رواية عنصرية
عوّاد ناصر
أثارت فصول، نشرت أخيراً، من رواية أمريكية بعنوان الكشف عن أسرار عدن.. انقذوا اللألئ الجزء الاول ضجة كبرى، حسب تقارير ومقالات عدة، بسبب أن الرواية تدعو للعنصرية .
إذا ثبتت التهمة فستكون مؤلفة الرواية فيكتوريا فويت تحت طائلة التجريم، فالعنصرية، في دول الغرب، قاطبة، محرمة قانونياً، لأنها فكرة تدميرية وتسببت بدفع العالم إلى حرب عالمية طاحنة، أراد فيها فوهرر ألمانيا أن يحول العالم إلى كرة للعب، كما في مشهد من فيلم الدكتاتور العظيم لتشارلي تشابلن.
المجلة الامريكية المعروفة بنشر الغرائب Weird Tales نشرت فصولاً تحكي عن سيطرة الجنس الأسود الذي اطلقت عليه اسم الفحم ، على أقلية بيضاء تحمل اسم اللآلئ .
فويت نشرت روايتها على حسابها الخاص هل جاء ذلك بسبب رفض الناشرين للرواية؟ ، والتي تدور أحداثها في مستقبل مبهم بعيد حيث تزداد أشعة الشمس مما يعني أن السود يصبحون أكثر قدرة على البقاء من البيض. لذلك يغطي البيض أجسادهم بدهان أسود وتظهر بطلة الرواية عدن ، ابنة السابعة عشرة على غلاف الكتاب وقد طلت وجهها، أيضاً، بمساحيق تجميل سوداء وتصف الكاتبة حبيب عدن الأسود بأنه رجل قوي متوحش تصده عنها بعبارات قاسية اتركني أيها الفحم الحقير .
الرواية هوجمت بشكل كبير على الإنترنيت من قبل القراء الذين وصفوها بأنها رواية في منتهى التعصب بل إن اختيار اللآلئ والفحم بحد ذاته أثار الكثير من ردود الفعل القوية لدى القراء، فالفحم بارد قذر ورخيص في حين أن اللآلئ جميلة وثمينة.
بعض قراء المجلة يفكرون بمقاطعتها. الكاتبة، من جانبها، التي سبق ونشرت لها مؤسسة هاربر كولينز عملاً سابقا، دافعت عن روايتها على مواقع التواصل الاجتماعي بقولها إنها تكره العنصرية وإن كتابها حصل على المديح والعديد من الكتابات النقدية الإيجابية وأضافت لا تسألوا إن كان ذلك المديح جاء من قراء بيض وإلا ستكونون، أنتم، عنصريين في حكمكم .
بعض الكتاب الذين يساهمون بكتاباتهم في المجلة اعتذروا عن الكتابة للمجلة بعد نشرها مقالاً افتتاحياً يدافع عن الرواية وينفي عنها تهمة العنصرية وعبروا عن غضبهم الشديد ووصفوا المقال الافتتاحي بأنه مثال على ما يمكن أن يدمّر كل ما هو جميل . وأنه اعتراف صريح بالانتماء للفكر العنصري.
نقاد كثيرون عبروا عن عدم رضاهم عن المفاهيم التي استعملتها الكاتبة في روايتها، ففكرة ان يضطر البيض إلى تغطية أنفسهم بالسواد بينما تلهث النساء البيض وراء الرجال السود رغم أنهم فحم لا يقارن باللؤلؤ، كل ذلك يعتبر تكريساً للعنصرية رغم أن المجلة تصر على ان الرواية تنهج نهجاً آخر والكاتبة تريد أن تكون أبعد ما يمكن عن العنصرية وأقرب ما يمكن من التسامح.
في ثقافتنا العربية خلايا عنصرية نائمة وأخرى يقظة تسببت بندرة الشخصية السوداء في آدابنا وفنوننا، واعتذر لعدم وجود إحصائيات لكن الحروب الأخيرة في العراق انطوت جميعاً على الفكرة العنصرية، في الخطاب الرسمي والشعبي، وكذلك حروب الطوائف والحرب الشوفينية التقليدية ضد الشعب الكردي، عدا ما يضمره الكثيرون منّا من مشاعر ومواقف ضد الغير، من سود وكرد والكراهية المتبادلة، مع الأسف، بين طوائف العراق الدينية وأقلياته المتنوعة، وكأن العراقي عنصر آري نقي بينما الباقون مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة
تجد البذرة الشوفينية، العنصرية، في ثنايا كل خطاب يجعل من الأمة تعبيراً لغوياً، وبالعكس، أي أن تكون اللغة الأم مبرراً للسيادة، على باقي اللغات الأخوات والبنات والقريبات، ومتى صارت تلك البذرة الشجرة الأم الخبيثة فستجد كثيراً من الكتاب والفنانين والمنظرين يستظلون بظلها ويستمدون منها لغة الكراهية والإقصاء والعنف، سواء عبروا عن هذا أو سكتوا عليه أو تجنبوه أو تواطأوا معه.
/8/2012 Issue 4289 – Date 28 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4289 التاريخ 28»8»2012
AZP09