
كلام أبيض
ربيع ثالث لأم الربيعين – جليل وادي
ليس الخراب ان تدمر المدن او تنهار البيوت، بل الخراب عندما يعشش الظلام في العقول، وتورث الأحقاد في النفوس، وتكون الأوهام أهدافا، والخرافة طريقة في التفكير، بالمقابل لا يقتصر الانتصار على تحرير المدن من رجال الكهوف، واعادة الناس الى مساكنها، بل على تحرير العقول مما علق بها من أدران، وعندما تعمر العقول تزدهر المدن، وتعلو البيوت، وتُشرق الابتسامات، هذه العبرة الاولى التي يفترض ان نأملها من درس تحرير الموصل التي تحتفل مع جميع المدن بربيعها الثالث، لذلك تكتسب مرحلة ما بعد داعش أهميتها التي تفوق ما قبلها، ليس في كيفية ادارتها السياسية كما يظن ضيقو الافق الذين لا يرون من هذه الكارثة الا حجم الاموال التي ترصد لها، او اولئك الذين يدافعون بالنيابة عن مصالح الغرباء الذين يطمحون بالهيمنة على المدينة بوصفها ورقة رابحة لمساومات راهنة او لاحقة، وان كان ذلك على حساب مأساة العراقيين ودمائهم الغالية، بل بما سنطلق من برامج ثقافية ومصالحة مجتمعية .
والجميع يعرف ان لا احد ذرف من الدمع بقدر ما ذرفت الموصليات عربيات كانت ام تركمانيات، مسلمات ام ايزيديات ام مسيحيات، أختلط الدمع بالجوع والخوف وغبار المعركة، حتى ُظن ان الافق دامس ولا فكاك من قيد وضعه شيشاني في المعاصم، وكانت سنين احباط ويأس، لكن ذلك لم يحجب عيونا دامعة من النظر الى جنوب الوطن، وتحقق الحلم واذا بالموصل حرة طليقة، فكيف نمسح دمعة معجونة بالطين عن مُحيا فاتنة للتو نفضت عن جدائلها أتربة الزمن المر، هذا هو السؤال؟.
كما لم تسل لاحد من الدماء بقدر ما سالت من شبابنا الذي شمر عن السواعد بغيرة عراقية طافحة وهو يضع الموصل نصب عينيه، لم يمنعه بعد المكان او مفارقة العيال او الخوف من الموت او دسائس بعض الاشقاء او مؤامرات الغرباء، فصنع ملحمة نادرة، أعاد فيها الهيبة للوطن، والثقة للعسكرية، وكتب ان الوطن عقيدة قبل ان يكون ارضا، ولأجلها ترخص الأرواح وان كانت غالية، فجاد بها، وليس من كرم يفوق هذا الكرم، وهذا دين يظل عالقا في أعناق العراقيين على مدى الزمان، فلولاهم لبقيت الرؤوس مطأطئة والنفوس خانعة ذليلة، بينما نريد لها ان تكون شامخة، فقد ولد العراقي وأمام ناظريه نخلة باسقة، فهل من شموخ كشموخها، فلابد من الوفاء لهؤلاء الأكارم، نريد لذويهم أحسن معاش وأبهج حياة وأرفع منزلة، يجب ان يكرموا أفضل تكريم وتصرف جميع مستحقاتهم في غضون ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، بضمنها مكافأة مجزية عند استلام جثة الشهيد لاعانة أهله خلال هذه الاشهر الثلاثة، وان تصدر الأوامر من أعلى سلطة، وان يحاسب أشد حساب من يؤخر تنفيذها، وان تقوم الفعاليات بمختلف اشكالها بزيارات دورية لتفقد أحوال عوائل الشهداء وتذليل ما يواجهونه من عقبات، وان تعطي جميع الدوائر ذوي الشهداء أولوية على بقية المواطنين في انجاز معاملاتهم، وان يتحقق ذلك حقاً وليس لافتة مكتوبة على واجهاتها من دون ان نلمس لها تنفيذا، ان في ذلك وفاء ودرساً في الوقت نفسه، وفاء للشهيد وأهله، ودرس لأجيالنا القادمة بأن الدولة والشعب لن ينسيا أبناءهم الذين بذلوا أثمن ما يملكون، فما يشغل الشجعان ليست التضحية بالنفس، بل ما سيكون حال ذوويهم بعدهم، فكيف نصنع حياة هانئة لذوي الشهداء وبمستوى يفوق حياة الاخرين ؟ هذا هو التحدي ، فهل نحن أهل له ؟ قد يقول قائل ان حال الدولة راهنا لا يسمح بتكريم الشهداء بما يليق، استقطعوا من رواتب الموظفين، ولن يتردد الموظفون في ذلك أبدا عندما يتيقنون ان هذه الاموال تذهب الى الايتام والأرامل والثكالى، وليس الى جيوب الفاسدين، فهنيئا لامة تصنع المجد رغم الخطوب .
ديالى


















