رهانات على الرؤساء الأمريكيين ـ إبراهيم الشيخ
تشكل الانتخابات الامريكية مناسبة للكتاب والصحافيين والمحللين من اجل اطلاق مقالاتهم التي تتناول فترة حكم الرئيس السابق وانجازاته خلال اربع سنوات او مزايا الرئيس القادم في حال فوزه وما يميزه عن الرئيس السابق. كل اربع سنوات نعيش ماراثون الانتخابات الرئاسية الامريكية وتبدأ التحليلات والتكهنات حول من سيفوز بهذه الانتخابات وخاصة في منطقة الشرق الاوسط التي اكتوت شعوبها ودولها بنيران حروب امريكا ودعمها لدولة الاحتلال الاسرائيلي والتدخل في تفاصيل حياة هذه الشعوب ودولها وفرض السياسة التي ترتئيها مناسبة لمصالحها، ومن يخالفها في ذلك تشن عليه الحروب او تخلق له الازمات الداخلية.
المرشح الجمهوري ميت رومني والذي يعلن صراحة دعمه لدولة الاحتلال الاسرائيلي، يبدو انه متأثر بافلام رامبو ويبدو متعطشاً الى اظهار قوة امريكا بشكل اكبر، وكأنه لا يكفي تدمير العراق وقتل حوالي مليون شخص والتدخل في سياسة الدول العربية وتدمير افغانستان، ويريد شن حروب جديدة والتدخل في منطقة الشرق الاوسط وفرض الطاعة على الشعوب العربية، فهذا الرجل يُظهِر وجه امريكا الحقيقي البشع بصراحة ودون مواربة.
فرومني يتصرف كما الرؤساء الامريكيين السابقين الذين لم يأخذوا أبداً المصالح العربية بعين الاعتبار ولم يقيموا اي وزن للامة العربية بكاملها، لانهم يعرفون أن العرب يخافون انتقاد السياسة الامريكية خوفا على مصالحهم وعلاقاتهم التي من الممكن ان تتأثر سلباً، بدل ان تخاف امريكا على مصالحها وسوء العلاقة مع الدول العربية لما تملكه هذه المنطقة من اهمية اقتصادية وتجارية وما يملكه العرب من اوراق الضغط لما يجعل امريكا ترضخ لشروطهم، ولكن يحصل العكس من ذلك.
واذا نظرنا الى الرؤساء الذين تعاقبوا على السلطة منذ عام 1948 أي منذ النكبة الفلسطينية لم يصادف وجود أي رئيس امريكي خذل اسرائيل، لكي نستطيع القول بانه كان افضل بالنسبة لقضايانا ومفضل لدينا، وانما كان هناك رئيس سيء واسوأ، من ناحية اخرى فهؤلاء الرؤساء دون شك كانوا كلهم جيدين لدولة الاحتلال الاسرائيلي.
من السذاجة ان نُفضل مرشحاً على آخر، ومن خلال التجربة الطويلة والتعامل مع السياسة الامريكية اتضح بأن الرهانات على الرؤساء الامريكيين من قِبل العرب كانت دائماً خاسرة، ومن السذاجة ايضا ان نعتمد على امريكا لكي تُعيد لنا اراضينا المحتلة أو الوقوف الى جانب قضايانا، هذا لن يحصل ابداً ما دام العرب لم يتعلموا لعبة الأمم ولعبة السياسة القائمة على المصالح المتبادلة. فكل الرؤساء الامريكيين وعدوا بحل القضية الفلسطينية، وخير مثال على ذلك هو الرئيس الحالي باراك اوباما الذي لم ننس وعوده بحل القضية الفلسطينية على اساس حل الدولتين، ولكن جهوده لم تكن مؤثرة وغير ناجعة ولم نشهد اي ضغط من قبله على اسرائيل لاجبارها على الحل او وقف الاستيطان يلتهم الارض الفلسطينية، وانما بالعكس عمل اوباما على تحريض الدول على عدم التصويت في الامم المتحدة على مسعى الفلسطينيين لنيل عضوية دولة فلسطين بصفة مراقب في الامم المتحدة، وعمل أيضاً على منع اي ادانة لاسرائيل في المحافل الدولية لما تقوم به من جرائم واستيطان وقتل وقرصنة.
فرومني صراحة يعلن بأن القدس ستكون عاصمة اسرائيل، أما اوباما لم يدلِ بتصريحات هوجاء كرومني وهذا لا يعني بان اوباما افضل من رومني، ولكنه عمل الكثير لاسرائيل ودعمها بكل الوسائل الممكنة، وبغض النظر عن تصريحات الرئيس اوباما والمرشح رومني، فالهدف يبقى واحداً، وهو بقاء اسرائيل قوية ومتفوقة على العرب في كل المجالات واهمها في المجال العسكري من اجل السيطرة على منطقة الشرق الاوسط، ويبدو ان اسرائيل النووية لا تخيف العرب وها هي تقيم المناورات مع الولايات المتحدة ومنفردة وكل هذا لا يزعج العرب وبالكاد نسمع الانتقادات او التعبير عن القلق أو الخوف من هذه المناورات، وكأن المعني ليس العرب ومنطقة الشرق الاوسط وانما جزر الواق واق.
حتى ولو تعهد أي رئيس امريكي بالسعي الى حل القضية الفلسطينية فهذا يبقى مجرد كلام ووعود فارغة وهذا ما تبين من خلال التجربة، وخير دليل على ذلك هو استمرار المأساة الفلسطينية منذ اربعة وستون عاماً والتي لم تجد حلاً لها أو لم توجد ارادة حقيقية لحلها، لان القرار الاول والاخير هو بيد اسرائيل التي تفرض على الولايات المتحدة رأيها وسياستها التي تتناسب مع مصالحها.
وبغض النظر عن الادارة الامريكية التي تحكم سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية فهي دائماً تذعن لاسرائيل وضغوطها، لان اللوبي الصهيوني له تأثير كبير على القرارات الامريكية، ولذلك يبقى الرئيس تحت رحمة هذا اللوبي منذ بداية تسلمه الحكم حتى نهاية رئاسته، وايضا يتم ابتزاز المرشحين لمنصب الرئاسة بتقديم الولاء الاكبر لاسرائيل إذا ارادوا الفوز بالانتخابات، فأوباما فعل الكثير الكثير لاسرائيل ومصلحتها وتعزيز امنها، ولكن رومني يريد ان يفعل اكثر واكثر، فجميعهم اصدقاء اسرائيل واصدقاء الاحتلال وشركاء في سرقة الاراضي والقتل والفصل العنصري.
فأمريكا ليست صديقاً للعرب، وكل اربع سنوات تتجدد الامال بادارة أفضل ومختلفة عن الاخرى، ويبدأ السياسيون والكُتاب العرب بتقويم فترة حكم الرئيس السابق وما حققه وما لم يحققه بالنسبة للقضايا العربية، فتخرج النتيجة صفراً لان امريكا لا تستطيع فعل اي شيء جيد للعرب سوى استغلالهم واستعمالهم كأداة لتمويل حروبها للسيطرة على منطقة الشرق الاوسط واستنزاف ثروات شعوبها، وتعمل كل هذا تحت شعارات ومسميات مختلفة مرة باسم محاربة الارهاب ومرة باسم نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان.
كاتب وصحافي فلسطيني
AZP07