الشعر بين خبرين

الشعر بين خبرين
عوّاد ناصر
ما صورة الشعر العربي؟
لم تزل الأسئلة محيرة إلا لأولئك الذين يمتلكون الأجوبة كلها على الأسئلة كلها.
شعرنا هو صورتنا هل صورتنا تسر الخاطر كي نكتب شعراً يسر خاطر شعوب مسترخية تقرأ وتتنزه وتمارس الحب وتسهر وتعود آخر الليل لتطئن على أطفال يغطون في نوم الملائكة ليصحوا على صباح المدرسة وقنينة الحليب ونزهة الضحى؟
الأب الشاعر لا يمت بصلة إلى الأب القائد يفتقد الكثير لا استرخاء ولا أطفال نائمين كالملائكة ولا صباح مدرسة آمن بل ثمة أطفال لا يجدون حتى قنينة الحليب.
صورتنا اليومية، شعراً، كي لا أقول الراهنة ولا الأبدية، نقرأها في خبرين
الخبر الأول
تشارك مصر في احتفالية 100 ألف شاعر وموسيقي من أجل التغيير الشهر المقبل، بمناسبة اليوم العالمي للشعر بمشاركة 110 مدن حول العالم.. قالت كرم يوسف مديرة مكتبة الكتب خان في القاهرة التي تتبنى تنظيم الاحتفالية … ستكون مفتوحة أمام المكتبات والمؤسسات والكيانات الثقافية الكبيرة والصغيرة المستقلة وغير المستقلة للاشتراك في هذه الاحتفالية العالمية من أحل إعلاء قيم الحرية والعدل والمساواة رويتر .
الخبر الثاني
الشاعر المصري حسن غازي 55 سنة الذي يصفه الشاعر المصري محمد محمد الشهاوي بأنه أشعر شعراء مصر شاء قدره أن يمر بظروف أسرية قاسية جعلته يعيش حالاً من الفقر والبؤس يفكر معها في بيع درع تكريم استحقها بفضل شاعريته، وجوائز أخرى، وغازي فقد ابنه بسبب الحمى وسجن ابنه الثاني لتورطه في قضية مخدرات وانفصل عن زوجته ويعيش وحيداً . غازي لا يملك ثمن مستلزمات زيارة ابنه السجين وصحته متدهورة، ويقيم وحيدا في شقة للإيجار 200 جنيه شهرياً، ولا شيء يؤنسه سوى كأس شاي .
كرم عطا الله صحيفة الوطن المصرية 27 أغسطس آب 2012.
إذا كانت المفارقة لحظة التوتر بين تناقضين، فثمة التناقض في المفارقة نفسها، وهو تناقض يحيل إلى بؤس الشعر العربي وشعرائه والناطقين باسمه والمتكلين على الإعلام في المهرجان والحساب المالي في البنك ومنصة النجم حتى لو كان نجماً من رماد.
الاحتفالية ستكون مفتوحة، حسب الخبر، أمام المكتبات والمؤسسات والكيانات الثقافية الكبيرة والصغيرة المستقلة وغير المستقلة
لكنك يا حسن يا ابن غازي لست مكتبة ولست مؤسسة ولست كياناً ثقافياً كبيراً ولا صغيراً، رغم أنك، شاعراً، مكتبة ومؤسسة وكياناً ثقافياً كبيراً، لا صغيراً، لأنك شاعر، وأشعر شعراء مصر، اليوم، حسب شهادة زملائك ومواطنيك.. والشاعر كما نعلم مكتبة وكيان ومؤسسة في حد ذاته.
دائماً، ثمة شعراء، لا شاعر واحداً، تقفل في وجوههم الاحتفاليات والمهرجانات لأنهم مستقلون، قولاً وفعلاً، أو غير مستقلين بالمعنى الثقافي المسؤول لانحيازهم إلى الناس ووقوفهم ضد أعداء الناس.
سيحتفلون، يا حسن يا ابن غازي، وستصدح الموسيقى وسيتألق الشعراء في احتفالية كبيرة 100 ألف شاعر وموسيقي يا للرقم المهول ولكنك لن تجد مكاناً يليق بجوعك وألمك وشعرك المعجون من كليهما، ويا لعار 100 ألف شاعر وموسيقي سيبتهجون تحت الأضواء بينما ثمة شاعر لم يجد ما يقيم أوده ليعرض درع تكريمه للبيع، وكأنه يبيع شعره كله.
ليتك بعت شعرك، فعلاً، يا حسن يا ابن غازي، لعشت كما نجوم السينما والغناء لتكف عن الهامش والغبار والصحن الفارغ والشوق إلى الإبناء.
لكنك لن تفعل، فهذا ديدن الشعراء الحقيقيين، الذين لا سلطة لهم غير الشعر، حتى لو كانوا بلا سلطة، أو مطرودين من السلطة، سلطة الاحتفالية والمهرجان والأضواء، لأنهم لا يجيدون التملق وتسويق أنفسهم واللياقة أمام المؤسسات الكبيرة والصغيرة .

/9/2012 Issue 4298 – Date 8 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4298 التاريخ 8»9»2012
AZP09