تعقيب على مقالة ورأي (2)
بيت الحكمة بين الشك واليقين
أما بالنسبة للمراجع الحديثة من الكتب والبحوث ورسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه التي تناولت دراسة بيت الحكمة في بغداد فهي كثيرة ومتنوعة ولا تقتصر على العراق فقط وإنما تمتد وتشمل مختلف بلدان العرب والإسلام وحتى البلدان الاوربية، لما كان لبيت الحكمة من فضل في نشر العلم والحضارة ومن بين أهم المراجع ما كتبه المؤرخ العراقي المرحوم سعيد الديوه جي في كتابه الموسوم (بيت الحكمة) كذلك كتاب (بيت الحكمة في عصر العباسيين ) للدكتور خضر أحمد عطا الله من جامعة الإمارات العربية المتحدة وكتاب المؤرخ عبد العزيز الدوري (العصر العباسي الأول) وكتاب أحمد فريد الرفاعي (عصر المأمون)و(تاريخ التربية والتعليم الإسلامي)لأحمد شلبي وكتاب محمد كرد علي (الإسلام والحضارة العربية) وكتاب جرجي زيدان(تاريخ التمدن الإسلامي) .. إن ما ذكرناه من مصادر ومراجع تثبت بما لا يقبل الشك بان بيت الحكمة ككيان مادي ومعنوي ظل قائماً حتى أجتاح المغول بغداد سنة (656هـ/1258م)، حيث تم تدمير معظم محتوياته في ذلك الوقت. ! و لربما غاب بعض تلك المصادر والمراجع عن نظر الأستاذ الفاضل (الخبير القانوني) السيد طارق حرب بين العمل والنقل والقلب والعاطفة ..ولست ادعي أنني قد أحطت علما” بكل ما يتعلق بموضوع بيت الحكمة فتلك دعوى لا تتفق مع العلم الذي نخلص له فما كل ما يتمنى المرء يدركه .. أما عن تساؤل الاستاذ طارق حرب عن سبب عدم تسمية بيت الحكمة بـ(دار الحكمة) ، قياسا” على (دار الخلافة) و(دار القضاء) و(دار الحريم) ، فإننا نقول أن تلك المسميات اشارت الى معاني ضيقة ، تخص رموز وشخوص محددين ، في حين أن (بيت الحكمة) شأنه شأن (بيت المال) يرمز ويشير الى معنى عام يخص كل طالبي العلم والحكمة وهو ما أراده لبيت الحكمة من اسسه ، والدليل على ذلك ما أشار اليه المقريزي (ت845هـ/1441م) عندما قارن في كتابه (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) بين تسمية (دار الحكمة) في مصر الذي أنشأه الحاكم بأمر الله على أساس مذهبي ، وبين تسمية ( بيت الحكمة) في بغداد الذي كان فيه الفكر حرا” غير مقيد بمذهب معين ، فهو لكل المسلمين ، بل للناس أجمعين ، وعلى هذا القياس ، سميت الكعبة (بيت الله) ولم تسمى (دار الله ) ، كذا سميت المساجد بـ(بيوت الله) ،(في بيوت أذن الله أن يذكر فيها أسمه …. الآية). ولا اعتقد أن هذا الأمر يمكن أن يكون غائبا” عن الاستاذ الفاضل طارق حرب وهو الضليع باللسان العربي والعارف ببلاغة معاني كلماته . أما عن تساؤل الاستاذ الفاضل طارق حرب عن اسماء من تولى بيت الحكمة فقد ذكرت جميع المصادر التاريخية أن من كان يتولى بيت الحكمة هم الخلفاء العباسيين انفسهم أو من يكلفونه من وزرائهم والدليل على ذلك ما ذكره ياقوت الحموي(ت626هـ/1229م)في كتابيه الشهيرين (معجم الأدباء ) و(معجم البلدان):”إن عّلان الشعوبي الوراق كان ينسخ في بيت الحكمة للرشيد والمأمون والبرامكة” ، وهذا دليل على تتالي رئاسة والاشراف على بيت الحكمة من قبل الخلفاء العباسيين أو من انابوهم مثل البرامكة ، الا أن غريغوريوس أبو الفرج المعروف بابن العبري(ت685هـ/1286م)الذي تحدث فيه عن ابرز مترجمي الخليفة المأمون من أهل الذمة وهو يوحنا بن ماسويه والذي عينه المأمون أمينا” على بيت الحكمة ، والباحث المستقصي لأخبار ونشاطات (بيت الحكمة) في بطون الدرر من المصادر التاريخية سيجد حتما” الكثير من الشواهد والأدلة والآثار ما تؤكد وجود (بيت الحكمة ) وأسماء أمنائه ومن تولى الاشراف عليه . الا أن ما يثير التساؤل ويدفع الى التعجب هو عزوف رئاسة امناء وامناء بيت الحكمة اليوم عن الرد على التشكيك بعمق و أصالة الجذور التاريخية لبيت الحكمة بمقالة أو مؤتمر علمي أو محاضرة حول هذا الموضوع الجدير بالبحث والتقصي .. والله من وراء القصد .
عماد علو – بغداد
/6/2012 Issue 4228 – Date 18 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4228 التاريخ 18»6»2012
AZPPPL