زمان جديد 1 1 5

زمان جديد 1 1 5
سالم صالح سلطان
قرأت هذا العنوان على زجاج خلفي لسيارة تسير أمامي في الشارع . يقودها شاب هلامي لم أفهم من ملامحه ـ ونحن نجتازه ـ سوى خارطة شَعر مقسمة على ميدان وجهه، تصلح ربما لحل القضية الفلسطينية العويصة في تشوهات حلولها كما يثرثر المذياع في التاكسي التي تقلني، ويبدو أني تغاضيت عن سماعها لاستغرابي الشديد بهذه التقليعة، وصاحبها الشاب المحترم جدا بنظراته المتشنجة، ومسجله يقرعنا بنواح حسام الرسام على أم دميعة ، لأمنحه من وجهة نظري المستنكرة جائزة أفضل تقليعة حلاقة شَعر على الوجه بين شباب جيله. بحيث لا تفهم اذا كان هذا الشاب عراقياً أم نازلاً علينا من كوكب آخر . لفرط بذاءة رسوماتها.
يقول المثل صير مجنون وعيش طيب لذلك علينا أن لا نندهش، ولا نسرح بأفكارنا ولا نزعل ونصدق ما نقرأه ونشاهده من تفاهات وغرائب تصادفنا يوميا على مسرح الحياة الكوميدي الأسود، باسم الفلسفة الساخرة والحرية الطائشة والطرح المصطنع لايصال حداثة مجددة لشكلنا، نتلاعب برسوماتها وكلماتها وأعرافها وقيمها، وتتفاقم لأجلها موازين قيمنا يوما بعد آخر. حتى راحت تنشب في فكرنا قملا يفوق سرعة الصوت في انتشاره، بينما تغزو مكتباتنا العربية روايات وقصص اباحية تطبع بملايين النسخ وينشد مؤلفوها العرب وخاصة العربيات منهن الشهرة والمجد على حساب حياءنا وأخلاقنا وقيمنا باسم التطور والمواطنة الحقة وتحقيق الوجود الكاذب والحرية والحداثة وتجاوز المألوف والمغايرة، وبات القارئ يتقبلها غصبا عنه، وتدغدغه رغائبه لقراءتها، حتى ولو رفع من طبل حنجرته وقلع ضرس تجهمه وعلس كلمة لا هذا غير معقول يا صناع الأدب وما أدرانا ما الأدب؟
نعم ان مدفعية بكيفي تقصفنا مستحضراتها وملصقاتها الجديدة في الأسواق والعلاقات والثقافات والموذات والمولدات والتعيينات والتحالفات والآيديلوجيات والوزارات فلا نعتب اذا . اذا كان الطرب يسيح ابداعه من ساعات وقلائد وكحل شعبان عبد الرحيم، وحقها أم كلثوم تعتذر عن العودة الى كوكب الأرض، وتدعوا معها محمد عبد الوهاب الى الجحيم بلا رجعة.
لزاما على ذلك يبدو لي أن الشيطان أصبح رفيقاً دائماً للكثير من مخلوقات الكرة الأرضية، وينال من وقته وزحمة حياته ما يجعله عبدا بائسا لرذيلته وطفح رغائبه. حتى يتبادر للكثيرين أن هنالك فرقاً شاسعاً بين نمط الانسان قبل ثلاثين سنة، وبين ما نراه الآن من ضعف جسدي ونفسي وضآلة بنمط الفرد اليوم، ولكأن بذرة ذلك الجد انشطرت، وتركت منتصفها يمرق في اللا دخول الى الكون، لتنسلخ بمخلوق يفتقد الكثير من بنية ومعالم الانسان الحقيقي. لذلك أستشعر أن هنالك مخاطر مروعة تجتاح بنية الفرد لغده طالما أفتقد مقاييس السيطرة النوعية على توازنات تنشئته الفسلجية وكذلك فكره وعقيدته وطريقة تعاطيه بناء الحياة من الخارج، وافتقاده مفرداتها الأساسية من الداخل، وفي حالة هشة وضئيلة السعة في منظورها السايكلوجي.
الفرد فكره مزدحم على الدوام، وبوصلته خارج منظومته الروحية، ويسعى لأن يشق مسارات سبله بكل ما يظن من معطيات تؤثث حياة رغيدة ومترفة تجلب له السعادة كما يظن، لذلك يلجأ الفرد سواء كان في أوربا أو آسيا أو عندنا نحن العرب الواعون جدا ويا للأسف على ابتلاع مسلسل العشق المسموح ومراد خراب دار وروبي التغريب والتهجين حتى تجد ساعة بثها تفرغ لها الشوارع والأحياء . احتفالا لها، وليس حزنا على ذكرى ذلك اليوم الذي دمر فيه العراق .
غدا من العجائب أن تعثر على لسان صادق وابتسامة مصبوغة باللوز الحلو . تلك التي تشرح ضمائرنا من براثن الهموم الساذجة التي تدغدغ هواجسنا كلما داهمنا يوم جديد تزداد فيه سعادة مصائبنا بكارثة مازوشية يشفطنا خجلنا منها بتعاسة وندامة لو لم يخلقنا رب هذه السماء، ولنعلن بايماءة عرقوبية توائم سعة كرهنا لكل من نراه أو يستضيفنا، ومهما كانت درجة وفائه معنا .
ويبدو انه أصبح موديلا حديثاً نفتتح به عامنا الجديد لزيادة سعر الدقيقة من الكذب عند شركات الهاتف النقال مع ارتباطه المسبق بسعر الدولار اللعوب، وعند شركات البيع بالتقسيط وجازاهم شيطانهم الربحي الوفير خير عون لتوفير الحياة الرغيدة لنا.
يقول المثل اذا غاب القط ألعب يا فأر ولأننا نفتقد الى التنظيم والنظام في الحياة، فحق على صاحب السيارة الأخرى التي مرقت من أمامنا مسرعة، وأنا اقتنص قراءة صندوقها الخلفي وهو يعلن لا تتبعني فأنا مخطوبة أن نحترمه، ولا نتجاوزه ونقول له كودلاك.

/6/2012 Issue 4215 – Date 2 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4215 التاريخ 2»6»2012
AZP20