أمّ البوعزيزي … وعربته
عبدالرزاق الربيعي
حين زرنا تونس ضمن فعاليات الأيام الثقافية العمانية سمعت أحد التونسيين يتحدث عن عربة محمد البوعزيزي الشاب التونسي الذي أحرق نفسه في 17 ديسمبر 2010 أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بو زيد لعربة كان يبيع عليها الخضار، ليشعل بذلك الثورة التونسية التي اطاحت بحكم الرئيس السابق زين العبدين بن علي وليفتح صفحة في تاريخ المنطقة حملت عنوان الربيع العربي ، هذه العربة التي رفض أهله بيعها لرجلي أعمال خليجيين لقاء مبلغ مغر بلغ أحداهما 20 ألف دولار أمريكي، صارت معلما سياحيا من معالم مدينته سيدي بوزيد كما قال ذلك الشاب التونسي، ومزارا يؤمه السياح ليلتقطوا بالقرب منه الصور التذكارية،وقال أيضا ان هذه العربة وضعت في المكان نفسه الذي أحرق به العزيزي نفسه وهي محاطة بحرس وحماية كونها أصبحت من رموز الثورة التونسية
واذا كانت العربة التي كان يستخدمها محمد البوعزيزي تحاط بكل هذا الجلال والدلال فماذا عن حال أسرته؟
وبخاصة انه ينتمي لأسرة فقيرة،كما تؤكد سيرته، حيث اضطر لأن يعمل منذ العاشرة من عمره، وبعدها ترك المدرسة، لأنه كان يعيل عائلته ويقبض حوالي 140 دولار شهرياً أغلبها من بيع الخضار والفاكهة في شوارع سيدي بوزيد وكانت جل أحلامه شراء عربة تساعده في عمله كما أكدت أخته سامية
غير أن اسمه قفز فجأة ليتصدر الأخبار وبلغت شهرته أن باريس وضعت له نصبا تذكاريا تخليدا لموقفه في 4 فبراير 2011 ووعد عمدة العاصمة الفرنسية باريس بيرتراند ديلانو باطلاق اسم البوعزيزي على أحد ميادين باريس، لأنه برأيه يعد رمزاً لكفاح تونس من أجل الديمقراطية والعدالة والحرية
لكن هذه الشهرة لم تغير حال أسرته، فالأخبار تحمل بين ثناياها مالايسر فعائلة البوعزيزي غادرت سيدي بو زيد بعد ستة أشهر من وفاة ابنها محمد، بسبب شائعات سرت حول اثرائها بشكل غير قانوني ومن ثم طالعتنا الصحف بحبس أم البوعزيزي بتهمة التهجم على موظف أثناء تأدية عمله في محكمة سيدي بوزيد، هذه الأم هي ذاتها التي احتلت واجهات الاعلام في الأيام الأولى من اندلاع الثورة التونسية عندما أثبتت شجاعة نادرة ورباطة جأش حيث أعربت لوسائل الاعلام عن شعورها بالفخر بما قام به ابنها وبالدور الذي لعبه في تحقيق التغيير في البلاد وأثبتت شجاعة فائقة وقدرة رائعة على التسامح عندما سحبت شكوى كانت قد قدمتها ضد الشرطية فادية حمدي التي صفعت ابنها لتجنب الكراهية وللمساعدة في مصالحة سكان سيدي بوزيد
أم البوعزيزي مثلت أمام المحكمة وأودعت التوقيف الاحتياطي
والقصة تعود الى قبل شهور عندما طالبت المنوبية البوعزيزي وهذا هو اسمها في محكمة سيدي بوزيد بالتوقيع على وثائق تمكنها من الحصول على تعويضات منحتها الحكومة الى أسر ضحايا الثورة، فأهانها موظف في المحكمة ودفعها الى الخارج،كما يؤكد ولدها سالم وتلا ذلك تبادل شتائم، بعد ذلك قدمت للمحكمة بتهمة التهجم على موظف أثناء تأدية عمله فحكمت عليها محكمة سيدي بوزيد بالحبس أربعة أشهر مع تأجيل التنفيذ ودفع المصاريف القانونية وكانت المحكمة قد أمرت بابقاء والدة البوعزيزي قيد الحبس التحفظي في سجن للنساء بمدينة قفصة القريبة من سيدي بوزيد، في الوقت نفسه الذي كان به يقف السياح أمام عربة البوعزيزي مندهشين، وهم يلتقطون الصور التذكارية متسائلين أيمكن لهذه الأخشاب القديمة المتهالكة أن تغير وجه التاريخ ؟
والغريب أن ذلك الموظف الذي رفع الدعوى ضدها لم يقتد بها ويتنازل عن الدعوى كما فعلت هي عندما سحبت شكواها التي قدمتها ضد الشرطية فادية حمدي
والواضح أن روح ولدها محمد لم تشفع لها ولا الهزة التي أحدثها، في العالم العربي فالقانون عندما يطبق لا يعرف استثناءات، فهو يطال الجميع ولا أحد فوقه حتى لو كان ذلك الـ أحد أم رجل غيّر دخانه وجه تاريخ المنطقة كمحمد البوعزيزي.
/7/2012 Issue 4261 – Date 26 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4261 التاريخ 26»7»2012
AZP20