هل غير مجرى النهر ؟
إلى أخي وحبيبي المبدع ابو سيف
لا اعلم هل تسير الدنيا نحو الوراء …. اعرف حركة الكون باتجاه عقارب الساعة وان الحياة تسير نحو الإمام …. ولا اعلم سر هذا الانكفاء بل الزلزال المخيف الذي تعرضنا له العقود الثلاثة الأخيرة …. زلزال مخيف حطم كل الأشياء الجميلة ابتعدنا عن الرومانسية.. أصبح الوفاء عملة نادرة .. وضاعت مفاهيم الأبوة وأصبحنا نشاهد أبناء يدوسون على أجساد إباءهم دون رحمة ولم يرق له جفن ….. أنهم لا يتورعون في الإيذاء والدمار وهدم الروابط الحقيقية التي تربطهم بالنسيج الاجتماعي بعد ان دمرتنا وحطم مفاهيم تقاليدنا الجميلة العولمة والدولار الأخضر وأصبح سيد السوق وهو المتحكم بنظام اجتماعي مرير يرتهن له … هكذا ودعنا عالماً جميلاً كنا نعيشه ونحيا بمفاهيمه الجميلة فيه اللمسة و الحنية والصدر الرهيف الذي تسند عليه رأسك كلما ضاقت بك الأيام وسدت الأبواب … عالم اليوم الذي تحول فيه عنترة العبسي الى شحاذ في الطرقات يبيع المناديل الورقية وتحول فيه عمرو بن ربيعة الى بائع للزهور …. وصار المعري فيه تاجراً للعملة السوداء .. هكذا كنا وهكذا أصبحنا الآن …. فكل ما رأيته وعشته بين الأمس واليوم ماهو الإ خراب وخواء للنفوس التي افتقدت لكل المعاني الجميلة والاخلاق العربية الأصيلة التي تربينا عليها وصارت كالثوب الملازم لاجسادنا التي دار عليها الزمان لم يتغير الثوب يلي وأصبح يحتاج الى تبديل ولكنه بدلاً من ان يتغير نحو الافضل صار يميل الى الرمادي والاسود … لي صديق كنت أظنه مخلصاً لي وحسبته من اقرب الناس الى نفسي وكنت أتعامل معه بكل طيبة وخلق ولم احسب للمادة وللربح والخسارة في العلاقات الإنسانية إي حساب شاهدته مهموم حزين … اجابني اني في ورطة من امري فانا مدين لبعض الناس مبلغاً من المال .. !! سألته كم هذا المبلغ اجابني ورقة واحدة يعني مئة دولار قلت له : لا يهمك ستأتيك الآن بعد ربع ساعة دخلت البيت وجلبت الورقة الخضراء وقلت له هذا لك سلفة سددها من خلال تسديد الديون التي ستتراكم على حسابي وقلت له خذ هذه الأوراق الخمسة لان لدي بناء ساحتاجها في وقت لاحق واذا ما احتجتها فأنها لديك تشتغل بها وسأخبرك قبل يوم او يومين قبل بدء العمل … وصدفة شجعتني زوجتي ودفعتني مرغماً على البناء وأنا لا امتلك في جيبي سوى الفي دينار وأتفقت مع البناء ان اسدد له مبلغاً قدره 300 الف دينار وكنت على يقين ان صديقي لا يخذلني وسوف يمد لي يد العون والمساعدة وتوكلت على الله واخبرته بأن غداً سيكون عندي بناء وأنا الـ 5 ورقات او جزء منها احتاجها لتسديد المبلغ الذي طلبه مني البناء وعدني انه سيتدبر هذا الامر غداً بعون الله ….. وخرج البناء ليباشر العمل بعد ان أعطيته وعداً بتسديد المبلغ وحان الموعد المذكور ذهبت اليه فاذا به يلومني لآني لم اخبره بهذا الامر قبل عشرة ايام لتدبير هذا المبلغ الذي هو امانة عنده وصعبت عليه المهمة تدبير 300 الف دينار وعنده امانه ما يزيد على 600 الف دينار وعشت في متاهة كبيرة … حاولت ان اسطو على مبلغ كبير وضع في حسابي لشخص عزيز عندي وعندما وصلت الى امين الصندوق رفضت تسلم المبلغ حفاظاً على الامانه التي وضعتها في عنقي ولم اتجرأ ان اخطو هذه الخطوة التي تنقذني من هذه الورطة وحصلت مناوشات بيني والبناء وذهبت لأعاتب صديقي على موقفه فلم يعتذر واجابني بدم بارد …. الذنب ذنبك لماذا لم تخبرني قبل عشرة ايام وبعد جدال عنيف وصلنا الى صيغة تفاهم بين الطرفين ووضع الاتفاق الجديد ان يسقط ديوني من الخمسة اوراق ويعطيني ماتبقى لي من دين بذمته المفاجأة التي لم احسب لها أي حساب ان صديقي صار يعيرني بانه له فضل كبير عليّ لانه لولاه لما قبل البناء ان يتعامل معي وعندما جئت لاستلم باقي المبلغ اخبرني صديقي بانه سدد المبلغ المذكور المتبقي برمته للبناء فطار صوابي فذهبت للبناء وعاتبته على فعلته باستلام المبلغ دون تسليمه بيدي فاعترف بانه استلم المبلغ وبلعت طعم صديقي الذي بان وجهه الحقيقي …. فاحتقرته أيما احتقار …. واحتقرت نفسي لانني كنت مغفلاً سمحت لهفوة ليستغلني الصديق الذي كنت اعتبره بمثابة ابني .. وقطعت كل صلتي به … هذا نموذج واحد على تغير الاخلاق والمفاهيم التي افسدتها المادة … تغير الزمن … لم نتغير مع حركة الزمن … زمن العولمة والدولار … زمن الانترنت وأنسحاق الاخلاق الرفيعة التي داستها عجلة بلا رحمه .. ضاعت الامانه التي هي اولى علامات المؤمن .. اخي الحبيب ان الذي يضع يده في النار غير الذي يتفرج على تلك اليد الملذوعة والذي ُيشوىُ جلده غير الذي يتسمر في معقده الاثير يشاهد ذلك الجلد المشوي، انا الذي اكتويت بالنار الحارقة حتى ادمن جلدي على الاحتراق والموت وأبشرْ أخي .. أبشرْ أن أخاك شبع جلداً.. وحرقاً وأصبح ميتاً في دنياه .. عن ماذا احدثك أخي عن أي مآساة أعيشها فألمآسي كثيرة تعددت وصارت عنواناً في حياتي سأحدثك عن مآسي لم تسمعها في حياتك مآسي عن مجتمع نخر السوس اعماقه واستباح بريقه وحول لونه الزاهي وبريقة اللامع الى لون فاقع يشي بكل معاني الهزيمة والانكسار كان لي جاران عطفت عليهما احببت أطفالهم الجائعين الذين كانوا يتحسرون على اللقمة النظيفة وكنت اقتطع اللقمة من فمي لادسها في أفواههم الجائعة لكن غريزة الجشع والطمع ازدادت لديهم وصاروا يطمعون بالمزيد وكلما اكرمتهم يزدادون ايذاءً وعدوانية حتى امتدت عدوانيتهم وإذا هم ان يتطاولوا على بيتي ليسرقوه … صرت نهبا مستباحاً لاني قشمر بنظرهم عليهم ان يغترفوا المزيد .. ليسرقوا المزيد … صار الايذاء عنواناً لحياتهم … وسرقوا حتى الحذاء الذي البسه عندها بدأت اثور واضع حداً لهذه العدوانية والايذاء .. بعد أن سرقوا حتى ملابس زوجتي …. وأثاثي هل سمعت يا أخي جارا يسرق جاره الذي أحسن اليه وأغرقهُ وأكرمهُ غاية الكرم هل تصدق ياأخي أمرأة شابة … في ريعان شبابها تقود عصابة مكونه من أخيها وصحبةُ تسطوا على جارها وتلعب معه لعبة القط والفار … لماذا ؟ لتحقق غريزة الطمع والجشع دون أن يهتز لها رمش تذبحك بدم بارد لا لشيء…. سوى لانك جارها يطلب القاضي ايداعها السجن ويتوسل من وقعت عليه السرقة ويتوسل القاضي ان يجنب هذه المراة الفضيحة …. ويوقف اخيها ويودعه السجن … فصرخت من كل فمي كفى … كفى هل غير النهر مجراه … ان الأنهار الاصلية باقية وأزلية …. الأنهار الحقيقية الأصيلة حتى وان غيرت مجاريها.. تبقى شامخة وأزلية لاتموت او تتغير .. سأحدثك عن مآساة اخرى .. عشتها واكتويت بنارها كان لدي صديق قبل موته اوصاني على ابنه في المحل وكنت خير من مد اليه يد العون والمساعده وما طلب مني شيئاً رددته .. طلب مني ذات يوم ان اساعده في تعيين احد أقاربه … أقارب زوجته عاملاً في بلدية . كان أخرساً لا يقرأ ويكتب وجاهدت كثيراً فنجحت في مساعدته اشتريت ذات مرة منه ماكنه خياطة ماركة صينية وقبل مرور شهر على استلامها اكتشفت ان هناك نوعاً افضل لاحد الانواع ففضلت ارجاعها لاستبدلها بهذا النوع المطلوب … جلبت الماكنة التي لم تخيط بها زوجتي خيطاً واحداً وبعد مرور يوم واحد التقيت به وكانت المفاجاة المزرية ان ابن صديقي صار يساومني على مبلغ الماكنة بديلاً عنها وتحول رقم الشراء الى رقم هزيل لا يساوي نصف قيمتها في الشراء قلت له اتق الله يارجل … لم أكن اعلم غريزة الجشع والطمع استعبدتك لدرجة تسمح لنفسك ان تخون صداقة ابيك لهذا الرجل ووضعني في حرج شديد اما ان ازجه في أتون السجن لاكون سبباً في ايذاء اخوته الايتام الذين اوصاني ابيه عليهم لانه استغفلني أو استبدل الماكنه الجديدة بأخرى مستعمله وبين ارضى مرغماً بالخسارة ورضيت بهذا الخيار الصعب لان الخسارة المادية تهون.. وظللت اتلقى الصدمات الواحدة تلو الاخرى وكلها تؤشر خللاً كبيراً في سلوكي.. لقد شاهدت العجب من انواع الخلل في السلوك .. وكنت اصدم في كل مرة عندما ارى انماطاً جميلة في حياتنا تكسرت واختفت .. وحطمت كل اواصر المحبة التي كانت تربط بين نسيج المجتمع .. ذهلت عندما رايت الأبن يتمرد على مبادئ ايوته ويخون دمه واصله.. والأخ يطعن أخيه في الظهر بخنجر مسموم .. وفقدنا اسمى شيء لدينا في حياتنا واصلنا حياتنا التي تحولت الى معارك وحروب هامشية مع ان الحياة قصيرة ولاتحتمل مثل ذلك الاحتراب .. واضعنا مبادى اباءنا واجدادنا وفقدنا بوصلة الحياة التي تنضم حياتنا بوتيرة واحدة ضمن اطار اجتماعي فيه التراحم والتلاحم بلا استغلال دون تحقيق ارباح ومكاسب ضمن اطار عالم الربح والعولمة .. أي عصر مزيف نعيشه.. وجدت الزوجة التي تتحين الفرصة للإجهاز على زوجها وخنق فرصه الوحيدة في الحياة صراع مرير في الحياة من اجل البقاء .. وجدت الغدر يملا كل زاوية في المكان .. الغدر الموشوم بالخسة والنذالة من الابن والأخ والصديق ولم يعد لي أي كائن .. التجا اليه … تحولت حياتي الى غربة حقيقية مدمرة دمرت احلى واجمل سنوات عمري وبدلاً ان اترع من حليب ابوتي صرت اتجرع كؤوس الحنظل و رأيت القمر في رابعة النهار فصرخت من كل فمي كفى.. كفى هل غير النهر مجراه ان الانهار الاصلية باقية وازلية حتى وان غيرت مجاريها تبقى شامخة لاتموت ابداً .
حسين المسعودي – بغداد
/5/2012 Issue 4207 – Date 23 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4207 التاريخ 23»5»2012
AZPPPL