(شالوم) عليكم

(شالوم) عليكم

تنازل عن ثوابت لا تقبل النقاش والمساومة

منهل الهاشمي

  مرت قبل ايام وتحديدا في 5 حزيران (يونية) الذكرى (47) للهزيمة النكراء القاسية للعرب في حربها مع اسرائيل عام 1967 والتي سميت بالنكسة. وكانت نتائج هذه الحرب اقل مايقال عنها بانها كارثية مهولة وانها اقسى هزيمة تعرضت لها الامة العربية ضمن سلسلة من الهزائم في تاريخها المعاصر !!. وقد ابتداتها اسرائيل وشنّتها على ثلاث دول وهي مصر وسوريا والاردن اضافة بالطبع لفصائل المقاومة الفلسطينية. واستطاعت ابتداءً من توجيه ضربة اجهاضية مباغتة ومفاجئة قاصمة للقوة الجوية المصرية فدمرت جميع طائراتها وهي قابعة في مطاراتها لتدمر مايقارب 420 طائرة مقاتلة مصرية, بعد ان حلّقت الطائرات الاسرائيلية بشكل منخفض فلم تستطع الرادارات المصرية من كشفها. وبذلك فقد قضت تماما على الغطاء والاسناد الجوي الحيوي للجيش المصري ماادى لانقضاضها على القوات البرية وتدميرها بالكامل بعد ان تسيّدت الجو بشكل مطلق الامر الذي مكّنها بسهولة من احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية ومدينة الجولان السورية والضفة الغربية التي كانت تخضع حينها للسلطة الاردنية اضافة للقدس الشرقية التي فيها يقع بيت المقدس الشريف وقطاع غزة وكل هذا حدث في ستة ايام فقط !!!. لذا تسمى هذه الحرب الخاطفة بحرب الايام الستة. ومن مفارقات القدر الساخرة المرّة ان الحرب العربية الاسرائيلية الاولى عام 1948 التي انتهت ايضا بهزيمة العرب (كالعادة) !! فاحتلت على اثرها اسرائيل المزيد من المدن والقرى الفلسطينية وقامت بتهجير مئات الالاف من سكانها العرب الاصليين الى دول الشتات فسميت هذه الهزيمة (بالنكبة) !!. وانا اتوقع اذا ماقسم للعرب الانتصار على اسرائيل في حربها القادمة اذا ما وقعت في (الخيال العلمي) عندئذ سيسمى ذلك النصر الموهوم (بالنكتة) !!. حتى (تكمل السبحة)…..(النكبة ـ النكسة ـ النكتة) !!!.

التفوق النوعي

   ومنذ حرب عام 1948 وامريكا وبريطانيا وبقية الدول الغربية حرصت على ابقاء التفوق النوعي الستراتيجي لاسرائيل على بقية جيوش الدول العربية مجتمعة في لعبة توازن القوى الدولية في منطقة الشرق الاوسط , كي تضمن لاسرائيل بقاءها ووجودها ومن ثم تمددها السرطاني في الدول العربية لتحقيق هدفها وحلمها التاريخي بقيام (اسرائيل الكبرى) الممتدة من النيل للفرات. وفي سبيل ذلك خططت امريكا وتلك الدول كستراتيجية مستقبلية بعيدة المدى وبتوجيه من اللوبي الصهيوني العالمي للتخلص من جيوش الدول العربية الثلاث الرئيسية التي واجهت اسرائيل في جميع حروبها وباتت تشكل خطرا حقيقيا للامن القومي الاسرائيلي وهي جيوش مصر والعراق وسوريا. فعملت ابتداءً على تحييد مصر من الصراع العربي الاسرائيلي عبر معاهدة السلام بين مصر واسرائيل في كامب ديفيد عام 1979 التي وقّعها آنذاك الرئيس الاسبق (انور السادات) واسترد بناءً عليها سيناء التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967 كما اسلفنا وفق قاعدة (الارض مقابل السلام). بعدها ومن اجل تنفيذ السيناريو المخطط والمعد له سلفاً من قبل تلك الدول عملت وبدفع مباشر من دول الخليج وعلى راسها السعودية والكويت على زج الجيش العراقي في حرب مفتعلة مهلكة ومدمرة مع الجارة ايران. وقد استنزفت تلك الحرب الطويلة التي امتدت لثمان سنوات وتعد اطول حرب نظامية منذ الحرب العالمية الثانية استنزفت قدرات البلدين تماما العسكرية والاقتصادية واللذين يعدان على راس الدول التي تهدد امن ووجود اسرائيل وبقاءها واحتلالها للاراضي العربية وفي مقدمتها القدس الشريف.

   ولم تمضِ سنتان على انتهاء تلك الحرب حتى استدرجت تلك الدول العراق من خلال الفخ الكويتي والمؤامرة الكبرى التي خططت لها وحيكت وحبكت بعناية واهتمام شديدين ومدروسين ونفذتها بايادٍ خليجية وعلى راسها الكويت فاستدرجته الى غزو الكويت في 2 آب 1990 وماترتب عليها من حرب قوات التحالف الدولي المكوّن من 33 دولة وعلى راسها امريكا ضد العراق ماتعرف بـ(عاصفة الصحراء), علما بان هذه الجيوش وفي مقدمتها قوات حلف شمال الاطلسي (الناتو) كانت قد اعدت سابقا لمواجهة الاتحاد السوفيتي واوربا الشرقية (حلف وارسو) !!. وقطعا كانت النتيجة الحتمية لتلك الحرب غير المتكافئة اطلاقا هي الاجهاز تماما على الجيش العراقي والقدرات العسكرية والمدنية والبنى التحتية واحالتها الى حطام وركام واطلال , ناهيك عن الحصار الجائر المدمر للشعب لا النظام والذي استمر لثلاثة عشر سنة عجاف حالكة السواد منذ غزو الكويت حتى سقوط النظام . ثم كان الاجهاز النهائي المبرم على الجيش العراقي عبر حلّه رسميا من قبل الحاكم المدني السابق للعراق (بول بريمر) على اثر احتلال العراق عام 2003. وبذلك فقد تم التخلص تماما وكليا من شيء اسمه الجيش العراقي الذي لطالما اقض مضجع امن اسرائيل وهدّد كيانه الوجودي حيث كان المحور الاساسي الفاعل والمؤثر في سلسلة الحروب العربية الاسرائيلية.

   اما الجيش العربي السوري فقد وجد نفسه وحيدا في مواجهة اسرائيل بعد ان تم تحييد الجيش المصري والقضاء على الجيش العراقي. فتم اسناده من قبل ايران وحزب الله اللبناني وهي ماتسمى محور المقاومة في المنطقة في مواجهة اسرائيل. ولكن بعد ان بدات الثورة السورية عام 2011 كثورة شعبية حقيقية ضد نظام (بشار الاسد) الدكتاتوري القمعي فوجدتها امريكا واسرائيل والدول الغربية فرصة ذهبية لا تعوض للقضاء تماما على الجيش السوري فسرعان ماحرفت الثورة الشعبية السورية عن مسارها وبمساندة ادواتها التقليدية في جميع المؤامرات المدبرة والمحاكة في المنطقة وهي الدول الخليجية وعلى راسها السعودية وقطر لتستقدم عشرات الالاف من السلفيين التكفيريين الارهابيين من جميع انحاء العالم بما فيها اوربا وامريكا ضمن التنظيمات الارهابية كالقاعدة وجبهة النصرة وداعش وسواها من التنظيمات الاجرامية القذرة من اجل قتال الجيش السوري عبر حرب استنزاف طويلة بلغت لحد اليوم ثلاث اعوام دمرت البلاد والعباد واهلكت الحرث والنسل والبنيان في سبيل القضاء والاجهاز على جيشها كليا بل وعلى دولة سوريا باكملها كما فعلت سابقا تماما في السيناريو نفسه مع العراق.

  وفي ظل هذه المعطيات الجديدة وجدت السلطة الفلسطينية ان لا خيار امامها سوى العودة قبل شهور لما تسمى بمفاوضات السلام التي ماهي في جوهرها وحقيقتها سوى مفاوضات (استسلام) من اجل تحقيق حلم مايسمى (الدولة الفلسطينية) التي تحيا جنبا الى جنب مع الدولة العبرية ضمن مايدعى بمشروع حل الدولتين وماهو بالطبع سوى (عشم ابليس بالجنة) !! وقد توقفت مؤخرا بعد سلسلة من الجولات التفاوضية المتعثرة بسبب تعنت الجانب الاسرائيلي واستمراره ببناء المستوطنات السكانية في الضفة الغربية المحتلة ومافتئت الدولة العبرية تتمدد وتقضم من الاراضي الفلسطينية بالوحدات الاستيطانية الاحتلالية بحيث اذا ما اعلنت الدولة الفلسطينية المستقلة الموعودة والمزعومة سوف لا تعدو مساحتها اكبر من قطاع واحد من قطاعات مدينة الصدر !!!. هذا اضافة الى رفض اسرائيل لاطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين الذين يقبعون في السجون الاسرائيلية منذ سنين طوال وقد وعدت باطلاق سراحهم سابقا ولكنها كعادتها ضربت بكل وعودها وعهودها عرض الحائط وحمّلت الجانب الفلسطيني مسؤولية فشل المفاوضات وانهيارها !!. ولا ندري سبب تعويل الفلسطينيين على وجوب اطلاق سراح الاسرى واعتباره مكسبا وطنيا وكأهم الشروط لاستمرار المفاوضات ؟!!. وذلك لان اسرائيل بامكانها اطلاق سراحهم لتعيد اعتقال اضعافهم في اليوم التالي بكل بساطة, وهذا فعلا ماحدث عندما حدثت ازمة اختطاف ثلاثة شباّن اسرائيليين فاقامت الدنيا وقلبتها رأسا على عقب وحمّلت حماس مسؤولية اختطافهم وكان ردها الفوري والعاجل بان اعادت اعتقال المئات من الذين سبق وان اطلقتهم ابان الجولة الاولى من المفاوضات من اجل مساومة الفلسطينيين على مخطوفيهم الثلاثة , هكذا بكل بساطة !!. فاذن لا نرى وجود مبرر قوي وموضوعي لاشتراط الفلسطينيين على اسرائيل اطلاق سراح الاسرى لانها كما توقعناها وشاهدناها مسالة عقيمة ولا جدوى منها ابدا.

واضحة وصريحة

   ولكن اللافت للنظر ايضا في المفاوضات الاخيرة ان السلطة الفلسطينية بدأت بالتنازل الخطير عن بعض ثوابتها التي لم تكن تقبل النقاش والمساومة وتعدها خطوطا حمر ومن حقوقها الوطنية المبدئية في اي مفاوضات, ومنها (حق العودة) والمقصود به حق عودة اللاجئين الفلسطينيين من ارض الشتات في قارات العالم الخمس والذين تقدر اعدادهم باكثر من  4 ملايين لاجئ الى مدنهم وقراهم المحتلة التي هجّروا منها. ففي ندوة جمعت رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) بعدد من الطلاب الاسرائيليين حينما سالوه عن مصير الملايين الفلسطينيين اللاجئين اذا ما عادوا الى تلك المدن والقرى وبالتالي تاثيرهم على ديموغرافية اسرائيل فاذا به يجيبهم مطمئناًّ : (انا لا انوي اغراق اسرائيل بملايين الفلسطينيين) !!!. في اشارة واضحة وصريحة لتنازله عن حق العودة مسقطاً بذلك حقاً تاريخيا للفلسطينيين في تنازل جديد من ضمن التنازلات غير المتناهية للعرب والفلسطينيين تجاه اسرائيل.

   ولكن رغم كل جبال الاحباطات والهزائم والخيبات واليأس هذه فاني مازلت اتساءل مع نفسي : ترى هل سياتي في يوم ما بطل قومي عربي يعيد الاعتبار لكرامتنا العربية الجريحة التي سفحتها اسرائيل وبعثرتها في وحل الهزيمة والذل والهوان منذ عام  1948 الى يومنا هذا وقابلَ ايامنا واعوامنا… وان يعيد لنفوسنا الذليلة المنكسرة كبرياءها وشموخها وعزتها وهيبتها ثانيةً ؟!!. انني اتساءل هكذا لانني موقن بان من دياجير ظلمة اليأس يتفجر نور الامل… ومهما طالت حلكة ظلام الليل فلابد للصبح ان ينجلي… ولابد للقيد ان ينكسر… وهاأنذا اجلس على الكرسي الهزّاز قرب النافذة وعيناي ترنوان صوب قرص الشمس… وارى بمرآة خيالي  بطل قومي عربي يظهر من منتصف قرص الشمس الاحمر… ممتطيا صهوة جواده الاشهب… سائرا على اشعة الشمس يسابق الريح… قادما لانقاذنا وتخليصنا من كل هذا الذل والهوان المرّ بطعم العلقم الذي تسقينا اياه اسرائيل اللقيطة من كأس المرارة والهزيمة منذ اكثر من 66 عاما. واذا ما رحلت عن هذه الدنيا فساوصي احفادي واحفادهم بالجلوس مكاني على ذلك الكرسي الهزّاز بانتظار ذلك البطل القومي المنقذ… المخلّص , فحتما يوماً ما سيأتي …. سيأتي….. سيأتي.