤدي في المستقبل إلى تكوين قارة افتراضية تجمع جمهوريات عديدة كفيسبوك وتويتر ويوتيوب، لأن ما نراه اليوم يبدو خياليا، حيث تظهر مدونة جديدة كل 4.1 ثانية بمعنى 84 مدونة في الدقيقة يومياً، و121 ألف مدونة متنوعة في مختلف المجالات ، و48 ساعة فيديو يتم رفعها إلى موقع يوتيوب كل دقيقة، وهذا يعني أننا لو أردنا مشاهدة جميع المقاطع التي رفعت خلال يوم واحد فسنحتاج اإلى 8 سنوات من المشاهدة المتواصلة.
وعلى الرغم من أن استخدام اللغة العربية على توتير بدأ متأخرا عام 2011 م، وذلك بعد مرور 6 سنوات كاملة على تأسيس الموقع عام 2006 إلا أنها استطاعت منذ الوهلة الأولى الانتشار الواسع عبر (تويتر) حيث وصل عدد المستخدمين (320) مليونا، من ضمنها ستة ملايين مستخدم عربي. وتحتل اللغة العربية المرتبة السادسة في قائمة اللغات الأكثر استخداماً على موقع التدوين المصغر (تويتر)، حسب آخر الإحصاءات. وقد وجد الكثير من المستخدمين للموقع ضالتهم فيه، خاصة بسبب معناه الحرفي (زقزقة العصافير) لأنه يعبر بعبقرية عما يريد ان يقوله، فالعصفور إذا فرح يغرد، وإذا حزن يغرد، وإذا تعرض لخطر يغرد، أي ان العصفور يغرد في كل الحالات.
وفي عام 2012 قام موقع (تويتر) الالكتروني للتواصل الاجتماعي عبر الرسائل النصية القصيرة التي تعرف باسم (التغريدات)، إلى تطوير الخدمة المطولة التي تصل الى 140 حرفاً، بهدف إتاحة مساحة أكبر للمستخدم للاطلاع على التقارير والصور وملفات الفيديو لإضفاء المزيد من التفاعلية على الموقع الالكتروني بالنسبة للأشخاص الذين يستخدمون أجهزة الكمبيوتر المكتبية أو المحمولة .
تأسيس موقع
كما أصبحت للموقع مجموعة متنامية من الشركاء الجدد مثل صحيفة (وول ستريت جورنال) و(مجلة تايم) وخدمة (إم .إس .إن .بي .سي) الإخبارية، ممن يقدمون تغريدات ذات محتويات غنية تتضمن روابط للدخول على مواقعها الالكترونية ، مما أتاح للمستخدم إلقاء نظرة عامة على عنوان الموضوع والاطلاع على مقدمة خاصة به، بالإضافة إلى قراءة بعض التغريدات حول الناشر أو الكاتب، كما أصبح بمقدور المستخدم قراءة المقال والتعقيب .
لم يعد بوسع الحكومات الحالية والقادمة أن تتجاهل أهمية هذه الشبكات الاجتماعية. لذلك بدأت الدول التدرب على مواجهة هذا النوع من التحديات، لان ما يجري اليوم من احداث ليس غيمة عابرة، انها مجموعة من السحب السوداء، تجمعت وتراكمت وتفاقمت شحناتها الكهربائية والمغناطيسية. لهذا تبدو الدول قلقة ومرتبكة لأنها تواجه اليوم ما هو أخطر. لهذا تحرك المستشارون ومؤسسات العلاقات العامة لأبداء النصيحة الذهبية للرؤساء بضرورة فتح الحوارات مع هذه الدولة الافتراضية وسكانها، وايجاد لغة جديدة معهم. وعلينا أن نتذكر ما حدث لبعض الزعماء الذين اسقطتهم جماهير فيسبوك وتوتير لانهم كانوا خارج تغطية عصرهم الجديد، وأصروا مخاطبتها بخطب الخمسينات والستينات، فتم سقوطهم في مشهد درامي حزين يندر مشاهدته حتى في الخيال؟!
لم يعد من الممكن في وقتنا الحالي ألا يتفاعل أي مسئول مهما كان حجمه على مواقع التواصل الاجتماعي، لذا نجد عدد كبير من قادة العالم يتفاعلون اليوم بشكل كبير عبر نوافذ العالم الافتراضي بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي ،وبالذات وسيلة (توتير) لما لها من تأثير كبير على الرأي العام، بل أصبحت أداة سياسية للتحكم بمسارات الاحداث والوقائع الدولية ، حيث وصل الأمر إلى اعتبار بعضهم أنها الوسيلة الأولى للتواصل مع شعوبهم. مثلما أتاحت الفرصة للرؤساء والملوك وقادة الدول من توصيل ما يريدونه لشعوبهم بجملة من حروف قليلة، ما لم يستطيعوا التعبير عنه في خطابات مطولة، وهو ما كشفته دراسات حديثة أنه نحو123 رئيسا حول العالم يمتلكون حسابات على موقع توتير للتدوينات القصيرة، أي نحو75 بالمئة من الرؤساء.
وأرجع أستاذ الإعلام بجامعة جورج واشنطن ستيفن روبرتس، ظهور ظاهرة المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، إلى خبرة المرشح الجمهوري الإعلامية، ومهارته في استخدام (تويتر) بشكل فعال ، وادراكه منذ البداية أنه لن يربح هذه الانتخابات الا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وبالذات تويتر.
لهذا كان ترامب حريص كما يقول على مواجهة وسائل الإعلام التي وصفها بـ(غير العادلة) نحوه ،وعلى حبه للتغريد على توتير ،مع امتلاكه 50 مليون متابع بما فيه فيسبوك، وأنستغرام، ، وهي وسائل ، كما وصفها ، رائعة في( كشف الحقيقة عن الأخبار الخاطئة عني، وسيكون لي إمكانية لأقول إن ذلك ليس صحيحا على الاقل ).كما اصبحت تغريداته أهم المصادر للمؤسسات الاعلامية الدولية ، ولأصحاب القرار ، وعناوين كبيرة في الصفحات الاولى للصحف.
والملاحظ ان ترامب يدير العالم من نافذة تويتر، ولا يمر يوما إلا ويتفاعل عبر حسابه بموقع (تويتر)، وذلك من خلال التعليق الدائم على الأحداث حول العالم، كما يستخدم حسابه أيضا لشن هجوم على وسائل الإعلام أو الشخصيات، وأحيانا يهاجم بعض الدول أيضا. ويعد ترامب أحد أنشط الرؤساء الذين يتواصلون مع الجمهور بشكل شخصي، ودائما ما يعترف بفضل موقع تويتر عليه، مؤكدًا على أن شعبيته الكبيرة عليه ساعدته في زيادة مؤيديه قبل الانتخابات الأمريكية. ويشتهر ترامب الذي يفوق عدد متابعيه على تويتر 33 مليونًا بتغريداته التي تحتوي في بعض الأحيان على أخطاء نحوية وهجائية.ورغم كل الضجة التي يثيرها ترمب حول تغريداته إلا أنه من النادر أن يتحاور معه أي من الرؤساء على تويتر، إذ لم يرد عليه مباشرة سوى الرئيس المكسيكي (بينا نيتو) وزعيمة جزر مارشال (هيلدا هاين)، وحاكم بورتو (ريكو ريكى روسيلو).
عقل المستقبل
وبدون شك فأن الرئيس السياسي ينبغي أن يتسلح اليوم بما يسمى (بعقل المستقبل)، الذي يشمل العقل التخصصي والتركيبي والابداعي والاخلاقي والعصري، مثلما لا يمكن له تجاهل هذه الثورة التقنية الهائلة التي اصبحت تشكل عبئا كبيرا على الدول، وتجاهل العدد الكبير من الشباب الذي اسس له دولة افتراضية من أكبر دول العالم في عدد السكان، وأفواها في حرية التعبير، واكثرها تنوعاً في في الاديان والقوميات واللهجات والمذاهب. وهو ما يستدعي بناء استراتيجية كسر الجليد من خلال التواصل معهم، والمعرفة التامة بقدراتهم وإمكانياتهم، وما يمكن أن يقدمه للآخرين من خدمات، والابتعاد عن الوعود الزائدة، والواقعية في تحليل الأحداث. لأن النصر في لعبة العقول يكون في الغالب لمن يملك مفاتيحها؟! ولإغرابه ان يقدم أحد مستشاري البيت الأبيض استشارة لرئيسه ملخصها (لا تهتم بالصحف كثيرا، فأن كسب العقول اليوم تبدأ بالإعلام الجديد!).
لقد أصبح لتويتر قوة غريبة في كيفية نقل الأنباء والأحداث. إنه نظام رائع للإنذار المبكر، إلا أنه يجب علينا استخدامه بحذر لأن هذا النظام جلب معه تحديات جديدة في دقة الخبر والتحقق من صحته، ونشر الإشاعات واشعال الحروب الطائفية.
{ أكاديمي واعلامي


















