بيروت (لبنان) (أ ف ب) – أعلنت الحكومة اللبنانية الجمعة أن الجيش سيبدأ بتنفيذ خطة نزع سلاح حزب الله وفق إمكاناته “المحدودة”، مع الإبقاء على مضمونها “سريا”، وذلك في ختام جلسة خصّصت لمناقشة هذه القضية الشائكة التي يرفضها حزب الله تماما.
وردا على أسئلة الصحافيين في ختام جلسة مجلس الوزراء التي عرض فيها قائد الجيش خطة نزع السلاح، أكد وزير الإعلام بول مرقص أن “الجيش اللبناني سيباشر بتنفيذ الخطة، لكن وفق الإمكانات المتاحة التي هي إمكانات لوجستية ومادية وبشرية محدودة بالنهاية”، بدون أن يتطرق إلى مهل زمنية.
لكن الحكومة اللبنانية كانت مطلع آب/أغسطس قد وضعت مهلة حتى نهاية العام الجاري لتطبيق الخطة التي كلّفت الجيش إعدادها، على وقع ضغوط أميركية، وتخوّف من أن تنفّذ إسرائيل تهديدات بحملة عسكرية جديدة بعد أشهر على انتهاء مواجهة دامية بينها وبين حزب الله استمرت نحو سنة.
وبعد نحو ثلاث ساعات من المناقشات بغياب الوزراء الشيعة، رحّبت الحكومة وفق بيان تلاه وزير الإعلام بخطة الجيش “تطبيق قرار بسط سلطة الدولة بقواتها الذاتية وحصر السلاح بيد السلطات الشرعية”.
لكن المجلس قرّر وفق البيان “الابقاء على مضمون الخطة ومداولاته بشأنها سريا، على أن ترفع قيادة الجيش تقريرا شهرياً بهذا الشأن إلى مجلس الوزراء”. وأوضح مرقص أن التقرير يتعلق بـ”بيان كيفية التنفيذ”.
-وقف إطلاق النار-
تضع الحكومة قرارها الذي وصفه خصوم الحزب والموفد الأميركي توم باراك بأنه تاريخي، في إطار تطبيق التزاماتها في اتفاق وقف اطلاق النار الذي أبرم بوساطة أميركية وأنهى الحرب بين حزب الله واسرائيل في 27 تشرين الثاني/نوفمبر. ونصّ على حصر حمل السلاح بالأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية الرسمية.
ونصّ الاتفاق على وقف العمليات الحربية بين إسرائيل وحزب الله وانسحاب إسرائيل من المواقع التي تقدّمت اليها خلال الحرب الأخيرة.
إلا أن إسرائيل احتفظت بخمسة مواقع في جنوب لبنان، وتواصل تنفيذ غارات جوية شبه يومية على مناطق مختلفة في لبنان، مشيرة الى انها تستهدف مخازن اسلحة لحزب الله وقياديين فيه.
وأشار مرقص إلى أن قائد الجيش تطرق إلى “تقييدات” تتعلق بتنفيذ الخطة أبرزها “الاعتداءات الاسرائيلية”.
ووافقت الحكومة في آب/أغسطس كذلك على أهداف وردت في ورقة أميركية، كان باراك حملها الى المسؤولين في وقت سابق، تشمل تفاصيل حول جدول وآلية نزع الترسانة العسكرية، وتنصّ كذلك على انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس.
واعتبرت الحكومة في بيانها أن “الطرف الاسرائيلي لم يبد حتى الآن أي التزام” بمضمون الورقة الأميركية “ولم يتخذ خطوات مقابلة”، مقابل التزام لبنان. ورهنت أي تقدّم في تنفيذ ما ورد فيها “بالتزام الأطراف الأخرى وفي مقدمتها اسرائيل”.
وكثّفت إسرائيل خلال اليومين الماضيين غاراتها على جنوب لبنان، ما تسبّب بمقتل خمسة أشخاص.
ويقول الباحث في الشأن اللبناني لدى مجموعة الأزمات الدولية ديفيد وود لوكالة فرانس برس “إسرائيل تحاول إيصال رسالة مفادها أن الإجراءات الملموسة بشأن نزع السلاح، وليس الوعود أو الأقوال، هي ما سيؤدي الغرض”.
-انسحاب-
يتهم حزب الله الحكومة بتنفيذ توجيهات اميركية وإسرائيلية حول هذا الموضوع. ودعا الأربعاء الحكومة إلى أن “تتراجع” عن قرارها.
وبعيد بدء الجلسة وانضمام قائد الجيش اليها، انسحب الوزراء الشيعة الخمسة، بينهم أربعة وزراء محسوبون على حزب الله وحليفته حركة أمل.
وبعيد انسحابهم، قال وزير العمل محمد حيدر المحسوب على حزب الله في تصريح لقناة المنار التابعة للحزب “عندما طلب من قائد الجيش عرض الخطة انسحبنا انسجاما مع موقفنا”، في إشارة إلى معارضتهم قرار الحكومة الذي اتخذ في آب/أغسطس.
وكان الوزراء الشيعة انسحبوا أيضا من جلسة آب/أغسطس.
وكان حزب الله التنظيم العسكري الوحيد خارج القوى الشرعية الذي احتفظ بالسلاح بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، بحجة “مواجهة اسرائيل”.
وتشكّل مسألة نزع سلاحه قضية شائكة في لبنان منذ عقود. وتسبّبت بأزمات سياسية متتالية وعمّقت الانقسامات الطائفية والسياسية.
وانتشرت في الأيام الأخيرة في شوارع بيروت صور تجمع رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام كتب عليها “كلنا معكم، جيش واحد، سلاح واحد، دولة واحدة، عهد جديد للبنان”.
إلا أن لبنان المتعدّد الطوائف والأحزاب والمذاهب ينقسم كما دائما حول هذه المسألة الحساسة.
في شارع الحمرا في غرب بيروت، قال عبد الرحمن طرابلسي (60 عاما) “لا بدّ من حلّ، ويفضّل أن يكون بطريقة سلمية، وأن يحصل نزع السلاح بالتفاهم”، مضيفا “أصبحت هناك دولة وحكومة ورئيس يريدون أن يتولوا القيادة، أما الحزب فكان له دور وانتهى، وبات بإمكانه أن يمارس أعماله السياسية”.
في المقابل، قال علي خليل (20 عاما) “السلاح لن يسحب، مستحيل”، مضيفا “ليذهبوا أولا ويرتبوا الحكومة والدولة ثم يفكّروا في السلاح. السلاح لن يسحب، اذا أقروا اليوم سحب السلاح، ستحصل مواجهة”.
وكان حزب الله صاحب النفوذ الأوسع على الساحة السياسية اللبنانية قبل الحرب الأخيرة، وقادرا على فرض القرارات الحكومية الكبرى أو تعطيل العمل الحكومي. ويتهمه خصومه باستخدام سلاحه في الداخل لفرض إرادته وترهيب خصومه.
إلا أن الحزب المدعوم من طهران خرج منهكا من المواجهة التي خاضها العام الماضي مع إسرائيل، وقُتل خلالها عدد كبير من قادته، ودُمّر جزء كبير من ترسانته. وانعكس ذلك أيضا تراجعا لنفوذه في لبنان.