نذير الأسدي
ها وقد ناف على الثمانين…
جلس وحيدا يتطلع من كوة بيته الصغير الى هذا العالم الذي صارعه وقارعه يوما…
سنوات انطوت حاول ان يختط طريقه ويفرض افكاره وماتعلم من قيم ومباديء ..
لكنه في كل مرة يكبو ..ويعود القهقرى…ويرى ان كل ما كان يحمله من افكار ليست سوى احلام عصافير …
تتبخر فوق السحاب…
في سنوات شبابه استطاع ان يقارع ويقاوم ويتحدى املاً في ان ينال ما يختمر في قاع ذهنه ويحقق تلك الصورة الوردية التي راودته في اليقظة والمنام….دون جدوى.
ثمانون عاما….او اكثر وهو يخط على الورق او فوق ارصفة الشوارع وفي المقاهي القديمة..بعضا من افكاره .. وهو يسحب انفاس سجائره الواحدة تلو الاخرى..ويمضغ تبغها الساخن لعله يطفي جذوة مشتعلة في اعماقه..او يرسم بدخان السجائر حلما من احلامه التي سرقتها الايام والسنين التي مر بها…..
قرأ عشرات الكتب والمجلات..وكتب مئات القصائد…ودون في سطور اوراقه حكايات وقصص موجعة وحزينة.
كان طوال حياته ..يبغي ان ينتفض ان يصرخ او يرفع كفه ..ان يكون صوتا مسموع.او كيان كغيره من الذين كان حتى الامس القريب لا ذكر لهم و لا مقام….
تذكر جيدا ..ان كل ما تحقق له انه ورث التشرد العذاب فذاق الذلة والمهانة..والاختفاء من اعين الرقباء…
لم يجرب نفسه يوما ان يتحدى ويعترك..ولم يعط لنفسه فرصة ان يشهر سيفه او رشاشه بوجه من وقفوا حجر عثره في طريق امانيه واحلامه…
واكتفى بالقلم بديلا…
وانى للقلم ان يفعل…حينما تكون في غابة تغص بالوحوش…
ما قيمة القصائد والشعر وشرح النظريات…و كتابة الروايات والقصص…
ما قيمة كل الافكار التي لاتستطيع اقتناص الفرصة والظفر بالمكان الذي يتوق اليه …لقد اضاع عمره في نقاشات وثرثرات…وحوارات
لم تدر عليه غير المزيد من التشرد والغربة والوحدة.
فيما ظفر بكل ما كان يخطط له ويتمناه اطفال لم تربوا اعمارهم معشار عمره الطويل
هو اليوم قابع في صومعته ينظر من نافذته الصغيرة بالم وحزن لما يرى ويشاهد…
بعدما ارصف كل ما قرا او كتب فوق رفوف الحيطان القديمة .
حتى علاها الصدأ….
والنسيان…
ويمضي جل وقته مع ثلة ممن احنى الدهر ظهورهم
يجترون احاديث…ويعضون اصابعهم ندما لخسارة فادحة المت باعمارهم التي سحقت في قاع الزنزانات المظلمة
و تقوست تحت سياط الجلادين…
وكل ماتبقى لديهم
احاديث وذكريات
اكل منها الدهر…
وشرب….