هجرة منتظمة من سيناء إلى إسرائيل

هجرة منتظمة من سيناء إلى إسرائيل
د. أكرم عبد الرزاق المشهداني
هنا متابعة لحلقة جديدة لموضوع الاتجار بالبشر من خلال أمثلة عربية واقليمة. تصدر وزارة الخارجية الأمريكية سنويا في شهر حزيران من كل عام، تقريرها السنوى حول الاتجار بالبشر، في مختلف دول العالم، كما يتضمن تحذيرا للدول المتورطة بافعال الاتجار بالبشر او تراخيها في مكافحة هذه الجرائم، من عقوبات قد تفرض على تلك الدول.
وقد تضمن تقرير هذه السنة اتهامات الى عدد من الدول العربية، منها اتهامات الى ان مصر هى مصدر ومعبر ومقصد للنساء والأطفال الذين يتعرضون لظروف العمل القسرى والاتجار بالجنس. وأضاف التقرير أن رجالا ونساء من مصر ومن جنوب وجنوب شرق آسيا ومن أفريقيا يتعرضون للعمل القسرى فى مصر. كما أن العاملين فى مجال الخدمة المنزلية فى مصر يتم احتجازهم فى ظروف العمل القسرى بما فى ذلك نساء أجانب من اندونيسيا والفلبين والسودان اريتريا واثيوبيا وسريلانكا، غير أن الاندونسيين يمثلون النسبة الأكبر للعاملين فى الخدمة المنزلية ومن بينهم من يتم احتجازهم فى ظروف العمل القسرى.
وأوضح التقرير أن هذه الظروف تشمل عدم وجود وقت للراحة والاعتداء الجنسى والايذاء العاطفى واحتجاز الأجور والوثائق الخاصة بهؤلاء العاملين وقيود على الحركة.
وذهب تقرير الخارجية الأمريكية الى القول انه خلال الفترة التى تم اعداد فيها التقرير، كان هناك زيادة فى عدد المهاجرين الأجانب خاصة من اريتريا والسودان وبشكل أقل من اثيوبيا الذين تم تهريبهم أو اختطافهم من قبل جماعات الجريمة المنظمة، وتم أسرهم فى العديد من الحالات لفترات ممتدة فى سيناء من قبل البدو والمهربين المصريين الآخرين، حيث كانوا يحاولون تهريبهم الى اسرائيل. وعدد متزايد من هؤلاء المهاجرين يتم اجبارهم على العمل فى الجنس أو العمل القسرى خلال فترة أسرهم، وذلك بناء على شهادات موثقة لبعض الضحايا. وفى بعض الحالات كانت هناك مزاعم بتعذيب شديد. وقدر التقرير عدد المهاجرين الذين يعبرون الى الحدود الاسرائيلية من سيناء بألفى مهاجر شهريا من الرجال والنساء والأطفال، مشيرا الى قيام قوات حرس الحدود باطلاق النار عليهم عادة، وفى بعض الأحيان تقتل هؤلاء المهاجرين أثناء عبورهم للحدود، والذين ربما يكون بعضهم من ضحايا الاتجار بالبشر. من ناحية أخرى، قال تقرير الخارجية الأمريكية ان ما يقدر بحوالي من 200 ألف الى مليون طفل من أطفال الشوارع، صبية وفتيات، يتعرضون للاتجار بالجنس والتسول القسرى. وتتورط بعض الجماعات الاجرامية غير الرسمية فى هذا الاستغلال فى بعض الأحيان. حيث يتم استغلال الأطفال المصريين للخدمة فى البيوت وللعمل فى الزراعة وبعض هؤلاء الأطفال يواجهون شروط تدل على العمل القسرى مثل القيود على الحركة وعدم دفع الأجور والتهديدات والايذاء النفسي أو الجنسي. وبالاضافة الى ذلك، يضيف التقرير، فإن أثرياء الخليج وخاصة السعودية والامارات والكويت مازالوا يسافرون الى مصر لشراء زواج مؤقت أو زواج صيفى من مصريات، من بينهن فتيات تقل أعمارهن عن 18 عاما. وهذه الترتيبات تسهلها عادة عائلات الاناث وسماسرة الزواج الذين يستفيدون من تلك الصفقات. وان والفتيات اللاتى يتم توريطهن في هذه الزيجات المؤفتة يعانين من الاستعباد الجنسى والعمل القسرى كخدم لأزواجهن.
وتحدث التقرير عن السياحة الجنسية مع الأطفال فى مصر، وقال انها تحدث بشكل خاص فى القاهرة الاسكندرية والأقصر. كما أشار الى أن مصر مقصد للنساء والفتيات اللاتى يتم اجبارهن على العمل فى الدعارة ومنهن لاجئات ومهاجرات من آسيا وصحراء أفريقيا وبشكل أقل من الشرق الأوسط. وكانت تقارير الأعوام السابقة قد أشارت الى أن مصر تمثل معبر للنساء من دول شرق اوربا الذين يتم الاتجار بهن الى اسرائيل للاستغلال التجارى الجنسى، غير أنه لا توجد أدلة كثيرة تشير الى أن هذا النوع من الاتجار موجود.
وانتقد التقرير موقف الحكومة المصرية من قضية الاتجار بالبشر، وقال انها لا تمتثل بشكل تام للحد الأدنى من معايير القضاء على الاتجار بالبشر، وان كان قد أشار الى أنها تبذل جهودا حثيثة لفعل ذلك. وأوضح التقرير أن حالة الاضطراب السياسى المستمرة منذ فترة طويلة لم تمكن الحكومة من تتوفير بيانات تطبيق القانون والملاحقة القضائية فى جهودها الرامية الى مكافخة الاتجار بالبشر فى الفترة التى تم فيها اعداد التقرير.
وبرغم ذلك، يقر التقرير بأن مصر فتحت مراكز ايواء وقدمت خدمات للضحايا وقدمت مساعدات للمنظمة الدولية للهجرة لفتح مراكز ايواء لضحايا الاتجار بالبشر فى القاهرة. ولا تزال مصر تطور استراتيجيات لتنفيذ خطة عمل شاملة لمعالجة كل جوانب الاتجار بالبشر، وانتهت الحكومة من وضع آلية تسهل تحديد هوية الضحايا وتوفير العلاج المناسب لهم بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة. الا أن الحكومة لم تحدد بشكل استباقى ضحايا الاتجار بالبشر بين الفئات الضعيفة، ولا تزال قدرتها على فعل ذلك محدودة، كما أن الحكومة لم تبلغ عن أى جهود مهمة فى معالجة اجبار الأطفال على العمل فى الخدمة. واتهم تقرير الخارجية الأمريكية مصر بالفشل فى التحقيق وملاحقة مسؤولى الحكومة الذين تورطوا فى أعمال اتجار بالبشر، لاسيما اجبار العمال على الخدمة المنزلية فى سكنهم الخاص.
وأوصى التقرير مصر بتطبيق القانون المصري لمكافحة الاتجار بالبشر الصادر عام 2010، وقانون الاتجار بالأطفال لعام 2008 بزيادة التحقيقات والملاحقات القضائية لكل أشكال الاتجار، سواء فى الاستعباد فى العمل المنزلى أو أية أشكال أخرى من العمل القسرى، وكذلك الدعارة القسرية، كما طالب التقرير الحكومة بالتوقف عن اطلاق النار على المهاجرين الأجانب على حدود سيناء، وبذل الجهود لتعريف الضحايا ومساعدتهم.
27 مليون ضحية للعبودية في العالم اليوم وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية، قد قالت بمناسبة الاعلان عن صدور هذا التقرير، ان هناك ما يقدر بحوالى 27 مليون شخص حول العالم هم ضحايا للعبودية الحديثة. وأضافت كلينتون قائلة ان انتهاء حقبة العبودية فى الولايات المتحدة ودول أخرى لم يعن للأسف القضاء على العبودية فى كل مكان .
واوضح التقرير ان الحكومة الأمريكية أدرجت كلاً من سوريا والسعودية والجزائر وليبيا على قائمة الدول ذات أسوأ المعدلات فيما يتعلق بالامتثال للمعايير الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر. وذكر التقرير أن الحكومة السورية لا تمتثل بالشكل الكامل مع الحد الأدنى لمعايير القضاء على الاتجار بالبشر ولا تبذل جهوداً كافية لفعل ذلك. أدرج التقرير كلا من ليبيا والسودان والكويت ضمن قائمة أسوأ الدول فى مجال الاتجار بالبشر. وأدعى التقرير أن عمالا أميين وغير مؤهلين من بلدان مثل الهند يتعرضون للعمل القسري، والى حد أقل يتعرضون الى البغاء القسري في منطقة الخليج وادعى التقرير أن بعضا من هؤلاء يواجه ظروفا تنم عن عبودية قسرية، مثل عدم اعطائهم رواتبهم، والعمل لساعات طويلة دون راحة وحرمانهم من الأكل والاساءة لهم جسديا والتحرش بهم جنسيا وتقييد تحركاتهم بحجز جواز السفر وحبسهم في مكان العمل.
وذكر التقرير ‘أنه على الرغم من توقيع عديد من المهاجرين عقوداً توضح لهم حقوقهم، الا أن بعض ظروف الأعمال تكون مخالفة للموصوفة في العقود. كما أن بعض العمال لا يوقعون عقودا أبدا مما يجعلهم عرضة للأعمال القسرية .
تزايد حالات الاتجار
بالبشر في العراق
مجموعة من السياسيين والقانونيين والاكاديمييين طالبوا بادخال اصلاحات تشريعية لوضع حد لعمليات الاتجار بالبشر التي تكاثرت في العراق واقليم كردستان، معبرين عن قلقهم من عدم جدية الدولة في الحد من الظاهرة، لافتين الى أن مجرد اصدار قانون من قبل مجلس النواب بشان حظر الظاهرة غير كاف.
كما كشف مصدر أمني مسؤول عن ملاحقة خمس شركات تعمل على الاتجار بالنساء من خلال اغرائهن وابتزازهن، مبيناً أن تلك الشركات تنقل المغرربهنّ الى دول الجوار وأخرى خليجية.
وقال المصدر في حديث لـ شفق نيوز ، ان القوات الامنية تلاحق خمس شركات متخصصة بالاتجار بالنساء في العاصمة بغداد ، موضحاً أن تلك الشركات تعلن عن توفير فرص عمل لديها ومن يتمّ تعيينها تستخدم بحقها اساليب الترغيب والترهيب عبر الاموال أو الابتزاز . وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع أن من احدى اساليب الابتزاز ابرام عقود او اخذ وصولات امانة فيها شروط تعجيزية بعدم التراجع عن العمل مع اللواتي يقبلن بالعمل مع تلك الشركات ، مشيراً الى أن المغرربهن والمبتزات يتمّ نقلهنّ الى عمان والامارات لغرض ممارسة الدعارة .
وكان مجلس النواب العراقي قد شرّع قانوناً لمكافحة الاتجار بالبشر تصل احدى عقوباته الى حد الاعدام، بالاضافة الى استحداث لجنة في وزارة الداخلية تسمى اللجنة المركزية لمكافحة الاتجار بالبشر .
حالات الاتجار بالبشر واستغلال العمالة ازدادت في العراق بعد الاحتلال الامريكي، حيث دخلت اعداد بالآلاف من عمال استقدموا لاغراض مشاريع قواعد ومنشئات قوات التحالف بما فيها منشأة السفارة الامريكية بالمنطقة الخضراء، تم استقدامهم من النيبال والهند وبنغلاديش وغيرها، وهؤلاء لم يغادروا العراق بعد انتهاء تلك المشاريع، بل قاموا بالانتشار في محافظات العراق يمارسون المهن المتدنية وباجور زهيدة واستغلال بشع. ولاتوجد احصائيات حكومية موثقة باعداد هؤلاء لان اغلبيتهم العظمى دخلوا عن طريق مشاريع قوات الاحتلال الامريكي وليس عن طريق الحكومة العراقية
تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية
وقد ذكر مراقبون دوليون مختصون بأن الأزمة الاقتصادية العالمية أسهمت في زيادة أعداد ضحايا عمليات الاتجار بالبشر، والتي أصبحت حسب تأكيدهم تجارة رائجة تقوم بها عصابات دولية وتعتمد على مهربين محترفين. وعادة ما يكون الضحايا من أبناء الدول الفقيرة، من خلال اجبارهم على ممارسة البغاء أو العمل لساعات طويلة بأجور زهيدة أو من دون أجورعلى الاطلاق، ومشكلة الاتجار بالبشر ما زالت اليوم واسعة الانتشار أكثر من أي وقت مضى، حتى بات يطلق على القرن الجديد بأنه قرن العبودية بسبب توسع تجارة البشر وتوسع مداخيلها على حساب كرامة الانسان.
/9/2012 Issue 4295 – Date 4 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4295 التاريخ 4»9»2012
AZP07