أيهما أكثر قربا للواقع، الرواية أم العرض المسرحي

أيهما أكثر قربا للواقع، الرواية أم العرض المسرحي
الجنون والعسل بين سامي عبد الحميد وخضير ميري
قاسم ماضي
رؤية الفنان والرائد المسرحي سامي عبد الحميد في المسرحية التي قدمها على خشبة منتدى المسرح التابع إلى دائرة السينما والمسرح احتفالية أيام الجنون والعسل المأخوذة من رواية الكاتب خضير ميري، والصادرة عن مكتبة مدبولي في القاهرة، ومفادها كما موجود في الرواية التي حصلت ُُ عليها عندما كنت طالباً للدراسات العليا في القاهرة، من قبل المؤلف الذي أهداني أياها، هي سيرة ذاتية قصيرة كتبها الكاتب الذي أتجه الى المصحة العقلية بإرادته من جراء أزلام النظام السابق، في محاولة منه للهروب من المشنقة التي اصبحت أداة لكل من يخالف السلطة الجائرة التي أمسكت قبضة العدالة المتهرئة بيدها، حيث جسد الكاتب احداث حرب الخليج عام 1991 وما حصل بمستشفى الرشاد للامراض النفسية والعقلية خلال فترة الحرب والتي انعكست سلبياً على حياة المرضى، وهكذا ميري يتوازى الولوج في افكاره مع مشكلة البحث عن منقذ للنجاة والضياع والفوضى التي أحسسناها بجانب المشاكل التي حاصرتنا من جراء القيود والموت والحروب التي حاصرنا بها النظام، ونحن تقريباً في فترة عمرية واحدة، وكذلك مرحلة الحصار والتقشف والاكتفاء الذاتي التي تناولها الكاتب في روايته مما جعل للرواية مذاق المرحلة الصعبة، كل هذا جعل الفنان القدير سامي عبد الحميد متأثراً بواقع أحداث الرواية والاشتغال عليها بروح الشباب، ولأنه عايش جيلنا الذي ذاق الأمرين من قبل أجهزة السلطة،الإ أن هذا العمل الذي خرج إلينا بحلته التي رأيناها على خشبة المسرح هو أختلاف في الطرح وهنا أتحدث عن النص المعد عن الرواية، فالروائي أراد شيئاً والمعد اراد شيئاً آخر، وكل واحد منهم اراد إمتلاك زمام الأمور كلها بطرحه وهو يستنبط مايراه صحيحاً من خلال قراءته لموضوعة الاحداث وقيادتها حسب مشيئته، ولإختلاف المرحلة العمرية بين مؤلف الرواية ومعدها نسج الفنان المبدع سامي عبد الحميد حكايته بما يريد تبعاً لمعايشته الواقع العراقي الذي أضحى واقعاً صعباً، باعتباره أكاديمياً وهو لم ينسلخ من جلد السلطة كما أنسلخ مؤلف الرواية بمحاولته الهروب خارج العراق هو ومجموعة من أصدقائه، وهكذا يحيلنا المخرج الفنان سامي عبد الحميد الى مصحته التي إختارها بنفسه وتصويرها وفق قراءته التي اراد لها أن تكون، بوصفه مواطناً عراقياً عاش الاوضاع وعاش الخسارات الكثيرة نتيجة الواقع الدامي واقع الخوف، الاعتقال، والكلاب المسعورة المهيمنة على السلطة.
يقول الفنان سامي عبد الحميد أنني لم أخذ من الرواية الا الخط الرئيسي للاحداث، وعدد قليل من المشاهد وأن المفاصل الفرعية والبناء الدرامي للمسرحية كانت من ابتكاراتي وله الحق في ذلك لأنه قام بعملية تطويع الرواية الى النص المسرحي، مضيفاً مشاهد فكاهية واغنيات واهازيج من التراث العراقي كي تسهم في تنشيط النص المسرحي وتقترب من الواقع المراد طرحه، وتأتي عملية الإعداد والإخراج من حسابات فنية، جمالية دقيقة، تصبح الأحداث فيها مكثفة يمكن ملاحظتها من خلال المشاهد التي رأيناها على خشبة مسرح المنتدى، بالرغم من الهفوات التي يمكن معالجتها لو أتيح الوقت الكافي لكادر العمل حسب اعتقادي، كون هناك مشاهد بحاجة الى ترميم منها وجود هذا الكم من النساء في اعالي الطابق الثاني من البناية ولم تفعّل إشتغالاتهن على نحو أكثر عمقاً كان الإجدر بالفنان سامي عبد الحميد أن يحركهن في داخل المشاهد ويجعل منهن ادوات اكثر تعبيرية وتفعيلية،بالرغم منهن مبتداءات في التمثيل كما يقول مخرج العمل،أو يستغني عنهما، ثم إختياره الى مكان المنتدى الذي قدم فيه العرض المسرحي هو ايجاد البيئة المكانية التي أراد لها المخرج إعتماده على فضاء الشكل من خلال المشاهد منها السجن المصحة البيت مقلصاً دور الحوار بإعتبار أن طابع الرواية سردياً وكذلك معتمداً على الأداء الجسدي عند المجموعة بالاضافة الى الديكور والازياء والموسيقى، وكما هو معروف الفنان سامي عبد الحميد في مختبره الإبداعي هو الخروج من الإطار التقليدي الذي يعتمد على الحكاية أو الأداء إلى فضاء العرض معتمداً على قوة التأثير بين معظم المشاهد، حيث بين حين وحين يتعالى صوت المجموعة التي كانت تحرك فينا حركة ربط المشاهد، كما لاننسى دور الفنان سلام داغر والفنان وسام فاخر والفنانة سوسن شكري، ويمكن القول أن أيام الجنون والعسل هي قراءة عميقة لمقاطع زمنية من الحياة العراقية الضاجة بالأحداث الإشكالية، والقارئ للرواية يمكنه تلمس التباينات في طريقة معالجة الأحداث الدرامية، وتلك مسألة متعلقة بأدوات التعبير، فالرواية تبقة فناً أدبياً سردياً، فيما المسرح يظل بالدرجة الأساس دراما وهنا تبرز الضرورة إلى وجود ما يسمى بـ الدراما تورج عند الشروع بعملية تقديم القصة أو الراوية على خشبة المسرح.

/8/2012 Issue 4277 – Date 14 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4277 التاريخ 14»8»2012
AZP09