عبد المهدي ودولة العوائل والعشائر والميليشيات – سامي الزبيدي

عبد المهدي ودولة العوائل والعشائر والميليشيات – سامي الزبيدي

كان العراقيون يمنون أنفسهم بعد تغيير النظام من قبل الأمريكان عام 2003  بدولة مدنية , دولة قانون ونظام وعدل ومساواة وحقوق إنسان وأمن وأمان وأعمار وبناء ورفاه اجتماعي واقتصادي وتحسين مستوى المعيشة للشعب وتقديم أفضل الخدمات له بالاستفادة من العائدات  المالية الكبيرة من تصدير النفط  وتطوير التعليم والارتقاء بالخدمات الصحية الى مستويات عالية والاهتمام بالعلم والعلماء وتطوير الصناعة والزراعة والاهتمام بالآداب والفنون والثقافة وتطوير الأنشطة الشبابية والرياضية لكن وللأسف الشديد فان المحتل الأمريكي كان قد وضع للعراق سيناريو خبيث لا يحقق أيا من أحلام الشعب وأمنياته ولا يقود العراق الى التقدم والتطور بل على العكس من ذلك فقد عمل المحتل على إشاعة الفوضى والصراع الطائفي بين مكونات الشعب المتآخية وعمل على استشراء الفساد في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها وشجع على  السرقات الكبرى لأموال البلد ونهب ثروات الوطن وعمل على تدمير بنية المجتمع المتآخي وتدمير القيم والمبادئ الاجتماعية السامية وادخل القاعدة لترتكب أفضع الجرائم بحق هذا الشعب من خلال التفجيرات بالعجلات المفخخة والعبوات الناسفة في المناطق المزدحمة للمدن ومن ثم أدخل داعش لتدمر مدنه وكل بناها التحتية بعد احتلالها وهروب القوات الحكومية التي بناها المحتل هزيلة وغير مهنية نواتها ميليشيات الأحزاب الطائفية بعد ان حل الجيش العراقي وقواته الأمنية الوطنية ثم أطلق يد ميليشيات الأحزاب العميلة لترتكب أفضع الجرائم بحق أبناء شعبنا كالاغتيالات والتصفيات الجسدية والاعتقالات التعسفية دون أوامر قبض والتهجير والإقصاء والتهميش والترويع  ثم سلم الأمريكان العراق لأحزاب طائفية همها الحصول على السلطة والنفوذ و سرقة أموال الشعب والدولة ونهب ثروات الوطن وإثارة الصراع الطائفي وإهمال الخدمات وعدم الاهتمام بالأمن والأمان وحماية أبناء الشعب من الإرهاب والعصابات  وفُتح الباب واسعاً لميليشيات هذه الأحزاب لتستمر في مسلسل الاغتيالات والتصفيات الجسدية وإثارة الأحقاد والضغائن والتهجير والاعتقالات والتعذيب واغتيال كفاءات العراق العلمية والأكاديمية مما اضطر من بقي منهم على قيد الحياة  للهروب خارج البلد .

اضعاف مؤسسات

وعملت هذه الميليشيات على إضعاف مؤسسات الدولة خصوصا العسكرية والأمنية ليخلو لها الجو للسيطرة على الأوضاع في البلد حتى أصبح العراق دولة ميليشيات لكل حزب مليشيا مسلحة ترتبط  به وتمول وتأتمر بأوامر دول الجوار وتنفذ مخططاتها ولا تلتزم بأوامر الدولة وقوانينها فعمت الفوضى البلاد, كما زاد نفوذ العشائر وسطوتها نتيجة ضعف الدولة وأجهزتها الأمنية وسبق لهذه هذه العشائر أن سيطرت على أسلحة الجيش خلال الغزو الأمريكي وزادتها أسلحة أخرى متوسطة وحتى ثقيلة وكثرت النزاعات العشائرية التي كانت تهدد امن المدن وتقطع الطرق الرئيسية بين المحافظات دون ان تتمكن الدولة من مجابهتها وأصبح قانون العشائر هو السائد بدل قوانين الدولة فأصبح العراق دولة ميلشيات وعشائر ودولة عوائل متنفذة سيطرت على مقاليد الأمور في البلاد وعلى ثروات العراق فتقاسمتها بينها ثم سرقت عقارات الدولة وعقارات أركان النظام السابق وحولتها بأسمائها  وأسست لها إمبراطوريات اقتصادية رأس مالها أموال تهريب النفط وأموال المشاريع الوهمية التي لم تنفذ وأموال موازنات الدولة التي تقاسمتها طيلة الخمسة عشر عاما لماضية وأغلب هذه العوائل ترتبط بعلاقات عمالة وولاء لإحدى دول الجوار( ولا سيما الكويت وإيران) وقد ساعدت  هذه العوائل دول الجوار في تحقيق أطماعها في ثروات العراق والاستيلاء على أراضية ومياهه الإقليمية وحقول نفطه الحدودية وبضغط من هذه العوائل التي أصبحت متنفذة سياسياً واقتصادياً ودينياً تنازل ساسة العراق عن خور عبد الله وعن قرية أم قصر والقاعدة البحرية فيها وعن أراض أخرى من المناطق الحدودية بعمق عشرات الكيلومترات وامتداد لأكثر من 60  كيلو متر وآبار نفط عملاقة للكويت وبضغط وعمالة عوائل أخرى سيطرت إيران على العديد من حقول النفط الحدودية ونقلت الدعامات الحدودية داخل الأراضي العراقية لتقضم أجزاء من أراضينا الوطنية .

خسارة العراق

وهكذا وبفضل هذه العوائل ونفوذها وعمالتها خسر العراق المزيد من أراضيه الوطنية ومياهه الإقليمية  والعديد من آبار نفطه العملاقة , فأي دولة هذه التي تتحكم بها العوائل والعشائر والميليشيات ؟ ومتى ينتهي دور هذه العوائل ويتم القضاء على نفوذ العشائر ليعود العراق دولة قوية  بحكومة وطنية  من المهنيين والكفاءات والتكنوقراط الغير حزبيين وبجيش وقوات أمنية وطنية يقودها قادة وطنيين ومهنيين و أكفاء ؟ وهل تستطيع رئيس الوزراء المكلف القضاء على دولة العوائل والعشائر والميليشيات ويفرض القانون والنظام على الجميع ويعيد للدولة هيبتها بعيداً عن نفوذ العوائل والميليشيات وأحزابها وبعيدا عن سطوة العشائر وسلاحها وقوانينها لكي يتفرغ للبناء والأعمار وتقديم الخدمات للشعب المحروم وإنقاذه من الظلم و الفقر والجوع والأمراض والبطالة والجهل والأمية , فإذا لم يستطع  ذلك فلم يبق أمام الشعب إلا القيام بانتفاضة كبرى بل ثورة شعبية حقيقية تطيح برؤوس العمالة والفساد وتنقذ العراق من الهاوية السحيقة التي أوصله إليها  العملاء الفاشلون والفاسدون والمزورون وأحزابهم وميليشياتهم وتنقذ الشعب من الماسي والكوارث التي حلت به على أيدي هؤلاء العملاء المأجورين وتسلم البلد الى أيدي عراقية أمينة ووطنية ومخلصة كفوءة ونزيهة تعيد بناء العراق وطناً وشعبا وتعيد العراق الى محيطه العربي والدولي وتحافظ على سيادته وأمنه وتصون كرامة شعبه وتؤمن له الحياة الحرة الكريمة .