بداية ونهاية – هدير الجبوري

بداية ونهاية – هدير الجبوري

كنت أجلس في مكتبي مثقلة بالهموم، كأن جداراً من اليأس قد ارتفع بيني وبين الحياة. منذ أن ألمّ المرض بأخي وأنا أعيش حالة من الخوف المستمر، قلق لا يهدأ، وليل طويل بلا طمأنينة. كل شيء بدا باهتاً أمامي، وكأن الروح انسحبت من تفاصيل الأيام…

لم يعد شيء يفرحني كما في السابق، حتى أبسط تفاصيل الحياة صارت ثقيلة ومؤلمة.

زملائي وزميلاتي  في العمل يعرفون  ما أعانيه، وحين تحدثت معي إحداهن  بعفوية قاصدة مواساتي قائلة: لا مشكلة تدوم، فلكل شيء نهاية فلماذا كل هذا الخوف ؟

تسلّل قولها إليّ كنسمة خفيفة في قيظ الاختناق ،وقد يبدو هذا الكلام عادياً لأول وهلة، لكنه بالنسبة لي كان أشبه بجرس أيقظني من غيبوبة الحزن، لحظتها خطر في بالي أن هذه الكلمات تختصر جوهر الحياة بأكمله: نعم لكل شيء بداية ونهاية

وهذه حقيقة ثابتة مهما حاولنا تجاهلها أو مقاومتها.

حقاً، لكل شيء بداية ونهاية، فلماذا يبتلعنا الخوف من تفاصيل المنتصف؟ لماذا نرتعب من الطريق إذا كنا نعلم أن النهاية محتومة ومكتوبة من ربّ العالمين؟ المرض مهما طال له وقت محدد، والحزن مهما قسى لا يقيم إلى الأبد، والعسر لابد أن يتبعه يسر، كما الليل لا بد أن يعقبه صباح.

إنها دورة الحياة التي لا يمكن لأحد أن يغيّرها، الليل مهما طال لا بد أن يليه نهار، والشتاء مهما قسى لا بد أن ينسحب أمام دفء الربيع، وكذلك الأحزان مهما طالت فإنها لا يمكن أن تبقى إلى الأبد، حتى الفرح نفسه لا يخلد، فكل حال يتبدل ويتغير. فلماذا إذن نغرق في خوف لا ينفع، وقلق لا يغيّر شيئاً من الواقع..

الحقيقة أن ما بين البداية والنهاية مجرد مساحة زمنية قصيرة مهما بدت طويلة، وكل ما يحدث فيها ليس إلا مرحلة مؤقتة. الله كتب لنا كل شيء بقدر، وكل ما نمرّ به محسوب عنده بحكمة ورحمة.

 إن أي همّ نعيشه، أو مشكلة نواجهها، أو مرض يرهقنا، له ساعة محددة، وسيمر كما مرّت أزمات كثيرة قبلها

أدركت أن خوفي الشديد وقلقي المستمر لا يغيران من الأمر شيئاً، بل يزيدانني ضعفاً ووهناً.

 فما دام كل شيء مقدراً بوقت، وما دام لكل بداية نهاية، فإنني بحاجة أن أستسلم لرحمة الله، وأتوكّل عليه بقلب راضٍ.

فاليقين بالله وحده هو ما يجعلنا نصبر على اللحظات الصعبة، ونحتمل لوعة الأيام الثقيلة حتى تمرّ.

 الحياة ليست سوى رحلة بين نقطتين: بداية نُزجّ فيها إلى الوجود، ونهاية نغادر عندها هذا العالم، وما بينهما لا يعدو كونه عابراً، مهما اشتدّ أو استقرّ.

 الأحزان لا تبقى، الأفراح لا تدوم، وكل حال يتقلب، لأن دوام الحال من المحال.

إذن خاطبت نفسي ، لماذا نسمح للخوف أن يسرق أعمارنا ونحن نعلم أن لكل وجع زمناً  ولكل مشكلة عمراً ولكل محنة نهاية..

ما علينا إلا أن نثق برحمة الله، ونتيقن أن ما كتبه لنا خير، حتى وإن كنا لا نراه كذلك في لحظات المحنة.

لقد أيقنت أن قوتنا ليست في قدرتنا على منع الألم، بل في إيماننا بأنه عابر. وأن الحياة مهما غمرتها العواصف، ستعود لتصفو يوماً ما…

 نعم، لكل شيء بداية ونهاية، وبينهما يظل القلب معلّقاً برحمة الله، ينهض من كبوته كلما أرهقه الخوف، ويستمد يقينه من وعده الحق: إن مع العسر يسرا.. إن مع العسر يسرا

مشاركة