قصص وأصحابها
رياض عبد الكريم
علي خيون
بغداد
كاتب واعلامي وفنان تشكيلي،حاصل على بكلوريوس صحافة من جامعة بغداد، ودبلوم عال تخصصي في وسائل الاعلام، مارس العمل الصحفي والاعلامي في عدة مجالات، وكان قد تدرج بعد تخرجه في الجامعة في مضمار التصميم والطباعة،فعمل لمدة اثنتي عشرة سنة مديراً فنياً في دار الشؤون الثقافية العامة، وخرجت من بين يديه عشرات الكتب بأغلفتها الجميلة. تعرفت إليه عبر عمله المبدع في تصميم أغلفة بعض كتبي، فصار صديقا لي، وهو صديق للجميع، وقد جمعتني به محطات أخرى جديرة بالذكر، إذ أن ثمة من يصادفك في الحياة، فيجسد في حضوره شهادة مؤكدة على تجربة عشتها، لا يعلم بها الآخرون لكنه يعرفها بتفاصيلها، ورياض عبد الكريم وشقيقه محمد شاهدا إثبات على تجربة صحفية ناجحة بكل تفاصيلها، تؤكد طبيعة التعاون الايجابي المثمر. ففي التسعينات، قصدت أبا طيبة، في مهمة أسندت إليّ وهي تكليفي بمهام ( رئيس تحرير ) لأحدى المجلات، ولم يُخصص معي أشخاص لهم قدرات فنية أو أدبية كي يعينونني على هذه العملية الصعبة، وكان المطلوب ان تخرج المجلة على غرار (الف باء) ولكن بمواصفات طباعية عالية ومادة متميزة في المضمون. وقررنا أن نبدأ معا حتى يجئ الكادر، وظهر العدد الأول كأفضل ما يكون بجهد شخصين منسجمين في فهم ما طلب منهما، واستمر العمل بدأب وانسجام، نجلس لساعات، نقدم خلاصة معرفتنا بطبيعة العمل الاعلامي مادة واخراجا، ونشعر بالسرور لما يخرج من بين ايدينا من عمل ناضج، ثم حين يظهر نفرح مجددا حين نرصد الفرحة على وجوه الجميع، لكن العمل توقف بسبب التمويل. كان صاحبي مسرورا بالتجربة ليس لأنها نجحت ولكن لأنها أعادت الى ذهنه، صورة التجربة المماثلة التي عمل فيها لعدة سنوات الى جانب روائي كبير هو عبد الرحمن منيف في مجلة (النفط والتنمية )يوم كان منيف رئيسا للتحرير ورياض مشرفا فنيا. المشكلة هي أن صديقي رياض و بسبب نجاحنا الأول، يفكر بمشروع جديد بمجرد ان يراني، فقد انقطعت عنه مدة من الزمن، وحين رآني طرح مشروعا جديدا، كان في ذهنه هذه المرة، ان نؤسس دارا للنشر، وقد اجتمعنا في داره، ورحنا نضع الخطط لدار كبيرة تنهض بالنتاج العراقي على نحو يضاهي دور النشر العربية وان لا يكون هدفنا الربح بقدر خدمة هذا القطاع الحيوي الذي يفتقد اليه العراق، وقررنا ان نضع خطة اخرى للتوزيع كي تصل مطبوعاتنا الى العراق كله والوطن العربي. وبلغت الحماسة بأبي طيبة أن سارع فاستأجر دارا للمشروع، وقادني الى غرفة انيقة قال انها مكتبنا للعمل وهي تجاور مطبعته الكبيرة في الكرادة، وقد اغتنمت فرصة معرفتي بالقانون فهيأت العقود وأصدرت التعليمات اللازمة، وعينا زميلنا ماجد السامرائي مستشارا ثقافيا وشخصا آخر مديرا للحسابات، واقسمنا اليمين على العمل باخلاص وتفان، بعد ان وجدنا من يسهم في تمويل العمل. لكن المشروع جوبه باضطراب الوضع الامني عام 2006، فتفرقنا كل في بلد، وذهبت احلامنا ادراج الرياح، وصرفنا ” المصاري” في عمان ودمشق. وفي عام 2010، عاد ابو طيبة الى أفكاره الاولى، فرحنا نفكر بمشروع مجلة ذات شأن اردنا ان تكون مثل مجلة (العربي) في الكويت التي بقيت طوال خمسة وخمسين عاما مجلة ذات ثقل ادبي وفني بموادها واخراجها وكنا على يقين بأننا قادرون على عمل مجلة احسن منها على شرط ان تمول بشكل مستقل، ومعلوم أن مجلة العربي تمول حكوميا لكنها تتمتع باستقلالية مناسبة. لكننا لم نجد ممولاً مستقلا يتيح لنا حرية العمل والعطاء بشكل يلفت الانتباه الى قدرات العراق الكبيرة ووجهه الحضاري والثقافي الذي غيبته الحروب. يبدو أن رياض عبد الكريم قرر هذه المرة ان يقف أمام الكاميرات ليقدم برنامجا ثقافيا من قناة محلية، وقد ظل يلاحقني ويقنعني بأن يضيفني وأنا أعتذر، حتى اقترح عليّ الذهاب الى القناة لشرب فنجان قهوة، والغريب انه لم يعطني القهوة الموعودة بل دخل الى الستوديو مباشرة وراح يوجه اليّ أسئلة صعبة، وعرض البرنامج على الناس، وفكرت ان رياض عبد الكريم أجاد اللعبة، فلو أنه شاورني في الموضوع، لأفسد عقلي الامر بالتردد، ولكنه كأي صحفي وأعلامي ناجح عرف كيف يقدمني ويحاورني على نحو عاد علينا باعجاب المشاهدين سواء للمقدم أم الضيف أم القناة ذاتها. أغلب الظن أن الطموح سيدفع برياض الى أن يفكر بفتح قناة نديرها معا من “دون ملاك”، لكنني وقد كنت أهرب من مهنة المحاماة المتعبة الى الاعلام بحثا عن الراحة، سأبقى أواصل نشاطي القانوني مهما كان مرهقا، لتعطيل مشاريعه التي رفرفت ولم يحتضنها أحد.