انتخابات الكويت تعمق الانقسام بين القبائل والحضر

انتخابات الكويت تعمق الانقسام بين القبائل والحضر
الكويت ــ رويترز ــ في غرفة فاحت فيها رائحة البخور تناول 12 رجلا يرتدون الملابس التقليدية الكويتية الشاي وهم يناقشون المستقبل السياسي للقبائل الكويتية في أحد الديوانيات الكثيرة بالبلاد وهي تجمعات اجتماعية تقليدية تعقد في المساء يرجع تاريخها الى ما قبل نشأة الكويت نفسها.
وباتت القضية تحظى بأهمية كبيرة في المناطق القبلية بعد ادخال تعديلات على نظام التصويت قبل الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أول الشهر الحالي دفعت السياسيين المعارضين الى المقاطعة ومن بينهم زعماء قبليون قالوا ان التعديلات تصب في غير صالحهم بصفة خاصة.
وقال فواز الجدعي وهو محام كان في الديوانية ان الخلاف يظهر أن غياب التوازن في السلطة لا يزال واضحا بين من هم داخل وخارج السور في اشارة الى الأسوار التي أحاطت منطقة العاصمة من القرن الثامن عشر الى القرن العشرين وصارت رمزا للفصل بين القبليين وسكان الحضر.
وأضاف وهو يمسك بمسبحة صفراء لا تشكل القبائل سوى جزء صغير من النظام المالي.. ليس هناك تمثيل حقيقي لها في الحكومة.
وتابع قوله معظم الأشخاص الذين يهيمنون على وسائل الاعلام ويتخذون القرارات من سكان المناطق الحضرية.
هذا الانقسام يمثل أحد مصادر التوتر في الكويت وقد ينطوي على مشكلات أكبر في الوقت الذي ينمو فيه عدد أبناء القبائل ويزدادون ازدهارا ويطالبون بنصيب أكبر من السلطة السياسية.
وفي منطقة صباح الناصر حيث عقدت الديوانية على مسافة نحو 20 كيلومترا من مدينة الكويت استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع واعتقلت عددا من الأشخاص لتفريق شباب محليين يحتجون على تعديل نظام التصويت في اشتباكات نادرة وقعت في الأسابيع الماضية.
وقالت وزارة الداخلية ان الاحتجاجات لم تكن مرخصة وان محتجين هاجموا الشرطة وألحقوا أضرار ببعض الممتلكات.
وقاطع سياسيون معارضون الانتخابات على أساس أن التعديلات التي فرضها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح ستحول دون فوز المرشحين غير الموالين للحكومة بأغلبية وبينهم شخصيات قبلية.
ونتيجة لذلك جاء أكثر من نصف أعضاء مجلس الأمة الذي افتتح جلساته يوم الأحد من الوجوه الجديدة على الساحة السياسية.
ويعيش أبناء العائلات التجارية الكويتية القديمة أساسا في المناطق الحضرية بينما صارت المناطق النائية موطنا لمن وصلوا الى الكويت في وقت لاحق وحصل الكثيرون من هؤلاء على الجنسية بعد ذلك.
ويقول محللون ان ذلك جاء في اطار استراتيجية الأسرة الحاكمة الرامية لتقليل نفوذ العائلات القوية الأخرى من خلال تعزيز الدعم في البرلمان.
ورغم أنهم تخلوا عن تقاليدهم الأقرب الى الطابع البدوي وبدأوا في امتلاك المنازل المكيفة والسيارات الفارهة قبل عقود مضت كما التحقوا بالتعليم العالي والمهن المهارية لا يزال بعض سكان المدن ينظرون الى أبناء القبائل على أنهم ينتمون الى منزلة اجتماعية أدنى.
وكانت القبائل المحافظة موالية في البداية لحكم أسرة الصباح الذي يوفر لمواطنيه نظاما سخيا للرعاية الاجتماعية. ويضمن النظام الحاكم وظائف حكومية للكثيرين من أبناء المناطق القبلية خاصة في الشرطة والجيش.
غير أن الحاضرين في الديوانية قالوا انه مع التطور ازدادات الرغبة في الحصول على وضع سياسي واجتماعي أكبر.
وقال جاسر المطيري وهو محام 45 عاما منذ 50 عاما لم نكن متعلمين بالقدر الكافي لتغيير وضعنا أو ظروف معيشتنا.
وأضاف اذا حضرتم هذه الديوانية قبل 30 عاما لما وجدتم أشخاصا حاصلين على أكثر من شهادة التعليم الثانوي. أما الآن فتجدون محامين ومهندسين وخريجين.
وقال الرجال ان وسائل الاعلام الكويتية تقدم صورة نمطية عن سكان مناطقهم مضيفين أنه بينما تنقل دائما تصريحات لأعضاء البرلمان المعارضين المنحدرين من مناطق قبلية لا تبذل جهود تذكر للتحدث مع السكان أنفسهم.
وفي تجمع نسائي منفصل في الطابق العلوي للديوانية قالت امرأة عرفت نفسها باسم أم عبد الله ان الحوار ضروري للتقريب بين المجتمعين.
وأضافت يجب على الحكومة ورئيس الوزراء التوصل الى أرضية مشتركة للتفاوض.
وقالت امرأة أخرى انه ينبغي أن يعامل سكان منطقتها باحترام أكبر وعبرت عن خيبة أملها ازاء الطريقة التي تعاملت بها الشرطة مع الاحتجاجات في المنطقة.
وأضافت أنا أم لأربعة محامين وثلاثة مهندسين ولكن الحكومة أطلقت الغاز المسيل للدموع علينا وليس في ذلك أدنى قدر من الاحترام.
وتحظر الكويت الأحزاب السياسية غير أن نظامها السياسي بصورة عامة يعرف بأنه أكثر النظم ديمقراطية في منطقة الخليج العربية بفضل برلمانها المنتخب الذي يتمتع بصلاحيات تشريعية. ويظل الأمير هو صاحب القول الفصل في شؤون الدولة ويختار رئيس الوزراء الذي يشكل الحكومة. وجرت العادة أن يتولى الحقائب الوزارية العليا أفراد من الأسرة الحاكمة.
وكانت انتخابات الشهر الماضي الخامسة في الكويت خلال ستة أعوام. وفي انتخابات أجريت في فبراير»شباط الماضي كان أداء المرشحين القبليين قويا وتحالفوا مع برلمانيين معظمهم من الاسلاميين ليشكلوا تكتلا للمعارضة يحظى بالأغلبية ويضغط على الحكومة.وبموجب نظام التصويت القديم كان يحق للناخب التصويت لأربعة مرشحين مما يعني أن المرشحين يمكنهم دعوة أنصارهم للادلاء بأصواتهم الاضافية لحلفائهم في مجلس الأمة الذي يضم 50 مقعدا. أما النظام الجديد فيعطي لكل ناخب صوتا واحدا فقط. وكان المرشح الذي فاز بأكثر الأصوات في فبراير هو مسلم البراك السياسي القبلي الذي اعتقل في وقت لاحق لادلائه بتصريحات في أحد التجمعات اعتبرت مسيئة لأمير البلاد.
ويقدر صالح السعيدي الباحث في العلوم السياسية الذي أجرى دراسة حول التركيبة السكانية في الكويت وعلاقتها بالانتخابات عدد المنحدرين من أصول قبلية بأكثر بقليل من نصف العدد الاجمالي للناخبين.
وأضاف أن المرشحين المنتمين الى المناطق القبلية حققوا نجاحا بصورة خاصة في ظل النظام القديم بفضل علاقاتهم الاجتماعية.
وتابع قوله لديهم علاقات ويستطيعون التنظيم بين الجماعات المختلفة. وفي هذا الصراع لا يتمتع أبناء المدينة بنفس القدرة على التنظيم.
ويقول نقاد ان عددا من الأعضاء القبليين في مجلس الأمة استغلوا المجلس الماضي لتصفية بعض حسابات بدلا من التركيز على التشريع اللازم لتنمية الاقتصاد الكويتي.
ويقول أعضاء موالون للحكومة ان نظراءهم القبليين وهم من السنة قد يضمرون العداء للأقليات مثل الشيعة ولا يدعمون حقوق المرأة.
وتسببت خطوة تعديل نظام التصويت التي اتخذها الشيخ صباح الذي تحكم أسرته البلاد منذ 250 عاما في خروج عشرات الآلاف من الكويتيين من مختلف الأطياف الى شوارع مدينة الكويت عشية الانتخابات بمن فيهم مواطنون من سكان الحضر.
وقالت الحكومة ان الهدف من التعديل هو جعل نظام الانتخاب مواكبا لأنظمة الدول الديمقراطية بينما ألقى الأمير خطابا يوم 21 نوفمبر»تشرين الثاني حث فيه الكويتيين على التصويت وليس الاحتجاج من أجل التغيير.
وقال الأمير ان أمامنا تحديات خطيرة وحولنا أخطارا شديدة لا بد لنا من التفرغ لمواجهتها.. أمامنا تحديات مكافحة الفساد والاصلاح الشامل لكل أجهزة الدولة.. نظام التعليم والخدمات العامة.. الصحة والكهرباء والماء والمواصلات والطرق وبناء آلاف المساكن لمستحقي الرعاية السكنية وتوفير آلاف فرص العمل لأبنائنا وبناتنا كل عام متناولا قضايا نادى بها مرشحون قبليون وغيرهم في الماضي.
وفي الديوانية قال مطلق المطيري أكبر الحاضرين سنا ان هناك مشكلة كبرى تتمثل في هيكل النظام السياسي.
وأضاف المطيري 75 عاما من المبادئ العالمية أن تتبع الأقلية الأغلبية وليس العكس.
وقال الرجال الحاضرون في الديوانية ان أجهزة الأمن والقضاء تمارس التمييز ضد القبائل.
وقال ماجد العدوني وهو رجل اطفاء 22 عاما كان هناك احتجاج في منطقة الرميثية ولم تكن هناك سيارة شرطة واحدة. فلماذا أتوا الى هنا؟ هل لأننا قبائل أم بسبب أفكارنا السياسية؟
وقال المشاركون في الديوانية ان من الضروري توسيع قاعدة التمثيل في الحكومة.
وقال المحامي جاسر القبائل تمثل 55 بالمئة من الشعب الكويتي لذا لن تستطيع الحكومة قمع القبائل.
AZP02