السيرة الذاتية الروائية المصورة

السيرة الذاتية الروائية المصورة

التحديات والرهانات وضمانات النجاح

محمد سعيد الريحاني

السيرة الذاتية الروائية المصورة، ديوان العرب القادم؟

«السيرة الذاتية الروائية المُصوّرة»، في اللغة العربية، يقابلها في اللغات الغربية مفهومان متباينان: Autobiographical Graphic Novel وPhotoautobiographical Novel. المفهوم الأول يرتبط بتجربة كتابة السيرة الذاتية الروائية «بالرسوم التمثيلية» بحيث يكون الكاتب هو واضع الرسوم. أما المفهوم الثاني، فيرتبط بتجربة جديدة في كتابة السيرة الذاتية حيث تكون الصورة الفوتوغرافية (وليست الرسوم) هي مولدة النص وقائدته دون إلغاء النصوص أو الهيمنة عليها أو حتى تزيينها بحيث تبدو «إضافية» وغير «عضوية».

بالنسبة للمفهوم الأول من السيرة الذاتية الروائية المصورة، Autobiographical Graphic Novel، فقد سبق أن أصدر الكاتب الأمريكي آرت سبيغلمان Art Spiegelman عمله “ماوس” Maus في الثمانينيات من القرن العشرين. وهي سيرة ذاتية مصورة عن تجربة والده خلال المحرقة النازية (الهولوكوست)، وقد حازت على جوائز مهمة وعديدة. كما أصدرت الكاتبة الإيرانية مارجان ساترابي Marjane Satrapi سنة 2000 سيرتها الذاتية المصورة «بيرسيبوليس» Persepolis التي تعتبر من الأعمال البارزة في هذا المجال. وفي سنة 2006، أصدرت أليسون بيكديل Alison Bechdel عملها Fun Home. وهو سيرة ذاتية مصورة عن طفولتها وعلاقتها مع والدها.

أما بالنسبة للمفهوم الثاني من السيرة الذاتية الروائية المصورة، Photoautobiographical Novel، فعلى الثقافة العربية أن تفتخر بكونها أول ثقافة أنتجت أول سيرة ذاتية روائية مُصورة في تاريخ الأدب والفن العالميين، «كانت أمنيتي أن أكمل الحكاية». وهي من حيث التجنيس، «فوتوأوتوبيوغرافيا روائية»

يجمع شكلها التعبيري بين النص الأدبي والصورة الفوتوغرافية لسرد تجربة شخصية في قالب روائي. إنه نوع من أنواع السرد البصري الذي يعتمد على تداخل الصورة مع النص الروائي في سياق السيرة الذاتية.

وبالتركيز على السياق العربي، فما يميز «كانت أمنيتي أن أكمل الحكاية» هو كونها من الأعمال الرائدة في هذا المجال في الأدب العربي المعاصر. فالسيرة الذاتية المصورة كشكل فني لم تكن شائعة في الأدب العربي المعاصر ولا زالت غير ذلك لحد الساعة. لكنها تأتي في سياق الجموح العربي نحو توثيق المرحلة الراهنة سرديا من خلال السيرة الذاتية الروائية كتجارب إبراهيم الكوني وواسيني الأعرج وإبراهيم نصر الله ورضوى عاشور وليلى أبو زيد وأحلام مستغانمي وغيرهم. وهذا ما يجعل الكثيرين يؤمنون بأن «السيرة الذاتية الروائية» هي «ديوان العرب» الجديد خاصة وأن تجميع السيرة الذاتية الروائية بين الواقعي والتخييلي يتيح مساحة للتعبير عن تعقيدات الهوية والذات العربية في سياق التحولات المعاصرة بطريقة قد تتجاوز قدرات الأشكال الأدبية التقليدية. ولكنها لحد الساعة لم تتجاوزها بسبب بقاء الأشكال الأدبية القديمة الأخرى على تأثيرها وحيويتها في المشهد الثقافي العربي، حفاظ الشعر على حضورًا قويًا في الوجدان العربي، وتنوّع أشكال التعبير الأدبي بتنوع السياقات الثقافية في العالم العربي.

هذا حال السيرة الذاتية الروائية العربية، اليوم. أما غدا، فربما رفعت السيرة الذاتية الروائية المصورة (أو الفوتوأوتوبيوغرافيا الروائية) سقف التطلعات ووسعت هامش الرؤية والتطلعات وطورت أساليب عمل جديدة وصارت «ديوان العرب» الجديد. وهو تنبؤ يحمل قدرًا من الصحة في إشارته إلى التحول الثقافي دون المبالغة في تصوير السيرة الذاتية الروائية المصورة كبديل كامل لفن الشعر أو باقي الأشكال الأدبية الأخرى. فالتأثير البصري في الثقافة المعاصرة عامل من العوامل المساعدة والسرد المصور يتماشى مع تحولات المتلقي العربي نحو الثقافة البصرية. والرغبة في تجاوز محدودية اللغة، خاصة في سياق التجارب الشخصية المعقدة، قد تساعدها الصورة على إيجاد مساحة للتعبير عندما تعجز عن التعبير اللغة وحدها. كما أن الجيل الجديد من القراء قد يجد الشباب في هذا النوع السردي المصور تعبيرًا أقرب إلى تجاربهم وطرق تلقيهم للمعرفة.

قد يحاج البعض بأن التنوع الثقافي في العالم العربي أكبر من أن يختزل في نمط واحد، وأن استمرار الأشكال التقليدية (كالشعر والرواية) لا زال يعيش عصر الازدهار، كما أن محدودية انتشار هذا النوع الروائي المصور مقارنة بالأنواع الأدبية الأخرى فضلا عن تحديات النشر والتوزيع التي تواجه الأعمال المصورة عادة كلها مؤشرات سلبية. لكن السيرة الذاتية الروائية المصورة تبقى، في جميع الأحوال، ممثلا لاتجاه مبتكر ومهمّ في المشهد الثقافي العربي، وإن كان وصفها بأنها «ديوان العرب القادم» تعبيرًا مجازيًا أكثر منه تنبؤًا دقيقًا بمستقبل الأدب العربي.

شروط تأسيس السيرة الذاتية الروائية المصورة:

تتطلب مرحلة التأسيس لتقليد كتابة السيرة الذاتية الروائية المصورة   في المشهد الأدبي العربي عدة مستويات من العمل. فعلى المستوى التأصيلي والنظري، وجب وضع إطار نظري عربي خاص بهذا النوع يستفيد من التجارب العالمية مع مراعاة الخصوصية الثقافية، وإعداد دراسات نقدية تؤسس لقراءة هذا النوع وتحليله وتقييمه، وتطوير مصطلحات نقدية باللغة العربية تلائم خصوصية التداخل بين النص والصورة.

أما على مستوى المؤسسات الثقافية، فوجب تخصيص جوائز أدبية تعترف بهذا النوع الأدبي، مع دعم الناشرين المهتمين بإصدار أعمال تنتمي لهذا النوع رغم تكلفة الطباعة الملونة، وتنظيم ورش عمل متخصصة تجمع بين الكتابة والتصوير، وكذا تخصيص مساحات في المعارض والمهرجانات الأدبية لهذا النوع الأدبي-الفني الوليد.

أما على مستوى التقنيات والمهارات، فوجب تدريب الكتّاب على تقنيات التصوير الفوتوغرافي والتحرير البصري، وتطوير مهارات التكامل بين السرد النصي والسرد البصري، ودعم التمكن من تقنيات النشر الرقمي المناسبة لهذا النوع من الكتابة الأدبية-الفنية.

أما على مستوى الجمهور والتلقي، فوجب تطوير ثقافة القراءة البصرية-النصية لدى المتلقي العربي، وخلق منصات رقمية متخصصة تتيح مشاركة هذه الأعمال ومناقشتها، وكذا تشجيع التفاعل النقدي مع هذا النوع من خلال الندوات والمناقشات العامة.

وعلى مستوى التبادل المعرفي، وجب ترجمة التجارب العالمية الرائدة في هذا المجال إلى اللغة العربية، ثم تعريف العالم بالتجارب العربية من خلال الترجمة والمشاركة في المحافل الدولية، مع تبادل الخبرات بين المبدعين العرب عبر اللقاءات والمشاريع المشتركة.

هذه المقومات مجتمعة يمكن أن تشكل بيئة داعمة لتطور السيرة الذاتية الروائية المصورة، وتعزز حضورها كشكل أدبي يعبر عن الهوية والتجربة العربية المعاصرة بلغة بصرية-نصية متكاملة.

تحديات كتابة السيرة الذاتية الروائية المصورة:

تواجه كتابة السيرة الذاتية الروائية المصورة  ، عدة تحدّيات مهمة. منها ما يندرج ضمن التحدّيات الفنية والتقنية، ومنها ما ينضوي تحت يافطة التحديات السردية، ومنها ما يندرج ضمن التحديات الثقافية. فبالنسبة للصنف الأول من التحديات، التحديات الفنية والتقنية، يطل تحدّي الموازنة بين النص والصورة برأسه من عل مطالبا بإيجاد التوازن المناسب بين السرد النصي والتمثيل البصري، بحيث يكمل كل منهما الآخر دون طغيان أحدهما على الآخر. التحدي الثاني ضمن هذا الصنف من التحديات الفنية والتقنية هو تحدّي اختيار اللحظات المناسبة للتصوير بحيث تحدّد المشاهد والأحداث التي تستحق التمثيل البصري وكيفية تصويرها بشكل يخدم السرد. أما التحدّي الثالث فهو تحدّي تحويل الذكريات والمشاعر الداخلية إلى عناصر بصرية. وهو تحدٍّ خاص في تصوير الأفكار والمشاعر المجردة.

أما الصنف الثاني من التحديات التي تواجه كتابة السيرة الذاتية الروائية المصورة  ، فهو التحدّيات السردية. وينتمي إلى هذا الصنف تحدي الصدق والموضوعية من خلال كيفية الموازنة بين الذاتية الضرورية للسيرة والموضوعية المطلوبة للتوثيق. كما ينتمي إليه تحدي اختيار الأحداث من خلال انتقاء الوقائع والذكريات المهمة التي تشكل محطات أساسية في حياة الكاتب. وينتمي إليه أيضا تحدّي الحفاظ على التسلسل الزمني من خلال تنظيم الأحداث بشكل متماسك مع إمكانية استخدام تقنيات مثل الاسترجاع والاستباق.

أما الصنف الثالث من التحدّيات التي تواجه الفوتوأوتوبيوغرافيا الروائية، فهي التحديات الثقافية. وأول هذه التحديات تحدي مراعاة السياق الاجتماعي من خلال تقديم التجربة الشخصية ضمن إطارها الثقافي والاجتماعي. ثان هذه التحديات الثقافية هو تحدي احترام خصوصية الآخرين من خلال الموازنة بين حق الكاتب في سرد قصته وحقوق الشخصيات الأخرى التي تظهر في السيرة.

إمكانات انطلاق السيرة الذاتية الروائية المصورة نحو آفاق الذيوع والانتشار:

من منظور فلسفي صرف، يمكن اعتبار كتابة السيرة الذاتية الروائية المصورة   ذات جدوى كبيرة. إذ تتيح استكشاف مجموعة واسعة من المفاهيم الفلسفية الأساسية كمفاهيم استكشاف الذات والهوية، والتوقف عند مفهوم الزمن والوجود، واستكشاف العلاقة بين الواقع والخيال أو بين الحقيقة والزيف، والتعبير عن التجربة الإنسانية، واستكشاف العلاقة بين الفرد والمجتمع.وبالبدء من المفهوم الأول، مفهوم استكشاف الذات والهوية، تتيح السيرة الذاتية الروائية المُصورة   فرصة للتأمل في مفهوم الذات والهوية، وكيف يتشكلان عبر الزمن والتجارب. كما يمكن من خلال هذا النوع من الكتابة استكشاف العلاقة بين الذاكرة والهوية، وكيف تؤثر الذكريات على فهمنا لذواتنا. ومن خلال المزج بين النص والصورة، يمكن للكاتب أن يعبر عن جوانب مختلفة من هويته، وأن يسلط الضوء على التناقضات والتغيرات التي تطرأ عليها.أما التأمل في مفهوم الزمن والوجود، فيمنح السيرة الذاتية الروائية المصورة فرصة للتأمل في مفهوم الزمن، وكيفية اشتغاله وطريقة اختباره. إذ يمكن من خلال هذا النوع من الكتابة استكشاف العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وكيف يؤثر الماضي على حاضرنا ومستقبلنا. كما يمكن للكاتب أن يعبر عن تجربته الوجودية، وأن يسلط الضوء على الأسئلة الأساسية حول معنى الحياة والموت.

كما تسمح السيرة الذاتية الروائية المُصورة   باستكشاف العلاقة بين الواقع والخيال من خلال المزج بين السيرة الذاتية المصورة (أو الموثقة) والرواية، يمكن للكاتب أن يستكشف العلاقة بين الواقع والخيال وأشكال تداخلهما في التجربة الإنسانية.

كما يمكن للكاتب أن يعبر عن رؤيته الخاصة للواقع، وأن يسلط الضوء على الجوانب الخفية أو المنسية من تجربته مثلما يمكنه أن يستخدم الخيال لإعادة تشكيل الماضي، أو لاستكشاف الاحتمالات المستقبلية.

من جهة أخرى، تتيح كما تسمح السيرة الذاتية الروائية المُصورة   فرصة التعبير عن التجربة الإنسانية بكل تعقيداتها وتناقضاتها. إذ يمكن للكاتب أن يعبر عن مشاعره وأفكاره وتجاربه الشخصية، وأن يسلط الضوء على الجوانب العالمية للتجربة الإنسانية. كما يمكن للكاتب أن يستخدم الأدب والفن للتعبير عن قضايا فلسفية أساسية، مثل الحرية، والمسؤولية، والمعنى.

أما الإمكانية الخامسة المتاحة في مغامرة كما تسمح السيرة الذاتية الروائية المُصورة  ، فهي إمكانية استكشاف العلاقة بين الفرد والمجتمع. إذ يمكن للسيرة الذاتية الروائية المصورة أن تسلط الضوء على العلاقة بين الفرد والمجتمع، وكيف يؤثر المجتمع على حياة الأفراد. كما يمكن للكاتب أن يعبر عن تجربته في التفاعل مع المجتمع، وأن يسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية التي تهمه. لذلك، يمكن القول بأن كتابة السيرة الذاتية الروائية المصورة تمثل فرصة فريدة لاستكشاف مجموعة واسعة من المفاهيم الفلسفية الأساسية، والتعبير عن التجربة الإنسانية بطريقة مبتكرة وعميقة.

رهانات السيرة الذاتية الروائية المصورة:

قد تكون السيرة الذاتية الروائية المصورة وسيلة لحوار الكاتب مع ذاته، معيدا تقييم حياته وإبداعه. كما قد تكون كذلك وسيلة لحوار الكاتب مع العالم، مقدما رؤيته للقضايا التي تؤثر على المجتمع والإنسانية بشكل عام. ولكن هتان الوسيلتان لا يمكنهما تغطية الرهانات التي من أجلهما صيغ مشروع السيرة الذاتية الروائية المصورة. الاهتمام بجنس أدبي جديد مثل السيرة الذاتية الروائية المصورة ينبع من عدة غايات وأهداف، سواء على المستوى الأدبي أو الثقافي أو الاجتماعي.

فرهانات السيرة الذاتية الروائية المصوّرة يمكن أن تُفهم من خلال عدة أبعاد أدبية وفنية وثقافية وحتى شخصية. فرهاناتها تستهدف أول ما تستهدف التأريخ التجارب الإنسانية من خلال توثيق الذاكرة باستخدام السيرة الذاتية الروائية المصورة كوسيلة لتوثيق الذكريات الشخصية والتاريخية، ومن خلال حفظ التراث عبر تسجيل التجارب الإنسانية والثقافية بطريقة مرئية يمكن أن تكون أكثر ديمومة وتأثيرًا. إنها تتقصّدُ توثيق تجربة إبداعية فريدة سواء في الكتابة أو في الحياة بشكل عام، وتعزيز الهوية الثقافية المغربية والعربية على السواء من خلال تقديم سيرة ذاتية تعكس تجربة الكاتب العربي في عالم متعدد الثقافات، وطرح قضايا إنسانية واجتماعية مهمة مثل قضايا الحرية والإبداع والهوية، أو تحديات أخرى يواجهها المبدعون في العالم العربي.

أما من جهة تأثير السياقات الثقافية والتاريخية، فتتغيّا السيرة الذاتية الروائية المصورة دراسة إمكانيات الثقافة المحلية والعالمية التأثير على شكل ومضمون السيرة الذاتية الروائية المصوّرة، واستخدامها كجسر بين الثقافات، خاصة في تمثيل تجارب الأقليات أو المجتمعات المهمشة ما دام بإمكان الصور نقل الثقافات والتجارب الإنسانية بشكل أكثر فعالية، خاصة في سياقات العولمة. ويؤازر هذا المحورَ ويتمّمُهُ المحورُ السادسُ، محور تطوير الأدب كأداة للتغيير الاجتماعي، من خلال رفع سقف الوعي باستخدام السيرة الذاتية الروائية المصورة لتسليط الضوء على قضايا اجتماعية أو سياسية أو تاريخية كتمكين الأصوات المهمشة من التعبير وإسماع الصوت وإعطاء الكلمة لأولئك الذين لا يتم تمثيلهم بشكل كافٍ في الأدب التقليدي، مثل النساء، الأقليات، أو الأشخاص ذوي الإعاقة.

هذا على مستوى المحتوى. أما على مستوى الشكل، فتستهدف السيرة الذاتية الروائية المصورة تجاوز الشكل التقليدي للسيرة الذاتية من خلال تقديم سيرة ذاتية مختلفة عن النمط التقليدي، باستخدام الرواية المصورة Graphic Novel كوسيلة تعبير جديدة تجعل السيرة الذاتية أكثر جاذبية للقراء، وتفتح آفاقًا جديدة في عالم الأدب، وتكسر الحواجز بين الأنواع الأدبية (كالرواية، السيرة الذاتية، القصة المصورة) لتقديم تجارب قرائية مبتكرة، وتجمع بين الأدب والفن البصري لخلق أشكال تعبيرية جديدة تثري المشهد الثقافي، وتدمج الفنون لتوسّع بذلك حدود الأدب والفن. إنه البحث الدؤوب عن التجريب والابتكار على مستويي الشكل والمحتوى لتجريب أشكال جديدة من السرد البصري واستكشاف مواضيع جديدة وأساليب مبتكرة في السرد.

تستهدف السيرة الذاتية الروائية المصورة أيضا التفاعل مع جمهور القراء بشكل جديد ومبتكر من خلال التجريب الفني والأدبي لتحقيق هدفين. الهدف الأول هو التأثير على القارئ لمساعدته على تفسير العمل المصور بشَكلٍ مختلف بناءً على خلفيه الثقافية. أما الهدف الثاني فهو الوصول إلى قاعدة أكبر من القراء ممن لا ينجذبون إلى الكتب النصية التقليدية. فالأعمال المصورة يمكن أن تكون أكثر سهولة في الفهم، خاصة بالنسبة للقراء الذين يواجهون صعوبات في القراءة أو الذين يفضلون الوسائط البصرية. كما أن التكيف مع التغيرات الثقافية صار ضرورة كما صارت معها الاستجابة للتغيرات في عادات القراءة والاستهلاك الثقافي مطلبا من مطالب الحياة اليومية قبل الحياة الثقافية.

مقترحات لتطوير نوع السيرة الذاتية الروائية المصورة:

ولتطوير نوع السيرة الذاتية الروائية المصورة، وجب التركيز على عدة محاور نظرية تساهم في إثراء هذا النوع الأدبي وتعزيز مكانته في الأدب والفن مثل محور التفاعل بين النص والصورة من خلال دراسة التكامل البصري-السردي دراسة دقيقة تحلل كيفية تفاعل النص مع الصور لإيصال المعنى وكيف يمكن للصورة أن تُعزّز أو تُحوّل السّرد. فالجمع بين الأدب والفن البصري يخلق أشكال تعبيرية جديدة تثري المشهد الثقافي. المحور الثاني هو محور تحقيق التوازن بين العناصر النصية والعناصر المصورة لضمان تحقيق توازن بين النص والصورة بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر. أما المحور الثالث، فهو الهوية والسرد الذاتي الذي يتجلى في تمثيل الذات كيف يمكن للصورة أن تعكس الهوية الشخصية والثقافية للكاتب، كما يتجلى في التفاعل بين الشخصي والعام من خلال ربط السيرة الذاتية بالسياقات الاجتماعية والسياسية الأوسع. المحور الرابع، محور التقنيات الفنية والجمالية، لدراسة تأثير الأسلوب الفني (مثل الواقعية، التجريد، الكاريكاتير) على إدراك القارئ ودراسة استخدام التصميم والتركيب البصري لخلق تجربة قراءة ممتعة ومؤثرة، وتتبع أثره في تعميق التأثير العاطفي من خلال استثمار الصور لتعزيز التأثير العاطفي للنص وجعله أكثر قوة وتأثيرًا على القارئ.

ضمانات نجاح مشروع السيرة الذاتية الروائية المصورة عربيا:

لضمان نجاح السيرة الذاتية الروائية المصورة  ، يجب الأخذ في الاعتبار عدة عوامل فنية وأدبية وتسويقية. هذه الضمانات تشمل جوانب تتعلق بالإبداع في الشكل والمضمون، وجودة المحتوى الأدبي، وجودة الصور، والصدق في التجربة الشخصية، الانفتاح الواعي على السياق الثقافي والاجتماعي والتكيف معه، والتفاعل مع جمهور القراء والنقاد، التسويق الذكي والنشر المنخرط في المشروع الثقافي، والتعاون بين الكاتب المبدع والفنان المصور، المراجعة والتنقيح، والاستمرارية والتطوير.

فمن جهة جودة المحتوى الأدبي، يمكن اعتبار السرد القوي والمتماسك ضمانة لنجاح السيرة الذاتية الروائية المصورة.  فالبنية السردية الواضحة والمشوقة للنص مع تطور الشخصيات والأحداث تجذب القارئ وتتملكه. كما أن العمق الفكري والعاطفي للفوتوأوتوبيوغرافيا الروائية قد يشكل ضمانة إضافية للنجاح حين تعكس هذا النص تجارب إنسانية عميقة، سواء كانت شخصية أو مرتبطة بسياقات اجتماعية أو تاريخية. وبالمثل، مكن اعتبار جودة الصور ضمانة نجاح آخر لهذا الفن الوليد إذا ما قرن بجودة الأسلوب وتميزه وبالتكامل بين النص والصورة بحيث تكمّل الصور النص وتترفع عن أن تكون مجرد إضافة زخرفية، فتعزز المعنى وتعمق التأثير العاطفي.

الضمانة الثانية لنجاح السيرة الذاتية الروائية المصورة هي الابتكار في الشكل والمضمون من خلال تجريب أشكال جديدة كاستخدام تقنيات مبتكرة في السرد البصري، مثل اللعب بالألوان، الأشكال، والتركيبات الفنية؛ أو تجريب مواضيع مبتكرة كاستكشاف مواضيع غير تقليدية أو تقديم زوايا جديدة لمواضيع مألوفة.

يبقى الصدق في التجربة الشخصية شرطا أساسيا في كتابة السيرة الذاتية الروائية المصورة قبل أن يكون ضمانة من ضمانات نجاحها وذيوع صيتها. الصدق في الفوتوأوتوبيوغرافيا الروائية يتجلى في التجارب الحقيقية والصادقة موضوع السيرة، مما يجعلها قريبة من القارئ ومؤثرة فيه. كما أن الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة تجعل السيرة أكثر واقعية وأكثر إقناعا.

قد يشكل تصميم النص السير-ذاتي الروائي المصور لملاءمة اهتمامات فئات عمرية وثقافية مختلفة عنصرا هاما من عناصر التفاعل مع الجمهور بحيث ينفتح على جمهور متنوع ومتعدد ويخلق ارتباطا عاطفيًا مع القارئ، مما يزيد من تفاعله مع العمل. وهذا ما لا يمكن تحقيقه دون إشراك السياق الثقافي والاجتماعي. إذ تعكس السيرة الذاتية الروائية المصورة قضايا أو تجارب مرتبطة بالواقع الاجتماعي أو الثقافي، مما يجعلها أكثر ارتباطا بالواقع وبالتالي أكثر صلة بالجمهور. وقد يفيد هنا تمثيل الأصوات المهمشة فائدة كبيرة. إذ أن إعطاء صوت لمن لا يتم تمثيلهم بشكل كافٍ في الأدب التقليدي ينتهي بدفع النص السير-ذاتي الروائي المصور برمته إلى الأعلى.

ويعتبر التعاون بين الكاتب والفنان ضمانة لا يمكن القفز فوقها لإنجاح المشروع الفوتوأوتوبيوغرافي الروائي. فالتعاون الوثيق بين الفاعلين الرئيسيين في المشروع أساسي وبديهي ومحيد عنه لضمان تكامل النص مع الصور وضمان رؤية مشتركة بين الكاتب والفنان لتشكيل رؤية موحدة للعمل تضمن اتساقه وجودته.

الاستجابة للنقد والانفتاح عليه ضمانة أخرى من ضمانات إنجاح مشروع السيرة الذاتية الروائية المصورة. فتقبل النقد البناء واستخدامه لتطوير الأعمال المستقبلية، والتفاعل مع القراء من خلال الرد على تعليقات القراء وملاحظاتهم يساهم في بناء علاقة قوية مع الجمهور. وهي، وإن كانت ضمانة من ضمانات النجاح، فهي أيضا مرحلة من مراحل نضج المشروع السّيري الروائي المُصوّر التي تتبعها مرحلة/ضمانة المراجعة والتحرير. فالمراجعة الدقيقة ضمانة خلوّ العمل من الأخطاء الأدبية والفنية قبل النشر، والتغذية الراجعة من خلال التفاعل مع القراء والنقاد تحسن العمل قبل إطلاقه.

أما ضمانة الاستمرارية والتطوير والتسويق الذكي والنشر المنخرط في المشروع، فربما كانت أهم ضمانات نجاح النص الفوتوأوتوبيوغرافي الروائي على الإطلاق. فمن جهة ضمانة الاستمرارية والتطوير، ربما ساهم إنتاج أعمال متتابعة، في حالة نجاح العمل الأول، في تطوير سلسلة من الأعمال التي تبني على نفس النمط، أو نفس الموضوع. وربما ساهم أيضا التجريب المستمر للأشكال والمواضيع في إبقاء الجمهور مُهتمًا بالتجربة. أما من جهة التسويق والنشر، فمن خلال استراتيجية تسويقية قوية كاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، المعارض الفنية، والمهرجانات الأدبية للترويج للعمل؛ أو كالنشر الرقمي عبر الاستفادة من المنصات الرقمية لنشر العمل، خاصة مع تزايد شعبية الكتب الإلكترونية والمجلات المصورة على الإنترنت.

بالمختصر المفيد، نجاح السيرة الذاتية الروائية المصورة يعتمد على توليفة من الإبداع والجودة الفنية والتفاعل مع الجمهور والتكيف مع التغيرات الثقافية والتكنولوجية غيرها. فمن خلال التركيز على هذه الضمانات، يمكن لهذا الجنس الأدبي الوليد، السيرة الذاتية الروائية المصورة  ، أن يجد مكانة مهمة في المشهد الثقافي المعاصر.

درجات النجاح والفشل في إرساء قواعد كتابة الفوتوأوتوبيوغرافيا الروائية:

تقييم درجة النجاح أو الفشل في مهمة التأسيس للسيرة الذاتية الروائية المصورة في السياق العربي يتطلب النظر إلى عدة معايير، بما في ذلك الأهداف التي قد يكون المؤلف قد وضعها لنفسه، وردود الأفعال النقدية والجماهيرية، والتأثير الثقافي والأدبي للعمل.

بالنسبة لدرجات النجاح، ثمة عدة مؤشرات. المؤشر الأول لنجاح التجربة هو مؤشر التجديد في الشكل الأدبي بنية تجاوز الشكل التقليدي للسيرة الذاتية والسيرة الذاتية الروائية، مما قد يجعل العمل أكثر جاذبية للقراء ويفتح آفاقا أرحب لأشكال التعبير في عالم الأدب. المؤشر الثاني هو مؤشر توثيق التجربة الإبداعية أو السياسية أو الشخصية وتذويبها في القالب الأدبي الفني للفوتوأوتوبيوغرافيا الروائية لجعلها مصدر إلهام للجيل القادم من كتاب النوع الوليد. المؤشر الثالث هو مؤشر التعبير عن الذات والتجارب الإنسانية بكل صدق وعمق، وتقديم رؤية شخصية للعالم تساهم في فهم العلاقات الاجتماعية والتفاعلات الإنسانية، وتسلط الضوء على تأثير المجتمع على حياة الأفراد.  المؤشر الرابع هو مؤشر تعزيز الهوية الثقافية من خلال تسليط الضوء على الهوية العربية والثقافة العربية والتاريخ العربي. المؤشر الخامس هو طرح القضايا الإنسانية والاجتماعية بشكل مؤثر وإثارة النقاش حولها. المؤشر السادس هو مؤشر التفاعل مع الجمهور والدفع في أفق تأسيس قاعدة قرائية عريضة.

أما بالنسبة لدرجات الفشل في تحقيق أهداف المشروع الفوتوأوتوبيوغرافي الروائي، فثمة تحديات فنية تتمثل في تحدي عدم دمج النص والصور بشكل متناغم يفقد بموجبه العملُ قوتَه الفنية والأدبية خاصة إذا كانت الصور لا تعزز النص بشكل كافٍ. يضاف إلى ما سبق تحدي صعوبة التمييز بين الواقع والخيال

في الفوتوأوتوبيوغرافيا الروائية ما دام العمل يجمع بين دفتيه السيرة الذاتية والرواية والتوثيق المصور حيث تنشط عناصر تخييلية أو سردية بهدف تعزيز الجانب الأدبي. كما أن الفوتوأوتوبيوغرافيا الروائية تحمل طابعًا ذاتيًا قويًا، مما قد يؤثر على موضوعية التوثيق التاريخي ويستدعي التحقق من المعلومات المقدمة ومقارنتها بمصادر أخرى.

كما يمكن إدراج ضمن عوامل إفشال المشروع ردود الفعل النقدية السلبية حول الجوانب الفنية أو الأدبية إذا لم يتم استقبال العمل بشكل جيد من قبل النقاد. كما أن العمل الفوتوأوتوبيوغرافي إذا لم ينجح في إحداث تأثير ثقافي كبير، فقد يعتبر ذلك فشلًا نسبيًا يضاف إليه تحدي العجز في الوصول إلى الجمهور المستهدف إذا كانت نسبة القراء من الفئة المستهدفة منخفضة، خاصة وأن هذا النوع الأدبي الوليد يحتاج إلى جمهور خاص.

خاتمة:

 وما بين درجات نجاح المشروع الفوتوأوتوبيوغرافي ودرجات فشله، يبقى التقييم النهائي للتجربة الوليدة معتمدا على قراءة العمل نفسه وتحليله بشكل تفصيلي من قبل النقاد والمتخصصين في الأدب والفن. فلربما كانت درجات نجاح المشروع أكبر بكثير من درجات فشله مادام يقدم عملا إبداعيا مبتكرا يجمع بين الأدب والفن، بين الذاكرة والتاريخ. فبالرغم من بعض نقاط الضعف الممكنة، فإن السيرة الذاتية الروائية المصورة بمفهومها تمثل إضافة قيمة إلى الأدب العربي كما تساهم في فهمنا للتاريخ والمجتمع العربيين. إن الاهتمام بهذا النوع الأدبي الوليد، السيرة الذاتية الروائية المصورة، ليس مجرد تطور أدبي، بل هو محاولة لتوسيع آفاق التعبير الإنساني، وتعزيز التفاعل بين الثقافات، وجعل الأدب أكثر شمولية وتأثيرًا في المجتمع.