إرتهان العراق لإيران

إرتهان العراق لإيران
عـــادل البيــاتي
الزيارة التي قام بها نوري المالكي مؤخراً إلى طهران، والتصريحات التي أطلقها نائب الرئيس الإيراني وحيدي خلالها بشأن إنشاء إتحاد بين العراق وإيران، وأنه سيشكل قوة ضاربة في الشرق الأوسط ، أثارت موجة غضب كبيرة بين أبناء الشعب العراقي، الذين عبروا عن رفضهم لسياسات المالكي المدعوم من إيران. وعلق نائب عن القائمة العراقية إن التصريحات بشأن اتحاد العراق وإيران هي تصريحات غير موفقة وتجعل العراق ساحة للصراعات وتصفية الحسابات .
المالكي ترك وراءه أزمة سياسية متفاقمة في بغداد، وقصد إيران في توقيت متزامن مع الاشتباك الكلامي بينه وبين رئيس الوزراء التركي، وبينه وبين كل من البارزاني وأياد علاوي. ويبدو أن المالكي أراد زيارة طهران ردا على زيارة خصمه الجديد رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني لأنقرة.. صحيح أن المالكي كرّر خلال زيارته لطهران سعيه إلى تطوير التعاون الثنائي إلا أن مضيّفيه كانوا أكثر دقة في التعبير عن تطلعاتهم إذ شددوا ولو بصيغ مختلفة على نمط تحالف . نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي قال صراحة إذا توحّد العراق وإيران فإنهما سيشكلان قوة كبرى في العالم . أما الرئيس محمود أحمدي نجاد أشار إلى أن كل الظروف تحتم على الجارين الوقوف معا. ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني توقع أن يقوم البلدان بدور فاعل في أزمات المنطقة. وأما مرشد الجمهورية على خامنئي فلمّح إلى ضرورة استغلال رئاسة العراق للدورة الحالية للقمة العربية. ليس جديداً أن إيران تسعى إلى تجديد حلف بغداد الذي تشكل بتوجيه بريطاني عام 1956 من العراق وإيران وباكستان وتركيا، للوقوف بوجه المد الشيوعي آنذاك، أما اليوم فإن الحلف الجديد سيمتد من طهران عبر بغداد إلى دمشق، فجنوب لبنان، ليشكل الخنجر الصفوي وليس الهلال الشيعي، ولا ريب أن الدعوة الايرانية المشبوهة لإتحاد العراق مع إيران، تأتي بمثابة رد فعل على الدعوة لإنشاء إتحاد بين المملكة العربية السعودية والبحرين.
للمرة الثالية يزور المالكي طهران، ليكسب رضاها، وليحصل منها على الدعم لولاية ثالثة، ولتأييد موقفه ضد الأكراد وضد القائمة العراقية، لأنه يعلم جيدأ أن مفاتيح العراق باتت اليوم بيد إيران وليس غيرها. وقد أثار عدم وضع العلم العراقي خلف المالكي، وللمرة الثالنية استهجاناً عراقياً واسعاً، وهو تصرف لا يمكن تبريره بسهو من مسؤول المراسيم الإيراني. وإلاّ فكيف لدولة مثل بلاد فارس صاحبة التقاليد البرتوكولية والتراث الدبلوماسي، ان ينسى موظفو المراسم فيها وضع علم لدولة رئيس وزرائها يدخل الى البلاط الرئاسي في زيارة رسمية. إنها رسالة إيرانية واضحة لواشنطن ان بغداد باتت تحت السيطرة .
مصادر إعلامية مقربة كشفت أن النائب السابق بالبرلمان العراقي، والقيادي في الحرس الثوري الإيراني جمال جعفر الملقب بـ أبي مهدي المهندس نقل من الجانب الإيراني رسالة إلى ما يسمى التحالف الوطني وأبلغهم فحواها بأن إيران تفضل بقاء المالكي في منصبه ولا ترغب حاليا بأي تغيير في هرم السلطة بالعراق . كما كشفت مصادر برلمانية عراقية النقاب عن إن زيارة المالكي لإيران جاءت لترتيب أوراقه لولاية ثالثة في العراق وذلك بعد حصوله على مباركة أسياده الإيرانيين الداعمين له منذ سنوات. وأكدت المصادر في تصريح لصحيفة المستقبل العراقية إن قياديين من حزب الدعوة أكدوا بأن المالكي ذهب لإيران من اجل أن يستحصل المباركة الإيرانية لتحقيق طموحه بولاية ثالثة، وان تلك المباركة هي الأقوى والتي ستعطيه الدعم الكبير والأكيد لبقائه . في حين أن معلومات سربت من مصادر مقربة من السفارة الأمريكية ببغداد، مفادها إن المالكي سيحصل على ولاية ثالثة تدعمها أمريكا فيما لو استطاع أن يُقنع إيران بالانصياع للشروط والمطالب الدولية بما يخص ملفهم النووي.
لو كان المالكي رئيس وزراء فعلا لدولة إسمها العراق لطالب المسؤولين الإيرانيين بوقف التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، ووقف استنزافها وسرقتها للنفط العراقي، فقد كشف المركز العالمي للدراسات التنموية الذي يتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا له، في تقريره السنوي الذي نشر مؤخرا النقاب عن إن إيران ما زالت تستنزف معظم الحقول النفطية العراقية المجاورة لها وبشكل كبير، وإن مجموع ما تستنزفه إيران من أربعة حقول نفطية عراقية هي دهلران، ونفط شهر، وبيدر غرب، وأبان يصل الى نحو 130 ألف برميل يومياً، في الوقت الذي وصل فيه حجم التجاوزات الإيرانية على حقول الطيب والفكة وأجزاء من حقل مجنون إلى نحو ربع مليون برميل يومياً. وخلص المركز المذكور إلى أن قيمة حجم التجاوزات الإيرانية على النفط العراقي تقدّر بـ 17 مليار دولار سنوياً، وهو ما يعادل نسبة 14 من إيرادات العراق التي المفروض أن تسخر لخدمة المواطن العراقي.. ولفت المركز الانتباه الى إن النظام الإيراني يسرق هذه الكمية من النفط العراقي بالرغم من الاتفاق الذي وقعه البلدان في وقت سابق وينص على تشكيل لجان مشتركة لاستثمار أمثل لهذه الحقول، ما يعد هذا الاستنزاف غير المشروع اعتداء صارخا على حقوق العراق النفطية.
نوري المالكي سعى لكسب ودّ أسياده في طهران، وتقديم فروض الطاعة من أجل نيل موافقتهم على ولاية ثالثة له، وهو نذر نفسه لخدمة المصالح الإيرانية فبات حليفاً لنظام بشار الأسد الدموي وحوَّل العراق إلى ساحة لمرور الإمدادات الإيرانية لنظام القتلة في دمشق، كما أنه يقف مسانداً للأعمال الإرهابية التي تقوم بها زمر خارجة عن القانون في مملكة البحرين بدعم وتوجيه إيراني واضح. وصدق من قال إن أمريكا قدمت العراق هدية إلى إيران وسط صمت عربي مطبق.
/4/2012 Issue 4187 – Date 30 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4187 التاريخ 30»4»2012
AZP07