القمة الإسلامية
عبد الله القاق
المبادرة التي اطلقها جلالة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز لعقد اجتماع لقادة دول منظمة التعاون الاسلامي السبعة والخمسين في مكة يومي الرابع عشر والخامس عشر تهدف الى تعزيز التضامن الإسلامي والعمل على جمع كلمة المسلمين وحل خلافاتهم وخاصة الاضاع المتدهورة في سوريا والتي مضى عليها حوالي تسعة عشر شهراً كما تؤكد ان المملكة العربية السعودية بعمقها الاستراتيجي ومكانتها الدينية في قلوب المسلمين تمثل حصنا لهم في حل قضاياهم وإنهاء خلافاتهم ووحدة كلمتهم.
ولعل استجابة قادة الدول الإسلامية لحضور الاجتماعات في مكة تمثل استجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
والذي سيتمخض عنه قرارات ستكون عملية وجادة لمعالجة الوضع السوري بشكل خاص بالاضافة الى كثير من القضايا الملحة لانها تجيء من المنطلقات العظيمة التي قامت عليها المملكة العربية السعودية في اتخاذ الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.
ومن هذا المنطلق جاءت رؤية المملكة العربية السعودية للتضامن الإسلامي منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود موحد هذا البلد الاسلامي الكبير وراعي التضامن الإسلامي الذي اهتم بكل ما من شأنه وحدة المسلمين وجمع كلمتهم وتوطيد العلاقة الإسلامية فيما بينهم تحقيقا لقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وقوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا .
لقد جاءت تحركات السعودية كما يقول المحلل السياسي عبد العزيز بن صقر من أجل الحفاظ على وحدة الشعب السوري وسلامته، وسيادته، فحين بدأت المواجهات الأولية في درعا، أدركت القيادة السعودية أن هذه المواجهات رغم بساطتها وعزلتها عن باقي أرجاء البلاد، فإنها قد تشكل الشرارة الأولى لانفجار كبير نظرا لطبيعة الوضع المتوتر في سوريا.
لقد دعت القيادة السعودية من بداية الأزمة إلى وجوب التصرف بسرعة وبحكمة للتعامل مع المطالب البسيطة التي طرحها المحتجون، وكان في حينها أقصى ما يمكن أن تقوم به القيادة السعودية هو تقديم النصيحة للقيادة السورية بأن تلتزم بالحكمة في التعامل مع الأحداث، وجاء ذلك ليس تعاطفا مع النظام بل خوفا من المحنة التي قد يواجهها الشعب السوري. لذا فإن الآلية الأولى التي تبنتها القيادة السعودية كانت وسيلة الاتصال المباشر، وفي هذا المجال لم تترك قيادة المملكة بابا إلا وطرقته، فقد تم إرسال مسؤولين سعوديين إلى دمشق بصفة رسمية وغير رسمية للحديث مع القيادات السورية، وانتهى المطاف بسلسلة من الاتصالات التليفونية التي أجراها خادم الحرمين الشريفين للحديث مع الرئيس السوري بشار الأسد لتقديم النصيحة بضرورة التحرك السريع للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية بوسائل مجدية، مع تبني إصلاح يرضي طموحات الشعب السوري، مع تجنب الاستهانة بخطورة الموقف.
والواضح كما يقول رئيس مركز دراسات الخليج عبد العزيز بن صقر كانت جميع ردود فعل القيادة السورية سلبية، وتمثلت إما باتهام الأطراف الناصحة بكونها لا تفهم حقيقية الوضع في سوريا، أو تتهمها بالجهل بطبيعة المجتمع السوري وعلاقته مع النظام، وغيرها من المواقف التي تنم على الاستهتار بالنصائح وبمصادرها، ثم ركزت القيادة السورية على الوعود بتبني سياسة إصلاحية عاجلة وشاملة، ولكن سرعان ما نقضت هذه الوعود وتملصت من جميع الالتزامات، لذا فإن آلية الاتصال المباشر والتي علقت عليها القيادة السعودية بعض الآمال قد اغتيلت على أيدي النظام السوري.
لقد حاولت القيادة السعودية الاستعانة بدعم الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، وتم تداول تطورات الوضع في سوريا ضمن مجلس التعاون وبدعم كبير من الأشقاء الخليجيين، وحاولت قيادات خليجية التواصل مع القيادة السورية للضغط على النظام السوري من أجل التعامل البناء مع الأزمة، وقد واجهت الجهود الخليجية سيلا من الاتهامات، وبموقف سوري متشدد يرفض التعاون، لذا فإن حظوظ نجاح الآلية الخليجية كانت معدومة.
ويتوقع السياسيون في احادثهم لي أن تكتب هذه القمة الاستثنائية التي يشارك فيها جلالة الملك عبدالله الثاني صفحة مجيدة من التاريخ الإسلامي الحديث وإحياء روح الأخوة الإسلامية ونصرة قضايا المسلمين في كل مكان، وتوحيد صفوفهم في هذا الوقت الدقيق وسط المتغيرات المتلاحقة لمواجهة المخاطر التي ألمّتْ بالأمة الإسلامية من احتمالات التجزئة والفتنة في الوقت الذي تحتاج فيه إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة خاصة وإن هذا المؤتمر يعدّ لبنةً صالحةً في استنهاض همم الأمة وقيادتها، وخارطة طريق تضع الأمة على سبيل النهج الصحيح والعمل الدؤوب السليم الذي ينتشلها من أزماتها ويخرجها من مآسيها في تتويج بشرف الزمان وشرف المكان وشرف المناسبة وليس هذا بمستغرب على نهج المملكة العربية السعودية، فقد دأبت منذ عهد المؤسس عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه على تحسس آلام الأمة وآمالها ورعاية قضاياها، فقد دعا الملك عبد العزيز إلى مؤتمر التضامن الإسلامي بمكة المكرمة عام 1346هـ، وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يجدد هذه الدعوة المباركة إحساسا منه بحاجة الأمة إليه حاجة ماسة، حيث إن الأمة تعلق على هذا المؤتمر العظيم الآمال العريضة والطموحات الكبيرة، وإن أعناقها لتشرئب نحو نتائجه المطمئنة وقراراته الصائبة وتوصياته الموفقة.
وقد لوحظ ان تزامن هذه الدعوة المباركة في هذا الشهر الكريم قد مهدت له حملة وطنية لجمع التبرعات لنصرة أشقائنا في سوريا وهذا موقف كريم أغر من مواقف الإحسان والبر والتآزر والتلاحم بين المسلمين.
وهذه الدعوة لخادم الحرمين الشريفين في هذا الظرف الخاص والصعب، تؤكد ان جلالته ينظر بقلق إلى ما آلت إليه الأمور في عالمنا المسلم ويحس بمعاناتها، ويتطلع إلى إيجاد الحلول المنطقية العاجلة لإصلاح شأن المسلمين في أوطانهم ومجتمعاتهم، وخاصة الاوضاع المؤلمة في سوريا والعودة للأخذ بأسباب الوحدة في الصف والكلمة للوقوف بقوة أمام التيارات التي تسعى جاهدة لهدم ما تم بناؤه عبر عشرات السنين، ولصد كل المحاولات التي ما زالت تسعى لبث الفرقة والخلاف والاختلاف.
والواقع إننا نتألم حيث أننا نرى الأماكن التي تشهد قلاقل واضطرابات على مستوى العالم أكثرها مناطق إسلامية من أفغانستان شرقاً إلى الدول الإسلامية في أفريقيا غرباً، هذا فضلاً عن ما يشهده الشعب السوري من قصف وتدمير وما تشهده فلسطين وشعبها من احتلال غاشم للأراضي الفلسطينية من العدو الصهيوني .
الامل كبير في أن يحقق هذا المؤتمر الذي يختتم اعماله اليوم ثماراً يانعة وفق رؤية خادم الحرمين الشريفين الثاقبة التي تهدف إلى خدمة الإسلام والمسلمين وجمع شمل الأمة وحقن دماء أبنائها في سورية وفي غيرها من دول العالم الاسلامي.
/8/2012 Issue 4276 – Date 13 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4276 التاريخ 13»8»2012
AZP07