توسّلات منغّمة وشخب الدم

 ما الذي يبغيه زمن يبكي فيه الرجال ؟

 

توسّلات منغّمة وشخب الدم

 

 

قاسم ماضي

 

بشكل مبرمج و واضح ومتميز تسير أحداث رواية ” كريم ” المعنونة ” كهف البوم .. ممر الياقوت ” والصادرة عن دار ضفاف ،  وهي من القطع المتوسط ، وتقع في 341 صفحة من القطع المتوسط  ، وبالرغم من الطباعة الأنيقة لهذه الدار ، ألا أننا نجد الكثير من الأخطاء المطبعية في هذه الرواية ، وعلى هذه الدار أن تنتبه إلى مثل هذه الاخطاء ، وأن تهتم بجهود النخبة وغير النخبة من المبدعين ، وترصف  كلماتهم  التي  دّونها الكُتاب  بعد جهد جهيد  ، وصبر ، ومثابرة ،  وتأمل ، بطريقة جيدة بعيدة كل البعد عن الأخطاء المطبعية  التي تشتت القراءة في بعض الأحيان ، وربما حتى تغير المعاني وتدخلنا في تفسيرات أخرى لم يقلها الكاتب ،    يقول “سكوت  ” على المرء  الأ  ينسى أن في بيت الفن مساكن عديدة ، وأنا أجد اشارات عديدة غير مباشرة في الاسلوب الذي أتخذه ” كريم ” وهو اسلوب القناع ، اي يدخلنا في عوالم عديدة  ،فيها ثيمات متعددة ، عبر وصف سحري وبلغة عالية متمرنه ،  الذي يرتديه قلمهُ الذي لا يكل ولا يمل عبر خطابه الروائي والقصصي  وكذلك المسرحي ،  من حيث تشظي الشخصيات المتعددة التي تناولتها الرواية ، كأننا  في دهاليز من  الضيم ، والقهر ، والموت ، وهو بذلك يتجول بنا في سياحاته المتعددة  ، والتي جلبت له هذا الكم الهائل من الوجع والتصدي لما هو كل  زائف في بلدٍ مثل بلدنا  الذي يختلف عن كل بلدان العالم ، ونجد  شخصياته  المعذبة التي دمرتها الظروف التي عاشها ” شوقي ” المعذب والحالم “

 

 أن أردت البراءة فما عليك إلا الصمت ”  الصمت هنا سيد الانطلاق إلى الضوء ص93 هذه الشخصيات الرجل + شهاب الدين + السهروردي + أم كلثوم ، المرأة  ، شخصيات تتقمص ” كريم ” ومشكلاته ، وما مر به في حياته التي اتعبها هذا الجو المغطى بأ دلجته الساخنة ، التي إعتلت روحه المفعمة بالحياة ،  والضوء ،  والثقافة التي أوصلته إلى هذا النفق المظلم ، من حيث كسر الجدران التي نصبوها لنا وله ، كفخاخ في مجتمعاتنا التي اصبحت لاتطاق من جراء التعامل مع الناس من قبل الذين يتولون سدة الحكم  ، وهو بالتالي يصف رحلته الطويلة المضنية التي أججتها اسلحته الثقافية  ،عبر شريط ذاكرته المتعبة من جراء دهاليز السجون والظلمة ، والتي أمتدت إلى أكثر من عقود ، اي رحلة فيها من العذابات ربما تغطي البحار على سطح هذه الأرض ،

 

يقول ” ما كنت أصدق أن دروب العلم ، والمعرفة شاقة وصعبة المنال إلى هذا الحد ! وهو يقوم  بتشيد  بناء  الثقافة والحضارة التي تمرن عليها منذُ ُ صباه عبر أخطبوط المسرح والتشكيل والقراءة ،  التي أخذت عمره ُ وأثقلته في مجتمع لا يبالي بها ، وحاله كحال الفلاسفة والمفكرين   الذين سبقوه  متخذين  من هموم مجتمعاتهم  نقطة أنطلاق لبناء هيكلية تخدم مسار الحياة العاجة بهذا العذاب النفسي   ، والقارئ لهذه الرواية يكتشف خطوطها عبر رحلة مار اثونية ، فيها صراع فكري بل حتى عسكري ، محاولاً عبر هذا ” الحكي ” الأنتصار رغم المحن والتبعات ، يقول عنه الناقد الكبير الذي عرفته ٌ عن قرب  ، وهو الذي يخلق مجساته الإبداعية في الشعر والقصة والرواية ” علوان السلمان ” والذي يغطي الساحة الثقافية العربية والعراقية بموضوعات وهموم نقدية تلامس عمق الواقع المعاش ، أنها تجربة متميزة في تكنيكها السردي ، عبر تجرية ذاتية ” عاطفية واجتماعية وسياسية وفكرية وثقافية ” كونها تشتغل على طاقات مستوحاة من واقع تاريخي مع قدرة متقنة في  إخراج  الأفعال من حيزها الزمني ” الماضي ” لتضفي عليها حركية تمتد حتى اللحظة الحاضرة ، باختصار الف سنة زمناً ومكاناً من مصر حتى بغداد ، بسرد يسير بخطين متلازمين أولهما التخيلي ، وثانيهما ” الحكي ” المستمر لتقنيات السيرة الذاتية ، وهنا السرد الروائي يقدم مقارنة تاريخية مكتوبة في حدود الواقعية التاريخية المستندة على الحلم وتمثل الواقع وأنماطه وظواهره وسلوكياته ثانيا ً ،  فترسم فراشات لواعجنا سماء ملونة مكتظة بشعاعات تقطع مدائح الشمس المائرة بعصافير ودروب الحي مستحيل الأغاني ، يموت ببطء الراغب نازفاً وجع يومه الملغوم بالأوامر والنواهي ، ص127 وبالتالي ” شوقي ” يرصد واقعنا المؤلم محاولاً تجاوزه ُ واضاءة الطريق الذي يحلم به عبر شخوص تعايش معها ، تصارع معها وتصارعت معه ، وهذا السيل الوصفي من المفردات التي تدخلنا في فضاءاته كي يخفف على القارئ من ثقل الحياة والمعاناة التي عاشها الكاتب  ، وهو يصور مر السنين كمر الساعات عبر هواجس يومياته التي شكلت له هذا التاريخ الحامي والمشتعل في ذاته المتعبة الغير منكسرة ، أو يقنع الرب في عليائه بصدق الدعوى ، ما دام الإنسان يصر على تحويل زهور الفرح إلى باقات توابيت ؟ لم يعد الأمر حينا بالنسبة وغدا وجوده استنكارا وقصصا مرعبه يقفلها بإحتياجات عند منتصف الليل ، ويوم أخبرته بحلمي الجديد طمس حتى أذنيه بالخوف وأطلق تنهيدة غريبة سمًرتني واياه ، ص127 فالزمن القصصي قد يستمر مدى حياة كاملة كما في رواية ”  أرنولد بنيت ” حكاية العجائز ” أو جزء من حياة أفراد ، فيبدأ منذ التقاء البطل والبطلة إلى أن ينته إلى ” السعادة والرفاه ” أو يكون على يوم واحد كما في رواية ” جيمس جويس ” في روايته ” يو ليسيز ” أو حوالي ساعة في حفل شاي كما في رواية ” فيليب توينبي ” حفل شاي عند السيدة غودمان ” وكما يقول الدكتور ” جونسن ” في كتاب ” الزمن والرواية ” وهو من تأليف ” أ . أ مندلاو ، وترجمة ” بكر عباس” ومراجعة إحسان عباس ” فنحن يسهل علينا أن ندرك بالفكر الزمن الذي يستغرقه الفعل الحقيقي ، ولذلك نتسامح في اختصاره عندما نرى محاكاة لذلك الفعل فقط ص 85 فها هو يصرخ ويستغيث لحد هذه اللحظة من عذابات داخلية مفعمة بمرارة من هذا السكون الذي يخيم علينا ، ونحن صاغرين لجوقة الطاغية أي كان منهما ،  تمتلئ دنيانا بضجيج مخيف … ص128  نادى مناد من أجناس السر  ، ايها الأتون من لب التيه لًموا بوراكم ؟؟! هلموا ، هلموا ، إلى لأخذ بنواصي أرواحكم وأد لكم على درب المغفرة ، الدروب رجس الأرواح ، ولا أحد يريد الرجوع إلى البدء ، خائبا يا من غشى الجواب ظلام أرواحكم هلموا ، لكشف غرف المدن التي وراء ، الوراء .