قالوا عني لقيطة

قصة قصيرة      (2)

 

قالوا عني لقيطة

 

 

 في ردهة الانتظار  وخالي يذهب بين فترة واخرى للاطمئنان عليه.. وعند الساعة السابعة صباحا شاهدنا الاطباء والممرضات يهرولون صوب العناية المركزة وقد لحقنا بهم ولكن منعونا من الدخول.. الا ان خالي استطاع الدخول ليطلع على الامر.. وبعد عشر دقائق خرج علينا وهو يبكي وعرفنا ان والدي قد انتقل الى الرفيق الاعلى.. واغمى على والدتي وسارعنا مع الممرضات على حملها للطوارئ.. وانا ابكي والدي بحرقة والم.. وبعد اكثر من ساعة خرجنا من المستشفى  بعد ان تلقت امي العلاج.. وتم تزويدها بحقن مهدئة لنعطيها لها بالوريد عند الحاجة.. ونقلنا خالي الى بيت جدي.. ووجدنا الجميع بانتظارنا لمعرفة ما جرى معنا.. وما ان عرفوا الموقف حتى تعالى البكاء والصراخ.. واجرى خالي اتصالاته ليقوم باجراءات الدفن وبقينا في بيت جدي حتى انتهاء اربعين والدي.. وبعدها رجعنا الى بيتنا.. وكانت جدتي ترافقنا وبقى خالي عندنا فترة من الزمن.. اما المحل فلقد كلفت امي احد العمال ممن كان والدي يثق به بادارة المحل وكان والدي يناديه بالشيخ وكان يراجعنا كل يوم للحساب ويطلع امي على سير العمل وعلى  سحوباتهم من بضائع من المخزن.. وشرعت امي بانجاز معاملات القسام الشرعي وغيرها من  المعاملات حتى تتمكن من ادارة امورنا.. وكان والدي يمتلك عمارة ذات خمس طوابق ومحلات كلها مؤجرة.. كما وجدنا سند ملكية شقة باسمي كان قد اشتراها قبل سنتين في منطقة السيدية.. وكان رحمه الله قد وعدني بها عند التخرج من الجامعة.. وعلمت من امي ان كل الاملاك والاموال الت لي ولامي  وان حصة امي الثمن فقط حسب الشرع.. ومن هنا بدأت معاناتي ومشاكلي.. فلقد وقف اهل امي ضدي بثورة عارمة طالبين مني التنازل عن حصتي لامي.. في الوقت الذي  فيه ان كل الاوراق مع امي .. ولاول مرة في حياتي اجد امي  وكأن لا رأي لها في هذا الموضوع والتزمت جانب الصمت.. ولقد لاحظت في الاونة الاخيرة ان امي كثيرا ما تجتمع باخواتها واخوانها.. وكنت اعلم انهم طامعون فيها.. الا ان امي تعتقد انهم حريصون عليها وعلى اموالها.. لم اكن افكر بالامور المادية او اضع لها اعتبارا لان كل شيء كان متوفراً لي .. الا ان  اهل امي هم من ايقظوني من سباتي.. وحسبت الامور جيدا.. ولقد ساعدني بالارشاد والنصيحة صديق  والدي ابو فاضل فكنت اتصل  به ويشير علي بان افعل كذا.. وكذا.. وقد نصحني ان لا اتنازل عن فلس واحد من مستحقاتي الشرعية وقال لي بان اهل امي سيستولون على كل شيء عندما تسنح الفرصة لهم بذلك.. حتى في مساء يوم من الايام انفجرت خالتي التي كانت في زيارة امي بوجهي بعد ان رفضت التنازل عن حقي الشرعي وقالت لي: ماذا تحسبي نفسك وما انت الا لقيطة.. وردت عليها امي ببرود اعصاب: لا سعاد لا تقولي ذلك.. وساعتها وكانني واقفة على بساط قد سحب  من تحت قدمي واقع في هاوية لا اعرف لها نهاية.. لقد اصابني الذهول لما سمعت وماتت الكلمات بين شفتي ولم اقل لها غير: اشكرك.. بارك الله بك.. وتركت الغرفة واتجهت الى غرفتي وانا لا اكاد  اصدق ما سمعته.. ورحت اسال نفسي: هل حقا انا لقيطة؟ ان كنت كذلك فاين هم اهلي .. ومن يكون ابي ومن تكون امي.. ولماذا امي لم تحاول ان تنفي ذلك.. من المضحك ان امي تعتقد انني اعز النقود اكثر منها.. والواقع ان كنوز الدنيا لا تساوي ذرة منها..  ولكن امتناعي عن مجاراتها ومجاراة اهلها حتى لا تضيع تلك الاموال مني ومنها.. وان كنت اعلم ان حصتها بعد حين ستكون  هباءا منثورا.. لقد اصاب علاقتنا انا وامي  الفتور ورغم اننا نعيش تحت سقف واحد الا اننا لا نرى  بعضنا البعض الا للحظات اصادفها وانا ذاهبة الى الحمام او المطبخ.. ونسيت ان اعلمكم ان امي قد استلمت ادارة السوبرماركت.. للفترة الصباحية حتى الساعة الرابعة عصرا.. ثم يستلم غيرها ادارة المحل حتى المساء..

 

واخيرا اتصلت بالعم ابو فاضل بالكويت واطلعته على ما جرى معي.. فما كان منه الا ان  قال لي: باني غدا ساكون عندكم.. وكنت قد قلت له : ان حضورك اصبح ضرورة لرفع الحواجز بيني وبين امي ووضع النقاط على الحروف.. وكنت مسرورة لقرار العم ابو فاضل  بالحضور فانه يعرف كيف يتفاهم مع امي واهلها.. وباعتباره  صديق والدي من الطفولة فانه يعرف كل شيء عنا.. اضافة الى انه اصبح صديقا للعائلة اجمعها.. وفي اليوم التالي  وعند المساء.. اتصل احدهم بامي ولم اعرف شيئا عن المتصل سوى اني فهمت منها انها ذاهبة للقاءهم بعد ان طلبوا منها ذلك..  وما ان خرجت امي حتى رن الهاتف من جديد وعندما رفعت السماعة عرفت انه العم ابو فاضل وبعد تبادل التحية اعلمني بانه عند بيت جدي وطلب والدتي للحضور هناك.. للتفاهم معها حول كل شيء وكنت قد اطلعته سابقا على كل القضايا دون ان اترك شاردة او واردة حتى بما منها كوني  لقيطة.. وكنت اتمنى  ان افقد كل هذه الاموال على ان لا اسمع هذه الكلمة التي غيرت كل حياتي وحطمت قلبي وكل مشاعري فلابد فعلا  انا لقيطة والا لما تجرأت خالتي لتقول ذلك.. وكانت امي تقول لي  انها استأصلت رحمها بعد ولادتي فلذلك انا الوحيدة لها.. وعادت والدتي برفقة خالي.. وهم يحملون معهم عشاءا كانوا قد اشتروه بطريقهم ودخل عليّ خالي غرفتي ليطلب مني ان اذهب معه واعتذر  من امي وتناول العشاء معهم.. وعرفت ذلك لم يكن الا  بمداخلة العم ابو فاضل.. وفعلا  ذهبت معه ووجدتها اكثر هدوء وانبساطا وعانقتني طويلا واجهشت بالبكاء وانا اقول لها: كفاك امي دموعا.. فانا ليس لي في الدنيا غيرك.. ان كنت… فاغلقت  فمي  دون ان تجعلني اكمل كلمتي وقالت : انت ابنتي.. وخالي يقف امامنا وهو يقول: كفى حبا فانا جائع.. وتناولنا العشاء ولكن احسب ان هناك بيني وبين امي شيئا قد انكسر ولا يمكن اصلاحه..  ولم تحدثني امي او خالي بشيء.. سوى  انها قالت ان عمك ابو فاضل سيكون عندنا غدا على العشاء..

 

فقلت: اهلا وسهلا.. وفي اليوم التالي وموعدنا  مع العم ابو فاضل  ابلغت امي احد العمال بجلب العشاء من المطعم عند الساعة التاسعة في الوقت الذي كان فيه العم ابو فاضل  عندنا عند السادسة وكان اللقاء بيني وبينه حارا وقد قبلني من جبيني وهو يقول لي: تعالي يا ابنة اخي الغالية..  واجلسني الى جواره وهو يقول: ما شاء الله منورة واجبته: بوجودك عمو.. ثم اخذني من يدي وخرج بي الى الحديقة.. وقال لامي: انا وسالي سنكون في اجتماع مغلق فلا اريد ان يقاطعنا احد.. قالت امي: على راحتك.. وكانت امي قد دعت اخوانها واخواتها على العشاء احتفاءا بوجود العم ابو فاضل.. وحدثني العم ابو فاضل بكل شيء بصراحة متناهية وقص علي حكايتي وقال لي: لم يكن بامكان والدك من الانجاب اثر تعرضه لحادث في العمود الفقري.. وشاءت الاقدار ان يموت صديق لنا هو وزوجته بحادث سيارة واستطاع الاطباء من انقاذ الطفلة التي كانت الزوجة  حاملا بها.. ولما لم يكن لهذه العائلة احد قد اخذنا هذه الطفلة وكان والدك رحمه الله هو اول من حملك وهو الذي اسماك سالي وسجلك باسمه.. وقال ان الله قد اكرمه بك.. ومن يومها انت ابنتهم المتبناة وليس لقيطة كما ادعت خالتك.. والمثل يا ابنتي يقول الام  التي تربي وليس التي تلد..  فانت ابنتهم لانهم من كرسوا كل حياتهم من اجل رعايتك وتربيتك وانت محقة فيما ذهبت اليه بخصوص الميراث.. والجميع طامع بامك وهي طيبة القلب ولا تعرف ما يضرها وما ينفعها فلذلك قد استطعت ان افهمها حقيقة الامور واضع كل شيء في نصابه.. ومن اجل سلامة نيتك اتجاهها اتفقت معهم على ان يكون الميراث بينك وبين امك مناصفة طبعا هذا بعد موافقتك حتى لا تعطين المجال لاحد ان يكون بينكما.. فما رايك؟ كنت  استمع اليه وانا  شاردة الذهن بعد ان نقل لي حقيقة كوني غير ابنتهم.. وعاد  ليسألني عن رايي مجددا.. فقلت له: لا مانع لدي من كل ذلك .. وقال : وبما انتهينا من انا هذا الامر .. فعندي مفاجأة اخرى لك.. ولما سالته: ما هي ؟ قال : لا هذا الامر يحتاج الى قبلة.. فقلت: وهذه القبلة وقبلته من خده قال لي: ما رايك بان اخطبك لشاب يهيم بك حبا.. قفقلت: ومن هذا الذي يهيم بي حبا.. فقال: لا هذه مفاجأة اخرى فانه سيكون معنا على العشاء وعندها اعطيني رايك.. ولما  دخلت الصالة مع العم ابو فاضل حتى وجدناها تغص بالخالات والخوال وابنائهم وبناتهم.. ولقد رحبوا بي بشكل مغاير لما كان يعاملوني به.. فضحكت في سري وقلت الظاهر ان الفلوس لها سحرها في قلوب الناس.. وما ان جلسنا حتى قال العم ابو فاضل لامي امام الجميع: اتفقت انا وسالي ان يكون الميراث بينكما مناصفة على شرط ان يكون هناك فرز بالميراث وكل واحدة تاخذ نصيبها .. فوافق الجميع على ذلك.. وقد وصل العشاء ورتبت غرفة الطعام مع خالتي باشراف والدتي.. وكانت السفرة عامرة بكل اصناف الطعام والفواكه والحلويات.. وسمعنا جرس الباب  وقد خفق قلبي فان القادم هو خطيبي.. الذي  حدثني عنه ابو فاضل عنه.. وكنت اعرف من يكون.. فانا لم احدثكم عن خلجات قلبي.. فلقد كانت تربطني بفاضل علاقة حب خفية وكان ذلك خلال زيارتهم لنا قبل ثلاث سنوات.. وكان حبا طاهرا  شريفا.. وفعلا صدق حدسي فكان القادم هو فاضل.. واستقبل بحفاوة من الاهل وكان يرتدي الملابس العربية الدشداشة والعقال.. وكان اعلاميا معروفا في بلده.. اما عني فكانت الارض لا تسع فرحتي.. وبعد العشاء وجلوسنا في الحديقة لتناول الشاي.. طلبني العم ابو فاضل من خالي وامي.. وبعد مناقشات تمت الموافقة بعد ان سالوني واجبت بالموافقة .. فكان الاتفاق على شراء النيشان وعقد القران خلال  اسبوع بتواجد ابو فاضل في بغداد.. اما الزواج فسيتم بعد شهر حيث انتقال فاضل للعمل في بغداد ممثلا لبلاده  هنا.. كانت حفلة عقد القران قد جرت في فندق من الفنادق الكبيرة وكانت رائعة حلوة بكل مجرياتها.. حتى سمعت واحدا يقول.. احلى  عروسين لم نشاهد مثلهما منذ سنة.. ولقد افرحني ذلك جدا وكانت امي مسرورة جدا وفرحة وكانت تدعو لي بالموفقية والسعادة الدائمة.. وقد البسني فاضل الدبلة وطبع على وجتني قبلة اودعها كل اشواقه وقدم لي ابو فاضل اسوار من الماس.. اما والدته التي  حضرت خصيصا لهذه  المناسبة قد قدمت لي قلادة وخاتما ذهبيا.. واما امي فقد اشترت لي براق طويل جدا والبستني اياه وهي تقول: ليكن حبي طوقا يجمل كل حياتك.. وقبلتها وشكرت لها ذلك.. وقلت لها: تاكدي ماما انت حبي الكبير.. انتهت الحفلة.. وسافر العم ابو فاضل وعائلته في اليوم التالي.. على ان تعود والدته بعد اسبوع لتجهز امر زواجنا.. لحين انتقال فاضل الى بغداد.. وكنت في تلك الايام اعيش في حالة حب كبيرة احلم بتلك اللحظات التي ساكون فيها تحت ظل حبي الكبير وفتى احلامي.. الذي طالما حدثني عن تلك الايام التي سنكون فيها معا.. كالبلابل نغرد احلى الحان الحب..

 

محمد عباس اللامي – بغداد

 

مشاركة